ملخص
أي مبالغة إيرانية في قراءة #المبادرة_السعودية وأن #الرياض قد تدفع باتجاه التخلي عن علاقاتها التاريخية مع #واشنطن، وأن الاتفاق سيؤسس لخروج #أميركا من المنطقة قد تكون قراءة بعيدة عن الواقع
لا شك أن الإعلان عن الاتفاق الإيراني- السعودي برعاية صينية تحول إلى محط اهتمام جميع الأوساط السياسية والإعلامية دولياً وإقليمياً وإيرانياً وعربياً، وقد اتقفت غالبية المواقف التي واكبت هذا الحدث على الترحيب به وبما يمكن أن ينتج عنه من انعكاسات إيجابية على مختلف الأزمات التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط بالتحديد، في حين رأى فيه بعض القوى مصدر قلق على مصالحها وتأثير سلبي على موقعها في المعادلات الإقليمية أو على مستوى الخاص في إطار صراعاتها مع خصومها وانعكاسه على موازين القوى.
نظراً إلى المفاجأة التي أحدثها هذا الإعلان، الذي اعتبره البعض أنه حصل من خارج سياق التطورات والمواقف التي كانت تسيطر على المشهد الإقليمي العام وحالة التوتر في العلاقات بين طرفي الاتفاق، لذلك فإنه من الصعب الحديث عن أبعاده والسيناريوهات المتوقعة والتداعيات التي قد تنتج عنه على المستويين الثنائي والإقليمي والمعادلات الجديدة التي ترافقه.
التعاطي مع هذا الحدث وحجم الدهشة التي سيطرت على المواقف، يبدو أنها جاءت نتيجة إسقاط هذه المواقف للمسار الذي بدأ في أبريل (نيسان) 2022 مع انطلاق أول جولة من الحوار الثنائي في العاصمة العراقية بغداد، وإخراج الجولات الخمس التي عقدت من حساباتها وأن النتيجة المنطقية والطبيعية لهذه الحوارات لا بد أن تنتهي إلى ما انتهت إليها في بكين، وكأن هذه الأطراف لا ترغب في هذا التقارب وتفضل استمرار حالة العداء والخصومة والتوتر بينهما بغض النظر عما لذلك من تأثير سلبي على استمرار حالة التوتر والاستنفار في الإقليم.
في المقابل، فإن حجم الارتياح لدى القيادات السياسية في البلدين من هذا الاتفاق وما يمكن أن ينتج عنه من مخرجات وإيجابيات على المستويين الثنائي والإقليمي، فإن الترحيب الإيراني يبدو أكثر وضوحاً وأقرب إلى الإثارة منه إلى الهدوء، من خلال محاولة القفز إلى رسم معادلات استراتيجية على المستوى الإقليمي تخدم مصالح طهران، في حين أن القيادة السعودية حافظت على مستوى رفيع وعال من الرصانة والتروي في قراءة النتائج والتداعيات، مع تأكيد ضرورة العمل الجاد لترجمة هذا الاتفاق بما يخدم مصالح الطرفين ويعيد التأسيس لعلاقة سليمة بينهما، التي تتوسع لتشمل المنطقة من خلال التمسك بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة كمعيار لمدى الجدية الإيرانية في الانتقال إلى مرحلة التعاون والتهدئة وإبعاد الشرق الأوسط عن دائرة التصادم والزعزعة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا شك أن الاتفاق في صدمته الأولى لم ولن يكون في صالح الحكومة الإسرائيلية، وهذا ما كشفت عنه ردود الفعل الرسمية والسياسية في تل أبيب، وأيضاً هذا ما حاولت وتحاول القيادة الإيرانية تكريسه في قراءتها للاتفاق، حيث رأت في خلفية موقفها أن الاتفاق أسقط ورقة الرهان الإسرائيلية في بناء تحالف مع الدول العربية يهدف لمواجهة الطموحات والتهديدات الإيرانية، واعتبرت هذه القيادات أن الاتفاق وتعقيد أي إمكانية إسرائيلية للانفتاح على السعودية يبعد عن إيران شبح التعرض لهجوم أو عمل عسكري إسرائيلي ضد منشآتها النووية، كما جاء في مواقف المستشار العسكري للمرشد الإيراني والقائد الأسبق لحرس الثورة الجنرال يحيى رحيم صفوي.
لم تقف التوقعات الإيرانية من هذا الاتفاق عند ما تراه من آثار على معادلات صراعها مع إسرائيل في المنطقة أو على خلفية الموقف من طموحاتها النووية، بل رأت فيه ومن خلال الدور الذي لعبته القيادة الصينية كعامل مساعد وضامن لهذا الاتفاق، إنه لا يصب في مصلحة الإدارة الأميركية والدول الغربية ولن يكون موضع ترحيب أو قبول منها، لما كرسه من دور صيني جديد قد ينعكس على موازين القوى بين الدول الكبرى في الشرق الأوسط، خصوصاً أن الإعلان عن الاتفاق والرعاية الصينية جاء في توقيت غير مناسب ولا ينسجم مع مسار الضغوط المتزايدة على إيران على خلفية دورها في الحرب على أوكرانيا. على رغم ترحيب هذه الدول بما تم إنجازه وتأكيد واشنطن أنها لم تكن بعيدة عما يجري وأن حالة القطيعة بينها وبين طهران لا تتيح لها لعب الدور الذي قامت به بكين.
انطلاقاً من البناء المنطقي على النهايات الطبيعية للحوار الذي بدأ بين الطرفين بالعراق، وفي حال وجود عراقيل أميركية حالت دون التوصل إلى هذا الاتفاق في وقت مبكر، فإن الواضح أن القيادة السعودية اتخذت قراراً حاسماً بإعطاء طهران فرصة لإثبات جدية نواياها في الذهاب إلى تسويات شاملة، وعدم التوقف عند العراقيل الأميركية إذا وجدت، وترجيح مصالحها القومية والاستراتيجية وتقديمها على مصالح الآخرين، حتى الأميركية، بعد أن لمست نوعاً من عدم الجدية الأميركية في تسهيل جهود الحل في الأزمة اليمنية، بالتالي فإن إصرار الرياض على العمل لتأمين مصالحها الاستراتيجية قد يحول دون نجاح أي جهود لإفشال أو عرقلة هذا الاتفاق، شرط أن تلتزم طهران بما تعهدت به من أفق تعاون بمختلف الملفات.
وإذا ما كان الاتفاق سيساعد في نقل العلاقة بين الرياض وطهران من حالة العداء والمواجهة إلى حالة التعاون والعمل لبناء الثقة على أساس المصالح المشتركة بالشرق الأوسط، فإن أي مبالغة إيرانية في قراءة المبادرة السعودية انطلاقاً من وجود خلاف بين السعودية والولايات المتحدة، وأن الرياض قد تدفع باتجاه التخلي عن علاقاتها التاريخية مع واشنطن، وأن هذا الاتفاق سيؤسس لخروج أو إخراج أميركا من المنطقة، وأن الساحة باتت مفتوحة أمام لاعبين ومؤثرين جدد في مقدمتهم روسيا والصين، قد تكون قراءة بعيدة عن الواقع، ومحاولة التأسيس على مواقف وأحداث لا تمس جوهر التوازنات والأبعاد الاستراتيجية للعلاقات الدولية ولن تساعد في تعزيز الاستقرار، خصوصاً أن النتائج النهائية لهذا الاتفاق لا تبدو بعيدة عن مألات أزمة الملف النووي والمفاوضات الإيرانية مع السداسية الدولية وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية.