ملخص
#الجيش_الروسي حمل معه زي النصر عند بداية الحرب على #أوكرانيا ثم تبين أن الحسابات كانت مخطئة
لا يمكن التحقق من دقة الإحصاءات التي تنشرها روسيا وأوكرانيا عن أعداد القتلى في جيشهما في الحرب الدائرة بينهما منذ 24 فبراير (شباط) 2022. وتحاول كل من الدولتين التكتم على العدد الحقيقي لضحاياها. في الذكرى الأولى للحرب أوردت وكالة الأنباء الوطنية الأوكرانية "يوكرينفورم" بياناً نقلاً عن هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية أعلنت فيه القوات الأوكرانية أن روسيا فقدت بالفعل 146 ألفاً و820 جندياً في أوكرانيا من بينهم 970 في يوم واحد، وهو 23 فبراير الماضي. تلك الأعداد إضافة إلى أرقام عن خسائر الجانب الروسي الذي وصفته بالعدو هي ثلاثة آلاف و393 دبابة وستة آلاف و600 مركبة قتالية مدرعة وألفان و363 من أنظمة المدفعية و474 من أنظمة راجمات الصواريخ المتعددة و228 من أنظمة الدفاع الجوي.
هذه الأرقام تضاف إلى بيانات وزارة الدفاع البريطانية التي كانت قد أعلنت شهر فبراير أيضاً عن مقتل 824 جندياً روسياً يومياً، مضيفة أنه لا يمكن التحقق من صحتها، لكن بريطانيا تقول إن المجريات العامة للأحداث تشير إلى أنها "دقيقة على الأرجح". وكان رئيس الأركان النرويجي إريك كريستوفرسن قد أعلن شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، في مقابلة مع قناة "تي في 2" أن "الخسائر في صفوف القوات الروسية باتت قريبة من 180 ألفاً بين قتيل أو جريح". وأضاف الجنرال النرويجي أن "الخسائر الأوكرانية تخطت على الأرجح الـ100 ألف قتيل أو جريح. إضافة إلى ذلك قتل نحو 30 ألف مدني في هذه الحرب الفظيعة". بدورها تورد موسكو أيضاً إحصاءات بشكل شبه يومي عن خسائر الطرف الآخر، وتعترف بوقوع خسائر في صفوف قواتها، ومع هذا يتعذر التحقق من الأرقام من مصدر مستقل.
انتكاسات الجيش الروسي بعد عام
منذ اندلاع الحرب بين الدولتين، تلك الحرب التي يصنفها عديد من دول العالم والهيئات الدولية، كالأمم المتحدة، على أنها غزو واعتداء من قبل روسيا على أوكرانيا، واعتبار "العملية الخاصة"، كما تسميها موسكو، على أنها غزو غير قانوني، أشارت نظريات كثيرة إلى أن الجيش الروسي تورط في حرب مريرة باستهدافه المدنيين، إضافة إلى أن الرئيس فلاديمير بوتين كان يتوقع أن حربه ضد أوكرانيا ستنتهي بنصر سريع. ففي أكتوبر (تشرين الأول) 2022، وبعد حفل كبير في الميدان الأحمر في العاصمة موسكو، أعلن بوتين أن أربع مقاطعات أوكرانية وهي لوغانسك ودونيتسك وزاباروجيا وخيرسون، أصبحت جزءاً من روسيا. وقال "الحقيقة في صالحنا، والحقيقة هي القوة"، مضيفاً "النصر سيكون لنا"، ولكن مع توقيع الرئيس الروسي على معاهدات الضم في الكرملين، كانت القوات الأوكرانية تحقق تقدماً كبيراً في جنوب البلاد مع تدفقها عبر الخطوط الروسية وتقدمها بسرعة على طول نهر دنيبرو مهددة خطوط الإمداد لآلاف من القوات الروسية.
وبداية العام الحالي، تلقى الجيس الروسي ضربات موجعة نفذها الأوكرانيون في بلدة ماكفيكا، واعترفت روسيا بمقتل 89 جندياً، فيما شككت المصادر بصحة الأرقام. وكانت الرواية الرسمية قد ألقت باللوم على جنودها مروجة لما يسمى "الخطأ القاتل"، عندما استعمل المقاتلون هواتف ذكية مكنت الأوكرانيين من كشف معاقلهم، فيما أكدت كييف ارتفاع قتلى الجيش الروسي إلى 108 آلاف و910 جنود منذ بداية الغزو للبلاد.
