Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الغزو الروسي لأوكرانيا استقطب آلاف المقاتلين المتطوعين من العالم

آلاف من المواطنين الأجانب تدفقوا على أوكرانيا لمقاومة الغزو الروسي. ريتشارد هول التقى بعض أولئك الذين يخاطرون بحياتهم في دائرة النزاع القائم

مالكولم نانس يقول إنه لم يرد العودة إلى الولايات المتحدة للعمل محللاً عسكرياً (غيتي/مالكوم نانس)

ملخص

خلال العام الذي انقضى على شن #روسيا غزوها لـ #أوكرانيا حمل عشرات آلاف #المتطوعين_الأجانب من مختلف أنحاء العالم السلاح لصد القوات الروسية

في أحد أيام أبريل (نيسان) من العام الماضي، كانت شبكة "أم أس أن بي سي" الأميركية تجري مقابلة مع مالكولم نانس الموجود في مدينة لفيف غرب أوكرانيا، عندما حلق صاروخ "كروز" روسي في سماء المنطقة. كان نانس قد ظهر على شاشة المحطة محللاً للأحداث الدائرة هناك، وتمت الاستعانة به ليتحدث استناداً إلى الخبرة التي اكتسبها على مدى حياته المهنية الطويلة في الجيش الأميركي. وقد تعقب الصاروخ الروسي بواسطة بوصلة، وقدم تعليقه في الوقت الذي كان فيه الصاروخ يتوجه نحو هدفه.

بعد ساعات قليلة، عاد الرجل إلى الشاشة مرة أخرى. لكنه هذه المرة كان يرتدي زياً عسكرياً، ويعتمر خوذة، ويحمل بندقية هجومية، معلناً قراره الانضمام إلى القتال ضد الغزو الروسي. وقال في البث الذي كشف فيه للمرة الأولى عن انضمامه إلى وحدة من المقاتلين الأجانب داخل الجيش الأوكراني: "كلما شاهدت تطورات هذه الحرب، سئمت من الكلام".

خلال العام الذي انقضى على شن روسيا غزوها لأوكرانيا، حمل عشرات آلاف المتطوعين الأجانب مثل نانس من مختلف أنحاء العالم السلاح لصد القوات الروسية. ومن بين هؤلاء محاربون قدامى، ومغامرون، ومقاتلون أيديولوجيون، وعاملون في المجال الإنساني. بعضهم يتقدم للتطوع لإعادة اكتشاف الذات، فيما البعض الآخر يهوى الكفاح من أجل قضية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى رغم أن عدد هؤلاء الأفراد قد لا يكون كبيراً مقارنة بالأحجام النسبية للقوات المسلحة الأوكرانية والروسية، فإنهم يأتون بتجربة فريدة من نوعها ويجذبون اهتمام الرأي العام إلى دائرة الصراع.

وبحلول الوقت الذي أعلن فيه مالكولم نانس قراره خلال وقت الذروة من المشاهدة التلفزيونية، كان قد مضى شهر تطوعه في صفوف الجيش الأوكراني. ففي 27 فبراير (شباط) الماضي، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن تشكيل "الفيلق الدولي للدفاع الإقليمي لأوكرانيا" International Legion of Territorial Defense of Ukraine - وهو وحدة مخصصة للمقاتلين الأجانب الذين أرادوا محاربة الغزو الروسي - داعياً الناس إلى "الانضمام إلى الدفاع عن أمن أوروبا والعالم". وسارع نانس إلى الانضمام إلى هذه الوحدة في اليوم التالي.

العسكري السابق في الجيش الأميركي قال لـ"اندبندنت"، "لدى استفساري طلب مني أن أتوجه إلى السفارة الأوكرانية، للحصول على التعليمات اللازمة. وهذا ما فعلته".

