Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من يشتري ماضيا مزيفا؟ قصة استنساخ مقبرة فرعونية

مزورون أنشأوها للاحتيال على تجار الآثار واستنفار أمني للقبض عليهم ومواقع التواصل تضج بالسخرية

لم تتخذ عمليات النصب السابقة هذا الشكل المتطور عبر إنشاء مقبرة بالكامل وإضافة الرسوم على الجدران وتلوينها (مواقع التواصل)

على طريقة فيلم "أوشن 11" الذي شارك فيه مجموعة من #نجوم_هوليوود عام 2001، بينهم #جورج_كلوني وبراد بيت وجوليا روبرتس، قامت مجموعة من المزورين المصريين بحفر وإنشاء مقبرة مزيفة في منطقة صحراوية وتقديمها إلى مجموعة من تجار الآثار باعتبارها مقبرة فرعونية تمثل محتوياتها الثمينة حقبة قديمة من تاريخ مصر. 

ففي محافظة بني سويف جنوب القاهرة عثرت أجهزة الأمن المصرية على ثلاثة سراديب تحت الأرض وغرفة تحوي قطعاً أثرية مقلدة، بينما تم رسم نقوش فرعونية على جدرانها لإيهام تجار الآثار بأنها مقبرة فرعونية حقيقية.

ووفق وسائل إعلام محلية فقد وردت معلومات لأجهزة الأمن بتردد مجموعة من الأشخاص على منطقة جبلية في قرية الحيبة بمركز الفشن، وبعد التحريات تبين وجود ما يمكن أن يكون مقبرة فرعونية، وبعد دهم المكان والتحفظ عليه أمرت النيابة العامة بتشكيل لجنة من خبراء الآثار لبحث محتويات المقبرة، لكن سرعان ما كشفت اللجنة أن الآثار مقلدة ومعظمها من منطقة خان الخليلي وسط القاهرة.

الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار في مصر مصطفى الوزيري أوضح أن المقبرة المزيفة كانت تضم تابوتاً من الجبس وتماثيل مصنوعة يدوياً وكميات من السبائك المطلية بالذهب مصنوعة من الجبس وأشكالاً تشبه تماثيل الحضارة المصرية القديمة، للنصب على الطامعين في تجارة الآثار.

وقال الوزيري لوسائل إعلام محلية إنه دخل المقبرة المزيفة بعد تلقى النيابة العامة بلاغاً في شأنها، وبفحصها وجد أنها مجهزة بشكل يشبه المقابر المصرية القديمة، وجميع الرسومات داخلها منقولة من الكتب الفرعونية، مشيراً إلى أنه تم اتخاذ الإجراءات اللازمة وإعدام جميع محتويات المقبرة المزيفة.

البحث عن الجناة

المدير العام لآثار بني سويف ورئيس لجنة الفحص التي توجهت للمقبرة المزيفة عمر ذكي قال لـ "اندبندنت عربية" إن المقبرة عبارة عن غرفة أسفل جبل في قرية الحيبة وتؤدي إلى ثلاثة سراديب، موضحاً أن النيابة العامة لا تزال تجري التحريات للتعرف على المتهمين وضبطهم بتهمة التدليس، بينما لن يتم توجيه تهمة الاتجار في الآثار إليهم نظراً إلى عدم وجود آثار أصلية في المقبرة.

وقال ذكي إن هذا النوع من جرائم النصب شائع، إذ يتفنن المزورون في تقليد القطع الأثرية ودفنها في أماكن تحت الأرض لأكثر من أربع أو خمس سنوات، ثم يقومون بإضافة بعض المواد عليها لمنحها الصبغة الأثرية، وبالتالي تبدو بالنسبة إلى الناس العاديين أو أولئك الذين يبحثون عن الثراء السريع قديمة أو أثرية، لكن المتخصص في الآثار يتعرف عليها بسهولة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعثر في المنيا بجنوب مصر قبل نحو 10 سنوات على مغارة في حضن الجبل تحتوي قطعاً أثرية كثيرة مغطاة بالرمل والتراب لإيهام المشتري أنها أصلية، لكن بفحصها تبين أنها مقلدة وليست أثرية.

ومع ذلك يشير المسؤول المصري إلى أن عمليات النصب السابقة لم تتخذ مثل هذا الشكل المتطور من إنشاء مقبرة بالكامل وتمهيدها وإضافة الرسوم على الجدران وتلوينها، إذ إن تجهيز ونحت مقبرة مثل تلك التي عثر عليها في الفشن يتطلب عملاً لا تقل مدته عن عامين.

سخرية وإعجاب

وأثارت صور المقبرة ومهارة الرسوم على جدرانها ردود فعل واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ تداول المستخدمون صور المقبرة المزورة مع تعليقات تشير إلى الإعجاب بمهارة اللصوص الذين أنشأوها، وكتب بعضهم تعليقات ساخرة مثل "اكتشاف مقبرة أثرية ضخمة يرجع تاريخها لعام 2022"، و"متخليش (لا تترك) حاجة توقف طموحك واعمل زي إخواتنا فنانين بني سويف، فكروا بره الصندوق".

