ملخص
أعلنت #الحكومة_ المصرية عن حزمة إجراءات تشمل #زيادة_ الحد #الأدنى_ للأجور والمعاشات لمواجهة أعباء التضخم
في الأول من مايو (أيار) من كل عام تحتفل القاهرة مع دول كثيرة في العالم بعيد العمال، ففي هذا اليوم يشعر العاملون في القطاع الخاص بالمساواة بينهم وبين نظرائهم في القطاع الحكومي. وبعد مرور شهرين على الأكثر، وفي اليوم الأول من العام المالي الذي يوافق الأول من يوليو (تموز) من كل عام تتجدد معاناتهم، إذ اعتادت الحكومة المصرية على زيادة مرتبات وأجور خمسة ملايين عامل وموظف في الدولة مع موازنة العام المالي الجديد الذي يبدأ من مطلع يوليو على أن ينتهي في 30 يونيو (حزيران) من العام الميلادي التالي.
وعلى رغم أن احتفالات عيد العمال تشمل 30 مليون عامل مصري، إلا أن الحكومة ترفع أجور ومرتبات خمسة ملايين عامل منهم باعتبارهم أبناء الدواوين الحكومية، بينما في المقابل يتلقى نحو 25 مليون عامل آخرين ضربات التضخم الموجعة بصدور عارية، إذ يتناولون الوجبات الساخنة الملتهبة بنار الغلاء، كما يرتدون ملابس اكتوت بلهيب الأسعار المشتعلة منذ عام بعد اندلاع الحرب في أوروبا، تلك الفئة من العمال ترى أن الجميع قد تخلوا عنها.
الحكومة تحمي موظفيها
في المقابل، يلتمس متخصصون العذر للدولة على اعتبار أن الدول التي تتبع النظام الاقتصادي الرأسمالي تؤمن احتياجات موظفيها بينما تترك مهمة العاملين في القطاع الخاص لأرباب الأعمال في القطاع، مثلها مثل بقية الدول الرأسمالية، إذ إن الحكومة لم تغض الطرف عن عمال القطاع العام بعد أن فرضت مظلة حماية اجتماعية عليهم لتحميهم من غبار التضخم الخانق، وعلى رغم أن البعض يرى أن الزيادات المتتالية في أجور العاملين والموظفين في الدولة لا تتوازى مع حجم الغلاء والتضخم، إلا أن الحكومة المصرية تكافح أوضاعاً اقتصادية بالغة السوء منذ الهجوم الروسي على الأراضي الأوكرانية في فبراير (شباط) 2022، تتجسد تلك الأوضاع في تقلص موارد الدولة من السياحة وخروج المستثمرين الأجانب في أدوات الدين السيادية وفي الوقت نفسه زادت النفقات الحكومية أكثر من ضعفين منذ الحرب.
لا أعذار لأرباب الأعمال
وعلى رغم تقبل بعض المتخصصين والعمال والموظفين في القطاع الخاص والأعمال الحرة عذر الحكومة المصرية، بعد أن زادت الحد الأدنى لأجور عمالها عند 3500 جنيه (113 دولاراً)، إلا أنهم لم يلتمسوا عذراً واحداً لأرباب وأصحاب الأعمال في القطاع الخاص فيعتبرونهم يجنون الأرباح ويكنزون الأموال على حساب العمال والموظفين وعند الأزمات الاقتصادية وارتفاع الأسعار والغلاء يتخلون عنهم على رغم أنهم يشكلون قوة العمل الضاربة في مصر لم يجدوا من يحنو عليهم من أرباب العمل.
يشار إلى أن قوة العمل في مصر نحو 30 مليون عامل وموظف يعمل نحو17 في المئة منهم لدى القطاع الحكومي والعام بنحو خمسة ملايين موظف وعامل، بينما يعمل البقية الذي يصل عددهم إلى 25 مليون عامل في القطاع الخاص بنسبة 83 في المئة، بينما يصل عدد أصحاب المعاشات في مصر نحو 10 ملايين مواطن.
