ملخص
يرى بعض الفاعلين والمهنيين أن جهود #مراقبة_الأسواق في #المغرب غير كافية وأنها تضج بـ #المواد_الفاسدة وتحتاج إلى صرامة أكبر
يقف سامي، طفل صغير في عمر السادسة، أمام محل تجاري يطلب من البائع "شوكولاتة كيندر" البيضاوية، ليجيبه بأنها غير موجودة لديه، بعد أن تم سحبها من الأسواق منذ فترة بسبب احتمال اشتمالها على مواد ضارة بالصحة، قبل أن تسارع الأم لتحول اهتمام ولدها إلى حلوى أخرى.
منتجات شوكولاتة "كيندر" ليست وحدها التي تم سحبها من طرف السلطات المغربية المعنية في أبريل (نيسان) الماضي، وتم تشديد الرقابة على استيرادها، للاشتباه في كونها تتسبب في تسممات غذائية، بل هناك أيضاً مواد غذائية ودوائية وفلاحية أخرى لاقت المصير نفسه.
وعلى رغم قرارات "السحب من الأسواق" التي تصدر في الغالب عن المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، المعروف اختصاراً بـ"أونسا" التابع لوزارة الفلاحة المغربية، إلا أن فاعلين ومهنيين يرون أن هذه الجهود غير كافية، وأن الأسواق تضج بمواد فاسدة تحتاج إلى صرامة أكبر ومراقبة أكثر.
إشكالات السحب
سبق للسلطات الصحية المغربية أن دعت في أبريل المستهلكين إلى عدم اقتناء بعض أنواع الشوكولاتة المستوردة من الخارج، وتحديداً منتجات "كيندر"، حيث تم السحب الفوري لهذه الأصناف من الأسواق التجارية، علاوة على تشديد الرقابة على استيرادها.
وقررت "أونسا" فرض رقابة مشددة على هذا النوع من الشوكولاتة على مستوى المستوردين وسلاسل التوزيع لجميع دفعات المنتجات، بسبب الاشتباه في تسبب منتجات شركة "فيريرو" في الإصابة ببكتيريا "السالمونيلا تيفيموريوم" المسؤولة عن التسمم الغذائي.
لكن المثير في هذا السحب ومنع عرض المنتج في المغرب أن هذه الشوكولاتة ظلت حاضرة خلال فترة المنع والسحب بأروقة عديد من الفضاءات والأسواق التجارية الكبرى على وجه الخصوص.
مصدر صحي مسؤول قال "اندبندنت عربية" إن قرار السحب الفوري لهذا الصنف من الشوكولاتة تم تنفيذه في حينه، وأن الاستيراد تم تشديد المراقبة عليه وفق القوانين الجاري بها العمل، غير أنه من الصعب جداً ضمان عدم عرضها في جميع المحلات التجارية.
ضعف مراقبة وانفتاح تجاري
في مقابل ذلك، أفاد الحوسين واحمان، صاحب محل تجاري، بأنه على رغم السحب الفوري لشوكولاتة كيندر في تلك الفترة، وتشديد المراقبة على استيرادها خلال السنة الماضية، إلا أن عدداً من المحلات التجارية ظلت تبيعها من دون التعرض لأية عقوبات".
وأوضح المتحدث ذاته بأن المشكلة المطروحة تتجسد أساساً في ما سماه "ضعف المراقبة عند استيراد المواد الاستهلاكية، علاوة على أن بعض التجار والباعة يفضلون الربح على الانضباط للتوصيات وقرارات السحب، ولا يدركون التبعات الصحية للمنتجات التي يتم إعلان خطورتها الصحية".
وزير الصناعة والتجارة المغربي رياض مزور سبق له أن رد في تصريحات صحافية على انتقادات الاستيراد، بقوله إن "المغرب بلد منفتح يفتح أسواقه أمام منتجات البلدان الأخرى، بدليل أنه أبرم 54 اتفاقاً للتبادل التجاري الحر، لكنها اتفاقات لا تعني قبول أي منتج من طرف شركاء المملكة".
وقال الوزير إن "السلطات المتخصصة قامت بـ115 ألف مراقبة خلال 2021، وبأن المغرب وضع أزيد من 1300 معيار تقاس عليها المنتجات المستوردة في سنة 2020 فقط، وأن المراقبة التي تتم في بلدان المنشأ تكون بشراكة مع شركات عالمية".
مراقبة بعدية؟
في شهر أبريل من العام الماضي أيضاً قررت السلطات الصحية سحب وإتلاف جميع حصص "البيتزا" المجمدة "فريش آب" Fraîch Up من علامة "بيوتوني" Buitoni خصوصاً التي تم إنتاجها خلال الفترة الممتدة بين يونيو (حزيران) 2021 وآخر مارس (آذار) 2022.
وسوغت السلطات سحب البيتزا المجمدة المعنية من الأسواق التجارية وإتلافها من جميع نقط البيع والتوزيع، وتعزيز المراقبة عند مراكز التفتيش الحدودية، بسبب أنها "غير مطابقة للمعايير الصحية المعتمدة".
وسبق للسلطات الصحية المغربية أن قامت قبل سنوات قليلة بتعليق تسويق منتجات "بيكوت" المخصصة لتغذية الرضع، التي تقوم مجموعة فرنسية بتصنيعها، وذلك عقب إعلان فرنسا ظهور بعض حالات "السلاموينلا" لدى الأطفال.
