ملخص
تُعد تحركات #الاتحاد_الأفريقي في #ليبيا محدودة بالنظر إلى التدخلات الإقليمية الأخرى
دفع الاتحاد الأفريقي بمساعٍ مكثفة من أجل تنظيم مؤتمر للمصالحة في ليبيا التي غرقت في آتون حروب أهلية بعد انتفاضة 17 فبراير (شباط) 2011 التي وضعت حداً لحكم معمر القذافي.
وظل ملف المصالحة الذي تتشابك فيه المعطيات السياسية بالأمنية والحقوقية، يراوح مكانه على رغم جهود كان أطلقها محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي الحالي، الذي تشكل في إطار الحوار السياسي الذي عُقد بجنيف السويسرية في عام 2021.
وأطلق المجلس الرئاسي في 8 يناير (كانون الثاني) الماضي، الملتقى التحضيري للمصالحة الوطنية، لكن جهود المجلس الذي تُعد صلاحياته محدودة بشكل كبير، في هذا الملف يكتنفها الغموض خصوصاً مع استمرار معضلة المرتزقة والقوات الأجنبية والميليشيات الخارجة عن سلطة الدولة في ليبيا.
فرص كبيرة
ويثير إعلان الاتحاد الأفريقي عزمه رعاية مؤتمر للمصالحة الليبية، تساؤلات حول فرص نجاحه في إحداث اختراق في هذا الملف لا سيما أن ذلك يتزامن مع تصاعد الحديث عن إمكانية تشكيل حكومة ثالثة موحدة بعد أشهر من الصراع المحموم بين حكومتين.
والمثير للاهتمام أن رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي محمد، ذهب إلى أبعد من الإعلان عن عزم التكتل الإقليمي رعاية المصالحة، إلى التأكيد أنه أجرى مشاورات مع مختلف الأطراف الليبية حول مكان وموعد عقد المؤتمر.
وقال النائب في البرلمان الليبي، عبد المنعم العرفي، "إن فرص هذا الاجتماع كبيرة باعتبار أن ليبيا كانت إحدى الدول المؤسسة للاتحاد الأفريقي، ولطالما سعت إلى حل مشكلاته وهو ما يجعل كل الفرقاء الليبيين يراهنون عن دور الاتحاد في هذه المرحلة". وتابع العرفي في تصريح لـ "اندبندنت عربية" أن "المجتمع الدولي أيضاً من خلال تصريح الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أكد أنه لا بد من الالتفات إلى أفريقيا وخلق استقرار فيها، ولا ننسى أن ليبيا بوابة لأفريقيا يحيط بها جيران لهم مكانتهم وأوضاعهم الخاصة، وهو ما يجعلنا نتطلع إلى أن تحل أفريقيا مشكلاتها وتفرض وجودها كقارة ذات سيادة".
إلا أنه لا يمكن إتمام المصالحة من دون قرارات جريئة، على غرار إجلاء المرتزقة وتوحيد المؤسستين الأمنية والعسكرية وتفكيك الميليشيات، حيث قال فكي للصحافيين في ختام القمة الأفريقية التي التأمت أخيراً في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، إنه "تم طلب مغادرة المرتزقة وينبغي بالضرورة أن يتحاور الليبيون. أعتقد أنه شرط مسبق للمضي نحو انتخابات في بلد هادئ".
من جهته، قال النائب العرفي إنه "من أجل المصالحة الوطنية الشاملة يجب إطلاق سراح كل سجناء الرأي وعدم احتسابهم لا على نظام القذافي ولا ثورة فبراير وجبر الضرر وتعويض المتضررين ودفع التعويضات للذين قُتلوا أو غيبوا قسراً".
وشدد على أنه "يجب توحيد المؤسسات وإخراج كل القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، سواء سوريين أو أتراك أو سودانيين أو تشاديين، ومن خلال هذه الخطوة يمكن تحقيق المصالحة، مع إعادة المهجرين من فزان وبرقة وغيرهما".
وتسببت الحروب الأهلية الليبية بجروح غائرة لم تندمل بعد على غرار ما حدث مع المهجرين من مدينة تاورغاء الذين هاجمتهم ميليشيات من مدينة مصراتة غرب البلاد خلال أحداث انتفاضة 17 فبراير. ولم ينجح هؤلاء المهجرين، البالغ عددهم 40 ألفاً بحسب إحصائيات رسمية، في العودة إلى ديارهم بعد، على رغم مرور أكثر من 12 سنة على مغادرتهم إياها.
ملف محوري
وتسعى أطراف سياسية عدة في ليبيا إلى منح ملف المصالحة الأولوية، لا سيما أن ما حدث في العقد الذي تلى سقوط البلاد في الفوضى شهد أحداثاً تسببت بشرخ عميق في الشارع الذي أضحى منقسماً على نفسه بشكل كبير.