قبل الحرب، كان نانس يجوب المناطق الأوكرانية في إطار عمله محللاً لشبكة "أم أس أن بي سي"، وكان يبحث في الطرق المختلفة التي يمكن أن تشن بها روسيا غزوها. وخلال تجواله، أقام صداقات مع عدد من الجنود الأوكرانيين الذين التقاهم. لكن عندما اندلعت الحرب، شعر بأن عليه أن يقوم بشيء ما.

ويقول في هذا الإطار، "كنت أتلقى اتصالات من أشخاص قابلتهم في أوكرانيا عندما كنت على جبهات القتال، وقد قالت لي مترجمة كنت أعرفها في الجيش إن ’عدد قذائف المدفعية التي سقطت علينا في الساعات القليلة الأخيرة، توازي مجموع ما تعرضنا له في الأعوام الأربعة الماضية. أعتقد أننا سنموت‘". ويضيف نانس "في تلك اللحظة، فكرت في قرارة نفسي بأنه يتعين عليَّ القيام بشيء حيال ذلك".

وأردف قائلاً: "لم أكن أرغب في العودة إلى الولايات المتحدة لأقوم بالإشارة إلى خارطة للقتال. ليست تلك في الواقع طبيعتي. لن أكون قادراً على النظر إلى نفسي في المرآة، إذا لم يكن في مستطاعي مساعدة هؤلاء الأشخاص الذين تركوا أثراً في نفسي".

كان نانس إلى حد ما فريداً بين المتطوعين نظراً إلى ما يتمتع به من خبرة عسكرية واسعة. فقد خدم في البحرية الأميركية على مدى 20 عاماً، وتخصص في مجال الاستخبارات ومكافحة الإرهاب. وبعدما ترك الخدمة العسكرية، عمل لحسابه في مجال الاستخبارات والأمن في كل من العراق وأفغانستان وشمال أفريقيا.

لكن "الفيلق" شهد انضمام عدد من المحاربين القدامى الآخرين. فقد قاتل بعض المتطوعين فيه من أمثال البريطاني مايسر غيفورد (اسم مستعار يستخدمه لحماية هويته) في ألوية دولية أخرى من قبل.

وكان غيفورد في عام 2015 من بين مئات المتطوعين الدوليين الذين ذهبوا إلى سوريا لمحاربة "تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش)، وانضم إلى المقاتلين الأكراد. ولم يكن ينوي المشاركة في حرب أخرى، لكن بعض رفاقه القدامى من سوريا كانوا قد انتقلوا للقتال في شرق أوكرانيا.

وبعد زيارة قام بها لأوكرانيا قبل الغزو مباشرة، كانت خطته الأولية تقضي بأن يتوجه إليها في مهمة إنسانية. وقال لـ"اندبندنت" عبر الهاتف من كييف، "كنت أعتقد بأنه يمكنني القيام بأكثر من مجرد القتال هنا".

قام غيفورد بأنشطة إنسانية لفترة من الوقت. وعمل على جمع آلاف من الجنيهات من التبرعات، واشترى حزمات عدة من رزم الإسعافات الأولية، ونقلها شخصياً إلى أوكرانيا. وانتقل عبر البلاد لتدريب الجيش الأوكراني على الإسعافات الأولية. لكن بعد مشاهدته مقطع فيديو لأصدقائه القدامى الذين كانوا في سوريا وهم يقاتلون على الخطوط الأمامية، وتمضيته بعض الوقت في البلاد، بدل رأيه.

ويقول في هذا الإطار: "بعد مرور ستة أشهر على وجودي في أوكرانيا، تحدثت خلالها مع مزيد من الناس واندمجت في ثقافتهم، بدأت أدرك أكثر أنني أريد الانضمام إلى الجيش. أعتبر أن إقدامي على هذه الخطوة كان أمراً جيداً، لأنني لم أفعل ذلك من منطلق الاندفاع أو بدافع الرغبة بخوض مغامرة، بل انطلاقاً من وجوب الاختيار بين الخطأ والصواب".

