منذ يومين، دعت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إلى اعتماد وتطبيق القانون الانتخابي الساري المفعول والمُعتمد في الانتخابات السابقة، عند قبول ترشحات القوائم للانتخابات التشريعية في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) 2019، وتجاهل ما تضمنته النسخة المعدّلة أخيراً من قبل مجلس النواب، والتي لم تُختم من قبل رئيس الجمهورية.
يُذكر أنه من بين التعديلات التي تضمنها مشروع القانون الانتخابي، اعتماد "العتبة الانتخابية" بنسبة ثلاثة في المئة في الانتخابات التشريعية.
كما تضمّن مشروع القانون تعديلات تتعلق بعدد من الشروط الواجب توافرها في المرشح للانتخابات وإلغاء نتائج من تبين قيامه أو استفادته من أعمال تمنعها الفصول 18 و19 و20 من قانون الأحزاب، أو تبيّن استفادته من الإشهار السياسي خلال السنة التي سبقت الانتخابات، بالنسبة إلى التشريعية والرئاسية.
كما تعلقت بعض التعديلات الأخرى برفض هيئة الانتخابات ترشيح من يثبت اعتماده خطاباً لا يحترم النظام الديمقراطي ومبادئ الدستور، أو يُمجّد انتهاكات حقوق الإنسان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
رفض منطق الإقصاء
في هذا الصدد، قال عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أنيس الجربوعي إن "الهيئة وبالتزامن مع انطلاق عملية قبول الترشحات اليوم الاثنين 22 يوليو (تموز) 2019، لا يمكنها اعتماد القانون الانتخابي الجديد إلا بعد نشره في الرائد الرسمي. وطالما لم يختم رئيس الجمهورية القانون الانتخابي المعدل فإن القانون الحالي يبقى ساري المفعول".
ولذلك، اعتمدت هيئة الانتخابات الدليل القديم الذي عُمل به في الانتخابات السابقة في ما يتعلق بترشح القوائم الانتخابية للتشريعية.
وفي وقت سابق تطرق المستشار السياسي لرئيس الجمهورية نور الدين بن نتيشة لموضوع عدم ختم القانون الأساسي المتعلق بإتمام وتعديل قانون الانتخابات والاستفتاء، والذي كان صادق عليه مجلس النواب يوم الثلاثاء 18 يونيو (حزيران) 2019، قائلاً إن "الباجي قايد السبسي لم يختم القانون لأنه يرفض منطق الإقصاء، ويرفض أن يمضي على تعديلات فُصّلت على مقاس جهات معينة".
سابقة خطيرة
من جهتها، اعتبرت الهيئة السياسية لحركة "تحيا تونس"، الحزب المساند لحكومة يوسف الشاهد، المجتمعة بصفة طارئة، أن "عدم ختم القانون بعد استيفائه كل الإجراءات الدستورية، وبعد المصادقة عليه من قبل مجلس النواب، وتأكيد دستوريته من الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، يُعدّ خرقاً لأحكام الدستور وسابقة خطيرة تُهدّدُ مسار الانتقال الديمقراطي".
كما عبرت الهيئة السياسية عن عميق انشغالها "للارتباك الحاصل في عمل مؤسسة رئاسة الجمهورية، وتولّي نجل الرئيس التّحدث باسمها من دون أن تكون له صفة رسمية تسمح له بذلك"، بحسب البيان الصادر عنها.
ودعت الهيئة، الأحزاب الوطنية كافة لاجتماع عاجل لاتخاذ موقف مُوحّد يحمي الدستور ومؤسسات الدولة. كما دعت كتلتها النيابية للتنسيق مع بقية الكتل، لبحث تبعات عدم ختم القانون وانعكاساته على دور مجلس النواب وعلى الانتقال الديمقراطي.
