الشهر الماضي، نشرت النتائج التي توصل إليها تقرير أعدته المحامية ريبيكا توك بطلب من #الرابطة_الوطنية_ للطلبة (NUS) يتناول مزاعم #معاداة_السامية.
وجاء في النتائج الرئيسة للتقرير التي تصدرت العناوين على نحو متوقع، أن "الطلاب اليهود لم يشعروا بأنه مرحب بهم ولا أنهم محتضنون في المساحات المخصصة للرابطة الوطنية للطلبة أو ضمن أدوارها المنتخبة" وأن "هناك أمثلة متعددة على معاداة السامية ضمن الرابطة الوطنية للطلبة".
رحب كثيرون بطريقة عرض التقرير النهائي والنقاط التي سلط عليها الضوء والنتائج التي توصل إليها، لكنه لم يقابل بردة الفعل هذه من الجميع. وفي الحقيقة، يعتقد البعض -مثلي- بأن التقرير بحد ذاته تشوبه عيوب كثيرة، وهو يعكس مشكلة أوسع بكثير.
أنا لا أتكلم بخفة. فأنا باحث في موضوع معاداة السامية المعاصرة، وأكتب عنه منذ أكثر من 40 عاماً. كما أن ريبيكا توك أجرت معي مقابلة شخصية، واقتبست كلامي مرتين في التقرير. لكن فيما كنت أقرأ التقرير، أذهلني ما اكتشفته فيه.
إحدى نقاط الضعف في التحقيق والتقرير نفسه هي غياب الشفافية؛ فهو لا يقدم أي تسجيل أو إثبات على المشاركات الواردة فيه، ولا الخبراء الذين استشارهم ولا الشهادات التي أعطيت له. من الصائب تحرير النص وإزالة الأسماء في الحالات التي يجب فيها مراعاة شؤون الحساسية والخصوصية، ومع ذلك يجب تسجيل هذا الدليل.
لكن العيب الأكبر لتقرير الرابطة الوطنية للطلبة يتعلق بما يعرف بـ"معاداة السامية الجديدة".
يبحث كتابي الأخير "ماذا حصل لمعاداة السامية؟ إعادة تعريف وخرافة 'الجماعية اليهودية'" في تغيير تعريف مفهوم معاداة السامية على مر العقود الماضية- وهو ما أسميه "معاداة السامية الجديدة"- لكي يشمل معاداة الصهيونية وأشكال التعبير المختلفة عن التضامن مع الفلسطينيين.
وعبر "التعريف العملي" الشهير لمعاداة السامية كما وضعه التحالف الدولي لإحياء ذكرى محرقة اليهود عن "معاداة السامية الجديدة" هذه.
من خلال هذا المنظور، يقدم الفلسطينيون على أنهم المروجون الرئيسون لمعاداة الصهيونية المعادية للسامية كما يزعم. يؤدي نص التحالف الدولي لإحياء ذكرى محرقة اليهود وظيفة تحويل التعبير السياسي الفلسطيني إلى مادة سامة، وتقييده، وهو يفعل الشيء نفسه بمن يروجون لحقوق الفلسطينيين.
وللأسف، يتغلغل التحالف الدولي لإحياء ذكرى محرقة اليهود في آراء وخلاصات وتوصيات التقرير بأكمله، في إشارة إلى مدى تأثير وهيمنة إعادة تعريف معاداة السامية باعتبارها "معاداة السامية الجديدة" على الفهم العام للموضوع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قد تكون أوضح إشارة إلى توجه التقرير نحو اعتبار النشاط المناصر للفلسطينيين معادياً للسامية مرتبطة بحركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS) وهي حركة فلسطينية المنشأ، عالمية الامتداد لمنظمات من المجتمع المدني تسعى إلى الضغط على إسرائيل كي تضع حداً لانتهاكها القانون الدولي وحقوق الإنسان.