انضم مايسر غيفورد إلى كتيبة استطلاع أوكرانية في سبتمبر (أيلول) الماضي، وهو يعمل الآن ضمن وحدة مكونة من ثمانية مقاتلين أجانب. وقد أقدم آلاف من قدامى المحاربين العسكريين الآخرين من مختلف أنحاء العالم على الخطوة نفسها. وبحلول مطلع شهر مارس (آذار)، كشف وزير الخارجية الأوكراني ديميترو كوليبا عن أن أكثر من 20 ألف شخص من نحو 52 دولة تطوعوا للقتال إلى جانب الجيش الأوكراني. إلا أن أحد المحللين في صحيفة "واشنطن بوست" قدر أن العدد الحقيقي للمتطوعين الذين انخرطوا فعلياً في القتال، يتفاوت ما بين ألف شخص وثلاثة آلاف.

إلا أن هذا الدفق من المتطوعين من مختلف نواحي الحياة، طرح بعض المشاكل. وهي في العادة عوائق ليست غير معهودة بالنسبة إلى ألوية المتطوعين الدولية، التي غالباً تتألف من خليط أشخاص ذوي دوافع ومهارات مختلفة.

ويقول غيفورد "لاحظت بنفسي مدى صعوبة حشد قوات من الخارج. فقد يتقدم أفراد من خلفيات متنوعة. كان ذلك واضحاً للغاية في سوريا. أنا لا أشير بالضرورة إلى أن الأشخاص السيئين هم الذين يحضرون، لكن هناك حقاً توليفة مختلطة من خلفيات عدة. وقد كان ذلك درساً تعلمه الأوكرانيون بصعوبة".

ويوضح أن هناك "صفات معينة لدى بعض المتطوعين أكثر من غيرهم. ففيما ينطلق البعض من شعور المغامرة الذي يطغى عليهم، لاحظت أن أفراداً آخرين يأتون إلى هنا للتكفير عن ذنوبهم، أو ربما هرباً من أمر ما تخلوا عنه في بلدانهم. وهناك عاملون في المجال الإنساني تدفعهم أيديولوجية ما، أو تتملكهم الحماسة حيال قضايا معينة. وبالطبع، البعض من الأشخاص هم مجانين بما في الكلمة من معنى. المتطوعون هم بمثابة طائفة واسعة النطاق".

مالكولم نانس الرجل الطويل الباع في مجال العمل الاستخباراتي، يؤكد أنه قام مع الأوكرانيين بالتحقق من خلفيات هذا الدفق من المتطوعين.

ويقول، "نصادف أفراداً من جميع أنحاء العالم، لكن على وجه الخصوص من الولايات المتحدة. هؤلاء شاهدوا مقاطع فيديو من كييف حيث كان يتم تسليم كل فرد ذكر ما فوق سن الثامنة عشرة، رشاش كلاشنيكوف ’أي كي 47‘ AK47. وبالتالي، اعتقد المتطوعون أنهم سيعبرون تلك الحدود، ويتم تسليمهم بنادق وإرسالهم مباشرة إلى ساحة المعركة. هذا ليس صحيحاً. فالأوكرانيون ليسوا أغبياء. لقد خاضوا هذه الحرب منذ عام 2014 بلا هوادة. لقد قالوا ’كلا، سنعمل على تنظيمكم وتدريبكم‘".

ويوضح أن "الفيلق الدولي للدفاع الإقليمي لأوكرانيا" استقطب فئات قليلة من الأشخاص غير المرغوب فيهم، الذين وجب التخلص منهم، إلى جانب كثيرين من الذين أتوا بنيات حسنة. هناك نازيون جدد، ومجرمون، ومجانين، وعقائديون، وأشخاص أرادوا فقط إعادة بناء حياتهم. هؤلاء كانوا يتقدمون بأسماء جديدة وتاريخ مختلق".