في تقرير لمجلة "نيوزويك" الأميركية نشر 22 فبراير، تحدث مراسل المجلة بريندان كول عن انتكاسات رئيسة وقال إن القوات الروسية التي تقدمت إلى كييف بداية حرب بوتين الكاسحة على أوكرانيا جلبت معها زي الاحتفال الرسمي لارتدائه فور تحقق النصر في غضون أيام، كما كانوا يتوقعون، ولكنهم بعد مرور عام لم يرتدوه، وذلك بفضل الصمود الأوكراني والمؤازرة الغربية والإخفاقات الروسية في ساحة القتال، بحسب تعبير كول. وأشار تقرير "نيوزويك" إلى أن تلك الانتكاسات وضعت روسيا في مأزق، على رغم تعزيزها مواقعها شرق وجنوب أوكرانيا وتحقيقها بعض المكاسب الضئيلة.
وبحسب المراسل فإن الانتكاسة الأولى الفشل في الاستيلاء على كييف. فعلى رغم تقدم القوات الروسية بسرعة في بداية الحرب وتشكيلها رتلاً بطول 40 ميلاً على امتداد الطرق السريعة شمال كييف، فإن الرتل توقف ولم تسقط العاصمة أبداً، حيث عطلت القوات الأوكرانية خطوط الإمداد الروسية ومنعت الطائرات التي تقل القوات من الهبوط ودمرت عربات مدرعة روسية. وهو ما كان مقدمة لمقاومة شرسة ضد هجوم بوتين المستمر حتى اليوم.
أما الانتكاسة الثانية فغرق طراد الصواريخ الموجهة "موسكفا"، السفينة الحربية الرئيسة لأسطول البحر الأسود الروسي التي بلغت قيمتها نحو 750 مليون دولار. والثالثة، الانفجار الذي وقع على جسر مضيق كيرتش، الذي يرمز إلى احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014. والرابعة هي الخسائر الفادحة في القوات الروسية، إذ تشير تقديرات كييف للخسائر، أن بوتين خسر من قواته في شهر فبراير أكثر من أي وقت مضى منذ بدء الحرب، حيث زعمت كييف أنها قتلت أكثر من ألف روسي في يوم واحد. ويأتي ذلك وسط تقارير من كلا الجانبين عن "مفرمة لحم" في شرق دونيتسك، لا سيما حول بلدة باخموت. وعن الانتكاسة الرابعة تحدثت المجلة الأميركية عن الانسحاب الروسي من خيرسون، العاصمة الإقليمية الوحيدة التي استولت عليها القوات الروسية منذ بداية الحرب. وقد أتى هذا الانسحاب عندما واجهت القوات الروسية هجوماً أوكرانياً مضاداً اكتسب زخماً كبيراً.
حملة تعاقد تجنباً للتجنيد الإجباري مع قرب حملة بوتين الرئاسية
نهار 24 مارس (آذار) الماضي نقلت وكالة الأنباء الدولية "بلومبيرغ" عن مسؤولين مطلعين، أن الكرملين يسعى إلى التعاقد مع 400 ألف جندي هذا العام معظمهم من المحاربين القدماء وسكان القرى. وبحسب تلك المصادر، فإن حملة التعاقد الطموحة ستسمح للكرملين بتجنب التجنيد الإجباري مع قرب حملة بوتين لإعادة انتخابه. ونقلت الوكالة عن مسؤولين أميركيين قولهم إن القوات الأوكرانية قد تسعى في هجومها المرتقب إلى قطع الجسر الذي يربط روسيا بشبه جزيرة القرم، كما نقلت "بلومبيرغ" عن مسؤولين غربيين وأوكرانيين قولهم إن القوات الروسية التي حشدت في الخريف، وتعدادها 300 ألف جندي، جميعها موجودة في ساحة المعركة، وعلى رغم ذلك فإن تلك القوات لم تتمكن من الاستيلاء على أي مدينة رئيسة في الأشهر الأخيرة. وأضافت الوكالة أن الكرملين تراجع عن خططه لشن هجوم آخر في أوكرانيا هذا الربيع بعد فشل الاستحواذ على مزيد من الأراضي، وأن تركيز القوات الروسية سينصب على عرقلة الهجوم الأوكراني المتوقع أن يبدأ قريباً.
