طلب صندوق النقد الدولي من المغرب تقليص الفوارق الاجتماعية وخفض عجز الموازنة، إضافةً إلى ضمان مرونة أكبر لسعر صرف الدرهم.
وفي هذا الإطار، دعا الصندوقُ المغربَ إلى اعتماد نموذج تنموي يتسع لأكبر عدد من المواطنين ويكون مبنياً على القطاع الخاص. وأشار في بيان له إلى تراجع معدل نمو الاقتصاد المغربي إلى 3 في المئة خلال 2018 في ظل وجود مؤشرات بزيادة تراجعه.
إحصاءات
لاحظ صندوق النقد الدولي، وجود ضعف في النشاط الاقتصادي المغربي خلال عام 2018، إذ بلغ معدله 3 في المئة، نظراً إلى انخفاض نمو القطاع الزراعي وقطاع الخدمات، ولا يزال معدل البطالة قرابة 10 في المئة، وهو مرتفع بين الشباب بشكل خاص، كما بلغ التضخم الكلي 1,9 في المئة عام 2018، فيما يعود جزئياً إلى ارتفاع أسعار الغذاء.
وأشار بيان المنظمة الدولية إلى تباطؤ وتيرة الضبط المالي عام 2018، مع استقرار عجز المالية العامة عند نسبة 3,7 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، نظراً إلى قوة الإيرادات المتحققة من ضريبة القيمة المضافة واحتواء فاتورة الأجور، وهو ما وازن جانباً من الانخفاض في ضرائب ومنح الشركات، وارتفاع دعم غاز البوتان.
وعلى الرغم من قوة أداء الصادرات في قطاعَيْ السيارات والفوسفات، فقد زاد عجز الحساب الجاري إلى 5,4 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، نظراً إلى ارتفاع واردات الطاقة والسلع الرأسمالية، إلى جانب انخفاض تحويلات العاملين في الخارج والمنح الرسمية وعائدات السياحة.
وفي الوقت ذاته، سجل الصندوق ارتفاعاً صافياً في الاستثمار الأجنبي المباشر بدرجة كبيرة، وصل إلى 2,6 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. وهبطت الاحتياطات الدولية إلى 24,4 مليار دولار أميركي، لكنها لا تزال في مستوى جيد يعادل حوالى 5,2 شهراً من الواردات.
وخلص صندوق النقد إلى كون آفاق المدى المتوسط مؤاتية بالنسبة إلى المغرب، مع توقع بلوغ نسبة نمو 4,5 في المئة بحلول عام 2024، لكن هذه الآفاق لا تزال معرّضة لمخاطر داخلية وخارجية كبيرة، بما في ذلك احتمال تأخر تنفيذ الإصلاحات وانخفاض النمو لدى البلدان الشريكة الرئيسة (وبخاصة منطقة اليورو) وارتفاع أسعار النفط.
ملاحظات صندوق النقد
على الرغم من ثناء صندوق النقد الدولي على السلطات المغربية لتنفيذها سياسات اقتصادية كلية سليمة، وتسارع وتيرة الإصلاحات مما ساعد في تعزيز متانة الاقتصاد وزيادة تنوعه، إلا أنه حذر من الأثر المحتمل لعدم اليقين والمخاطر الملموسين عالمياً في الاقتصاد المغربي، كما دعا إلى مواصلة الالتزام بالسياسات السليمة لتحقيق نمو أعلى وأشمل لجميع شرائح المجتمع.
ودعت الهيئة الدولية المغرب إلى حماية أولويات الاستثمار والإنفاق الاجتماعي على المدى المتوسط، مرحّبةً بالضبط الجاري للإنفاق على أجورالقطاع العام وبنتائج المؤتمر الوطني حول الضرائب الذي عُقد في مايو (أيار) 2019 ، التي تتيح معلومات يمكن الاستفادة منها في إجراء إصلاح ضريبي شامل، يهدف إلى تحقيق مزيد من العدالة والبساطة في النظام الضريبي.
وشجع الصندوق زيادة التقدم في رفع الكفاءة وتعزيز الحكم الرشيد في القطاع العام من خلال إصلاح جهاز الخدمة المدنية والتنفيذ الحذر لنظام اللامركزية المالية وتقوية الإشراف على المؤسسات المملوكة للدولة وزيادة الدقة في توجيه الإنفاق الاجتماعي إلى المستحقين.
