ملخص
ولد أحمد #شاملو في #طهران، وأمضى طفولته في مدن مختلفة من البلاد، نظراً إلى كون والده ضابطاً كبيراً وشديد القسوة و"ذا نزعة متمردة"، بحيث تضطر قيادته إلى نقله لترتاح من مزاجيته.
أعمال الشاعر الإيراني الكبير الراحل أحمد شاملو (1925-2000) صدرت حديثاً بالترجمة العربية عن منشورات الجمل، وقد أنجزها الشاعر العراقي غسان حمدان ، العارف بالأدب الإيراني الحديث والعامل النشط على نقله إلى العربية.
ولد أحمد شاملو في طهران، وأمضى طفولته في مدن مختلفة من البلاد، نظراً إلى كون والده ضابطاً كبيراً وشديد القسوة و"ذا نزعة متمردة"، بحيث تضطر قيادته إلى نقله لترتاح من مزاجيته. تأثر شاملو بالنزعة النازية، في مراهقته، إلا أنه سرعان ما انتمى إلى حزب تودة الشيوعي الإيراني، وبقي فيه إلى حين مغادرته إيران أواخر السبعينيات، إثر قمع سلطات الشاه هذه الحركة وملاحقتها شاملو، ومنعها نشر أعماله.
عمل الشاعر في الصحافة محرراً رئيساً في عديد من المجلات الصادرة في حينه، مثل "دفتر كيهان الشهري"، و"دفتر الأسبوع"، و"دفتر الجمعة"، وغيرها، كما كانت للشاعر اهتمامات بالمسرح، إذ ألف عديداً من المسرحيات، وأسهم في إخراج البعض منها، واقتباس البعض الآخر. وكان لديه اهتمامات في علم اللغة، وترجم عديداً من الأعمال الشعرية، لكل من بول إيلوار وماياكوفسكي ولوركا وبريفير وأراغون وأبوللينير وسانت إكزوبيري إلى اللغة الإيرانية. وفي المقابل، نقلت بعض أعماله إلى الفرنسية والألمانية.
في الكتاب الجامع، المشار إليه أعلاه، وهو كناية عن مختارات شعرية للشاعر أحمد شاملو، من مختلف المراحل التي انطبعت كل منها بطابع مختلف، وأصدر في خلالها أعمالاً شعرية مناسبة ودالة على انشغالات الشاعر وأفكاره وتصوراته. وفي هذا السياق، اقترح المترجم أن تقسم هذه المختارات ثلاثة أقسام، في ثلاث مراحل على التوالي هي: مرحلة الشعر الاجتماعي والسياسي، حين كان لا يزال ناشطاً في حزب توده، تعقبها مرحلة المرايا، أي تلك التي تلونت بحضور زوجته الثانية الحبيبة آيدا وغلبة الشعر الغنائي على ما عداه. أما المرحلة الثالثة، فهي التي يغلب فيها الطابعان "الفلسفي والفكري"، وقد اختلطا بعديد من المفاهيم السابقة، وبالصور والنماذج القديمة والرموز، مما سيرد لاحقاً في التعريف بكل مرحلة وبالقصائد التي تكونها.
شاعر ملتزم وشاهد على زمانه
يمكن القول إن الشاعر الإيراني الحديث أحمد شاملو لم يكن شاهداً على عصره، وبيئته الصغرى والكبرى، أعني وطنه والطبقات الفقيرة التي ما وني يدافع عنها فحسب، بل كان أيضاً صانع رؤى يضمنها لغته الشعرية التي تعاظم تكوينها، منذ فتوة الشاعر، وتزامناً مع نضالاته حيناً ضد الإنجليز، محتلي بلاده إبان الحرب العالمية الثانية، وحيناً آخر ضد سلطة الشاه التي كان وصفها بالمستبدة. فمن قصيدته بعنوان (23) نقتبس الآتي: "معكم أنتم يا من وقعتم بدماء الحب، والإيمان/ بدماء العسكريين، الخيول/ بدماء التشبيهات الكبرى/ بدماء الرؤوس الجصية في الخوذات الفولاذية/ بدماء ينابيع بحر ما/ بدماء ارتباك يد ما/ بدماء أولئك الذين يبحثون عن الإنسانية/ بدماء أولئك الذين يبحثون عن الإنسانية/ معكم أنتم يا من وقعتم في الميدان الكبير/ على ديباجة تاريخنا/ سنمزج دماءنا/ غداً في الميعاد/ لكي نسقي العدو كأساً من خمر الموت" (ص:37).
فمن الواضح هنا أن الشاعر يكثر من استخدام الرموز المعبرة عن نضالية شيوعية كان أميناً لها، من خلال انتمائه إلى حزب توده الشيوعي الإيراني، ومن خلال سنوات سجنه وتعرضه للتعذيب والقمع ومعاناته التي فرضها عليه سعيه الدؤوب في سبيل المطالبة بالحرية والتحرر وتحقيق المساواة بين طبقات شعبه، على ما يقوله في قصيدة "إلى زهرة قميص حمراء": "أحمل على ظهري حجراً،/ حجر الألفاظ/ حجر القوافي.../ هكذا أنا. أحمق ربما!/ من يدري أنني/ يجب أن أحمل على ظهري/ أحجار سجني/ كابن مريم الذي حمل صليبه؟/ وليس مثلكم/ يا من تنحتون مقابض سياط جلاديكم/ من عظام أخوتكم/ وتحيكون ضفائر سياط جلاديكم/ من ضفائر أخوانكم" (ص: 41-42).
