Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"يا ورد من يشتريك؟"... الغلاء يبدل سلم أولويات العشاق

"عيد الحب" يصطدم بصخرة الاقتصاد والمحبون يستبدلون الهدايا بالسلع والضيوف يفضلون الأغراض الضرورية في واجب الزيارة

"الهدايا النافعة" مفهوم جديد بات يتبعه قطاع أكبر من #المصريين أخيراً، فلم يعد هناك مجال للترفيه غير المجدي في ما يتعلق بـ#إنفاق الأموال.

#العائلة التي تستقبل زواراً، ربما يفيدها أكثر أن يأتي لها الضيوف بسلع أفرادها بحاجة إليها، لا أن يضعوها على الرف، فتطبيق هذا المعيار يمكن أن يزيح عن كاهلهم العبء لبعض الوقت، بدلاً من الورد الذي يذبل بعد أيام قليلة أو صندوق الشيكولاتة الذي قد يكون حلو المذاق ولكنه باهظ الثمن ومع ذلك لا يصلح كوجبة أو كعنصر أساس لوصفة ما بخلاف الأضرار الصحية لمكوناته.

الأمر الذي يطرح سؤالاً، وهو: هل هي تغييرات قاسية؟ خصوصاً أن الزهور والحلويات أمر أساس في التعبير عن المشاعر اللطيفة بين العائلات والأحبة، ولكن التحول لثقافة الهدايا الأكثر استخداماً وفائدة ربما يكون من الأمور الإيجابية التي تأتي انعكاساً لأزمة اقتصادية عالمية، جلبت معها كثيراً من المتغيرات الضرورية.

ينسحب الأمر بالطبع على هدايا عيد الحب، فهو الموسم المعروف بأنه مخصص لنوع معين من الهدايا بين المرتبطين التي تتخذ عادة طابعاً خاصاً مثل زجاجات العطر الثمينة ومنتجات العناية بالبشرة غالية الثمن وأنواع الشيكولاتة المميزة وبعضها مصنوع بحسب الطلب، والساعات والهواتف من العلامات التجارية الفاخرة، وغيرها كثير، ولكن هناك عاملاً مشتركاً لا يتغير مع كل تلك السلع وهو الزهور.

 اعتادت محال الزهور أن تتفنن في تنسيق الباقات لتزين بها واجهاتها وتتنافس في ما بينها على صنع أضخم باقة بأجمل نوعية ورد وأكثرها ندرة أيضاً. محال الزهور هذا العام كل ما تفعله هو أنها تحاول أن تقاوم، فيما المستهلك الذي يتنافسون عليه أصبح ظهوره شحيحاً للغاية.

 

 

زهرة واحدة تكفي؟

يروي "عادل. م" صاحب محل زهور بمنطقة قريبة لوسط القاهرة، أن عيد الحب الذي يوافق 14 فبراير (شباط)، وكذلك عيد الحب المصري الذي يوافق الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني)، هما المناسبتان الأهم في عمله، لافتاً إلى أنهما يعتبران وسيلة لتحقيق المكاسب عن طريق بيع كميات كبيرة من الأنواع المختلفة من الورد، حيث يتزين المحل حينها بكثير من التقاليع وبالدمى على شكل دببة بجوار الباقات الملونة، لكن الأمر ليس بهذا الشكل هذه المرة، وإن كانت المحاولات لا تتوقف لمطاردة الزبائن بتصميمات مميزة واجتذابهم على أمل تحقيق هامش ربحي يوازي المجهود ويوازي هذا العرس السنوي الذي ينتظره البائعون ويتحملون الشوك من أجل كسب رزقهم.