وأيضاً سبق للسلطات الصحية المغربية أن سحبت عام 2016 منتجات "سنيكرز" و"مارس" من الأسواق التجارية ومختلف نقاط التوزيع الكبرى، وذلك عقب إعلان الشركة المصنعة وجود مواد بلاستيكية في عدد من منتجاتها خلال فترة زمنية محددة.
ويعلق الباحث في مجال السلامة الغذائية فوزي بكار على الموضوع بالقول إن الملاحظ أن المغرب لا يقوم بسحب "المواد الضارة" أو المواد المشتبه فيها بأن تضر بالصحة العامة، إلا بعد أن يتم إعلان ذلك من طرف الشركات المصنعة الأم في الدول المصدرة.
وأضاف بكار في تصريح خاص أن هناك جهوداً في مراقبة الأسواق التجارية وسحب المواد الغذائية الضارة سواء أكانت مستوردة أو محلية المنشأ، غير أنها جهود غير كافية في خضم تزايد حجم وتيرة البيع والشراء، كما أن مبادرات السحب والإتلاف تكون بعدية وليست قبل طرح هذه المواد في الأسواق وبيعها للمستهلكين.
مراقبة قبلية
الانتقادات التي ترتبط بالمراقبة القبلية والبعدية للمواد الغذائية الاستهلاكية يرد عليها المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية بالتأكيد أن مراقبة المواد الغذائية تكون عند الاستيراد وفق ثلاث مراحل رئيسة، الأولى مراقبة وثائقية تروم إلى التحقق من محتوى الوثائق المرافقة للبضائع والمواد الغذائية المستوردة.
والمرحلة الثانية، وفق مكتب السلامة الصحية للمنتجات الغذائية، تتمثل في المراقبة العينية التي تهدف إلى التحقق من صدقية تلك الوثائق، ومن شروط التخزين والنقل، ومراقبة سلامة وجودة المنتج، وأن يكون غير فاسد وأن يكون غير ملوث.
وأما المرحلة الثالثة في المراقبة عند استيراد المواد الاستهلاكية، تبعاً للمصدر عينه، فهي المراقبة عبر المختبرات المتخصصة انطلاقاً من تحليل أي مخاطر محتملة لتلك السلع المستوردة، عبر إجراء تحاليل للعينات التي يتم أخذها من المنتج.
تأهب وثغرات
من جهته أكد رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك بوعزة الخراطي أنه على الصعيد الأوروبي يوجد نظام يعرف بـALERT، وهو نظام تأهب لتبليغ الدول المنخرطة فيه باحتمال وجود خطر ما في منتج غذائي تم إدخاله أو تم اكتشافه، بالتالي تطبق الإجراءات المتفق عليها طبقاً للقوانين.
وقال الخراطي في حديث خاص إن هذه التدابير تتمثل في إيقاف توزيع المنتج وسحبه من السوق، ووضع كميات منه رهن السلطات الصحية المكلفة المراقبة، وضرورة إجراء تحاليل مخبرية، وإخبار المستهلك عبر جميع القنوات، وتحمل المورد جميع مصاريف السحب والإتلاف، ثم إعلام المستهلك بجميع المعطيات بما فيها وضع رقم هاتفي رهن أشارته.
وأضاف أن "المغرب باعتباره شريكاً استراتيجياً للسوق الأوروبية يستفيد من هذا النظام، ويعد المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية هو المسؤول عن تطبيق جميع التوصيات لحماية المستهلك المغربي".
وبخصوص الثغرات التي تقف أمام تطبيق هذه التوصيات والقوانين، أفاد الخراطي بأنها كثيرة منها "عدم إشراك الجامعة المغربية لحقوق المستهلك في المنظومة، بالتالي غالباً يكون الإخبار عبر الصحافة"، لافتاً إلى أنه "طالما أنها توصيات وليست قوانين يبقى التطبيق مجازياً لا يستفيد منه المستهلك".
ترسانة قانونية
تتسلح السلطات الصحية في المغرب بترسانة قانونية خاصة بمجال السلامة الغذائية، أبرزها القانون رقم 28.07 الذي يعرف في أحد فصوله الخطر بأنه "كل عنصر بيولوجي أو كيماوي أو فيزيائي يوجد في منتج أولي أو في منتج غذائي، كالأكسدة والتعفن والتلوث أو أية حالة أخرى مشابهة يمكن أن تؤثر بشكل سلبي في الصحة".
ووفق المادة 14 من القانون عينه، يعد منتجاً مضراً بالصحة "كل منتج أولي أو منتج غذائي، له آثار سامة فورية أو محتملة على المدى القريب أو المتوسط أو البعيد في صحة الفرد أو فروعه، أو يسبب حساسية صحية مفرطة أو أي شكل آخر من الحساسية التي يمكن كشف عنها التي تصيب فرداً أو فئة معينة من الأفراد الموجه إليهم المنتج الأولي أو المنتج الغذائي المعني".
ويعاقب القانون المذكور بالحبس من شهرين إلى ستة أشهر وبغرامة مالية كل من عرض أو قدم في السوق الداخلية أو استورد أو صدر أي منتج أولي أو أي منتج غذائي يشكل خطراً على حياة أو صحة الإنسان أو الحيوان"، كما يعاقب بغرامة مالية قدرها 20 ألف درهم (2000 دولار)، كل من "لم يقم بسحب كل منتج أولي أو كل منتج غذائي من السوق الوطنية خلال الأجل الذي تحدده السلطات المتخصصة".