زيادة 32.5 دولار لموظفي الدولة
في تلك الأثناء أعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، نهاية الأسبوع الماضي عن حزمة إجراءات تشمل زيادة الحد الأدنى للأجور والمعاشات وكشف خلال كلمة متلفزة على هامش عدد من المشروعات التنموية بمحافظة المنيا (شمال الصعيد)، عن إعداد حزمة لتحسين دخول العاملين في الجهاز الإداري للدولة وأصحاب الكوادر الخاصة بحد أدنى ألف جنيه (32.5 دولار) شهرياً، موجهاً حكومته بتنفيذ حزمة إجراءات الحماية الاجتماعية بشكل فوري لرفع العبء عن المواطنين.
حزمة الزيادات تضمنت تحسين دخول العاملين في الجهاز الإداري للدولة وأصحاب الكادرات الخاصة بحد أدنى للزيادة ألف جنيه على أن يبدأ التطبيق مطلع شهر أبريل (نيسان) المقبل، إلى جانب رفع الحد الأدنى للأجور لموظف في الدرجة السادسة لنحو3500 جنيه شهرياً، بينما يصل أجر الموظف الحائز شهادة الدكتوراه من العاملين في الدولة إلى مبلغ قيمته سبعة آلاف جنيه (228 دولاراً) شهرياً.
أصحاب المعاشات كان لهم نصيب من الزيادات أيضاً، إذ تم زيادة المعاشات المصروفة لأصحابها والمستفيدين عنهم لتكون بنسبة 15 في المئة اعتباراً من أول أبريل المقبل.
مسيرة الحد الأدنى للأجور في تسعة سنوات
بدأت مسيرة الحد الأدنى للأجور للعاملين في الدولة بـ700 جنيه (23 دولاراً) قبل عام 2014، إلا أن الدولة رفعت الحد الأدنى إلى 1200 جنيه (39 دولاراً) في عام 2015، ثم حركت هذا الحد ليسجل 2000 جنيه في يوليو (تموز) 2019، وفي الشهر نفسه من عام 2021 رفعت الحد الأدنى ليصل إلى 2400 جنيه (78 دولاراً).
تفاقم التداعيات الاقتصادية السلبية المصاحبة للحرب الروسية- الأوكرانية، دفعت القاهرة لتحريك الحد الأدنى للأجور ثلاث مرات في العام المالي 2022-2023، إذ كانت المرة الأولى في يوليو 2022، بقيمة 300 جنيه (9.75 دولار) ليصل إلى 2700 جنيه (87.75 دولار)، قبل أن ترفع الحد الأدنى إلى 3000 جنيه (97.50 دولار) في أكتوبر(تشرين الأول) 2022 قبل الزيادة الأخيرة في نهاية الأسبوع الماضي.
مشاعر متباينة
وعلى رغم الزيادة الأخيرة، إلا أن العاملين في القطاع العام تلقوا القرارات بمشاعر متباينة، إذ يقول أحمد عصام أحد الموظفين في إحدى الشركات التابعة لوزارة قطاع الأعمال الحكومي في مصر، إنه "يحصل على راتب شهري يبلغ ستة آلاف جنيه (195 دولاراً) بعد الزيادة الأخيرة"، ويستدرك "زيادة بقيمة ألف جنيه أمر جيد، لكن السؤال الأهم هل تعادل حجم التضخم أو الزيادات القياسية في أسعار السلع الأساسية التي ارتفع بعضها بأكثر من 300 في المئة، بل إن هناك بعض السلع زادت بنحو 500 في المئة، إلى جانب ارتفاع مقابل الخدمات والمرافق العامة وارتفاع أسعار المحروقات"، ويعتقد "أن قيمة الزيادة تآكلت بالفعل قبل إقرارها"، ويستشهد عصام بحديث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن الأجور، ويقول "رئيس الجمهورية أكد على أن الأجر العادل للموظف والعامل حتى يؤدي عمله بكفاءة في تلك الظروف الاقتصادية الصعبة يجب ألا يقل عن 10 آلاف جنيه (325 دولاراً)"، ويتابع عصام أنني "أحصل على 60 في المئة فحسب من هذا الراتب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل يرى أحمد سالم أحد العاملين في وزارة الزراعة المصري، أن الزيادات الأخيرة في الأجور والمرتبات جاءت في وقتها وتفي بالغرض تماماً، ويوضح أن "الحكومة عوضتني عن فارق الأسعار الزائدة عن الحد"، ويستدرك "حتى لو عوضتني بنحو 50 في المئة من الزيادة في الأسعار فهذا جيد جداً من الحكومة في ظل الأعباء الاقتصادية الكبيرة التي تقع على كاهلها".
