تطورات عدّة ظهرت أمس في الأسواق الأميركية بعد أن نقلت "بلومبيرغ" أن الممثل التجاري الأميركي، روبرت لايتهايزر، ومسؤولين أميركيين كبارا، سيتوجهون إلى شنغهاي يوم الاثنين المقبل لإجراء اجتماعات مباشرة مع المسؤولين الصينيين.
وعلى إثر هذا الخبر قفزت البورصات الأميركية لمستويات تاريخية جديدة أمس، حيث تعتبر عودة المحادثات الأميركية الصينية، العقبة الأهم الآن أمام استمرار الأسهم الأميركية في ارتفاعاتها المتواصلة منذ نحو عام تقريبا، بسبب تأثير الحرب التجارية الأميركية الصينية على الاقتصاد الأميركي والعالمي.
يأتي ذلك في وقت تنتظر فيه الأسواق اجتماعات البنك المركزي الأميركي الأسبوع المقبل لحسم ملف الفائدة، حيث من المتوقع أن يخفّض "المركزي" الفائدة لإعطاء زخم للاقتصاد الأميركي الذي بدأ في التباطؤ بسبب هذه الحرب المشتعلة منذ أن فرضت الإدارة الأميركية رسوما على الواردات الصينية بنسبة 25% في مايو (أيار) الماضي.
مؤشرات خفض الفائدة
ويقول طارق الرفاعي، الرئيس التنفيذي لمركز "كروم" للدراسات الاستراتيجية لـ"اندبندنت عربية"، إن "هناك مؤشرات مهمة ظهرت هذا الأسبوع، فللمرة الأولى ينخفض العائد على سندات الخزانة الأميركية (الديون الحكومية) لمدة 3 أشهر دون سعر الفائدة عند 2.25%، وتاريخيا يتجه (المركزي) إلى خفض الفائدة عندما ينخفض العائد على السندات القصيرة الأجل دون سعر الفائدة".
وسيجتمع البنك المركزي في نهاية هذا الشهر يومي 30 و31 يوليو (تموز) لتحديد مسار الاقتصاد في المرحلة المقبلة، وقبل نحو 10 أيام أعطى رئيس الاحتياطي الاتحادي (المركزي الأميركي)، جيروم بأول، إشارة إلى الأسواق باحتمال خفض أسعار الفائدة، وذلك خلال شهادته نصف السنوية في الكونغرس حول الأوضاع الاقتصادية والمالية للولايات المتحدة الأميركية.
ويشرح الرفاعي أن "انخفاض عائد سندات الخزانة قصيرة الأجل دون سعر الفائدة يعني أن (المركزي) سيتجه إلى خفض سعر الفائدة بنفس المقدار، أي بحدود 25 نقطة مئوية (0.25%)، وهناك من يتوقع أكثر من ذلك، وهو أمر ممكن، لكن اعتقادي أن الاحتمال الأكبر هو 25 نقطة مئوية".
ويضيف الرفاعي أن "مركزه رصد تاريخ العلاقة بين عائد السندات وسعر الفائدة منذ العام 2003، ومنذ هذا الوقت يتبع البنك المركزي هذه العلاقة في تحديد اتجاهات الفائدة. ففي كل مرة كان البنك المركزي يرصد ارتفاعا في العائد فوق سعر الفائدة، يقوم برفع سعر الفائدة، والعكس صحيح".
العلاقة بين الفائدة والسندات
ويشرح الرفاعي سبب هذا الأمر بأن "المستثمرين يتجهون إلى السندات قصيرة الأجل بكثافة عندما يكون هناك مخاطر في الأسواق، ما يخفض العائد على هذه السندات نتيجة الطلب العالي عليها، على اعتبار أن السندات الأميركية قصيرة الأجل لا تحمل أي مخاطر ومضمونة العائد. بالتالي كلما زاد الطلب أكثر، كلما انخفض العائد، إلى أن يصبح العائد أقل من سعر الفائدة في السوق، فيتدخل المركزي لخفض الفائدة لتحفيز المستثمرين على ترك السندات والتوجه لأخذ مخاطر أعلى في أسواق أخرى أو بسندات خزانة طويلة الأجل ذات عوائد أعلى".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت "رويترز" نقلت عن "بنك أوف أميركا" رصده الأسبوع الماضي أن "هناك تدفقا بنحو 12.1 مليار دولار على السندات، التي تلقت تدفقات للأسبوع الثامن والعشرين على التوالي، مما يصل بالإجمالي منذ بداية العام إلى 455 مليار دولار، في الوقت الذي يشتري فيه المستثمرون أصول الملاذ الآمن بسبب التوترات التجارية الحالية بين الولايات المتحدة والصين، والتي بدأت في التأثير سلبا على الاقتصاد العالمي".
