ملخص
في ديسمبر الماضي أعلنت #السلطات_التونسية عزمها الشروع في ترحيل المهاجرين غير النظاميين إلى بلادهم إلا أن منظمات حقوقية سارعت لرفضها باعتبار أنها تستهدف فئة من الفئات الهشة.
يواجه المهاجرون الأفارقة في تونس أياماً عصيبة على وقع حملة سياسية وأمنية قوية ضدهم، وهو ما دفع منظمات وجمعيات تونسية إلى التنديد بما سمته تصاعد الخطاب العنصري ضد هؤلاء الذين يراود كثيرين منهم حلم العبور إلى الضفة الأخرى من المتوسط.
ويقود الحزب القومي التونسي، وهو حزب حصل على تأشيرة قانونية لبدء نشاطه السياسي في عام 2018، حملة ميدانية لحض السلطات على طرد المهاجرين الأفارقة، معتبراً أن هناك مخططاً لـ"الاستيطان الإجصي"، والإجصي تعني حسب هذا الحزب المهاجرين المنحدرين من أفريقيا جنوب الصحراء.
وبات الحزب القومي في مرمى اتهامات منظمات وجماعات حقوقية بتبني خطاب عنصري ضد المهاجرين الأفارقة الذين يبلغ عددهم بحسب أرقام نشرت في عام 2021 نحو 21 ألف مهاجر قدموا من دول مثل كوديفوار وتشاد ومالي وغيرها.
وتحبط عناصر الحرس الوطني في تونس باستمرار محاولات للعبور نحو السواحل الأوروبية، حيث وصل إلى إيطاليا في عام 2022 أكثر من 32 ألف مهاجر بينهم 18 ألف تونسي.
أيديولوجية عنصرية
ونددت 20 منظمة وجمعية تونسية بتنامي الخطاب العنصري ضد المهاجرين الأفارقة من بينها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وذلك غداة تكثيف الحزب القومي لنشاطه الميداني ودعواته إلى ترحيل هؤلاء.
وبالتوازي، ألقت السلطات التونسية القبض على ما لا يقل عن 300 مهاجر بحسب بيان مشترك نشرته تلك المنظمات التي استنكرت انتهاكات حقوق الإنسان التي يتعرض لها المهاجرون من "إعادة قسرية فورية على الحدود تحت تهديد السلاح".
وقالت نائبة رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، نجاة الزموري، إن "من حق الأحزاب أن تنشط ونحن مع التعددية الحزبية والسياسية، لكن ما نشهده اليوم من هذا الحزب هو خطاب شبيه بخطابات الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا مبني على أيديولوجيا عنصرية تجاه المهاجرين".
وتابعت الزموري لـ"اندبندنت عربية" أن هناك إشكالاً، حيث لم تنجح الدولة في التعاطي مع المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء بالشكل المطلوب، ولم تستبق بإجراءات تحل هذه المشكلة، وترى أن الحل ليس بإقصاء هؤلاء أو سجنهم، معتبرة ذلك "سلوكاً عنصرياً مبنياً على رفض الغير في الوقت الذي بات فيه تونسيون بإيطاليا وغيرها ضحايا مثل هذه السلوكيات بخاصة تحت الأنظمة اليمينية".
وشددت على أنه "يجب ألا ننسى أن حق التنقل مكفول بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية، فمن حق الأفارقة التنقل من أجل البحث عن وظائف سواء في تونس أو غيرها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتصاعدت وتيرة الهجرة غير النظامية للأفارقة من دول جنوب الصحراء إلى تونس بعد عام 2011 الذي شهد تفجر الوضع في ليبيا، بعد انتفاضة شعبية ضد حكم معمر القذافي انتهت بغرق البلاد في فوضى أمنية سهلت عمليات مرور المهاجرين الطامحين للعبور إلى أوروبا.
وقالت الزموري إن "تونس استقبلت المهاجرين من جنوب الصحراء إثر الثورة الليبية حيث مثلت منطقة عبور، لكن في السنوات الأخيرة أصبحت أرض توطين بوجود سوق شغل لا يقبل عليها التونسيون وتمثل فرصاً للأفارقة".
ويعمل أغلب الأفارقة في المطاعم والمقاهي وجني الزيتون وهي مهن تشهد نفوراً من التونسيين، الذين واجهوا منذ عام 2011 صدمات اقتصادية واجتماعية متتالية بعد سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.
"استيطان إجصي"
على مواقع التواصل الاجتماعي أو ميدانياً، يشن الحزب القومي التونسي حملة قوية تستهدف الضغط على السلطات لترحيل المهاجرين بدعوى أنهم يسعون لإقامة مستوطنات في بلاده.
