ملخص
الشقيقتان ميشيل ونويل كسرواني انطلقتا من نص لفواز #طرابلسي عن #صناعة_الحرير
من بين 16 فيلماً قصيراً عرضت في مهرجان برلين هذا العام (16 - 26 فبراير/ شباط) تجرأت لجنة التحكيم الخاصة بالأفلام القصيرة على منح الفيلم اللبناني "يرقة"، إخراج الشقيقتين اللبنانيتين ميشيل ونويل كسرواني، جائزة "الدب الذهبي"، في واحدة من المفاجآت الكبرى الأشبه بضربة مسرحية، التي أطلقتها الدورة الثالثة والسبعون من التظاهرة السينمائية. هذا الفوز يعيد إلى الأذهان فيلم "موج 98" لإيلي داغر الذي نال "السعفة الذهبية" في مهرجان "كان" في عام 2015، صانعاً حينذاك مفاجأة من العيار الثقيل. إلى اليوم، لم يفز أي بلد عربي، بجائزتين كبيرتين للفيلم القصير داخل مهرجانين كبيرين مثل "كان" و"برلين". لذلك يمكن القول إن السينما اللبنانية الشابة التي تقاوم باللحم الحي خارج جدران الدعم الرسمي، حققت سابقة في هذا المجال. الأفلام التي نافست "يرقة"، بلغ عددها 15 فيلماً كانت عرضت على مشاهدي "برلين" ضمن أربع حصص، كل حصة فيها أربعة أفلام.
من الصعب قول أي شيء عن مستوى الأفلام التي نافست "يرقة"، وعقد أي مقارنة بينه وبين الفيلم الفائز، ذلك أننا لم نطلع على تفاصيل أي منها. فالأفلام القصيرة في المهرجانات الكبيرة أشبه بالخرفان السود، دائماً عرضة للتهميش والنبذ والاستبعاد. ولهذا أسباب كثيرة معظمها عملية، لا عداء للفيلم القصير. لا يوجد صحافي مكلّف بتغطية المهرجان يستطيع أن يضع أفلام المسابقة جانباً ليتناول أفلاماً قصيرة، وهي غالباً أفلام لسينمائيين يضعون أقدامهم للمرة الأولى في حقل الإخراج. لكن فوز فيلم قصير مثل "يرقة" بجائزة كبيرة، يعيد تشكيل الأولويات، ولا بد حينئذ من خروج على النص.
أعضاء لجنة التحكيم التي أسندت "الدب الذهبي" لميشيل ونويل كسرواني، تألفوا من كل من المونتير الروماني كاتالين كريستوتيو الذي تولى مونتاج معظم أفلام المخرج الروماني الشهير رادو يود (آخرها "مضاجعة فاشلة أو بورنو مجنون" نال "الدب الذهبي" قبل عامين) والفنان البصري الأميركي سكاي هوبينكا والمخرجة الألمانية إيزابيل ستيفر. في الكلمة التي ألقيت خلال تسليم الجائزة، وضح المحكمون أسباب خيارهم هذا بالقول: "من خلال تنظيم دقيق للصورة والصوت، يحول هذا الفيلم الحسي المعقد وسائل اضطهاد المرأة إلى وسائل تحريرها. عندما يصبح الشخص الثالث "أنا"، لا تعود النساء موضع استغلال بل يتحولن رعايا. سوف تتحول ديدان القز إلى عناكب لا تخدم شباكها إنتاج الحرير بل ستخدم بقاءها على قيد الحياة. في الفيلم ثمة صداقة مباشرة ستربط امرأتين، وجسداهما يحملان عواقب الاستعمار".
هذا أول فيلم سينمائي يحمل توقيع الشقيقتين ميشيل ونويل كسرواني، اللتين سبق أن امتهنتا الموسيقى والتأليف والإخراج. سيرتهما الذاتية المنشورة في الملف الصحافي للفيلم، تضيف أنهما اشتهرتا بفيديوهاتهما التي تنتقد النظام السياسي الفاسد في لبنان.