التضخم ارتفع 13.7 في المئة في 11 شهرا
إلى ذلك، لم ترحم معدلات التضخم المصريين مع الشهر التالي للهجوم الروسي على الأراضي الأوكرانية، إذ تضاعفت معدلات التضخم في غضون 11 شهراً فحسب، بعدما ارتفع المؤشر من 12.1 في المئة في شهر مارس (آذار) 2022 إلى 25.8 في المئة في يناير (كانون الثاني) 2023 ليقفز المؤشر بمقدار 13.7 في المئة في أقل من عام.
لم يتوقف الأمر هنا عند أمواج التضخم العاتية التي دفعت أسعار السلع خصوصاً الأساسية منها إلى معدلات قياسية، إذ إن قيمة الدولار الأميركي تضاعفت مقابل الجنيه المصري، بعدما ارتفعت قيمة العملة الخضراء من 15.50 جنيه في 20 مارس 2022 لتتخطى حاجز الـ30 جنيه مقابل الدولار في الوقت الحالي وهو يعني أن العملة الأميركية ارتفعت مقابل نظيرتها المصرية بأكثر من 100 في المئة في غضون العام، إلى ذلك ارتفعت أسعار السلع خصوصاً المستوردة منها ما تآكل القوة الشرائية للجنيه المصري، مما شكل ضغوطاً على القاهرة التي تستورد أكثر من 85 في المئة من احتياجاتها من خارج البلاد بالعملة الصعبة.
هذه هي حال العاملين في القطاع الحكومي للدولة هم يختلفون حول مقدار الزيادة في الأجور، فمنهم من يرى أنه زيادة لن تسمن ولا تغني من جوع في ظل ارتفاعات قياسية في مستويات الأسعار ومنهم من قنع بها، بينما على الجانب الآخر هناك 25 مليون عامل لم يجدوا من يحنو عليهم من أرباب العمل، إذ تلقى مساعي زيادة الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص معارضة مستمرة من بعض القطاعات التي تشتكي من عدم قدرتها على تحمل تكلفة رفع الأجور.
القومي للأجور يجتمع
في غضون ذلك، يقول عضو المجلس الأعلى للأجور، مجدي البدوي، إن "المجلس القومي للأجور سيبدأ النظر في وضع حد أدنى جديد لأجور العاملين في القطاع الخاص، وبحث هذه المسألة مع أصحاب الأعمال بعد إقرار الزيادة قانوناً للقطاع العام"، ويوضح أن "المجلس نجح في زيادة الحد الأدنى لأجور العاملين في القطاع الخاص إلى 2700 جنيه من 2400 جنيه في يناير الماضي.
لكن على الجانب الآخر، يرى رئيس النقابة العامة للعاملين في القطاع الخاص، شعبان خليفة، أن موقف الـ25 مليون عامل في القطاع الخاص صعب للغاية، ويؤكد أن "لا صعوبة على الإطلاق في اتخاذ القرارات إذ أطلق المجلس القومي للأجور برئاسة وزيرة التخطيط المصرية هالة السعيد عشرات القرارات التي تنادي بتطبيق القرار السابق الخاص برفع الحد الأدنى للأجور من 2400 جنيه إلى 2700 جنيه على مدار عام كامل".
