على الرغم من إصرار السلطة القائمة في الجزائر على استخدام مصطلح "في أقرب الآجال الممكنة"، كلما سوقت لإجراءات سياسية لتنظيم الانتخابات الرئاسية المقبلة، إلا أن مسار الحوار المقترح وتشدد أطراف في الحراك الشعبي على شروط "مرفوضة" قد يقحم مسار "الوساطة" في متاهات التفاصيل، بشكل يؤجل موعد الانتخابات.
وتغرق الجزائر منذ أسابيع في سيل من المبادرات السياسية، التي تتفق في الغالب مع مسار "الحوار" ودعم استمرار الحراك الشعبي، ليكون "وسيلة ضغط" لإنجاح الحوار "من دون وصاية من السلطة".
لكن معالم كثيرة في الساحة السياسية تشير إلى مسار زمني قد يطول قبل تنظيم انتخابات رئاسية جديدة. فمن جهة، لا تريد السلطة المغامرة بـ"مصداقيتها" بعد رفض الشارع لرئاسيات يوليو (تموز) الحالي، ما كلفها البحث عن فتوى دستورية لم تحقق الإجماع بشأن استمرار عبد القادر بن صالح رئيساً للدولة.
وللمرة الأولى تفاعلت الرئاسة الجزائرية مع مبادرة سياسية تقترح "بدء الحوار" مع طرح أسماء بمواصفات يقول أصحابها إنها "تراعي الشروط التي سوقت لها السلطة، أي شخصيات من دون انتماء حزبي وذات رصيد تاريخي أو سياسي أو مهني يحظى بقبول الجزائريين".
آلية الحوار
اعتقد قطاع واسع من الجزائريين أن تلويح السلطة، من خلال بن صالح أو رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، بورقة "التوقيت" والمطالبة بانتخابات رئاسية "في أقرب الآجال الممكنة"، سيعني بدء حوار تقترحه السلطة نفسها، إلا أن المعطيات سرعان ما كشفت النقيض. إذ تنتظر السلطة مقترحات تأتي من الساحة السياسية والمجتمع المدني.
وبادرت رئاسة الجمهورية بتحية مبادرة "منتدى التغيير المدني"، التي ضمت 13 شخصية. وقال رئيس المنتدى عبد الرحمن عرعار لـ"اندبندنت عربية" إن "الأمر لا يتعلق بمبادرة نهائية، بل بمحاولة لتحريك الآليات التي تؤدي إلى الحوار من خلال قراءتنا محتوى العديد من المبادرات الموجودة في الساحة". وأضاف "الآلية لم تكن موجودة، وفكرنا أن من سيصنع الآلية هي الشخصيات الوطنية".
ويشير عرعار إلى أنه "قدمنا رؤية واعتمدنا على ما هو موجود من شخصيات تتفاعل مع الحراك، وهي غير متورطة في الفساد. نحن نُجمع بأن الحراك هو آلية مهمة جداً للضغط ويجب أن يستمر. لكن الحوار في الوقت نفسه يجب أن يشق طريقه نحو التجسيد".
ويذكر عرعار أن "مسعى التوافق الوطني في الظروف الراهنة يستوجب أولاً إجراءات تطمين وتهدئة، عبر إطلاق سراح أناس في السجن". وأضاف معلقاً على تفاعل السلطة إيجاباً مع المبادرة أنه "لا توجد أي طبخة. التواطؤ السياسي انتهى قبل 22 فبراير (شباط) الماضي، تاريخ بداية الحراك الشعبي".
أما الناشط السياسي معاذ تبينات فيشير إلى أن الجميع متفق على "آلية الحوار، وهي تتكرر في غالبية المبادرات المطروحة، بل إنها تتفق (المبادرات) على الانتخابات الرئاسية كأولوية". ويتابع "هناك شبه اتفاق تبعاً لخطاب بن صالح بأن هناك سبيلاً وحيداً للخروج من الأزمة، وهو الحوار".
لكن تبينات يتساءل في الوقت نفسه "صحيح أن الجميع ثمّن محتوى خطاب رئيس الدولة، لكن الجميع في الوقت نفسه يتساءلون: من هي الشخصيات التي ستقود الحوار؟ كيف سينظم الحوار؟ ومن يتحاور مع من؟". وأضاف "ما هو مستقبل الحوار وتاريخه والمدة التي سيستغرقها، بالتالي متى ستجرى الانتخابات الرئاسية؟".
الانتخابات الرئاسية
يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر علي ربيج، عن الفترة المتوقعة لإجراء الانتخابات، إن "هناك مسعى للتوافق بين جميع الأطراف، لكن المؤسف أن الطبقة السياسية منقسمة وتتصارع". ويضيف ربيج "فصيل من الأحزاب يصر على مجلس تأسيسي، وهذا معناه تعطيل مسار الانتخابات. لذلك، يمكننا إثارة أسئلة إن كانت السلطة ستذهب إلى الرئاسيات من دون هؤلاء". وهو يقصد قوى "البديل الديمقراطي"، وهي أحزاب من التيار العلماني والعمالي تضع شروطاً للذهاب في حوار، أبرزها "إطلاق سراح المعتقلين السياسيين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف ربيج "معظم المبادرات المطروحة للنقاش في الساحة السياسية تتفق على أنه يجب الذهاب بسرعة نحو الانتخابات الرئاسية مع شروط نتفق على دعمها". وهي "انتخابات نظيفة ونزيهة وكيفية تجهيز الأداة القانونية التي تسحب يد الإدارة عن مراقبة الصناديق لصالح هيئات مستقلة للتنظيم والإشراف".
ويشير إلى أن "الحاصل الآن هو أن هذه الخطوات قد تستغرق وقتاً طويلاً بحكم إصرار جزء من السياسيين على رفض المسار، وسيكون مؤسفاً الذهاب إلى موعد رئاسي بعد الحراك الشعبي من دون جزء من الأحزاب على الرغم من مناهضتي لموقفهم".
الترسانة القانونية في ستة أشهر
وفق ما أعلنت السلطة من إجراءات قانونية لتجهيز الترسانة التشريعية للانتخابات الرئاسية، فإن الورشات المتوقعة ستستغرق أشهراً عدة، علماً أن البرلمان الجزائري قد أغلق دورته العادية، وعودة نوابه ليست ممكنة إلا في الأسبوع الأول من أيلول (سبتمبر) المقبل.
ولمحت رئاسة الدولة إلى تعديل دستوري جزئي على مستوى المادة الخاصة بالهيئة المستقلة لمراقبة الانتخابات، أي بإضافة مادة أخرى تنشأ بموجبها "هيئة مستقلة للتنظيم"، بما يسحب العملية من وزارة الداخلية نهائياً. كما وعدت الرئاسة بتعديل القانون العضوي للانتخابات، وهو ثاني أهم التشريعات في البلاد بعد الدستور، ويحتاج إلى اجتماع البرلمان ودراسة المشروع القانوني لأسابيع على مستوى لجنة الشؤون القانونية.