الهجرة القسرية
تروي المخرجتان أنهما، بين عامي 2019 و2021، وجدتا نفسيهما وهما تعيشان تدريجاً في فرنسا. كالعديد من أبناء جيلهما، تركتا البلاد تحت ضغوط رهيبة واضطرتا إلى الابتعاد عن منزلهما والانفصال عن أهلهما وبيئتهما. لهذا السبب، قررتا تحويل هذا الكبت إلى فيلم قصير يغوص في تجربة الهجرة القسرية. هكذا ولد "يرقة" الذي تم تأليفه والتقاط مشاهده في فرنسا. من خلال صور متحركة وأخرى ثابتة، عبّرت عن ما لا يمكن التعبير عنه بالكلمات. من خلال عوامل مشتركة كالمرأة والعمل والشتات، يحاول الفيلم ربط الماضي بالحاضر، مركّزاً على التحديات التي واجهت النساء عبر القرون. صحيح أن الفيلم يحمل الكثير من الابتكارات والتجديد على أكثر من مستوى، وفيه روح انقلابية منضبطة وأفكار لماحة، لكن ما كان لكل هذا أن يولد لولا مقال لفواز طرابلسي في عنوان "حب الحرير" وقع بين يدي الشقيقتين، وأضحى مصدر إلهام لهما.
المقال يستعرض العلاقة بين نساء جبل لبنان ومصانع الحرير الغربية في القرن التاسع عشر. في إحدى مقاطع المقال المستفز، يقول طرابلسي: "حوالى عام 462، وفي سياق صناعة الحرير، قال أمير ياباني ما معناه إن الحرارة المعتدلة والمثالية لنمو الشرانق هي في صدر المرأة. حكاية أن تحمل نساء جبل لبنان الشرانق في صدورهن فكرة "مقلقة" بحسب تعبير المخرجتين. هذه الصورة الذهنية، التي أضيفت إليها تفاصيل عن الظروف الصعبة لعمل النساء في مصانع الحرير الأجنبية في المشرق، سمحت للمخرجتين تأليف حكاية عصرية تدور على موضوع الهجرة. يعود الفيلم إلى الخلف من أجل أن يناقش جوانب عصرية حول العلاقة بالهجرة: ظروف عمل، ديناميكيات الجندر، وتأثير الأحداث التاريخية في حياتنا العصرية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"قصتنا بدأت قبل قرون، قرون من السواد تغلغلت بأفكارنا وبلون عيوننا وبخصل شعرنا"، تقول أسماء، إحدى الفتاتين اللتين تعملان في واحد من مقاهي ليون، وهي تتأمل أعمالاً فنية في أحد المتاحف بعينين دامعتين، هما عينا كل نساء العالم اللواتي عانين من الظلم، حيناً من الاستعمار وحيناً من التهجير القسري، أو فقط لكونهن نسجن ما لم يكن في مقدورهن على ارتدائه. من الواضح أن الفيلم أراد أن يخلق حالة نسوية، ولكن من دون أن يكون مزعجاً. قد لا نفهم كل شيء من المشاهدة الأولى، وقد يحمل الفيلم في داخله الجنون البريء الذي تتميز به الأعمال الأولى. وطبعاً ثمة لحظات مشتتة هنا وهناك، وبعض الفوضى في تقديم الأفكار أو تجسيد ما نسمعه في التعليق الصوتي، أو بعض الحوارات التي تشرح كثيراً، ولا تترك مكاناً للخيال أو الاستنتاج. لكن على رغم ذلك كله، هناك نوع من الصدق يفرزه الفيلم لقطة بعد لقطة، وهناك رغبة وعفوية في صناعة شيء يحافظ على روح الأمل الخاصة بالنساء. هذا من دون أن ننسى المشاهد الافتتاحية الجميلة التي تمهّد للفيلم الذي سنراه، والتي تذكّر بـ"عمي الأميركي" لألان رينه، إضافة إلى الصورة الجميلة التي شكلها مدير التصوير كريم غريب.