وكان الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف قد توقع في مقابلة إعلامية عبر منصة "تيليغرام" أن بلاده قد تضطر إلى التوغل في أوكرانيا واحتلال العاصمة كييف إذا لم يتم إنشاء مناطق عازلة منزوعة السلاح. وقال ميدفيديف، وهو نائب رئيس مجلس الأمن القومي، إن موسكو تريد إنشاء مناطق عازلة منزوعة السلاح داخل أوكرانيا حول المساحات التي ضمتها، مضيفاً أنه قد يكون من الضروري التوغل في عمق أوكرانيا إذا لم يتحقق ذلك. في وقت تقول أوكرانيا إنها لن تقبل أبداً بالسيطرة الروسية على تلك المناطق. وحذر ميدفيديف من أن عواقب اصطدام أقوى جيوش العالم ستكون رهيبة، مشيراً إلى أن روسيا لا تحارب النظام الأوكراني، بل جيش حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي يبلغ تعداده ثلاثة ملايين و600 ألف فرد. وأضاف "نحتاج إلى تحقيق جميع الأهداف التي وضعت لحماية أراضينا، أي أراضي روسيا الاتحادية". وقال ميدفيديف، وهو حليف بوتين "نحتاج إلى التخلص من جميع الأجانب الموجودين هناك بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، وإنشاء منطقة عازلة يحظر فيها استخدام أي نوع من الأسلحة ذات المدى المتوسط والقصير، أي مساحة من 70 إلى 100 كيلومتر يتم نزع سلاحها"، مؤكداً أن روسيا ستضطر إلى التوغل أكثر في أوكرانيا إذا لم يتم إنشاء مثل هذه المناطق، لتستولي على العاصمة كييف أو حتى مدينة لفيف في غرب أوكرانيا التي بدورها تقول إنها لن تقبل أبداً باحتلال روسيا لأراضيها.
الجدير ذكره أن روسيا تسيطر حالياً على ما مساحته بين 17 في المئة و18 في المئة من أوكرانيا، بما يشمل مساحة شاسعة من الأراضي في الشرق والمسافة على طول ساحل آزوف والبحر الأسود، وكذلك شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014. بدورها أفادت وزارة الدفاع البريطانية في تقريرها الاستخباراتي اليومي، بتاريخ 30 مارس الماضي، بأن روسيا تستعد لحملة تجنيد تهدف لتسجيل 400 ألف جندي إضافي للمشاركة في المعارك. إلا أنها رجحت فشل الدفاع الروسية في حشد الـ400 ألف، من دون تعبئة "إجبارية". وتوقعت أن تتجه إلى طرح امتيازات بهدف التشجيع على التطوع في صفوف الجيش بدلاً من الإعلان عن التعبئة الإجبارية. إلى ذلك، لفتت إلى أن القوات الروسية تحتاج إلى إمدادات عسكرية وذخيرة أكثر من الأفراد. في السياق أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن الاتحاد الأوروبي سيسرع تزويد أوكرانيا بالذخيرة والصواريخ. وأضاف في ختام القمة الأوروبية في بروكسل مارس الماضي، أن القمة جددت دعمها لأوكرانيا كلما تطلب الأمر ذلك، مشيراً إلى التشديد على ضرورة عدم الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم الحرب. وكان قادة الاتحاد الأوروبي قد صدقوا على خطة تهدف إلى تزويد أوكرانيا بمليون قذيفة خلال 12 شهراً. وقد وافق وزراء الدفاع والخارجية الأوروبيون قبل ذلك على خطة بقيمة ملياري يورو لتموين أوكرانيا بمليون قذيفة مدفعية تقتطع من مخزونات دولهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الرئيس الروسي يوقع مرسوماً جديداً للتجنيد
ووقع بوتين نهار 31 مارس مرسوماً في شأن التجنيد الإجباري للآلاف من مواطنيه خلال الربيع المقبل، في وقت اعترفت فيه كييف بالمساحة التي خسرتها في مدينة باخموت. وذكرت وسائل إعلام روسية أن بوتين وقع مرسوماً سيستدعى بموجبه 147 ألف شخص إلى القوات المسلحة الروسية في الفترة من الأول من أبريل (نيسان) إلى 15 يوليو (تموز)، لمواطني روسيا الذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 27 سنة، والذين ليسوا في الاحتياط، ممن يستوفون متطلبات قانون "التجنيد والخدمة العسكرية"، بحسب وثيقة نشرت على البوابة الرسمية للمعلومات القانونية الروسية. وأوردت وكالة "سبوتنيك"، أن الوثيقة الرئاسية تشير إلى صدور تعليمات إلى الحكومة والسلطات الإقليمية ولجان التجنيد بضمان تنفيذ الأنشطة المتعلقة بالتجنيد الإجباري.