خيوط اللعبة
من جهته، يرى أستاذ متخصص في القانون الدستوري في كلية الحقوق والعلوم السياسية في إحدى جامعات تونس، أن "عملية إصدار النصوص التشريعية هي عملية مشتركة بين جهات عدة"، مبيناً أن "رئاسة الحكومة هي من اقترحت تعديل القانون الانتخابي، ثانياً المصادقة تكون من قبل مجلس الشعب وأخيراً الختم والإصدار من مسؤولية رئيس الجمهورية"، وتابع "الختم هو إجراء دستوري موجود في كل دساتير العالم حتى يمارس رئيس الجمهورية مهمته كضامن لاحترام الدستور، لكن الجديد الذي جاء به دستور عام 2014 هو المحكمة الدستورية لمراقبة دستورية القوانين، أي مراقبة احترام السلطة التشريعية للدستور".
وفي غياب المحكمة الدستورية، وفق المصدر ذاته، "هنالك الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين التي أقرت بقانونية التعديلات الأخيرة، على الرغم من أن بعض المختصين يرون العكس، لكن رأي الهيئة هو الملزم وفي مثل هذه الحالات يضع الدستور ثلاثة خيارات، لرئيس الجمهورية إرجاعه للبرلمان أو تقديمه لاستفتاء شعبي أو ختمه، بعدها ينشر في الرائد الرسمي، لكن في حالتنا اليوم، رئيس الجمهورية لم يقم بأي إجراء".
وفي السياق ذاته، يفسر الأستاذ المختص في القانون الدستوري، رفض السبسي التقيّد بخيارات الدستور أنه "إذا أرجع الرئيس القانون الانتخابي المعدل لمجلس النواب، نفس المجلس الذي صادق عليه، سيصادق عليه مرة أخرى، وإذا قدمه للاستفتاء سيجر الدولة إلى عملية انتخابية إضافية تكلف الكثير من ناحية الوقت والماديات، وأخيراً رفضه للختم دليل واضح على أنه غير مقتنع به".
ويعتقد أستاذ القانون الدستوري أن "رئيس الجمهورية في هذه الحالة، فضّل أن تبقى خيوط اللعبة كلها بين يديه، برفضه اتّباع أي خيار من الخيارات الثلاثة التي قدمها له الدستور".
وضع رئيس الجمهورية غامض
من جهته، يعتبر عضو المكتب السياسي لحزب التيار الديمقراطي محمد عمار أن "عدم ختم رئيس الجمهورية للقانون الانتخابي من دون أي توضيح حول الموضوع، مسألة خطيرة، وربما يكون الرئيس محاصراً من عائلته التي تبحث عن مأمن لها وضمانات عدم محاسبتها".
ويستدرك عمار قائلاً "على أي حال، الحكومة لديها العديد من الأوراق إذا أرادت معاقبة بعض المرشحين للرئاسة، بحكم القضايا المرفوعة ضدهم"، ويضيف "نعتقد في التيار الديمقراطي، أن وضع الرئيس غامض جداً ويتوجب الكشف عن حالته الصحية بصفة دورية، لأن الشعب من حقه معرفة ما يُحاك في الكواليس من قبل المقربين من رئيس الجمهورية".
كما يرى ممثل حزب التيار الديمقراطي محمد عمار الذي وافق على التعديلات في القانون الأساسي عبر كتلته في البرلمان أن "هناك مفاجآت أخرى ستبوح بأسرارها قبل موعد السادس من أكتوبر، ومع ذلك ندعو الجميع من مجتمع مدني وأحزاب ومنظمات مهنية إلى حماية المسار الديمقراطي حتى نخرج من هذه المرحلة بسلام". وتابع "انتخابياً، ما يحصل هو عملية تكسير عظام بين لوبيات في السلطة ومافيات تستعمل المال الفاسد من الداخل والخارج لشراء الذمم والأصوات، وكلها تتخاصم بكل قوة على الخزان الانتخابي لحركة نداء تونس"، مضيفاً "لن يؤثر ذلك في التيار الديمقراطي لأن ناخبيه ليسوا في هذه الفئة الانتخابية، ومع ذلك ندعو هيئات الرقابة والهيئة العليا للانتخابات إلى تطبيق القانون بكل صرامة على المخالفين".