الصعوبة في التطبيق
وأضاف أنه "عندما تمت الموافقة على التطبيق في ديسمبر 2022، لم يطبق القرار سوى أقل من 60 في المئة من الشركات والمؤسسات بينما تحجج الباقون بعدم القدرة على زيادة الحد الأدنى آنذاك"، ويشير إلى أنه "حتى الشركات التي طبقت القرار حركت أجور موظفيها وعمالها بقيمة 300 جنيه، في الوقت الذي زادت فيه أسعار كل شيء وتآكلت القوة الشرائية للجنيه ولم ينقذ هذا المبلغ الزهيد العمال من براثن الغلاء ووحش الأسعار".
وحول المطالبة بزيادة الحد الأدنى للأجور بعد قرار الدولة يقول "أعلم أن المجلس القومي للأجور سيرفع الحد الأدنى في القطاع الخاص إلى 3000 جنيه" ويستدرك "الأزمة كما قلت ليست في القرار، ولكن في تطبيقه" ويطالب رئيس النقابة العامة للعاملين في القطاع الخاص الحكومة بسن تشريع جديد يعرض على مجلس النواب ليصبح قانوناً ملزماً يطبق على أرباب الأعمال والشركات في القطاع الخاص وفي حال المخالفة تكون هناك عقوبات رادعة، قائلاً "دون وجود قانون لن يطبق الحد الأدنى للأجور، فالعمال هناك تحت رحمة أرباب الأعمال".
رفض الزيادة والتسريح البديل
بعيداً من النقابات العمالية والمجلس القومي للأجور، يقول أحمد حسن الذي يعمل في إحدى دور الطباعة، إن "راتبه لا يتخطى حاجز 2500 جنيه (81.25 دولار)، ولم يزد راتبه منذ عامين على رغم الارتفاعات القياسية في الأسعار"، ويضيف "الخميس الماضي بعد أن أعلنت الحكومة زيادة الأجور والمعاشات ذهبنا كعمال إلى صاحب العمل نتحدث بلطف عن زيادة رواتبنا في ظل ما يحدث وكان رده صادماً" قائلاً "لن أرفع راتب أحد بقيمة جنيه واحد ومن لا يرغب في العمل فعليه تقديم استقالته نهاية الشهر الحالي".
ويؤكد أحمد حسن أننا "بعدما سمعنا هذا الكلام من رب العمل وكأن على روؤسنا الطير لم يتفوه أحد من العمال بكلمة كما لم يقدم أحدهم استقالته" ويشير إلى أن "هذا هو القطاع الخاص لا قلب له ولا إحساس، ولذلك رضخنا لما قاله، فالأوضاع الاقتصادية صعبة وفرص العمل غير متاحة وقد نبدأ في عمل جديد بأقل من رواتبنا الحالية".
الأجور بند من بنود الكلفة
على الجانب الآخر، يقول رئيس جمعية مستثمري مدينة بدر الصناعية، بهاء العادلي، إن "الأجور بند من بنود الكلفة وزيادتها أمر مسلم به، إذ إن الأجور تمثل نحو 12 في المئة من إجمالي كلفة المنتج"، ويضيف أن "حقوق العمالة في مصر يجب تلبيتها مع مستويات التضخم فزيادة الأجور يجب أن تتوافق دائماً مع مقدار التضخم" ويشير إلى أن "مدينة بدر الصناعية تضم 1000 مصنع على الأقل والاتفاق بين أعضاء الجمعية وهم ممثلون لأصحاب المصانع يتم دائماً بزيادة الأجور بما يعادل الارتفاع في التضخم، وإلا سيفقد صاحب المصنع أو العمل أحد أهم جنوده في الصناعة وهم العمال، خصوصاً إذا كانوا من العمال المهرة" ويعتبر رئيس جمعية مستثمري مدينة بدر الصناعية، أن "سوق العمل عرض وطلب وإن لم يحافظ رب العمل على عمالته فقد يفقدها ويذهبون إلى غيره فرجل الصناعة الناجح هو الذي يحافظ على ما لديه من عمال مهرة خصوصاً أن الأجور أحد بنود الكلفة التي يمكن تحميلها على سعر المنتج النهائي" قائلاً "لا ضرر ولا ضرار".