وقال الرئيس الروسي خلال لقائه مع أعضاء مجلس حقوق الإنسان: "من بين 300 ألف من المقاتلين الذين تمت تعبئتهم أخيراً، 150 ألفاً في منطقة العمليات، أي النصف. ونصف هؤلاء الـ150 ألفاً الموجودين في التشكيلات، أي 77 ألفاً، موجودون مباشرة في الوحدات القتالية، والبقية في الصف الثاني أو الثالث، يؤدون بشكل أساسي وظائف قوات الدفاع". وأضاف بوتين أن "الحديث عن أي تعبئة إضافية أمر لا معنى له، ولا توجد حاجة إلى ذلك في الوقت الحالي، لا بالنسبة إلى البلاد أو وزارة الدفاع".
حملات تجنيد سابقة
وفي شهر أغسطس (آب) 2022، وقع بوتين مرسوماً يقضي بزيادة عدد أفراد القوات المسلحة من 1.9 مليون إلى 2.04 مليون، وتضمنت هذه الزيادة تعزيزاً للوحدات القتالية بواقع 137 ألف فرد ليصل العدد إلى 1.15 مليون. ودخل القرار حيز التنفيذ في الأول من يناير الماضي، وفقاً للنص الذي نشر حينها على البوابة التشريعية للحكومة على الإنترنت. وكان وزير الدفاع سيرغي شويغو، قد أعلن في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، أن أكثر من 200 ألف شخص انضموا إلى القوات المسلحة الروسية منذ إصدار بوتين مرسوماً بتعبئة جزئية، آواخر سبتمبر (أيلول) 2022. وأضاف شويغو أن روسيا تستهدف تجنيد 300 ألف شخص لديهم خبرة عسكرية سابقة لدعم الهجوم الروسي على أوكرانيا، بعد أن كانت قد تعرضت القوات الروسية لسلسلة من الهزائم في حربها مع أوكرانيا.
ونقلت "رويترز" في شهر سبتمبر 2022، أن الجيش الروسي يلجأ في إطار البحث عن جنود متعاقدين إلى نشر شاحنات تجنيد متنقلة لجذب المتطوعين، كما يعرض عليهم ما يقرب من ثلاثة آلاف دولار شهرياً لتحفيزهم، وأظهر جنود يرتدون ملابس مموهة وأقنعة سوداء أسلحتهم للفت أنظار المارة، ووزعوا نشرات إعلانية بعنوان "الخدمة العسكرية بتعاقد - اختيار الرجل الحقيقي". وكان الكرملين قد أعلن قبل ذلك بوقت قصير أن مسألة القيام بتعبئة عامة على مستوى البلاد لتعزيز القوات ليست محل نقاش حالياً. إلا أن حملة التجنيد أظهرت أن موسكو في حاجة إلى مزيد من الرجال. وقال الضابط المسؤول عن إحدى الشاحنات في روستوف الميجر سيرغي أرداشيف لـ"رويترز"، إنه يمكن للروس والأجانب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و60 سنة ممن أكملوا التعليم الثانوي في الأقل التقدم.
وظهرت تقارير بعد إصدار مرسوم التعبئة الجزئية، عن استدعاء رجال ليست لديهم خبرة عسكرية، أو تجاوزوا سن التجنيد، مما أذكى الغضب الذي أحيا الاحتجاجات المناهضة للحرب. وفر عشرات الآلاف من الرجال الراغبين في تجنب التجنيد إلى الخارج بالفعل. وصرح بعض المحامين الروس، الذين انهالت عليهم طلبات تناشد المساعدة في تفادي التجنيد، أنهم يعملون بجد لتقديم النصح لأولئك المعرضين لإرسالهم للقتال في أوكرانيا. وقال سيرغي كريفينكو حينها، والذي يدير مجموعة تسمى (المواطن، الجيش، القانون) وتضم 10 محامين تقريباً، "إننا نعمل على مدار الساعة". وأضاف "الناس ينتزعون من حياتهم العادية... هذه تعبئة بلا حدود زمنية خلال حرب، يمكن أن تستمر لأشهر أو سنوات، قد لا يعود الناس. ترك الجيش أمر مستحيل إلى حد كبير، الطريقة الوحيدة هي الموت أو الإصابة أو السجن بسبب عصيان الأوامر"، وفق ما نقلت وكالة "رويترز"، حينها. وما لبثت أن اعترفت روسيا أواخر يناير الماضي، بأنها جندت بشكل خاطئ آلاف الرجال في الجيش من أجل القتال في أوكرانيا منذ الخريف الماضي. وقال المدعي العام الروسي إيغور كراسنوف خلال اجتماع مع بوتين، "تمت إعادة أكثر من تسعة آلاف مواطن جندوا بشكل غير قانوني إلى الوطن، من بينهم أشخاص ما كان يجب استدعاؤهم تحت أي ظرف، وذلك لأسباب صحية".