مخاوف "المركزي"
ويقول الرفاعي إن "الفيدرالي الأميركي" متخوف بشكل رئيس من تأثير الحرب التجارية على الاقتصاد الأميركي والاقتصاد العالمي، وليس بسبب مؤشرات ركود في الاقتصاد الأميركي أو بسبب البطالة أو هبوط الأسهم، فهذه المؤشرات كلها جيدة رغم وجود بعض التباطؤ في الاقتصاد، لكن بشكل عام يريد "المركزي" تخفيض الفائدة لتشجيع المستثمرين على أخذ مخاطر أعلى وتحفيز الاقتصاد. لكن لا يرى الرفاعي تأثيرا يذكر من هذه الخطوة لأن هناك "تباطؤا عالميا".
وكان رئيس "الفيدرالي" قال في شهادته أمام الكونغرس "إن هناك بُطئاً في استثمارات الشركات بسبب النزاعات التجارية والنمو العالمي"، وتعهد "أنه سيتصرف على النحو المناسب"، وهي إشارة فهمتها الأسواق على أنه قد يخفّض أسعار الفائدة.
وأمس، خفّض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي هذا العام والعام المقبل، محذرا من أن مزيدا من الرسوم الجمركية الأميركية الصينية، أو خروجا بريطانيا غير منظم من الاتحاد الأوروبي، قد يؤدي إلى مزيد من تباطؤ النمو وإضعاف الاستثمار وتعطيل سلاسل الإمداد.
وقال صندوق النقد إن المخاطر اشتدت وإنه أصبح يتوقع نمو الاقتصاد العالمي 3.2 بالمئة في 2019 و3.5 بالمئة في 2020، بانخفاض 0.1 نقطة مئوية لكلا العامين مقارنة مع توقعاته في أبريل (نيسان)، وفي خفض هو الرابع له منذ أكتوبر (تشرين الأول)، كما نقلت "رويترز".
هل سيستمر "الرالي"؟
ويدور سؤال اليوم في الأسواق الأميركية حول ما إذا كان "الرالي" المتواصل في مؤشراتها سيستمر، وإذا ما كان تخفيض الفائدة سيحول المستثمرين نحو أخذ مخاطر أعلى في شراء الأسهم بدل السندات، وبالتالي استمرار الارتفاعات التاريخية للأسهم التي تشهدها الأسواق منذ بداية العام.
لكن الرفاعي لا يرى أن المستثمرين سيتجهون نحو الأسهم عند تخفيض الفائدة، لأن برأيه "التخفيض يعني أن المركزي اتخذ هذه الخطوة بناء على وجود مخاطر أو تباطؤ في الاقتصاد الأميركي".
ويعتبر الرفاعي أن "مجرد أن يبدأ المركزي الأميركي في خفض أسعار الفائدة فهذا يعني أن الأسواق وصلت إلى ذروتها، وهي علامة على بيع الأسهم الأميركية".
الهبوط سريع... بطيء
وإذا ما كان هبوط الأسواق من ذروتها سيكون سريعا أو بطيئا، يقول الرفاعي إنه " يصعب التنبؤ بذلك، لكن يمكن العودة إلى ما حدث في ديسمبر (كانون الأول) الماضي عندما هوت الأسهم الأميركية في أسرع وتيرة منذ الأزمة المالية في العام 2008، وبنسبة وصلت إلى 10%، واعتقد أنه مع نهاية الصيف وبداية الخريف، أي في نهاية سبتمبر (أيلول) وبداية أكتوبر (تشرين الأول)، يمكن أن يكون هناك تصحيح كما حدث في ديسمبر، وذلك بالنسبة نفسها في الأقل".
يذكر أن الصين والولايات المتحدة تخوضان معركة تجارية منذ العام الماضي، حيث تبادل البلدان فرض الرسوم الجمركية على وارادتهما. وتوقفت المحادثات بين أكبر اقتصادين في العالم في مايو (أيار)، لكنها بُعثت من جديد عندما اجتمع الرئيس الأميركي دونالد ترمب بنظيره الصيني شي جين بينغ خلال قمة مجموعة العشرين الشهر الماضي.
وافق ترامب آنذاك على عدم فرض رسوم جديدة على واردات صينية إضافية قيمتها 300 مليار دولار وتقرر استئناف المحادثات.
وأبلغ لاري كودلو المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض الصحفيين أمس الثلاثاء أن المحادثات المباشرة هي مؤشر جيد. وقال كودلو إنه يتوقع أن تبدأ الصين شراء المنتجات الزراعية الأمريكية قريبا، لكن وزير التجارة ويلبور روس قلل من إمكانية ذلك خلال مقابلة مع تلفزيون بلومبرج.