 

وأبدى أحد النشطاء إعجابه بمهارة صانعي المقبرة قائلاً "مجموعة شباب مجتهد من محافظة بني سويف الشقيقة قعدوا سنة كاملة يعملوا مقبرة فرعونية تحت الأرض بكل ما يلزمها من سراديب ودهاليز، ومش بس كده دول (هؤلاء) لونوا الجدران ونقشوا عليها رسومات فرعونية، واشتروا شوية تماثيل مقلدة لحد ما طلعوا تحفة فنية متفرقهاش عن أي مقبرة فرعونية حقيقية".

وكتب آخر "الغريب أن أمين المجلس الأعلى للآثار بنفسه راح (ذهب) يعاين المقبرة بسبب دقة تقليدها الرهيب. دماغ ألماظ (ذكية)، والفراعنة عملوا حضارة في 7000 سنة والعالم مبهور بها، رجالة بني سويف عملوا الحضارة دي كلها في سنة واحدة، مقبرة تحت الأرض وشوية رسومات بـ 20 جنيه وشوية تماثيل من العتبة (حي شعبي بالقاهرة) الواحد بـ5 جنيه، وكام تابوت عند النجار، وبقي يجيبوا تجار الآثار وينزلوهم المقبرة ويبيعوا الحاجة (المضبوطات) على إنها أصلية".

الآثار المزورة تجارة رائجة

لكن التزوير لا يقتصر على الآثار المصرية، ففي مايو (أيار) 2020 كشف المتحف البريطاني عن شحنة من القطع الأثرية المزيفة التي يصعب تفريقها عن الحقيقية، وعثرت عليها سلطات الحدود في مطار هيثرو الدولي داخل صندوقين معدنيين تم شحنهما من البحرين إلى المملكة المتحدة.

ووفق الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام آنذاك، فإن الشحنة تتكون من190 قطعة منسوبة لحضارة بلاد ما بين النهرين، ومن المفترض أنها تعود لـ 2500 سنة قبل الميلاد، إذ ضمت مجموعة كاملة من الألواح المسمارية المعروفة.

 

وقال البيان الصادر عن المتحف البريطاني "بدا الأمر كما لو أن نوع كتابات بلاد ما بين النهرين القديمة تم تمثيلها كاملة في شحنة واحدة، أي مجموعة كاملة جاهزة لمشتر غير مطلع، لكن سرعان ما اتضح أن هناك مشكلة، إذ لم تكن أي من القطع قديمة حقاً".

وفي أغسطس (آب) 2021 كشف مكتب المدعي العام في مانهاتن بنيويورك أن تمثالاً منسوباً للحضارة الآشورية تم عرضه في أحد معارض نيويورك للقطع الفنية، وبيع التمثال المزور ضمن مجموعة أخرى من القطع المزورة.

وقال المحققون إنهم عثروا على آلاف القطع الأثرية المزيفة في الغرف الخلفية للمعرض جنباً إلى جنب مع أدوات تستخدم في تصميمها لتبدو كأنها قضت آلاف السنين تحت الأرض، وقد تم القبض على مالك المعرض مهراداد صادق الذي تبين أنه واحد من أكبر بائعي الآثار المزورة في أميركا.

وكان صادق أدار معرضه لعقود من الزمان، وأعلن عنه على موقعه على شبكة الإنترنت بصفته "معرضاً فنياً مملوكاً لأسرة متخصصة في القطع الأثرية والقطع النقدية القديمة من مختلف أنحاء العالم".

السوق السوداء

بعنوان "لا تشتروا الآثار المصرية حتى وإن كانت حقيقية"، تحدثت أستاذة الجريمة لدى كلية "جون جاي" للعدالة الجنائية ومؤلفة كتاب "تحطيم التماثيل: صعود وسقوط المعالم العامة لأميركا" إرين تومسون في مقالة بصحيفة "ديلي نيوز" قبل عامين عن عمليات الاتجار في الآثار المزورة من خلال البيع عبر الإنترنت.

وتذكر تومسون أن "من بين القطع الغريبة التي تم عرضها في معرض مهراداد صادق ما يفترض أنه قضيب منتصب محنط مكتمل بالخصيتين لمومياء مصرية، وعرض مقابل 15 ألف دولار فقط، على رغم أنه مقابل 100 دولار أو أكثر كان بإمكانك شراء ما تعتقد أنه قطعة من الماضي في مصر أو العراق أو سوريا أو أفغانستان أو نيبال أو الهند أو أميركا الوسطى".

وحذرت تومسون من أن بيع القطع الأثرية المزيفة يشجع السوق السوداء للتراث المنهوب، إذ تساعد عمليات التزوير في إخفاء القطع الأثرية الحقيقية وزيادة هوامش ربحها، وتصف القطع الأثرية المزيفة على أنها "الحشو الممزوج بالعقاقير غير المشروعة، فلا يمكنك بيع واحدة من دون الأخرى".

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات