Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مهرجان برلين ينتصر للاختلاف في افتتاحه مع "جاءت إليّ"

ربيكا ميلر تنحاز إلى الكوميديا الخفيفة مع قزم وامرأة شهوانية وزوجة تحلم بالرهبنة

بيتر دينكلج ممثلاُ في فيلم "جاءت إليّ" الذي افتتح المهرجان (خدمة المهرجان)

الأعمال السينمائية التي يتم اختيارها لحفلة الافتتاح في #المهرجانات_الدولية الكبيرة، ليست هي أفضل #الأفلام وأهمها. بات هذا واقعاً يصعب انكاره. لا يختلف اختيار #مهرجان_برلين_السينمائي (16 - 26 فبراير/ شباط) لفيلم "جاءت إليّ" لريبيكا ميلر لافتتاح المهرجان، عن اختياراته السابقة في السنوات الماضية لأفلام الافتتاح. في معظم الأحيان، نحن حيال فيلم افتتاح يتراوح بين كونه باهتاً أو دعسة ناقصة في سيرة صاحبه، أو ببساطة، خالياً من الروح. فيلم ميلر متوسط الجودة، يُشاهَد بمتعة معينة، خصوصاً أن مدته لا تتجاوز المئة دقيقة، خلافاً للكثير من الأفلام الطويلة التي كانت اجتاحت المهرجانات أخيراً. في سادس مرور لها خلف الكاميرا، تقدم الممثلة والمخرجة ميلر (60 سنة)، وهي ابنة المسرحي آرثر ميلر، وزوجة الممثل البريطاني الشهير دانيال داي لويس، عملاً مقبولاً، مسلياً، لا يزعج أحداً، لكن تناوله لما يدّعيه يبقى ناقصاً ومجتزأً. لا تذهب المخرجة إلى نهاية الطريق، بل كأنها تستسلم في منتصفه أو تعود أدراجها أمام صعوبة المشروع وإذعاناً للسهولة. وهذا كله يمدنا بالانطباع الذي يمكن أن نتلمسه بسهولة، أن الفيلم يملك من المادة الدسمة ما كان قادراً على جعله فيلماً أفضل. باختصار: كنا نتوقع من مهرجان برلين، الذي يدعي رفع راية سينما المؤلف الجادة والمبتكرة، فيلماً أفضل للافتتاح، ولو أن عرضه هو خارج المسابقة. 

شخصيات في نيويورك

 