ويضيف، "لقد خضع المتطوعون للتدقيق بسرعة كبيرة. فنحن لسنا "الفيلق الأجنبي الفرنسي" ولا يمكننا تسجيل أي اسم على نحو عشوائي [في إشارة إلى قبول الفيلق الفرنسي متطوعين بأسماء مختلقة]. فلدينا متطلبات استخباراتية ترتبط بمكافحة التجسس، لأن الروس يمكن أن يكونوا جواسيس متسللين".

ويتابع العسكري الأميركي السابق مشيراً إلى أن وصول هذا النوع من المتطوعين قد تراجع عندما قصفت روسيا منشأة عسكرية بصاروخ "كروز" بالقرب من الحدود البولندية في غرب أوكرانيا. وكان مجندو الفيلق هناك عند وقوع القصف، الذي أفاد مسؤولون أوكرانيون بأنه أدى إلى مقتل 35 شخصاً وإصابة ما لا يقل عن 130. وقالت وزارة الدفاع الروسية إن هجومها أسفر عن مقتل 180 "مرتزقاً أجنبياً"، من دون تقديم أدلة.

ويؤكد نانس أن "كثيرين من هؤلاء الأشخاص هربوا على الفور. فقد تبين لهم أن أذرع تلك الحرب طويلة، إذ إن صواريخ "كروز" تلك، كانت تحلق لمدة خمس ساعات من أقرب نقطة إطلاق لتصل إلى الثكنات في أوكرانيا وتضربها".

في مقابل كل متطوع سيئ تمت إعادته إلى بلاده، اجتذب الفيلق عدداً من قدامى المحاربين ذوي الخبرة، والمدربين تدريباً عالياً في دول "حلف شمال الأطلسي" (ناتو) وخارجها - منهم جنود سابقون في البحرية الأميركية، وفي القوات الخاصة البريطانية.

إلا أن خدمتهم في الفيلق تختلف عما كانت عليه في بلدانهم، وتتنافى ومعايير "الفيلق الأجنبي الفرنسي"، حيث يتم التعاقد مع الجنود المتطوعين لفترة زمنية محددة. فأي شخص غير أوكراني يرغب في الانضمام إلى الفيلق، يجب أن يوقع عقداً يلزمه القتال مع الجيش حتى نهاية "مهمة الطوارئ"، أي انتهاء الحرب. والأمر البالغ الأهمية، يتمثل في أنه يمكن للأجانب إنهاء عقدهم في أي وقت، وإعادة تفعيله في أي وقت أيضاً. ويسمح ذلك للجنود بتحديد جولاتهم القتالية الخاصة.

أما بالنسبة إلى الراتب، فكل متطوع في "الفيلق الدولي للدفاع الإقليمي لأوكرانيا" يتقاضى راتباً يبلغ نحو 630 دولاراً (528 جنيهاً استرلينياً) في الشهر، شأنه شأن أي جندي أوكراني. وبالنسبة إلى معظمهم، قد يكون ذلك أقل بكثير من الحد الأدنى للأجور في بلدانهم الأصلية. إلى ذلك، يصبح هؤلاء أيضاً جزءاً من القوات المسلحة الأوكرانية، الأمر الذي يجعلهم مختلفين عن المرتزقة الذين يقاتلون فقط من أجل المال.

البريطاني مايسر غيفورد يقول في هذا الإطار "نحن لا نتقاضى رواتب أكثر من متوسط ​​رواتب الجنود الأوكرانيين. وبالنسبة إليَّ، فإن المرتزق هو شخص يسافر إلى الخارج لكسب المال. يمكنني جني المبلغ نفسه الذي أكسبه من الجيش الأوكراني، إذا ما عملت لدي أي من متاجر ’تيسكو‘ في بريطانيا. لكن ما هو الأفضل لصحتي العقلية على المدى الطويل؟ وبالتالي، ليس ذلك عملاً مأجوراً بل هو تطوعي".