ويصف التقرير حركة المقاطعة بأنها "معادية لإسرائيل بشكل خاص وبلا أي خجل"، لكن في المقابل، تقدم المبادرة المناهضة لحركة المقاطعة التي أطلقتها "رابطة الطلاب اليهود" من دون أي تعليق، ويستعير التقرير تعريفها الخاص عن نفسها بأنها "مقاربة واعية وذكية للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني".
ولا يكفي أن يوضح التقرير بأن نشاط حركة المقاطعة ليس "معادياً للسامية بطبيعته" إذ تخلط الصورة العامة باستمرار بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية من أجل الربط -بشكل خطير- بين حملات المقاطعة والنشاط التضامني مع فلسطين من جهة، ومعاداة السامية من جهة أخرى، بشكل عام.
وإذ يتبنى التقرير نموذج "معاداة السامية الجديدة"، فهو لا يطرح أي تمييز حقيقي بين الإساءة السياسية من جهة، والتعصب ضد اليهود من جهة أخرى.
ويؤكد التقرير بأن "الدرجة الأكبر من الاستياء الذي شعر به الطلاب اليهود كانت عند طرح قضية إسرائيل/فلسطين للبحث أو النقاش". لكن الإساءة لا تعادل التحريض على الكراهية- فيما يبدو الحض على النقاش "الدقيق" للفلسطينيين أشبه بالعمل على تحقيق توازن زائف يبرر التطهير العرقي.
تقتبس توك استطلاع آراء يظهر بأن 93 في المئة من اليهود البريطانيين يقولون إن إسرائيل تشكل جزءاً من هويتهم، وتربط ذلك مباشرة بمزاعم تقول إن حركة المقاطعة وأسبوع مناهضة الأبرتهايد الإسرائيلي يؤثران سلباً في الطلاب اليهود".
لكن ماذا عن الطلاب الفلسطينيين؟ لا شك في أن الاستعمار المستمر لموطنهم ونضالهم منذ عقود للمطالبة بالحرية والحق في تقرير الذات يشكلان أيضاً جزءاً من هويتهم؟
هذا ما يوصلني إلى العيب الأخير، والمليء بالدلائل، في التقرير وفي المقاربة الأوسع التي يجسدها- تهميش الفلسطينيين وتغييبهم. قد يقول البعض إنه لا يمكن اعتبار وجهة نظر الفلسطينيين في تحقيق يتناول مزاعم معاداة السامية. لا تؤاخذوني، لكن عندما يتعلق الموضوع بتقرير من 100 صفحة أو أكثر، تهيمن عليه قضايا تعني فلسطين، يصبح الاستغناء عن آراء الفلسطينيين الموضوعية خياراً، وهو خيار مثقل بالمعاني كذلك.
يتضمن التقرير إشارات متعددة للطلاب "المناصرين للفلسطينيين" أو "الذين يريدون المطالبة بالحقوق الفلسطينية"، بدل الإشارة إلى الفلسطينيين أنفسهم.
ولا يعطي أي اعتبار لما يعنيه أن تتعرض لتهجم على حريتك في التعبير فيما يتعرض أفراد عائلتك للقصف داخل جيب محتل ومطوق.
كما أشارت اللجنة البريطانية الفلسطينية في ردها على التقرير "من الصعب أن نتخيل وضعاً آخر يقال فيه لمجموعة يفرض عليها الاستعمار المستمر والقمع والتفرقة العنصرية بأن حياتها وحقوقها وتجاربها قابلة 'للنقاش'".
شخصياً أنا أتمنى لحركة التضامن مع فلسطين بين الطلاب والأساتذة الجامعيين- التي تتضمن فلسطينيين ويهوداً وكثيرين غيرهم- أن تزداد قوة، وألا تذعن لمحاولات تقييد حرية التعبير. وإن احتاج الأمر إلى تذكير بضرورة وجود حركة كهذه، فالحكومة الإسرائيلية الحالية هي فعلاً خير دليل مظلم على ذلك.
أنتوني ليرمان زميل فخري في معهد باركس لدراسة العلاقات بين اليهود وغير اليهود، في جامعة ساوثهامبتون
© The Independent