ملخص
حصلت #السعودية على اتفاق جيد مع #إيران لعدة أسباب، أهمها دخولها في المحادثات قبل أي حلحلة في المفاوضات النووية، لأن ما يحصل في فيينا من شأنه أن يغير موقف طهران وقوتها التفاوضية مع جيرانها
لا يبدو أن هناك مفاوضات جادة تجري في فيينا لإحياء الاتفاق النووي بين المجموعة الغربية وإيران، لكن هذا لا يعني عدم وجودها، بخاصة أن الرغبة في استعادة الاتفاق موجودة من قبل الطرفين ولا يعطله إلا الاتفاق على الأولويات.
وعلى رغم أن ملف الأولويات يعد أمراً حيوياً بخاصة مع تصدر الحرب الأوكرانية المشهد، وتورط إيران فيها بشكل مباشر عبر تزويد روسيا بالطائرات المسيرة، إلا أن هذا التعقيد قابل للحلحلة مع بعض التنازلات كما حصل في 2015 حين تم التوقيع على اتفاق لوزان (5+1).
أبرز تجليات ذاك الاتفاق كان تفاجؤ "الحلفاء التقليديين" للغرب به، إذ لم يشاركوا فيه بشكل مباشر أو غير مباشر، ولم تراع متطلباتهم ومخاوفهم في الشروط المفروضة على طهران كما ينبغي على رغم أنهم كانوا إحدى الأوراق التي تم التفاوض بها.
من يتفق قبل الآخر؟
عندما انسحب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب من الاتفاق النووي في 2018، حاول إعادة التفاوض عليه بشروط أكثر إحكاماً من تلك "المعيبة" التي وقع عليها سلفة باراك أوباما، إلا أن طهران التي لم تغلق باب التفاوض بشكل كامل أمام التحفظات قالت إنها لن تتفاوض على ما اتفق عليه.
وقالت الحكومة الإيرانية على لسان وزير خارجيتها آنذاك، جواد ظريف "إيران لن تتردد في إجراء المفاوضات، لكنها لن تتفاوض على قضية تم التفاوض حولها مسبقاً"، في إشارة إلى ما اتفقت عليه في 2015 حول ما يحق لها ومالا يحق لها القيام به بناءً على الاتفاقية.
هذه الفكرة تملك وجاهتها التي كسبت تعاطف الشركاء الأوروبيين في الاتفاق، بأن ما اتفق عليه اتفق عليه وانتهى الأمر، ولا يمكن التنصل منه لعقد اتفاق جديد وإلا لكان ذلك فاتحة لانهيار أي معاهدة دولية حتى لو كان معيباً كما يصفه المتحفظون.
تكمن المشكلة السعودية، المتحفظ الأبرز على الاتفاق القديم، التي تسببت بإسقاطه عبر صفقة عقدتها مع ترمب، أنها لا تملك حضوراً في المفاوضات النووية التي من المفترض أن تحدد مستقبل المنطقة ووضع السعودية ذاتها، بالتالي لا يمكن لها ضمان وضع احتياجاتها على رأس بنود الاتفاق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في حين لا يبدو أن أميركا صلبة في التمسك بمصالح السعودية بشكل مطلق إذا ما استدعى الأمر تقديم بعض التنازلات التي لا تعجب الرياض لتمرير الاتفاق، كما حصل سابقاً في إغفال ملف الصواريخ البالستية ودعم الميليشيات الحوثية في اليمن، وهو الخطر الآني الذي يهدد المدن السعودية، فضلاً عن الملف النووي نفسه، لذا يعد أي اتفاق سيعقد في فيينا حيث يجتمع مندوبو الطرفين بشكل غير مباشر خطراً على أمن السعودية ما لم يشمل تحفظاتها، وهو ما يعطي الصفقة التي يمكن للسعودية عقدها قبيل أي انفراجة في فيينا أهمية قصوى.
من يتناول العشاء سيحصل على الفتات
في ظل غياب الخيار العسكري، السلاح الأول للتفاوض مع دولة معزولة هو مساومتها بعزلتها، وهو الأمر الذي عقد به جون كيري اتفاق 2015، بأن وعد إيران بتخفيف القطيعة الدولية معها بشكل مجزأ ومنفصل بناءً على استجابتها للطلبات الأميركية في ما يتعلق بسلوكها النووي.
إذ تملك إيران علاقة سيئة مع أميركا وأوروبا، وقطيعة كاملة مع عدد من دول الخليج، وأخرى متوترة مع دول آسيوية، وعقوبات دولية تمنع كثيراً من أعضاء النادي الغربي من التعامل مع طهران، وهو ما يدفع النظام الثيوقراطي المتشدد لقبول الجلوس على طاولة المفاوضات مع الغربيين بالتحديد، لأنهم من يملك إزالة القدر الكافي من هذه العقوبات في ظل اختيار حلفائهم القطيعة الدائمة والتزامهم المصالحة في ما لو فرضت عليهم، كما حصل في تجربة الاتفاق الماضي.
وعلى ما يبدو، أن الرياض قد أدركت أن انتظار ما ستسفر عنه المحاولة الأميركية لعقد اتفاق أفضل فيه مخاطرة كبيرة، وأن عقد اتفاق خاص مع إيران بعد أن تنجح الأخيرة في الاتفاق مع أميركا سيكون أقل كفاءة بسبب أن طهران لن تكون بحاجة لتقديم تنازلات على طاولة العشاء بعد أن حصلت على كل شيء في الغداء الغربي.