وقال الأمين العام للحزب، حسام طوبان، إن "خطابنا واضح منذ بدأنا الحملة منذ عام ونصف العام، ومن يتهمنا بالعنصرية نجيبه بأننا لا نريد سوى تطبيق القانون، فالإشكال ليس في اللون أو الجنس، نطالب بترحيل المهاجرين غير الشرعيين الذين يرتكبون جرائم، ونطالب بتطبيق القانون 7 الصادر عام 1968 وهو الحاسم في تلك المسألة".
ويتضمن القانون المذكور خمسة أبواب تتعلق بوضع الأجانب في تونس، والحالات التي يجب فيها طردهم أو منحهم بطاقة الإقامة أو العقوبات التي تسلط في حالات معينة.
وأبرز طوبان أن "الحزب يطالب بفرض تأشيرة على القادمين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، وكانت مقررة قبل إلغائها في عام 2014، ولا نطالب سوى بتطبيق القانون واليوم نشهد تقدماً في حملتنا من خلال نشر الوعي لدى التونسيين بوجود مشروع استيطاني بدعم وتمويل من الاتحاد الأوروبي، فالمشكلة ليست في الهجرة، بل في المشروع".
ولفت إلى أن "الحزب قدم تقريراً مفصلاً حول هذا المشروع إلى السلطات من رئاسة جمهورية ورئاسة حكومة وولاة، وعلى ضوء هذا التقرير تم استدعاؤنا وعقدنا جلسات معهم، حيث طلبنا إجراء تحقيقات حول منظمات وأحزاب أنشأها هؤلاء المهاجرون في تونس بشكل غير قانوني".
وشدد على أن "الحزب ليس لديه أي مشكلة مع المهاجرين، بل يحذر من سعي أوروبا إلى التخلص من الأفارقة بتوطينهم في تونس، والأزمة تكمن هنا في التغيير الديموغرافي للبلاد".
ويصطدم هذا الخطاب بانتقادات حادة خصوصاً أن تونس سبق أن صادقت في عام 2018 على قانون يتعلق بالتصدي والقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، ولم تعلق السلطات على موقفها من هذه الحملة ولم تعلن عن إجراءات في حق المهاجرين الأفارقة.
حملة سياسية
ويبدو أن الحزب القومي التونسي شأنه شأن بقية المنادين بترحيل المهاجرين الأفارقة يسعى إلى استثمار المناخ السياسي العام في تونس لتسريع وتيرة حملته لا سيما أن السلطات تتفاعل إيجاباً معهم على الأرجح.
ففي ديسمبر (كانون الأول) الماضي أعلنت السلطات التونسية عزمها الشروع في ترحيل المهاجرين غير النظاميين إلى بلادهم في خطوة سارعت منظمات حقوقية إلى رفضها باعتبار أنها تستهدف فئة من الفئات الهشة.
وتوصل مجلس وزاري عقد بإشراف رئيسة الحكومة، نجلاء بودن، في ديسمبر إلى ضرورة البدء في ترحيل هؤلاء "نظراً إلى وضعيتهم غير القانونية".
وقال المحامي والناشط الحقوقي، علاء الخميري، إن "الحملة عنصرية ولا معنى لها قانونياً، وموجهة للمهاجرين من جنوب الصحراء، بالتالي هي ليست حملة ضد الهجرة عموماً مهما كان مصدرها، بل تستهدف فئة معينة".
ورأى الخميري في تصريح خاص أنه "ربما هناك هدف سياسي وراء هذه الحملة، حيث يسعى هذا الحزب إلى تعزيز موقعه لا سيما في ظل صعود الشعبوية من خلال طرح خطاب سياسي يركز على السيادة وغير ذلك".
وشدد على أن "المسؤولية الآن ملقاة على عاتق السلطة لمنح بطاقات إقامة لحدوث تعطيلات في السابق، وهناك اختلاف بين المهاجرين وطالبي اللجوء"، موضحاً أن "المفوضية السامية لشؤون اللاجئين مثلاً تسدي بطاقات لاجئ لهؤلاء، بالتالي وضعيتهم قانونية".
ومع سعي المنادين بترحيل المهاجرين لاستغلال حوادث مختلفة مثل الاشتباك الذي حدث بين عدد من أهالي محافظة صفاقس (جنوب) مع عدد من المهاجرين، فإنه من المتوقع أن يتفاقم السجال في شأن وضع هؤلاء، خصوصاً في ظل اتهامات للسلطات بإبرام اتفاقات غامضة مع الأوروبيين في شأن الهجرة.