ملخص
#سعادة ضائعة وسط #تقاليد #المجتمع و #القيود
إننا نملك ما يملكه الآخرون وربما أكثر ولكننا لسنا سعداء!
لسنا سعداء لأننا أطفالاً علمونا العيش في "الدنيا الأخرى" قبل "دنيانا هذه" التي نغرق فيها صباحاً ومساء.
بببغائية، صغاراً علمونا أن "الآخرة خير من الأولى"، فصببنا كل ما فينا من قوة وحلم من أجل الآخرة ونسينا دنيانا هذه، وبحثاً عن سعادة "الدنيا الآخرة" البعض منا أصبح يشتري الحسنات كما يشتري البيض، وبعضنا أضحى يعد الحسنات بالآلاف والمئات كما تعد رؤوس الأغنام، وها نحن بين الشراء والعد كسماسرة "الآخرة"، ونسينا العيش على هذه الأرض التي تمنحنا السعادة طريقاً معبداً نحو السعادة في "الدنيا الأخرى"، في خضم هذا الضياع والسمسرة لسنا سعداء.
لسنا سعداء في أوطاننا لأنهم علمونا بأن الوطن الأفضل والدائم هو "الجنة" كما صوروها لنا، ببساتينها ونسائها وسواقيها من عسل وسمن وخمر، فنسينا سواقي الوطن وعسله وبساتينه وضيعناه وبالتالي ضيعنا السعادة التي يمنحنا الوطن الذي لا بديل لنا عنه.
هكذا علمونا، بإيماننا المكتسب والعقل المقفل ما زلنا ننتظر سعادة الآخرة والعين مغمضة واليد مكتوفة، جاهلين أن من يُضيِّع سعادة الوطن لن يكسب سعادة السماء. سعادة السماء بوابتها سعادة الأوطان، لذلك لسنا سعداء.
مبكراً، صغاراً علمونا كيف نصلي على الميت، ففتحنا عيوننا على طقوس الموت والميت لا على طقوس الحي والحياة، على الكفن لا على الأناقة بكل بساطتها الشعرية، علمونا تقدير الميت ولم يعلمونا تقدير الحي، علمونا مسامحة الميت ولم يعلمونا التسامح مع الحي، لذا ها نحن نمشي خلف ما يشبه جنازة مستمرة، هي جنازتنا نحن، مبكراً وجدنا أنفسنا وكأننا خلقنا لنعيش للموت الذي ننتظره لا للحياة التي نتنفسها، لذلك لسنا سعداء.
أطفالاً، علمونا الخوف من الله تبارك وتعالى بدلاً من عشقه، لذا فإننا نعيش الرعب المزمن، فالخوف أضحى وجبتنا اليومية، نعيش الخوف من الله والخوف من السلطان والخوف من الشرطي والخوف من المعلم والخوف من الأب والخوف من الأخ الأكبر والخوف من حارس حقل العنب، حياتنا طبقات من الخوف فوق طبقات من الخوف، الخائف والمخوف لا يعرفان طريقاً للسعادة، السجان والسجين، لذلك لسنا سعداء.
منذ فتحنا عيوننا على الفضاء العام، علمونا الخوف من الآخر الذي يشترك معنا في صناعته والحفاظ عليه، لذلك لم نتمكن من زرع ثقافة المواطنة، وعشنا نمضغ الأحزان كل واحد لوحده واقفين أمام وجوهنا التي ترسلها لنا مرآة مكسورة وكاذبة، ونسينا بأن المواطن السعيد هو من يعيش مع غيره المختلف عنه، لذلك لسنا سعداء.
المواطن السعيد هو الذي يذهب في الشارع صعوداً أو هبوطاً، في هذا الشارع أو ذاك، فيجد قدامه وبجانبه المعابد الدينية المختلفة، يجد المسجد للمسلم والكنيسة للمسيحي والكنيس لليهودي ومعبد الكنفوشية للبوذي والطاوي ويجد عبدة البقر والملحد والعلماني... يعيش بين هؤلاء فيسعد بما هو عليه في دينه وعقيدته، ويسعد للآخرين على ما هم عليه في عقائدهم. ولأننا نعيش وحدنا من دون غيرنا المختلف عنا والمكمل لنا، فإننا خلقنا عدواً من وهم يتربص بنا وبعقيدتنا فنقضي حياتنا في التفكير في شن الحرب ضده، نعيش حياتنا على جبهة الحرب، حرب نخوضها تارة في الخطب وطوراً في الغضب وطوراً في التعصب، لهذا لسنا سعداء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المجتمع السعيد هو الذي تكبر فيه المواطنة أو المواطن محاصراً ومنعماً بالمسرح والموسيقى والرقص والسينما والمكتبة، فيعْبُر حياتَه في تجدد، يعْبُر حياته في تعدد، في جمال، كل ذلك من خلال علاقته بالفن والثقافة ذات القيم الإنسانية المتنوعة العالية. ولأن المواطن في بلدنا يعيش في مجتمع يهديه حائطاً للاتكاء (الحيطيست) أو للبكاء أو للتحرش بالنساء، وحين يمنحك هذا البلد ثقافة، تكون هذه الثقافة على مقاس الحاكم أو السلطان، باردة، جافة، ثقافة ضد الحلم وضد التنوير وضد العيش المشترك، لذلك لسنا سعداء.