النموذج التنموي
دعا العاهل المغربي محمد السادس الحكومة والبرلمان ومختلف المؤسسات والهيئات المعنية، خلال عام 2017 إلى إعادة النظر في النموذج التنموي المغربي الحالي بغية مواكبة التطورات التي تعرفها البلاد، فعبّر عن تطلعه لبلورة رؤية مندمجة لهذا النموذج، تمكنه من نفس جديد، ومن تجاوزالعراقيل التي تعيق تطوره ومعالجة نقط الضعف والاختلالات التي أظهرها.
واعتبر العاهل المغربي أن النموذج التنموي الوطني الحالي"أصبح اليوم، غير قادر على الاستجابة إلى المطالب الملحة والحاجات المتزايدة للمواطنين، وغير قادرعلى الحد من الفوارق بين الفئات ومن التفاوتات المجالية وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية".
في السياق، اعتبرت مريم الشرقاوي، أستاذة الاقتصاد في جامعة بن طفيل أن "ملاحظات صندوق النقد الدولي تُجمل نقط ضعف النموذج التنموي الحالي للمغرب الذي دعا الملك إلى تجديده، إلا أن الملاحظ وجود بطء لدى النخب الثقافية والسياسية وأصحاب القرار في التسريع بالدفع بنموذج تنموي جديد.
وأضافت أن "ما يثيرالقلق بشكل أكبر في هذا الصدد، ما أشارت إليه أخيراً تقارير دولية عن تراجع سمعة المغرب الداخلية والخارجية التي تشكل مؤشراً على ما يمكن أن تؤدي إليه معضلات التنمية من جو من عدم الرضى الداخلي والخارجي".
فيما اعتبر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في دراسة للنموذج التنموي المنشود، أن الغاية من التنمية لا يمكن أن تتجلى سوى في تحقيق رفاه المواطنين وتحسين ظروفهم المعيشية، كما لا يمكنها أن تتحقق من دون أن تضع في الاعتبار الأجيال القادمة.
وأضاف المجلس في دراسته "أن التقدم المحرز يشكل قاعدة صلبة يتعين اعتمادها لبناء نموذج تنموي يقوم على التوفيق بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة وتحقيق التماسك الاجتماعي، وذلك بغية ضمان الاستغلال الأمثل للثروات المنتجة وتوزيعها توزيعاً أكثر إنصافاً بين المجالات التربوية والفئات الاجتماعية".
ولبلوغ هذه الأهداف، وضع المجلس سبع محددات للنموذج التنموي الجديد تتمثل في إرساء ميثاق اجتماعي جديد قائم على الثقة وتقليص الفوارق، وتحقيق نمو مستدام من خلال الاستثمار الأمثل لكل إمكانات البلاد آخذاً بالاعتبار ما يشهده العالم من تحولات مستمرة، وكذا استكمال ورش الجهوية المتقدمة والإسراع في تنفيذه.
تعويم الدرهم
اعتمد المغرب خلال بداية عام 2018 سعر صرف مرن لعملته عوض سعر الصرف الثابت الذي اعتمده لعقود، واعتبر صندوق النقد الدولي أن السياسة النقدية التوسعية للمغرب لا تزال مناسبة في سياق اعتدال التضخم وانخفاض النمو الاقتصادي والائتماني، كما رحب ببداية التحويل إلى سعر صرف أكثر مرونة في العام الماضي، مما سيساعد الاقتصاد في استيعاب الصدمات الخارجية المحتملة والحفاظ على تنافسيته.
في المقابل، أوضحت الشرقاوي أن إقدام المغرب على تعويم عملته خطوة إيجابية، لأنها تقلل من أثر الصدمات الاقتصادية الخارجية في الاقتصاد المحلي، مضيفةً أن رؤية بنك المغرب (البنك المركزي) في هذا المجال حذرة جداً ومتماشية مع احتمال التأثيرات الخارجية، كما أنها لا تريد إضعاف القطاع الاقتصادي.
توصيات
دعا خبراء المغرب إلى استغلال الثروات البشرية للنهوض بالاقتصاد، إذ تُعتبر فئة الشباب، التي تمثل خُمس سكان البلاد، عبئاً عوض أن تمثّل ثروة يمكن استغلالها في تنمية شاملة، كما أوصوا بإصلاح التعليم وجعله مصنعاً للعقول التي من الممكن الاعتماد عليها في نهضة تنموية شاملة، في ظل وجود مشكل حكامة اقتصادية، وارتباط الناتج المحلي بقطاع الفلاحة الذي يشكل خللاً تدبيرياً، باعتبار الموارد المهمة التي يزخر بها البلد من فوسفات وصيد بحري على واجهتين ووجود استقرار أمني.