وعلى هذا النحو يمضي الشاعر في مخاطبة صديقه الكوري شن - تسو وهو يرثي رفاقاً له، لهما، أعدموا في معتقل داخاو، ومون واله رين، وغيرهما، عبر "النشيد الكبير". كذلك الأمر، يواصل شاملو عرض رؤيته الفكرية إلى جانب رمزيته النضالية في مجموعاته الشعرية، على توالي ظهورها، من مثل: الحديد والمشاعر، والهواء المنعش، حيث يرثي شهداء الحزب الشيوعي الإيراني، القتلى في سبيل الشعب، ومن أجل أن يزهر الربيع، كما في قصيدة "موت نازلي"، في إشارة إلى أحد أعضاء منظمة الشبيبة التابعة للحزب الشيوعي الإيراني، ويدعى وارطان سالاخيان، والملقب بنازلي، وقد رفض البوح بأسماء رفاقه: "يا نازلي، لقد ابتسم الربيع وتفتحت أزهار الأرجوان/ وفي البيت، ازدهرت شجرة الياسمين العجوز، تحت النافذة./ دع عنك الظنون/ لا تصارع الموت النحس!/ فالوجود خير من العدم، وخاصة في الربيع/ لم يتكلم نازلي/ وبشموخ/ كظم غيظه ورحل" (ص:100-101).
نشيد الرجل التائه
مضى زمن النضال، وكثير من مثالاته التي لازمت معتقده الشيوعي، ونفر أحمد شاملو من عبادة الشخص (الزعيم) ومن تبخيس قيمة الحرية مبدأً ساميا في النضال والحياة والإبداع، فمال به الحب والغنائية إلى وجهة أخرى، مكملة للأولى، ذاك أنه أحب آيدا سركيسيان، ونظم لها عديداً من القصائد المفعمة بالتأملات الصوفية والمحاكية في بنيانها لقصائد عمر الخيام ذات التقسيمات المقطعية، ولا سيما "آيدا في المرآة"، القائل في قصيدة "أربعة أناشيد لآيدا": "في هذا الطريق الملتوي/ حيث أنتظر فيه بمشقة/ عليَّ أن أصنع مظلة من الخشب والحجر/ فالأمل/ قادم من سفر متأخر/ واحسرتاه/ فمنذ وقت/ ليس لي سقف فوقي/... من أنت/ لأردد اسمي هكذا/ واثقاً/ لك/ وأضع مفتاح بيتي في يدك/ وأقسم خبز مسراتي معك/ وأجلس بجانبك/ وأضع رأسي على حجرك/ وأنام هادى البال؟" (ص:239-240-241).
ومن قصيدة "النهر" هذا المقطع الشعري: "قولي أجمل كلامك/ واكشفي عن العذاب الخفي لصمتك/ ولا تخشي حين يقولون لك/ إنك تنشدين أغنية عبثية/ لأن أغنيتنا ليست أغنية عبثية/ فحبنا/ ليس كلاماً عبثياً/ ومن أجل غدنا/ دعي الشمس تشرق/ إن كانت تحملنا منيتها/ فالحب/ هو الغد/ وأبدي" (ص:274-275).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي ما يأتي من مجموعات شعرية، صادرة في سبعينيات القرن العشرين "العنقاء تحت المطر" (1965-1966)، يقف الشاعر شاملو فيها متأملاً في الطبيعة وما أساء البشر إليها، وينظر في آلام البشر بصورة عامة، ويتخذ لنفسه رموزاً أثيرة وذات دلالات، نظير ما نراه في قصيدة "موت الناصري" التي يروي فيها قصة الصلب الأليمة، رمزاً لكل معذب بري في الدنيا: "بصدى رتيب/ رتيب/ ترسم خلفه/ مؤخرة الحمل الخشبية/ خطاً ثقيلاً مرتعشاً/ على التراب/ ضعوا على رأسه تاج الشوك"/ أسرع أيها الناصري، هيا/ تخلص من الرحمة التي أحسها في نفسه/ وحدق كبجع متغطرس/ إلى نقاء ذاته" (ص:297-298).
ولئن كان صوت الشاعر شاملو قد خفت في النضال، والدفاع عن حقوق البشر، في المرحلة الأخيرة من شعره، فإنه لم يتوان عن رثاء عديد من رفاقه، من "مجاهدي خلق" الذين أعدمتهم سلطات الشاه، في حينه، مثل قصيدته بعنوان "نشيد إبراهيم في النار": "واحسرتاه، يا أيها الليث رجل الحديد/ إذ كنت ميتاً/ قبل أن تتهاوى على الأرض/ كالجبل/ صنديداً وصامداً/ كالجبل/ إلا أنه لم يكن الرب ولا الشيطان/ وإنما صنم/ يعبده الآخرون/ من قرر مصيرك/ صنم يعبده الآخرون" (ص:369).
وفي المرحلة الأخيرة التي انتهت برحيله مشرداً ومدمناً على الممنوعات في أوروبا التي لجأ إليها هرباً من سطوة الشاه، ترك الشاعر إرثاً لا بأس به من قصائد النثر التي تراوحت موضوعاتها بين رثاء الكبار من المناضلين (تشي غيفارا)، والتأمل في المناظر الطبيعية، والتنبيه من غياب الإنسان وغربته القاتلة عن أرضه وشعبه وأحبابه، وفي العجز عن التقاط اللحظة، وغيرها من القضايا السانحة والجوهرية. "ألمسك فأدرك العالم/ أفكر بك/ وألمس الزمان/ معلقاً، بلا حدود/ وعارياً/ أهب، أهطل، أشع/ أنا السماء/ والنجوم والأرض/ والقمح الفواح الذي يتسنبل/ راقصاً/ قي روحه الخضراء" (ص:443).