ملخص
الأزمة المالية العالمية عام 2008 اختبرت صلابة #النظام_المصرفي_الخليجي والتوقعات اليوم تشير إلى صعود أسواق الخليج بسبب اكتتاب "أدنوك للغاز" ونتائج "#أرامكو" القوية
في ضوء تساقط بنوك أميركية كأحجار الدومينو، ومع الاستجابة السريعة للمنظمين الأميركيين لحماية أموال الموديعن تجنباً لتكرار سيناريو خريف 2008 لدى انهيار بنك "الإخوة ليمان" (Lehman Brothers)، مما أشعل الأزمة المالية العالمية التي تسببت في سقوط 19 بنكاً أميركياً، يبرز سؤال مهم عن تداعيات سقوط بنوك "سيليكون فالي" و"سيغنيتشير" و"سيلفرجيت كابيتال"، على القطاع المصرفي وأسواق المال الخليجية، وبخاصة مع موجة الهبوط التي اجتاحت أسواق المال الأميركية والأوروبية، ومحو مليارات من قيمة أسهم أكبر البنوك البريطانية في اليومين الماضيين، وكذلك في ظل التقارير التي تحدثت عن مزايدات لبيع بنك "سيليكون فالي" أو ربما وجود جهات أخرى خارجية مهتمة بشراء أجزاء من "بنك السيليكون" تعمل خارج الولايات المتحدة.
إلى الآن لم يصدر أي بيان من البنوك المركزية الخليجية عن أي استثمارات خليجية مباشرة في أي من البنوك الأميركية الثلاثة المنهارة، وهي أسئلة توجهنا بها إلى عدد من المحللين الماليين.
تبعات "الدومينو"
يقول عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد "تشارترد" للأوراق المالية والاستثمار وضاح الطه إن ما حدث في بنك "وادي السيليكون" ليس بحجم انهيار وسقوط بنك "ليمان براذرز" عام 2008، فنحن نتكلم عن بنك يحتل المرتبة الـ16 في لائحة أكبر البنوك الأميركية، بحجم أصول 209 مليارات دولار في نهاية عام 2022، وودائع بلغت 175 مليار دولار، مع الإشارة إلى أن 89 في المئة من هذه الودائع غير مؤمن عليها، ومع ذلك تعهدت كل من شركة تأمين الودائع الفيدرالية (FDIC)، والفيدرالي الأميركي بضمان الودائع، وأود هنا أن أشير إلى محورين أساسيين في المخاطرة بهذا الموضوع، الأول هو هل نحاصر هذه الأزمة؟ والثاني هل سيكون لها تبعات "الدومينو"؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع الطه "أول تحرك احترازي هو ضمان الودائع، الأمر الذي يحد من مشكلة أخرى ناتجة من هلع المودعين في البنوك الصغيرة الأقل حجماً، الذين يسحبون الودائع نحو البنوك الكبيرة، وهذا الهلع الحاصل أو حمى سحب الأموال سيقود إلى انهيارات أخرى، بالتالي فإن طمأنة المنظمين الأميركيين المتمثلة في ضمان الودائع هدأت من روع المستثمرين وقطعت سلسلة القلق التي تقود إلى تداعيات رأيناها في اليومين الماضيين ببنك (سيغنيتشر)، وجل تعاملاته مع العملات المشفرة، وباعتقادي أنه قد تمت محاصرة الأزمة التي نشأت عن ارتفاع الفائدة الأميركية المستمرة وعسر السداد، كما أن شركات التكنولوجيا الناشئة التي يمولها بنك (سيليكون فالي) سريعة النمو، وهي بالتالي بحاجة إلى تمويل، وهذا التمويل يذهب إلى العمليات والتطوير. وكانت عمليات السداد للرهون والقروض قد تلكأت بسبب وتيرة رفع الفائدة العام الماضي، وباعتقادي أن الخطوة الأهم المقبلة هي احتواء الأزمة، فقد جرى الاستحواذ على وحدة بنك (وادي السيليكون) في بريطانيا، وعلى رغم إفلاس البنك فإنه لن يتجه للانهيار، كما أن إدارة البنك لم تتقدم بطلب حماية من الدائنين تحت الفصل (11) من قانون الإفلاس، بالتالي ضمان الودائع كان القرار الحاسم في إيقاف المستثمرين والمودعين عن سحب أموالهم".