يلف الفيلم على شخصيات عدة تعيش في مدينة نيويورك، منتهجاً أسلوب الفيلم الكورالي أو الفيلم الموزاييك (فيلم يتألف من عدة شخصيات تتشابك مصائرها)، الذي كان عزيزاً على قلب الراحل روبرت ألتمان وبلغ به الذروة مع "شورت كاتس". الشخصيات التي تعرضها ميلر مختلفة بعضها عن بعض، إلى حد التناقض، وهي عينات اجتماعية لا امتدادات لها في بيئتها. كل منها يتميز بشيء ما، أكان عيباً أو ميزة. كلها شخصيات فيها قدر من الاختلاف، بعض هؤلاء لفظهم العالم بسبب اختلافهم، في حين استطاع بعضهم الآخر القفز فوق ذلك والاستثمار به. هناك الشخصية الرئيسة التي تتولى نوعاً ما قيادة الأحداث: مؤلف موسيقى قزم يُدعى ستيفن (بيتر دينكلدج) نتعرف إليه وهو يجوب أرجاء منزله الفخم بحثاً عن الوحي. هذا المؤلف قدم أعمالاً جيدة في الماضي، لكنه اليوم فقد إلهامه، والمشكلة أن عليه استحقاقات لا يمكن الهروب منها. زوجته الحسناء (آن هاتاواي) التي تعمل كمعالجة نفسية تساعده وتدعمه وهي سند مهم له. في إحدى الليالي، يتعرف ستيفن إلى سيدة غريبة الأطوار (ماريزا توماي) خلال وجوده في إحدى الحانات، فتنشأ بينهما علاقة تخرج عن المألوف. هذه السيدة قبطانة سفينة ترسو على ميناء نيويوركي، وهي تعاني من مرض يجعلها تدمن العاطفة والرومانسيات، مما تسبب لها بالمشكلات في الماضي. لكن، بالنسبة إلى ستيفن، اللقاء بهذه السيدة يولد في داخله طاقة إبداعية متجددة تتجسد على المسرح، إذ إنه يكتب سريعاً أوبرا تُعرض على الجمهور في حضور السيدة التي ألهمته، والتي سرعان ما تقع في حب الفنان. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هناك قصص موازية أخرى، وأبرزها العلاقة التي تربط ابن ستيفن بابنة السيدة التي تعمل كمدبرة منزل في بيته. هذه العلاقة تتحول إلى أزمة، ما إن يتدخل فيها الأهل من الطرفين، أي أهل الشاب وأهل البنت. ويأخذ الموضوع طابعاً دراماتيكياً بعض الشيء، عندما يقرر أبو الفتاة (وهي ابنته بالتبني مثلما ابن ستيفن هو ابنه بالتبني أيضاً)، أن يرفع قضية ضد حبيب ابنته لكونه مارس معها الجنس، وهي قاصر. لكن لا شيء يبلغ مقداراً منتظراً من الجدية والخطورة في الفيلم. كل الأزمات تجد حلاً سريعاً لها بضربة قلم من السيناريست. كل هذا العالم الذي نشهد عليه، محير قليلاً. تدخلنا كاميرا ميلر من هنا لتخرجنا من هناك... وهكذا دواليك، من دون أن تعطينا شيئاً ذا قيمة. تبعث بتوقعاتنا، لكن في الحقيقة، تأخذنا إلى البحر وتعيدنا عطشى. عطشنا لمعرفة المزيد لا يرتوي أبداً معها. الشخصيات مرسومة جيداً لكنها لا تولد شرارة. في النهاية، يقع الفيلم تدريجاً في الكوميديا الرومانسية التي تنطوي على بعض المواقف الطريفة والخطاب الذي يدعو إلى البحث عن الإيجابيات في الحياة، مع نهاية سعيدة ترضي الجميع. 

ميزات جانبية

مع ذلك، لا يمكن أن ننكر أن للفيلم بعض الميزات: تمنح ميلر صوتاً لشخصيات حضورها على الشاشة نادر، وعندما تحضر لا تحضر بالشكل الذي تحضره في فيلم ميلر. من القزم الذي غالباً يكون شخصية ثانوية أو هامشية في كوميديات سطحية، إلى المرأة الشهوانية التي تعيش بمفردها وتطارد الرجال ولا يوصمها الفيلم البتة، مروراً بالزوجة التي حققت ذاتها ولكن ظلت تحلم بتلبية دعوتها الربانية والالتحاق بالدير... هذا فيلم ينتصر لفكرة الاختلاف اللطيفة، ولكن ليس قولاً بل فعلاً. عندما يمشي القزم ستيفن في الشارع، تتعقبه كاميرا المخرجة من دون أي تمييز. تصوره فحسب، كما لم تصور في حياتها إلا أمثاله. 

ربما لو كان الفيلم لمخرجة أخرى لأتينا بأسباب تخفيفية. لكن، عندما تكون ابنة مسرحي كبير وزوجة أسطورة في التمثيل، فهذا يجعلنا تلقائياً نتوقع المزيد. والعلة في الأساس تأليفية، إذ إن عند ميلر كل هذه الشخصيات لكنها لا تصنع منها شيئاً مهماً ولا ترتقي بها. كل المواضيع التي تقاربها تمر عليها سريعاً. من هنا كلمة عن الدين أو عن صراع الطبقات الخفي، ومن هناك فكرة أولوية عن الملكية الفكرية وعن الحدود بين الحكاية التي نعيشها لأنفسنا، وتلك التي نفتعلها لنوظفها في عملنا. كل هذا مطروح وغير مطروح في آن واحد، وكأن المخرجة تتردد في الدخول في عمق الأشياء، لمعرفتها المسبقة بأن فيلمها لا يتحمل ذلك، وليس من النوع الذي يمكن أن يوصل هذه الأفكار إلى بر الأمان. يبقى الدرس المهم الذي يتلقاه ستيفن ويغيره إلى الأبد: الانفتاح على العالم شرط من شروط صناعة الفن. 

اقرأ المزيد

المزيد من سينما