عادل، الذي يمتهن هذا العمل منذ 15 عاماً، يؤكد أن الزهور على رغم تباين مستواها منذ زمن طويل وفقاً لمدى توافرها، فالزهور المستوردة مثلاً سعرها يكون أعلى، لكن طوال الوقت كانت هناك أنواع جيدة وفي المتناول. لافتاً إلى أن باقة الزهور الحمراء الجيدة كانت مكملاً لا يمكن الاستغناء عنه في عيد العشاق وتكون رمزاً معبراً ومعتاداً في مثل تلك المناسبة وأيضاً كانت ذات سعر مناسب جداً. يضرب مثال أنه بـ20 جنيهاً (0.65 دولار أميركي) كان يمكن الحصول عليها، ولكن تلك الأرقام لم تعد موجودة فسعر الزهرة البلدي الواحدة بات يعادل نصف دولار تقريباً، فيما أنواع أخرى متداولة مثل "التوليب" و"لي لي" يتراوح ما بين 50 إلى 80 جنيهاً وأكثر للفرع الواحد (1.64 إلى 2.62 دولار أميركي).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأكد البائع، الذي أصبح يجلس كثيراً في محله يراقب المارة الذين يشاهدون ولا يشترون عادة، أنه لم يعد يمانع في بيع زهرة واحدة مغلفة في محاولة لفتح سوق مختلفة ومحاربة الركود وليلبي الاحيتاجات في ظل عدم الإقبال الذي يعانيه، حيث إن جمهوره بحسب المكان الذي يمكث فيه من الطبقة المتوسطة، لافتاً إلى أن الزهور المنفردة التي تباع بسعر زهيد كانت تلائم أكثر البائعين المتجولين على كورنيش النيل، فيما الزبائن الأكثر ثراء يبتاعون من محال كبيرة في المراكز التجارية واصفاً أسعارها بالمبالغ فيها حتى قبيل أزمة ارتفاع معدل التضخم.

لا رفاهية في هدايا عيد الحب

حال بائع الزهور من حال الأحبة والشركاء، ففي حين كانت تنتهز الفتيات المرتبطات حديثاً على الأخص تلك المناسبة لأن تحصل على نزهة وهدايا تشعرها بالدلال، باتت تدبر حالها مع الخطيب الذي يبذل قصارى جهده لإسعادها.

 أسعد الحظ "نوران" بأن تمكن خطيبها من شراء هدايا ذهبية لها في بداية ارتباطهما قبل عام ونصف العام، فلم تكن وقتها حمى ارتفاع أسعار الذهب انتشرت بعد، ولا مسيرة تعويم الجنيه المصري انطلقت أيضاً. ولفتت إلى أنها حصلت على بعض الهدايا أيضاً في مناسبات مختلفة. وتصنف على أنها "مرفهة وبلا جدوى حقيقية"، ولكن مع اقتراب موعد زفافهما تحولت الخطة تماماً.

 تتابع "قررنا توفير المال في كل ما هو غير ضروري، وادخرنا من شراء بعض السلع التي تبدو هامشية لصالح الأساسية، إذ إن هذه ظروف ينبغي الالتزام فيها أولاً بشراء المنتجات التي لا يمكن الاستغناء عنها في تأثيث المنزل وسط الارتفاع الدائم في الأسعار، إذ نكتفي هذا العام بالتهاني في تلك المناسبة التي تهم كل العشاق، وبدلاً من تبادل الهدايا الشخصية نستهدف الخصوم التي قامت بها المتاجر لشراء بعض الأدوات المنزلية الرئيسة".

 

 

العشاق يفضلون مواد البقالة

ما تقوله العروس المنتظرة، يترجم حرفياً في الحملات الدعائية المتزامنة مع عيد الحب، فمنصات السوشيال ميديا تمتلأ بإعلانات لمتاجر وتطبيقات بيع بالتجزئة تغري المتابعين بتخفيضات في الأسعار على سلع منزلية، بل ومنتجات بقالة احتفالاً بتلك المناسبة الرومانسية، حيث نجد صوراً لسلع مثل الزيت والسكر والجبن وفوقها شريط أحمر وعبارات تهنئة بمناسبة يوم الحب ودعوة للشراء وإسعاد الشريك، لكن الحقيقة أن هذا النهج أصبح مستحباً ومفضلاً لدى كثيرين سواء في مناسبة عاطفية أو اجتماعية.

"لمياء شريف" امرأة عاملة وأم لطفلين، تقول إنها ومحيط معارفها بدءاً من العام الحالي غيروا أفكارهم تماماً في ما يتعلق بالزيارات بينهم، مؤكدة أنها باتت تسأل قبيل زيارة صديقاتها وأقاربها عما يحتاجون إليه من التزامات منزلية لتقتنيها لهم بدلاً من التخمين وشراء سلعة لا يستعملونها، بالتالي هي تهديهم "مساحيق غسيل، وأنواع فاكهة، وأكياس سكر وأرز، وجبن، وحتى ملابس للأطفال".

وأكدت أن الأمر لم يعد محرجاً أبداً خصوصاً أنها تعلم أن بعض المناطق الريفية منذ عقود يلتزم سكانها بهذه الأنواع من الهدايا في تبادل الزيارات، مشيرة إلى أن هذه طريقة جيدة للغاية لتوفير بعض الأعباء عن المعارف، أضافت "أن أشتري لهم شيئاً مفيداً وضرورياً أفضل كثيراً من منحهم مقتنيات تذكارية وتحفاً أو حتى قالباً من الكيك".

الهدايا المفيدة

أصبح من الرائج أيضاً وضع مبلغ مالي في ما يسمى بكروت الهدايا التي تباع في المتاجر الكبرى لمحال البقالة والأجهزة المنزلية والملابس والمراكز التجارية، وإهدائها أثناء زيارات المعارف بخاصة المتزوجين الجدد، حيث يمكن لهم استخدامها في مشترياتهم وفقاً لضرورياتهم وأولوياتهم لرفع الحرج عنهم عند سؤالهم ماذا ينقص المنزل؟ وأيضاً كي لا يتم فرض ذوق معين عليهم.

لا يختلف الأمر كثيراً على أعياد الميلاد بخاصة في فئة الأطفال الصغار، حيث يحرص ذوو زملاء الطفل ممن يحضرون الحفل على تجميع مبلغ مالي في ما بينهم ويعطونه للأهل بدلاً من إحضار هدايا قد لا تكون ملائمة لصاحب المناسبة، فكل أسرة تسهم بمبلغ متساو "قد يعادل 20 دولاراً مثلاً"، وفي النهاية يصبح المبلغ المجمع جيداً ويمكن الاستفادة به في شيء أكبر.

 

 

تثني المتخصصة في اقتصاد الأسرة الأكاديمية نجوى السيد على تلك الطريقة في التدبير، لافتة إلى أن هناك عادات محمودة كثيرة في الأرياف والمناطق الشعبية وهي المشاركة في الأفراح والأتراح بمستلزمات تفيد الأسرة بشكل مباشر، سواء إعطاء العائلة مبلغاً مالياً، أو شراء فاكهة وخضراوات ولحوم ومنتجات بقالة، حيث إن تلك العادات تسهم في عدم الإهدار وتعبر عن مشاركة ومؤازرة، وتقرب بين الناس وبعضها بعضاً.

تضيف أن انتشار تلك الثقافة في فئات وطبقات تعيش في المدن وحتى في التجمعات السكنية ذات المستوى المرتفع ينم عن حسن تصرف، فالأزمة الاقتصادية يمكن أن تكون وسيلة سريعة لاكتساب مهارات جيدة في فن إدارة الموارد وتقليل الفاقد بشكل عام.

تختتم الباحثة في الاقتصاد المنزلي كلماتها بالتشديد على أن هذا الظرف الاستثنائي هو وقت استغلال كل ما هو موجود للاستفادة منه بأقصى طريقة، فإذا كان لا بد من إقامة مناسبات فينبغي أن تصبح فرصة لعدم البذخ بلا طائل، بل بالعكس تلك النصائح بدأ كثيرون في تنفيذها بشكل عملي إيماناً منهم بالمسؤولية الاجتماعية.

تشير إلى موقف تداولته مواقع التواصل الاجتماعي على مدار الأيام الماضية اعتبروه روادها نموذجياً، إذ رصد أحد المقبلين على الزواج مبلغاً مالياً في مقابل تكاليف حفل الزفاف على عروسه، ولكنه بدلاً من ذلك ألغى أمسية العرس الساهرة، وبالمبلغ المالي الذي رصده للحفل اشترى مستلزمات بقالة ولحوم وخضراوات ووزعها على العائلات المحتاجة، وهو أمر أثنى عليه كثيرون واعتبروه إلهاماً لهم، وشجعوا الغير على السير على خطى هذا الشاب.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات