يجلس رجل إلى جانب قاعدة #ميكروفون، تغرورق عيناه بالدموع، يحيط رأسه بكفيه ويقول: "إنه أمر محرج للغاية... هذا مقزز وأنا آسف". تقف خلفه زوجته التي تكفكف دموعها بمنديل ممزق.
قبل بضعة أيام، قام هذا الرجل، براندون إيوينغ، المعروف باسم "أتريوك" Atrioc بين متابعيه على منصة البث التدفقي "تويتش" Twitch، بمشاركة شاشته خلال بث مصور مباشر. أظهرت إحدى الصفحات المفتوحة التي يمكن رؤيتها في جهازه موقعاً إباحياً مدفوع الأجر متخصصاً في الصور الجنسية التي يتم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي، أو ما يعرف باسم "التزييف الدقيق". قام أشخاص كانوا يشاهدون البث المباشر بتسريب لقطات للشاشة، ثم شاركوا الموقع على نطاق واسع وصوراً منه وأسماء نساء تعرضن للتزييف الدقيق. كشف إيوينغ عن غير قصد أنه كان يتفرج على صور إباحية مزيفة بدقة لاثنتين من الشخصيات الشهيرة على موقع "تويتش"، هما مايا هيغا وبوكيمين. لم توافق أي منهما على استخدام الصور التي تشبههما في مواد جنسية فاضحة.
قال إيوينغ في مقطع فيديو نشره لتقديم اعتذاره، "شعرت بفضول شديد ونقرت على رابط ما". أكد على أنه وصل إلى موقع التزييف الدقيق من خلال إعلان على موقع "بورنهب" Pornhub الإباحي [أشهر موقع إباحي]، الذي نقله إلى موقع آخر للمشتركين فقط. في هذا الموقع، دفع المال لمشاهدة الصور المعالجة للإناث اللاتي يشاركن بثاً مباشراً. قال "هناك إعلان على كل فيديو لعين، لذلك أعرف أن هناك أشخاصاً آخرين ينقرون عليه بالتأكيد". كما نفى أن مشاهدته للمواد الإباحية غير الموافق عليها كانت "نمطاً سلوكياً". مع ذلك، وعلى رغم محاولته الواضحة التراجع عن الحادثة باعتبارها خطأ مبتدئاً غبياً قد يرتكبه أي شخص بسهولة، إلا أنه أعلن أيضاً أن سلوكه "محرج" و "مثير للاشمئزاز".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مر أكثر من خمس سنوات منذ بدأ مستخدمو موقع "ريديت" Reddit للتواصل الاجتماعي في استخدام الذكاء الاصطناعي لإجراء تبديل الوجوه، أي تركيب صورة رأس شخص ما رقمياً على جسد شخص آخر، جاعلين صوراً شبيهة تتحرك وتتحدث بطرق لم يسبق للفرد الحقيقي فعلها مطلقاً.
في عام 2018، بدا أن رد فعل وسائل الإعلام على هذا "التزييف الدقيق" الجديد يدور حول إمكانات استخدامه للخداع السياسي. كان القلق السائد هو أن هذه التكنولوجيا المتطورة بسرعة، التي لديها القدرة حرفياً على جعل أية شخصية عامة في هذا الكوكب تنطق بكلمات معينة، ستغرقنا أكثر في أعماق وجود ما بعد الحقيقة، وعصر جديد من التشوش الذي ينتجه الذكاء الاصطناعي.
لكن منذ البداية، لم يكن للغالبية العظمى من الصور المزيفة بدقة التي أنشئت ونشرت عبر الإنترنت أي دافع سياسي. كان معظمها وما زال إباحياً. في الواقع، يأتي مصطلح "التزييف الدقيق" نفسه من أحد مستخدمي "ريديت" الذي استخدم هذا المصطلح في منتدى إباحي للشبيهين بالمشاهير، حيث نشر صوراً مركبة منشأة بواسطة الذكاء الاصطناعي لوجوه المشاهير على أجساد الممثلين الإباحيين. النتيجة: مقاطع فيديو تبدو واقعية لأشخاص يمارسون الجنس في حين أنهم لم يقوموا بذلك في الواقع.
اليوم تسيطر على الإنترنت هذه الظاهرة التي بدأت كهواية منحرفة لرجل واحد. وفقاً للإحصاءات الحكومية، تلقى موقع إلكتروني يقوم بشكل افتراضي بتعرية صور النساء 38 مليون زيارة في أول ثمانية أشهر على إطلاقه في عام 2021. وبحسب تعبير إيوينغ نفسه، "هناك إعلان على كل فيديو لعين" على موقع "بورنهب". لا يتم استهداف المشاهير فقط، أو حتى أصحاب البث المباشر المعروفين على نطاق واسع في أوساط "تويتش". نسبة كبيرة من سوق المواد الإباحية المزيفة بدقة، حيث يدفع الناس المال في مقابل إنشاء الذكاء الاصطناعي صوراً جنسية لأفراد معينين، هي لأشخاص عاديين: زملاء، أصدقاء، فتاة يتابعها شخص ما على "إنستغرام"، فرد من عائلة شخص ما. من خلال بضع نقرات لا أكثر، يمكن إنشاء مقاطع فيديو إباحية ومشاركتها والتربح من خلالها يقوم ببطولتها أشخاص لم يمنحوا موافقتهم، وذلك فقط باستخدام صورة تظهر وجههم من الأمام.
في حين أن الدافع وراء صنع المواد الإباحية المزيفة بدقة أو التكليف بصناعتها أو استهلاكها قد يكون إشباعاً لحاجة جنسية، أو للضحك، أو رغبة منحرفة للسيطرة وامتلاك السلطة على أجساد النساء، غالباً ما تستخدم الصور أيضاً لترهيب ومضايقة النساء اللاتي صنعت صور تشبههن. في الأساس، التزييف الدقيق هو عبارة عن مقاطع فيديو جنسية لما بعد الحقيقة، صور حميمة مصطنعة تستخدم كأسلحة لتشويه سمعة النساء أو إسكاتهن أو ابتزازهن مادياً. قد تكون "مزيفة"، لكنها تسبب ضرراً حقيقياً للغاية.
في أعقاب فضيحة موقع "تويتش" الأسبوع الماضي، تحدث عدد من منشئي المحتوى بصراحة، لم يعرف كثير منهم أنهم يظهرون أيضاً على المواقع الإباحية المزيفة بدقة. بوكيمين، إحدى صاحبات البث المباشر اللاتي يظهرن في الصفحة الإباحية المزيفة بدقة التي كان يستعرضها إيونغ، نشرت تغريدة تقول: "توقفوا عن استخدام الناس لأغراض جنسية من دون موافقتهم". سألت صاحبة بث مباشر أخرى تعرف باسم بروك إيه بي: "إلى متى سنقبل أن الملاحقة والمضايقة والتحرش الجنسي... هي مجرد ’جزء من كونك امرأة على الإنترنت‘ و’أنها جزء مما وافقنا عليه‘؟ متى سنتخذ خطوات لتغيير هذا؟ لماذا تم تطبيع هذا؟".
بشكل مماثل في مقطع فيديو تمت مشاركته الآن على نطاق واسع، جادلت صاحبة بث مباشر تحمل اسم كيو تي سندريلا QTCinderella، هي حبيبة صديق إيوينغ وشريكه التجاري لودويغ أغرين، بأنه لا يجب عليها القتال ودفع الأموال لحذف محتوى مزيف بدقة من الإنترنت. أكدت باكية: "لا ينبغي أن يكون تعرضي للمضايقة جزءاً من عملي، وأن أرى صوري ’عارية‘ منتشرة في كل مكان"، مضيفة أن هذا في الحقيقة "مرهق".