وتتنازع الحكم في ليبيا الآن حكومتان، واحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة (حكومة الوحدة) تسيطر فقط على العاصمة طرابلس حيث تقع المؤسسات الحساسة التي تموّل الموازنة العامة مثل مؤسسة النفط والمصرف المركزي، والثانية مدعومة من البرلمان يرأسها فتحي باشاغا وتتخذ من الشرق الليبي مقراً لها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي يناير الماضي أكد المبعوث الأممي السنغالي، عبدالله باتيلي، أن "عملية المصالحة لن تكتمل إلا بوجود حكومة موحدة"، وهو ما ضاعف التكهنات بوجود نية لتشكيل حكومة جديدة تقطع مع الانقسام الراهن وهو مقترح يطرحه أيضاً رئيس البرلمان عقيلة صالح.
وتعليقاً على ذلك، رأى الباحث في مركز الأهرام للدراسات، أحمد عليبة، أن "ملف المصالحة محوري وتم طرحه منذ تشكيل الحكومة الجديدة في إطار عملية برلين ومسار جنيف في 2021، لكن الأمر كان نوعاً من الدعاية السياسية قبل أن يعود هذا الملف إلى الواجهة مجدداً".
وأردف عليبة أن "المجلس الرئاسي بدأ يحمل هذا الملف وتم عقد اجتماع في العاصمة طرابلس، وكان مبشراً إلى حد كبير بخاصة من خلال مؤشر كان دالاً، بحضور وفد يمثل النظام السابق، لكنه اعترض بعد ذلك على المشاركة بسبب علم "ثورة فبراير" الذي يعتبر أنه علم الملكية. لكن تحرك الاتحاد الأفريقي اليوم يعكس دوراً خاصاً به".
فهل بإمكان الاتحاد الأفريقي التأثير على أطراف الأزمة الليبية؟
دور هامشي
تُعد تحركات الاتحاد القاري في ليبيا محدودة بالنظر إلى التدخلات الإقليمية الأخرى، حيث تملك العديد من الدول مثل تركيا وروسيا مرتزقة وقوات تعمل كوكلاء لها وتدعم أطراف الأزمة، ما يجعلها قادرة على التأثير في قرارات الفرقاء هناك، بينما يفتقر الاتحاد الأفريقي إلى تلك القدرة على التأثير.
وقال رئيس حزب "المؤتمر الوطني الحر" في ليبيا، بشير السعداوي، إن "دور الاتحاد الأفريقي في السنوات الماضية كان مقلصاً وهامشياً، لكن بإمكانه تطوير هذا الدور من خلال تكليف مندوبين يقودون ملف المصالحة".
ورأى السعداوي أن "خطوة الاتحاد تبقى إيجابية باعتبار أنه منذ مسكه ملف المصالحة الوطنية تحرك نوعاً ما، لكن هذه المحاولات ستبقى يتيمة إذا لم تمس الشعب الليبي مباشرةً من خلال التعويض والعدالة الانتقالية، فإنها ستظل تحركات على الهامش بسبب غياب الدولة".
وأكد المتحدث أنه "يجب أن يكون هناك خط سياسي يسند المصالحة من خلال إقامة الدولة التي تسيطر على الحدود وتبسط الأمن على كافة أرجاء البلاد"، لافتاً إلى أنه "يجب تشكيل حكومة موحدة وجبر الضرر للمتضررين من الحروب الأهلية، وهذا لا يمكن أن تقوم به إلا الدولة، ولا بد أن يتم التركيز على الملف السياسي وهناك محاولات لتشكيل حكومة ثالثة وهذا مهم جداً".
وبحديثه عن ضرورة إخراج المرتزقة الذين يتجاوز عددهم الـ 20 ألفاً في كافة أنحاء ليبيا بحسب أرقام رسمية تعود إلى عام 2021، فإن إعلان الاتحاد الأفريقي يكون قد اكتسى طابعاً جدياً بحسب مراقبين.
وقال أحمد عليبة إن "المسألة المهمة هي التأكيد أيضاً في أكثر من مناسبة في البيانات الليبية على وجود خطوات إيجابية في المصالحة، ورأينا الإفراجات عن رموز النظام السابق، الاتحاد الأفريقي يريد بالفعل من خلال حلحلة هذا الملف القيام باختراق مهم في المسار السياسي وتهيئة الأوضاع للاستقرار بشكل أو بآخر".
وشدد على أن "الاتحاد الأفريقي جاد، خصوصاً أن الاجتماع المقرر عقده، سيكون في ليبيا، لكن ما زالت هناك خطوات يجب القيام بها في سبيل تحقيق هذا الهدف من خلال ردم الفجوة التي أفرزتها الأوضاع السياسية الراهنة وموقف الأطراف السياسية من رموز النظام السابق لأن أساس المصالحة يقوم على عدم إقصاء أي طرف''.
وشهدت ليبيا أخيراً الإفراج عن المسؤول البارز في نظام القذافي، عبدالله منصور، في خطوة سارع رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة إلى الترحيب بها. لكن هذه الخطوة لا يمكن أن تكون حاسمة في مسار المصالحة إذ يقبع كثيرون في السجون، مثل رئيس جهاز الاستخبارات السابق عبدالله السنوسي الذي يواجه إمكانية تسليمه إلى الولايات المتحدة، كما يواجه كثيرون في ليبيا من المخفيين قسراً مصيراً مجهولاً، فيما يستمر بقاء المرتزقة وسط غياب أي مؤشر عن إمكانية سحبهم في الظرف الراهن.