يضم "الفيلق الدولي للدفاع الإقليمي لأوكرانيا" ثلاث كتائب. ويتولى أوكراني قيادة كل كتيبة، كما جميع الضباط الذين يعاونونه. وقد حارب نانس - الموجود الآن خارج أوكرانيا - مع "الكتيبة الثالثة"، التي تتألف من سرايا تضم كل منها نحو 20 عنصراً ينفذون مهمات استطلاع خلف خطوط العدو.

ويقول نانس "كنا العناصر الذين يخرجون ويحصون عدد الدبابات، وكنا نزرع الألغام في الأماكن التي اعتقد الجنود الروس أنها ستكون آمنة، ونحضر فرق صواريخ "جافلين" Javelin [نظام صاروخي محمول مضاد للدروع ذو فاعلية كبيرة] إلى نقاط خلف خطوط العدو".

وفي ما يتعلق بفاعلية الفيلق يوضح "لا مجال فيه لرموز عسكرية، فقد لا نمتلك خبرة تفوق تلك التي يتمتع بها الأوكرانيون - الذين لديهم عناصر تقاتل منذ عام 2014 - لكن ما نمتلكه هو هيكلية محددة من نظام ’الاتصال والتوجيه الناري‘، وهم لا يريدون تدريب الناس عليه في المعارك الدائرة هنا". ويضيف أن "الأوكرانيين لا يمتلكون الموارد البشرية الكافية لاحتواء المقاتلين".

يشار إلى أن ثمانية بريطانيين وستة أميركيين في الأقل، لقوا حتفهم أثناء القتال من أجل أوكرانيا خلال العام الماضي. وفي هذا الإطار، لم ترد وزارة الخارجية الأوكرانية وقوات الدفاع الميدانية على طلبات تقدمت بها "اندبندنت" للتعليق على عدد الضحايا التي تكبدها الفيلق.

وفي حين أن معظم المتطوعين الدوليين ينضمون إلى الفيلق، يجد البعض - مثل غيفورد - مكانه في صفوف الجيش الأوكراني. ويعمل ضمن فريق مؤلف من ثمانية مقاتلين دوليين، بإشراف قائد أوكراني. ويشارك فريقه أيضاً في مهمات استطلاع.

ويوضح طبيعة تلك المهمات بالقول: "يمكن أن يشمل ذلك استخدام مسيرات. وفي بعض الأحيان، يتعين أيضاً الذهاب مباشرة إلى الخطوط الروسية ومحاولة اكتشاف مكان تمركز الروس وتحديده بالضبط. وقد نضطر إلى استدراجهم إلى القتال لمعرفة عددهم".

المعركة لا تقل دموية بالنسبة إلى الكتائب الدولية عن أي شخص آخر يقاتل في الحرب. وفي بعض الحالات، يمكن أن يتعرض المقاتل الأجنبي للاهتمام الزائد في حال أُلقي القبض عليه، كما كانت الحال بالنسبة إلى المقاتلين البريطانيين أيدن أسلين وشون بينر، اللذين قبض عليهما انفصاليون مدعومون من روسيا، أثناء دفاعهما عن مدينة ماريوبول.

تعرض أسلين للضرب والطعن وأجبر على إنشاد النشيد الوطني الروسي وهو قيد الاحتجاز. وفي التاسع من يونيو (حزيران) من العام الماضي، حكم الانفصاليون على البريطانيين والمغربي إبراهيم سعدون بالإعدام، بتهمة الانخراط في "أنشطة مرتزقة"، على رغم أنهم ينتمون إلى الجيش الأوكراني الذي كان ينبغي أن يؤمن الحماية لهم من الملاحقة القضائية، بموجب اتفاقيات جنيف. وقد أطلق سراح البريطانيين في عملية تبادل أسرى توسطت فيها المملكة العربية السعودية.