لسنا سعداء لأننا نعيش في مجتمع يرى في المرأة مصدر المكيدة أو الشيطان أو الأفعى، هي الكائن الذي عليه اللعنة لذا يجب مراقبتها ومعاقبتها، أمّاً وزوجة وأختاً وصديقة وعمة وبنتاً، من يوم المهد إلى يوم اللحد، لذلك لسنا سعداء.
لسنا سعداء لأننا نعلم الطفل في المدرسة درساً غريباً لا يحدث مع غيرنا من الأمم التي نتقاسم معها هذا الفضاء، نعلم الطفل كيف "تُضرب" الزوجة بحسب الشريعة، ونعتبر ذلك من باب العلم والمعرفة والأخلاق والفقه، لذلك لسنا سعداء.
تختن البنات الوديعات في بعض مجتمعاتنا وتقتل فيهن الرغبة التي خلقها فيهن الخالق الأكبر، يعاقب الجسد الصغير عقاباً مزمناً، فيعيش البتر بالمؤبد العضوي والعاطفي، كل ذلك من باب الدفاع عن الفضيلة الكاذبة وبدعوى الحفاظ على الشرف القبلي، لذلك لسنا سعداء.
المجتمع السعيد هو المجتمع الذي يكون فيه المواطن راشداً، له حرية الذهاب إلى المسجد أو الكنيسة أو الكنيس أو لا يذهب إلى أي منها كذلك، من دون أن يفرض على الآخرين الذهاب معه، وله حرية الذهاب وحرية اللاّذهاب إلى المقهى أو الخمارة أو المطعم أو الحديقة من دون أن يخل بالنظام وبثقافة تقاسم الفضاء العام، والاحترام. لسنا سعداء لأن هناك من يعتبر المواطن غير راشد وأن علينا جميعاً أن نذهب كقطيع حيث يختار لنا غيرنا أن نذهب، وإذا لم نذهب حيث قيل لنا أن نذهب فإننا نصنف في مربع الرجم والعزل والتخوين والتكفير وما إلى ذلك من أوصاف الأمراض الفكرية والأيديولوجية، لهذا لسنا سعداء.
لا سعادة من دون استقلال، الشعوب غير المحررة وغير المتحررة ليست سعيدة أبداً، والاستقلال لا يعني علماً بألوان محددة يرفع يوم الاحتفالات الرسمية ويوم استقبال ضيوف الدرجة الأولى، ولأننا نعيش تحت رحمة سلطات تتحكم في مصائرنا من يوم التسجيل في قائمة الحالة المدنية في البلدية إلى يوم الشطب منها، كلما نقوم به مسطر مسبقاً، لذلك فإننا لسنا سعداء.
الهاربون على قوارب الموت نحو أرض أخرى، نحو أقوام أخرى، هم هاربون بحثاً عن مسحوق السعادة، لا أكثر ولا أقل، هاربون من موت بارد يقتلهم بالتقسيط يومياً في عزلتهم وبطالتهم العملية والفكرية والروحية، الذين يهاجرون، هؤلاء، لا يهاجرون من أجل لقمة الخبز، إنهم يقومون بذلك لأنهم ليسوا سعداء، وشتان ما بين البحث عن السعادة والبحث عن لقمة الخبز، لذلك لسنا سعداء.
شعوب بلداننا التي حجم السعادة فيها شحيح ونادر، تنام على أرض لا تقل خيراتها التي على السطح أو تحته، براً أو بحراً، مقارنة مع خيرات شعوب بلدان أخرى، لكن هذه الأخيرة على العكس منا استطاعت أن تصنع من بلدانها ورشة للسعادة بالموازاة مع أوراش العمل والمواطنة والحرية والمنافسة العادلة، في حين حوّلنا بلداننا إلى مقابر للذكاء والعبقريات والمواهب، لهذا لسنا سعداء.
لأن الإخفاق لم يعد صدفة أو حالة استثنائية أو فعلاً عابراً بل صار ثقافة وسلوكاً يُدَافَع عنه بقوة الجهل وبقوة الغضب وبقوة العصبية القبلية والدينية، لذلك لسنا سعداء.