ووجهت كيو تي سندريلا أيضاً كلامها بشكل مباشر إلى الأشخاص الذين يستهلكون المحتوى الإباحي المزيف بدقة، قائلة: "إذا كنت قادراً على النظر إلى النساء اللاتي لا يبعن أنفسهن أو يتربحن من مشاهدتهن في مواقف جنسية... أو ينشرن ذلك بأنفسهن... فالمشكلة تكمن بك... أنت ترى النساء كأشياء. لا ينبغي أن يكون قيامك بذلك لا بأس فيه".
مع ذلك، وبدلاً من الاعتراف بألم تلك النساء عند التلاعب بصورهن وتوزيعها، أو الاعتراف بقضية الموافقة الجوهرية، أظهر عديد من الاستجابات افتقاراً مزعجاً للتعاطف. يبدو أن النسبة الأكبر لم تفهم حقائق التحرش الجنسي. غالباً ما بدا أن الردود على منشور بوكيمين تتهمها بالنفاق، حيث سأل أحدهم: "أليس إضفاء طابع جنسي على نفسك هو سبب شهرتك؟"، بينما طالبها آخر "بالتوقف عن إخبار الناس كيف يعيشون حياتهم"، وجادل بأن "كل نجاحك هو من كونك ذات طابع جنسي".
ونشر أحد مستخدمي "تويتر" صورة شاشة من مقطع فيديو لـ كيو تي سندريلا وهي تبكي، وكتب "رد فعل مليونيرة البث المباشر على الإنترنت على صورها الإباحية المنشأة بواسطة الذكاء الاصطناعي. لن تجد أشخاصاً أكثر هشاشة من شخصيات الإنترنت المشهورة (بخاصة النساء)". ربما أكثر ما يقلق في الأمر هو أن التعليقات على فيديو اعتذار إيوينغ بدت وكأنها تغافلت عن الأمر برمته باتباع نهج "الصبيان يظلون صبياناً". كتب أحدهم "يتم استنكار مشاهدتي لأصحاب البث المباشر بسبب أشياء أفعلها كل يوم"، بينما أجاب آخرون "إنه مثلي تماماً"، و"إنه واحد منا واحد منا واحد منا".
كراهية النساء في هذه الردود واضحة وضوح الشمس. يقولون إن النساء يستحققن مثل هذه المعاملة لأنهن غنيات أو مشهورات أو جميلات أو ببساطة موجودات على الإنترنت. إذا انزعجن، فذلك لأنهن "هشات" أو ضعيفات أو شديدات الحساسية. المعنى الضمني هو أنهن "يأخذن الأمر بشكل شخصي للغاية"، على رغم حقيقة أن ما يتم بيعه وتداوله هو، حرفياً، شخصياتهن. يعد التقاط الصور الحميمة ومشاركتها من دون موافقة الشخص إساءة. ومع ذلك، يبدو أن أشخاصاً عديدين ما زالوا يرفضون رؤية الإباحية المزيفة بدقة على أنها إساءة "حقيقية" لها عواقب في العالم الحقيقي.
جزء من المشكلة هو أن القوانين حالياً متخلفة عن التكنولوجيا والواقع، فغالباً لا يمكن ملاحقة منشئي وموزعي المواد الإباحية المزيفة بدقة قضائياً إلا إذا كانت مشاركتهم للصور المعدلة مرفقة بالابتزاز أو غيره من أشكال المضايقة. يمكن لهذا أن يترك للأشخاص المستهدفين خيارات قليلة لا تتجاوز محاولة إزالة المحتوى بأنفسهم.
على كل حال، هناك بوادر على أن المشرعين بدأوا أخيراً بأخذ الإباحية المزيفة بدقة على محمل الجد. في الخريف الماضي، أعلنت الحكومة البريطانية أنها ستجرم المواد الإباحية المزيفة بدقة غير الحاصلة على موافقة أصحابها، كجزء من مشروع "قانون الأمان على الإنترنت" Online Safety Bill المثير للجدل، الذي عاد إلى البرلمان في ديسمبر (كانون الأول) بعد تأخيرات عدة استمرت لسنوات. ومع ذلك، لا يزال هناك عدد من العقبات المحتملة.