يبقى أن القضية الكبرى التي يواجهها الآن جميع الجنود في أوكرانيا، سواء كانوا أجانب أو محليين، تكمن في القصف المتواصل. ويقول غيفورد "كانت هناك لحظات تعرضنا فيها لنيران كثيفة، فيما كان الرصاص يتطاير فوق رؤوسنا. ولعل هذا ما يتوقع الناس مني ذكره عندما أتحدث عن هذه الحرب. لكن هذه كانت حرب قذائف، ولحظاتي الأكثر رعباً كانت تلك التي كنت أجد نفسي فيها تحت نيران القذائف. ففي مهمتي الأخيرة، تعرضنا للقصف في مساحة لا تتعدى 100 متر مربع، بمعدل 40 إلى 50 قذيفة في اليوم، بحيث أنك تكاد تفقد عقلك".

وأضاف: "إذا كان الدافع وراء المشاركة في القتال هو المال، أو مجرد المغامرة، أو أي سبب آخر غير نابع من اقتناع أيديولوجي راسخ، فتكون مجنوناً، لأن الأمر مروع. وهو لا يوازي أي شيء اختبرته وعشته في سوريا".

بعد انقضاء عام على الحرب، لا يتوقع أحد أن تنتهي في أي وقت قريب. نانس ابتعد عن ساحة القتال وعاد إلى الولايات المتحدة، حيث حول اهتماماته إلى العمل على حشد الضغوط وجمع تبرعات لأوكرانيا. ويقول "في حال عدت يوماً إلى "الكتيبة الثالثة" واضطررت إلى حمل بندقية مرة أخرى، فهذا يعني أن شيئاً سيئاً للغاية قد حدث. أما الآن، فأساعد الفيلق بشكل أفضل على مستوى إدارة الشؤون العامة".

في غضون ذلك، عاد غيفورد إلى جبهة القتال. ولم يبدِ أي من الرجلين أسفاً على انضمامهما إلى هذه الحرب المميتة. ويرى غيفورد أن دوره فيها ما هو إلا جزء من تاريخ طويل من الجهود المماثلة في حروب سابقة.

ويقول "هناك إرث غني من الناس الذين يدفعهم مفهوم المثالية إلى التطوع والانخراط في صراعات تدور رحاها خارج بلدانهم، بدءاً من الشباب الأميركيين الذين انضموا إلى ’سلاح الجو الملكي‘ البريطاني لمحاربة ألمانيا النازية، قبل أن تدخل الولايات المتحدة رسمياً الحرب، وصولاً إلى كل الذين توجهوا إلى إسبانيا لمحاربة فاشيي الجنرال فرانكو". ويضيف "أود بالتالي الاعتقاد بأن مبادرة المتطوعين للقتال في أوكرانيا ليست سوى استمرار لهذا التقليد".

مالكولم نانس يؤكد أنه هو أيضاً يلتزم احترام هذا التقليد، مشيراً إلى يوجين بولارد، أول طيار أسود حلق على متن طائرة مقاتلة في الحرب العالمية الأولى، وقد اضطر إلى الانضمام إلى الفرنسيين لأن الأميركيين من أصل أفريقي لم يسمح لهم بالانضمام إلى سلاح الجو الأميركي.

وكان قد علق في حينه على ذلك قائلاً "لقد خدمت أسرتي في القوات المسلحة بلا انقطاع منذ عام 1864 حتى نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. نحن نعتقد أن الديمقراطية تستحق أن يدافع عنها. ولطالما كان الأميركيون الأفارقة من مناصري الدفاع عن قضية الديمقراطية، على رغم أننا في بعض الأحيان لا نحصل عليها كاملة. هذا ما يعنيه الأمر بالنسبة إليَّ حقاً. لذا لم يكن بإمكاني أن أسمح بأن يمر الأشخاص الذين كانوا هناك بهذه المعاناة".

© The Independent

المزيد من دوليات