في زيارةٍ رسمية، لم تحدث منذ زمنٍ طويل، التقى وفد من حركة "حماس" قيادات رفيعة المستوى في طهران العاصمة الإيرانية، على رأسها المرشد علي خامنئي، ولكن الغريب في ذلك أنّ الإعلان عن هذه الزيارة جاء من قطاع غزة، وعلى لسان رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنيّة، الذي تطلّع أن تحمل في طياتها نتائج مهمة.
ولكن ليس معتاداً أن يعلن هنية بنفسه عن نشاطات "حماس"، الأمر الذي يُثير علامات استفهام عدة حول هذه الزيارة، التي سبقتها مؤشرات كثيرة، أوّلها جاء منسجماً مع تقرير سابق لـ "اندبندنت عربية" كشف عن بدء استعادة العلاقات بين النظام السوري والحركة، ما جاء على لسان هنية الذي قال إنّ "خروج حماس من سوريا كان درساً"، متمنياً عودة العلاقات بين الجانبين.
السعي إلى استئناف العلاقات
بالفعل، بدأت "حماس" تسعى إلى عودة هذه العلاقات حين أرسلت وفداً من قيادييها إلى العاصمة الروسية موسكو. وقال قيادي في الحركة إن "من بين المواضيع التي نوقشت مع المسؤولين الروس، عودة العلاقات بين حماس وسوريا". ولم تكن تلك المحاولة وحيدةً، بل أرسلت "حماس" أيضاً وفداً إلى طهران لمناقشة الموضوع ذاته.
ورأى المحلل السياسي طلال عوكل في ذلك أن "حماس" تبحث بجدية عن طريق تعيد فيها علاقاتها مع سوريا، وتحاول استثمار كلّ طرف له علاقة بالنظام السوري، ومؤثر فيه، بالدرجة الأولى إيران وروسيا، لذلك خصّصت زيارات إلى مسؤولين في هذين البلدين، لاتخاذهم كوسطاء في إعادة العلاقات مع السلطة في دمشق إلى سابق عهدها.
وحصلت "اندبندنت عربية" على معلومات مفادها بأن وفد "حماس" الذي وصل إلى طهران قبل يومين، التقى قيادات كبيرة من النظام السوري برعاية المرشد الإيراني علي خامنئي، ولكن من دون معرفة أي تفاصيل عن نتائج الاجتماع.
وأكد الأستاذ الجامعي فريد أبو ضهير حصول الاجتماع، متوقعاً أن تكون هناك شروط إيرانية على حماس، من بينها تغيير موقفها من النظام السوري، الذي بدأت الحركة بالفعل بتعديله وتصويب مسارها تجاهه.
جزء من محور
وهدفت حماس أيضاً إلى التأكيد على أنها جزء من "محور إيران" وليس من "الإخوان المسلمين"، بخاصة أنّ هذه الزيارة جاءت بعد الخطاب الأخير للأمين العام لميليشيا حزب الله، حسن نصر الله، الذي هدّد فيه إسرائيل، مشدّداً على قوة ووحدة "محور المقاومة".
وعلّق أبو ضهير على ذلك بالقول إن "حماس" حسمت عدم انتمائها إلى "الإخوان المسلمين" منذ تجديد وثيقتها عام 2017، مشيراً إلى أن "ذلك الحسم جاء على الورق بشكل واضح، ولكن ليس بالشكل الدقيق على الأرض".
واعتبر أن اقتراب "حماس" من "محور المقاومة" سيعمل على تحسين العلاقة مع النظام السوري، الذي يُتوقع أن يقدم لها دعماً سياسياً كبيراً، إذا عادت العلاقة بينهما إلى سابق عهدها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحدة "حماس" الداخل والخارج
أمّا حول إعلان هنية بنفسه عن هذه الزيارة، فإن ذلك من وجهة نظر أبو ضهير، له أبعاد سياسية، خصوصاً أن الوفد التقى المرشد الإيراني، ما يتطلب أن يكون رئيس "حماس" لعب دوراً فيه، فكُلّف بالإفصاح عن هذه الخطوة التي ستحمل أبعاداً أخرى.
وكانت "حماس" أعلنت قبل فترة، عن نيّة هنية إجراء جولة خارجية، بينما تناقلت وسائل إعلام محلية خبراً مفاده بأنّ مصر رفضت السماح له بمغادرة قطاع غزة، الأمر الذي لم تنفه الحركة أو تؤكده. ورأى عوكل أن رفض مصر السماح لهنية بالسفر جاء لعلمها أن وجهته ستكون طهران، ولكن عدم مشاركته لا تغير موقف "حماس"، بخاصة أن الوفد المشارك يضم قيادات رفيعة، مؤثرة في القرار السياسي.
وتنقسم "حماس" إلى الحركة الداخلية التي تدير قطاع غزة، والفرع الخارجي الذي يعمل على تقوية العلاقات الدولية. وضم الوفد الذي وصل إلى طهران قياديين رفيعي المستوى، من بينهم صالح العاروري الذي يُعتبر نائب هنية في الخارج، وعادةً ما يتخذ قرارات حاسمة في قضايا سياسية كبيرة، وموسى أبو مرزوق رئيس العلاقات الخارجية، وكذلك إسماعيل رضوان، أحد قياديي الحركة في غزة.
جلب المال
ولعل أحد أبرز أسباب زيارة الوفد الحمساوي إلى إيران، هو الأزمة المالية الخانقة التي تعاني منها الحركة والتي فقدت نتيجتها كلّ مصادر الدعم، خصوصاً بعد تجفيف واشنطن منابع تمويلها، على نحو بقيت طهران الجهة الوحيدة التي يمكن أن تدفع المال، ولكن معلومات مؤكدة لـ "اندبندنت عربية"، أشارت إلى أنّ قيمة مدفوعات إيران إلى "حماس" انخفضت لأكثر من النصف، وأن هذه الأموال تُدفع إلى الحركة في الخارج، ولا تستطيع إيصالها إلى قطاع غزة، لذلك يعمل الوفد على دراسة رفع قيمة الدعم الإيراني ودراسة طرق ضخّه في غزة.
لكن عوكل لم يؤكد ذلك، إذ إنّ إيران مأزومة مالياً وتأثرت كثيراً بالعقوبات الأميركية المفروضة عليها، لذلك من الطبيعي أن تنخفض قيمة الدعم، معتبراً أن "حماس" لن تذهب إلى طهران لجلب مزيد من الدعم المالي، لأنها تدرك وضع إيران المالي.