طمأنة المودعين
من جانبه وصف محمد علي ياسين المتخصص في الأسواق المالية، ما يحدث في "بنك السيليكون" بالأمر المقلق للغاية بالنسبة إلى القطاع المصرفي في أميركا أولاً، مشيراً إلى أن سقوط البنك الأميركي كان له أثر واضح في مؤشرات الأسهم خلال اليومين الماضيين.
وتحدث ياسين عن وجود تحركات واضحة من قبل جانييت يلين، وزيرة الخزانة الأميركية والسلطات التنظيمية في البلاد، لطمأنة المودعين وليس المستثمرين أو ملاك الأسهم، وبخاصة أن كثيراً من المودعين هم شركات تكنولوجيا ناشئة حققت أرباحاً كبيرة ما بين عامي 2020 و2022، وأودعت كثيراً من الأموال في البنك، كما أن بعض هذه الشركات تعتمد على هذه الإيداعات في مصروفاتها اليومية وفي دفع رواتب الموظفين، ولم تتمكن في الأيام الماضبة من الوصول إلى هذه الإيداعات، ومن ثم جاء التحرك السريع بإعلان الجهات التنظيمية الأميركية أن عملاء البنك المفلس سيتمكنون من الوصول إلى ودائعهم، كما أنشأت الجهات التنظيمية منشأة جديدة لتمكين المصارف من الحصول على تمويلات الطوارئ، واتخذ مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) قراراً للتيسير على البنوك في الاقتراض منه لدى حالات الطوارئ، وهذا سيخفف الضغوط على المودعين.
الأسواق الخليجية نحو الصعود
وعن تداعيات سقوط "بنك السيليكون" على البنوك وأسواق المال الخليجية، قال ياسين "بعد إعلان وزارة الخزانة الأميركية دعمها لودائع المودعين في البنوك الأميركية، وتأكيدها على قوة القطاع المصرفي الأميركي ودفاعها عنه، عكست العقود الآجلة ذلك بالارتفاع، وهو ما سيكون له أثر إيجابي في نفسية المستثمرين الخليجيين وسيخفف أي ضغوط على الأسواق مما سيسمح لها بالصعود، بخاصة مع النتائج القوية لشركة (أرامكو) في السعودية وإدراج (أدنوك للغاز) في سوق أبو ظبي للأوراق المالية".
وكانت البيانات المالية لشركة "أرامكو" السعودية أظهرت ارتفاع صافي أرباحها عام 2022 بنسبة 46.46 في المئة لتصل إلى 604.01 مليار ريال (161.1 مليار دولار)، مما يمثل أعلى أرباح سنوية لها كشركة مدرجة في السوق المالية، مقارنة مع 412.4 مليار ريال (412.4 مليار دولار) في العام السابق.
في حين سيكون الاكتتاب العام لشركة "أدنوك للغاز" واحداً من أكبر الطروحات حتى الآن خلال عام 2023، وأكبر إدراج في سوق أبو ظبي للأوراق المالية.
إبطاء ارتفاعات الفائدة
يقول ياسين "الصورة لا تزال غير واضحة، والمخاطر في تزايد على القطاع المصرفي الأميركي مع إيقاف بنك جديد في نيويورك (سيغنيتشر) ووضعه في مزاد لبيعه الأسبوع الحالي. وأعتقد أن ما حدث قد يدفع بالفيدرالي الأميركي إلى إبطاء عملية رفع أسعار الفائدة، لأنه سيكون قلقاً جداً برؤية أول شرخ كبير في القطاع المصرفي جراء عمليات الرفع المتزايدة للفائدة، بالتالي قد يخفف من هذا الرفع لتجنب حدوث عدوى أو (contagion) أي انتقال الآثار السلبية لما يحصل في بنك (سيليكون فالي) إلى مؤسسات مالية أخرى. وبرأيي فإن مخاطر حدوث تلك العدوى لا تزال مرتفعة".