عندما عاد مشروع القانون لمناقشته في البرلمان، كتبت الصحفية بريت داوسون في مجلة "دايزد" Dazed البريطانية أن "التأخيرات قد تعني أن القوانين لن تكون مناسبة حتى للغرض المرجو منها عندما تسن في نهاية المطاف، إذا حدث ذلك أساساً". وكما أشارت داوسون أيضاً في ذلك الوقت "فإن تشريع إساءة استخدام الصور الحميمة وقع في السابق ضحية للثغرات القانونية، بما فيها التركيز على ’نية التسبب في الإزعاج أو الإذلال‘ بدلاً من التركيز على الموافقة [صاحبها]، ما أدى إلى غياب الملاحقات القضائية".
بعد مرور شهرين، أعرب قلة من السياسيين وأعضاء مجلس اللوردات عن هذا القلق بالضبط. في إطار وضع خطة لتقديم تعديل على مشروع القانون، اقترحت مجموعة من أعضاء مجلس اللوردات أن خطط الحكومة للجرائم الجديدة مثل المطاردة عبر الإنترنت ومشاركة الصور الحميمة لا تؤدي الغرض منها بما يكفي وستفشل في إيقاف الإساءة المعادية للنساء على الإنترنت. في وقت سابق من هذا الشهر، قالت وزيرة الثقافة في حكومة الظل لوسي باول لصحيفة "ديلي تيليغراف" إن مشروع القانون "أضعف بشدة" بسبب قرار الحكومة المحافظة بالتخلي عن خطط حظر المواد المنشورة على الإنترنت التي ينظر إليها على أنها "قانونية ولكنها ضارة" - مثل المحتوى الذي ينطوي على إيذاء الذات أو اضطرابات الأكل والمنشورات الكارهة للنساء. قالت باول إن هذا التغيير في مشروع القانون أعطى "الحرية لكراهية النساء لتنتشر على نطاق واسع".
غالباً ما تبدو الإباحية المزيفة بدقة كمشكلة مستعصية، حيث تتقدم التكنولوجيا بشكل أسرع بكثير من قدرة السلطة التشريعية على اللحاق بها. مع ذلك، بينما تحاول القوانين اللحاق بالركب، فمن الأهم أن تخضع الثقافة لتحول على نطاق أوسع. لأن الأمر في الواقع، لا يتعلق بالذكاء الاصطناعي أو التكنولوجيا على الإطلاق، بل بالحصول على الموافقة والطريقة التي ينظر بها إلى أجساد النساء على أنها تستحق ما يفعل بها.
بالتزامن تقريباً مع نشر إيوينغ فيديو اعتذاره، صدر الفيلم الوثائقي "باميلا أندرسون: قصة حب" Pamela: A Love Story على منصة "نتفليكس"، حيث تناقش فيه النجمة شريطاً جنسياً يعود لعام 1995 تظهر فيه وزوجها آنذاك تومي لي، سرق من منزل الزوجين وتم تعديله وبيعه عبر الإنترنت ضد إرادتهما. تحدثت عن الآثار المدمرة التي لحقت بها، وكيف سلبها ذلك الرغبة الجنسية التي كانت قد استرجعتها للتو بعد تعرضها للاعتداء الجنسي عندما كانت طفلة. تحولت أندرسون إلى محور للنكات والسخرية وموضوعاً مستهدفاً. الآن وبعد عقود من الزمن، ربما نود الاعتقاد بأن الثقافة قد تجاوزت ذلك وأصبحت أقل تحيزاً على أساس الجنس وأقل قسوة وأن النساء يعاملن بشكل أفضل. لسوء الحظ، يبدو أن انتشار المواد الإباحية المزيفة بدقة وتعامل كثير من الناس معه بأريحية كما يبدو يشير إلى أننا لم نتعلم كثيراً أبداً.
© The Independent