كان جمهور مهرجانات بيت الدين ينتظر على أحر من الجمر إطلالة المغنية اللبنانية – السويسرية الشابة ياسمينا جنبلاط، حفيدة المطربة الكبيرة أسمهان، في حفلتها الاولى على المسرح، وعندما أطلت بوجهها الجميل وقامتها الرهيفة، ارتفع التصفيق بحماسة كبيرة. وبحفلتها هذه، افتتحت ياسمينا برفقة الموسيقي اللبناني العالمي غبريال يارد، المهرجان الذي درجت العادة أن يُفتتح بحدث فني كبير وبأصوات غنائية شهيرة وليس بمغنية شابة غير معروفة ولم تصدر حتى الآن أي أسطوانة. منحت إدارة المهرجان هذه المغنية الشابة فرصة ذهبية وعمدت إلى الترويج لها إعلامياً وفنياً، وسخت على إنتاج الحفلة بغية جعلها حدثاً فنياً. وكان يكفي أن يكون غبريال يارد الذي ألف أجمل المقطوعات الموسيقية لأفلام عالمية مهمة جداً، هو الملحن والمشرف على الأغنيات وقد أعاد صياغة ألحان أسمهان لتتلاءم مع صوت المغنية المنتقلة لفورها من مرحلة الهواية إلى الأحتراف، وقد استعان بـ"الفرقة الشرقية" و"الأوركسترا الفيلهارمونية اللبنانية" وفرقة كورس جامعة سيدة اللويزة، واختار الموسيقي المعروف دير بروسيه قائداً أوركسترالياً. طبعاً، هذه ظروف من البذخ الإنتاجي نادراً ما تحظى بها مغنية شابة تغامر للمرة الأولى في الوقوف أمام جمهور كبير (قيل إن الفستانين اللذين اطلت بهما من تصميم ايلي صعب). ونجحت إدارة المهرجان في إشاعة لقب "حفيدة أسمهان" الذي تتمتع به المغنية الشابة (حفيدة من الجيل الرابع) لتحمس الجمهور وتجذبه.
وحملت الحفلة عنواناً فضفاضاً هو "لقاء على شرق جديد"، وبدا أكبر من الحفلة ذاتها التي لم يتوضح أي شرق جديد تهدف إليه. شرق أسمهان؟ طبعاً لا ، فالأغنيات الثلاث التي أدتها ياسمينا لجدتها وهي: "يا حبيبي تعال"، "ليالي الأنس في فيينا" و"دخلت مرة في جنينة" لم تكن أسمهانية تماماً، لا صوتاً ولا أداءً ولا روحاً أو نفَساً. وبدا صوتها متموجاً، يخفت حيناً ويعلو حيناً من دون مبرر فني، ولم يخل غناؤها الأسمهاني من البطء المقصود ربما الذي لم يبلغ غايته. صوتها جميل، حي، نضر، ولكن يحتاج إلى الكثير من التمرس في الغناء الشرقي، إلى التمرين، إلى اكتشاف النغمة العربية وعيشها.
ومعروف أن ذائقة ياسمينا ليست عربية ولا شرقية كما قالت مرة، بل غربية وأفرو- أميركية. لكن ما أنقذ هذه الأغنيات هو التوليف الموسيقي الجميل والمتقن الذي اعتمده غبريال يارد، مازجاً بين اللونين الشرقي والغربي، على الرغم من أن يارد متخصص في الموسيقى الغربية الكلاسيكية والحديثة. أما الأغنيات الأخرى التي كتبت ياسمينا كلماتها بنفسها، ومنها "نام حبيبي" و "وديني حبيي" و "خلصني من شرّك"، فلم تكن في حجم جو الحفلة والعزف. إنها أغنيات عادية جداً في كلماتها التي كتبتها ياسمينا على الرغم من أنها لا تجيد العربية تماماً وأنها نادراً ما تحكي بها، فلغتها هي الفرنسية. كلمات الأغنية جاءت خفيفة جداً وسطحية وحاولت فيها أن تقلد زياد الرحباني حيناً وأغاني الشانسونييه حيناً آخر، وهدفها التعبير عن الواقع اليومي والمشاكل الصغيرة والحب... تقول احدى الأغنيات :"نام حبيي بالأحلام / لا في حرب ولا في قتال/ لا في ضرب ولا في قواص...". وقد صاغ يارد هذه الأغنيات على طريقته مع أنه غير متمرس في شؤون التلحين الشرقي على عكس نجاحه الكبير في التأليف الموسيقي الغربي.
لكن إطلالة ياسمينا على المسرح كانت لطيفة جداً بظرفها وجمالها وفستانها الجميل جداً... لكنها تحتاج فعلاً إلى العمل الدؤوب على فن الغناء والطرب وإلى صقل صوتها الضائع الهوية والاعتناء بأدائها غير المتناغم. وقد لا تُلام، فهي تصعد المسرح للمرة الأولى وتخوض مغامرة خطرة وغير مضمونة العواقب. وياسمينا متخصصة في التحليل النفسي وتملك عيادة في سويسرا.