من جانبه قال المحلل الاقتصادي الكويتي محمد رمضان "إلى الآن لا يوجد ما يثبت أو يشكك في أن سقوط بنك (وادي السيليكون) سيسبب خللاً في النظام المصرفي، بالتالي لا داعي لإنقاذ البنك من قبل الحكومة الأميركية، لأن الحكومة بطبيعة الحال تضمن ودائع المودعين لحد 250 ألف دولار، لكن هذا البنك ارتكب أخطاء إدارية بسبب محفظته الائتمانية الغريبة نوعاً ما، إضافة إلى شرائه عديداً من الأصول التي تأثرت بشكل كبير بارتفاع أسعار الفائدة، لهذا السبب دخل في مشكلة كبيرة عند انخفاض تلك الأصول مما تسبب في تدافع المودعين لسحب أموالهم من البنك بالتالي إفلاسه وانهياره".
وأضاف رمضان "قد يتم شراء البنك من قبل بعض المستثمرين، وهناك عدد من الأسماء المتداولة منها إيلون ماسك، الذي أبدى نوعاً من الرغبة في شراء البنك ولا يعرف حتى الآن مدى جديته في هذا الأمر، لكن كما ذكرت فإن أموال المودعين مضمونة، وفي حال لم يتقدم أحد لإنقاذ البنك ستباع أصوله ويتم تسديد ما تبقى من مبالغ لبقية المودعين، بالتالي وبحسب المعطيات الحالية من الجهات الرقابية الأميركية لا يوجد تأثير كبير لتهاوي البنك، ولا يمكن تشبيه ما يحدث اليوم بما حدث خلال الأزمة المالية العالمية عام 2008، حيث انهارت وقتها قيمة الأصول لدى البنوك وهو ما كان سبباً رئيساً في حدوث الأزمة، لكن ما حدث في بنك (وادي السيليكون) هو أن قيمة الأصول انخفضت مما أدى إلى تآكل حقوق ملكية البنك".
صلابة النظام المصرفي الخليجي
من جانب آخر قال المصرفي حسن الريس "بالنسبة إلى رفع سعر الفائدة المتوقع من قبل الفيدرالي الأميركي بنسبة 0.50 في المئة لشهر مارس (آذار) الحالي، فإنه لم يكن متوقعاً بالنظر إلى البيانات التي لا تشير إلى حاجة ملحة لذلك، فتقرير الوظائف لشهر مارس (آذار) كان جيداً، حيث تم إشغال 300 ألف وظيفة، وكان مؤشر الأسعار جيداً، وكذلك أرباح شركات النفط، بالتالي لا أرى حاجة إلى رفع الفائدة الأميركية في الوقت الراهن".
ويضيف الريس "أما عن إعلان الجهات التنظيمية الأميركية أن عملاء البنك المفلس (سيليكون فالي) سيتمكنون من الوصول إلى ودائعهم، فإنه يطمئن المودعين والأسواق، مع الإشارة إلى أن جميع الإيداعات في البنوك الأميركية مؤمنة من قبل شركة تأمين الودائع الفيدرالية (FDIC) لحد 250 ألف دولار لكل حساب فردي".
وبالنسبة إلى تداعيات سقوط البنك الأميركي على البنوك الخليجية. يقول الريس إن الأزمة المالية العالمية عام 2008 كانت قد اختبرت صلابة النظام المصرفي الخليجي، حيث نجحت البنوك الخليجية في تجاوزها، كما تم تشديد اللوائح النقدية من قبل (البنوك المركزية) الخليجية في العام نفسه لحماية النظام المصرفي والعملاء.
ويقول الريس "لحد الآن لم يتم رصد أي تداعيات سلبية لسقوط بنك (سيليكون فالي) على البنوك الخليجية، ولكن على العكس التوقعات اليوم تشير إلى صعود الأسواق الخليجية بسبب اكتتاب (أدنوك للغاز) ونتائج (أرامكو) القوية، وأيضاً النتائج الجيدة للشركات المحلية في الإمارات في الربع الأول من العام.
وختم الريس بالقول "إننا في العالم لم نعد إلى حقبة الاستقرار التي سبقت اندلاع جائحة كورونا، فلا تزال الأزمات تلاحقنا".