لذا اختارت الرياض أن تعقد اتفاقاً خاصاً بها مع غريمتها الإقليمية بغض النظر عن الجهد الأميركي، مستغلة استمرار العزلة الدولية ضدها بتقديم فرصة تخفيف العزلة الإقليمية بانفتاح الدولة الخليجية الكبيرة عليها مقابل الحصول على اتفاق جيد، بخاصة مع وجود ضامن كبير حقيقي، الصين في هذه الحالة، وليس وسيطاً يحاول إقناع الطرفين دون أن يملك أدوات تأثير عليهما فيما لم يلتزما.
هذا الموقف كان واضحاً في تفاصيل الاتفاق، فبحسب صحيفة "ذي غارديان" البريطانية، فإن السعودية رفضت عرضاً من إيران لإجراء محادثات دبلوماسية لاستئناف العلاقات في 2021، وبررت ذلك بـ"الخلافات الأمنية العميقة"، ما دفع طهران لتقديم عرض يشمل التفاهم في كل هذه الخلافات، وكلفت علي شمخاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، للتواصل غير المباشر مع السعوديين من طريق وسطاء إقليميين، إلا أن الرياض لم تكن مرنة في تقديم التنازلات حتى قدمت بكين عرضاً جاداً للعمل كوسيط ضامن، وهو ما قابلته الرياض بإيفاد كبير مفاوضيها مساعد العيبان للبدء بمفاوضات جدية.
السلوك السعودي في المفاوضات ينم عن موقع قوة بسبب بدء مفاوضاتها في وقت لا تملك فيه إيران أي فرصة في انفراجة غربية، وهو موقع ما كان ليكون متاحاً لو استجابت الرياض للمفاوضات بعد عقد صفقة نووية بين طهران ومجموعة الـ(5+1).
وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن السعودية حصلت على اتفاق تتعهد فيه طهران بوقف شامل وتام لكل أنواع الاعتداءات والهجمات بشكل مباشر أو من طريق حلفائها في اليمن أو غيرها، مقابل إعادة فتح السفارتين في الرياض وطهران مع ما يترتب على ذلك من استعادة للعلاقة الكاملة، وهو ما يمثل اتفاقاً جيداً للسعودية وكافياً لإقامة علاقة من جديد.
وقال وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، بعد أيام من الاتفاق، إن "الاستثمارات السعودية في إيران يمكن أن تحدث سريعاً جداً بعد الاتفاق"، مضيفاً "هناك كثير من الفرص لاستثمارات سعودية في إيران. لا نرى عوائق طالما سيتم احترام بنود أي اتفاق".
وهو ما يعد فرجة إيرانية تحسن موقعها في المفاوضات النووية في ما لو استعادت زخمها، بعد أن نجحت في إحراق ورقة القطيعة الإقليمية في يد المفاوض الأميركي.
وكتب الكاتب السعودي، عبدالرحمن الراشد، مقالة في صحيفة "الشرق الأوسط" عن مسعى إيران لتحييد السعودية في المرحلة المقبلة، وصف فيه المشهد بما أسماه "تحييد إيران للسعودية"، قائلاً "إيران خلقت لنفسها عداوات كثيرة، لا علاقة لها بخلافاتها مع الرياض، وعلى العكس من سياسة عزل السعودية عن قضايا المنطقة، قد يفتح الاتفاق للإيرانيين فضاءً عربياً جديداً يقوم على المصالحات، وليس عبر السلاح والميليشيات، تركيا كانت إلى قبل أشهر قليلة متورطة في نزاعات مع نحو نصف دول المنطقة، واليوم على وفاق معها جميعاً، بما فيها إسرائيل، مما حسن اقتصادها، وأوضاعها السياسية الداخلية، وعلاقاتها الخارجية، على أي حال توسيع دائرة المصالحات، شأن يخص إيران، وقد يكون تحييد السعودية حافزاً لها للسير بقية الطريق، وإنهاء أربعين عاماً من التوتر الإيراني العربي".
فرص التقارب السعودي - الإسرائيلي
ويرى مراقبون أن واشنطن لم تكن جادة فعلاً في معالجة مخاوف السعودية تجاه إيران، بل نظرت لها على أنها فرصة لعقد صفقة سلام بينها وبين إسرائيل عبر تسويق فكرة تكوين جبهة "سعودية - إسرائيلية" لحل المشكلة الأمنية التي تخلقها إيران.
كان هذا واضحاً عندما اختار بايدن إجراء جولة إقليمية شملت تل أبيب ومن ثم جدة العام الماضي، تضمنت اتفاقاً يتيح الأجواء السعودية للطائرات القادمة من تل أبيب، في حين سوقت فكرة تكوين شرق أوسط جديد وتكتل اصطلح على تسميته "ناتو شرق أوسطي" يشمل البلدين.
تناولت "نيويورك تايمز" هذه الزاوية في مقالة نشرتها في 15 مارس (آذار) 2023، قالت إن الصين جمعت السعودية مع إيران في وقت كانت أميركا تأمل بجمعها مع إسرائيل باعتباره تحولاً سيغير جوهر إسرائيل المعادي عبر خلق عدو مشترك.
وأضاف التقرير "طلب السعوديون أكثر مما ترغب واشنطن في تقديمه مقابل فتح علاقات رسمية مع إسرائيل، طلب السعوديون من الولايات المتحدة ضمانات أمنية، ومساعدة في تطوير برنامج نووي، وقيود أقل على مبيعات الأسلحة الأميركية ولم يكن الهاجس الأمني بمفرده كافياً لإقناعها بالعلاقة مع الدولة العبرية".
ومن شأن الخطوة الأخيرة إذا ما نجحت الصين في ضمانتها أن تعيد ترتيب ملفات عديدة في المنطقة، منها احتواء التهديد الإيراني والتقليل من أهمية التقارب مع إسرائيل.