Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اللغة العربية... مكون إضافي في التنميط العنصري

أصبحت تعاني صوراً نمطية ووصمات فكرية واستدعاءات ثقافية يقف الكثير منها على طرف النقيض من الحقيقة

اللغة العربية عالمية ذات أهمية ثقافية جمة (اندبندنت عربية - ماجد اليوسف)

ملخص

في اليوم العالمي للغة العربية، يقول محرك البحث "غوغل" في جردته السنوية إن الأخبار الأكثر بحثاً بالعربية في عدد من الدول العربية المتاحة نتائجها عبر "غوغل" كانت: حرب فلسطين وإسرائيل، وتعويم الجنيه المصري، وتحطم الطائرة الرئاسية الإيرانية، ومرض جدري القرود، والهجوم على رفح (الفلسطينية)، وهجوم مجدل شمس (في الجولان السوري المحتل)، والانتخابات الأميركية، وصراع إيران وإسرائيل، والحرب على لبنان.

قصص كثيرة تحكي عمن كان يقرأ كتاباً بالعربية في مترو أنفاق باريس فقوبل بريبة، وواجه نظرات تراوحت بين التشكك والتخوف، أو من كانت تتحدث في هاتفها المحمول بالعربية في محل تجاري في مدينة "سوانزي" البريطانية، فبادر أغلب من حولها بالابتعاد عنها، أو مجموعة طلاب عرب تعرضوا لتهديدات لفظية من شابين قوامها أن العيش في ألمانيا يتطلب الحديث بالألمانية لا بلغة الإرهابيين، وغيرها كثير.

المعاناة من النمطية

لا يهم حجم الهوامش الفاصلة بين الحقيقة والادعاء والتهوين والتهويل. ما يهم هو أن اللغة العربية في يومها العالمي لم تعد فقط لغة القرآن، واللغة الأم لنحو 450 مليون شخص، وإحدى اللغات الرسمية الست المعتمدة في الأمم المتحدة، وصاحبة الحروف التي صنعت لنفسها مكانة بارزة في عالم الفن التشكيلي، لكنها أصبحت لغة تعاني صوراً نمطية ووصمات فكرية واستدعاءات ثقافية يقف الكثير منها على طرف النقيض من الحقيقة.

في الـ 18 من ديسمبر (كانون الأول) من كل عام، تبذل جهود، أغلبها غير عربية، لتسليط الضوء على العالم الزاخر بالتنوّع الذي تتيحه اللغة العربية. هذا العالم، بحسب منظمة الأمم المتحدة، سمته تنوع الأصول والمشارب والمعتقدات. إنها اللغة العربية التي تقول المنظمة الأممية إنها أبدعت بمختلف أشكالها وأساليبها الشفهية والمكتوبة والفصيحة والعامية، وخطوطها وفنونها النثرية والشعرية، آيات جمالية رائعة. هذه المجالات ليست كتابة وكلاماً فقط، لكنها هندسة وشعر وفلسفة وغناء وأشياء أخرى.

هذه الأشياء الأخرى باتت تسيطر على تفكير أبنائها في يومها العالمي، لا سيما هذا العام في ظل تفاقم الأحداث الساخنة والصراعات المتصاعدة في المنطقة العربية. فإذا كانت الأمم المتحدة رأت أن يكون الذكاء الاصطناعي وأثره في تحفيز الابتكار وصون التراث الثقافي في اللغة العربية موضوعاً للاحتفاء بلغة الضاد هذا العام، فإن جانباً كبيراً من أهلها، ومن ثم أخبارها، منشغلون بما لا يمت بصلة في الأغلب للذكاء الاصطناعي أو ابتكارات اللغة أو صون تراثها. ضغط الصراعات، وثقل الحروب، وأوجاع الحاضر المعاش، ومخاوف المستقبل تهيمن.

في اليوم العالمي للغة العربية، يقول محرك البحث "غوغل" في جردته السنوية إن الأخبار الأكثر بحثاً بالعربية في عدد من الدول العربية المتاحة نتائجها عبر "غوغل" كانت: حرب فلسطين وإسرائيل، وتعويم الجنيه المصري، وتحطم الطائرة الرئاسية الإيرانية، ومرض جدري القرود، والهجوم على رفح (الفلسطينية)، وهجوم مجدل شمس (في الجولان السوري المحتل)، والانتخابات الأميركية، وصراع إيران وإسرائيل، والحرب على لبنان.

 

صدرت الجردة قبل الأحداث الأخيرة في سوريا، وسقوط النظام السوري على يد "هيئة تحرير الشام". والمؤكد أن البحث العربي على "غوغل" في الأيام الأخيرة لعام 2024 طغت عليه "سوريا" و"الأسد" و"هيئة تحرير الشام" و"القاعدة"، وما يتصل بالقائمة العربية من أطراف وتوقعات وسيناريوهات.

احتفاء العالم هذا العام باللغة العربية يضم صفوة من العلماء والخبراء في مجال الذكاء الاصطناعي ورواد الثقافة، أملاً في وضع روشتة لسد الفجوة الرقمية الناجمة عن "قصور" المحتوى المتاح على شبكة الإنترنت باللغة العربية. إنه المحتوى الذي لا يتعدى ثلاثة في المئة من مجموع المحتوى الرقمي، على رغم أن العربية لغة عالمية ذات أهمية ثقافية جمة، ولا يقل عدد الناطقين بها عن 450 مليون شخص، وتحظى بصفة اللغة الرسمية في 25 دولة. هذا القصور في المحتوى يحد من إمكانية انتفاع ملايين الأشخاص به، بحسب ما تذكره منظمة الأمم المتحدة.

ما لم تذكره الأمم المتحدة في إطار احتفائها اليوم باللغة العربية هو أن كل ما يخص العرب، من أحداث وحوادث وصراعات وتحولات وتقلبات، يحتل حالياً مكانة بارزة، إن لم تكن الأبرز في اهتمامات الكوكب، وإن بقيت اللغة نفسها خارج الاهتمام، لكن في القلب من تصاعد ملحوظ لمشاعر كراهية أو رفض أو تشكك في كل ما هو عربي في عدد من دول العالم، لا سيما في الغرب.

الكثير قيل، وكُتِب، وجرت معايشته في ما يتعلق بالإسلاموفوبيا، أو رهاب الإسلام، أو كراهيته. الأسباب التي تسرد في محاولات تفسيره من حركات الإسلام السياسي، واعتناق البعض العنف، والإعجاب بالتفسيرات المتطرفة، واعتبار كراهية الآخر في صميم الدين وغيرها معروفة وتظل محل شد وجذب بين كارهي الإسلام والمسلمين وغيرهم من يعرفون أن العنف والكراهية والعنصرية ليست لصيقة بالدين أو سمة من سمات المتدينين. ووصل الأمر لدرجة أن الجمعية العامة للأمم المتحدة قررت في 2022 أن يكون الـ 15 من مارس (آذار) من كل عام يوماً عالمياً لمكافحة كراهية الإسلام.

تعرف المنظمة الأممية كراهية الإسلام أو الإسلاموفوبيا بأنها "الخوف من المسلمين، والتحيز ضدهم، والتحامل عليهم بما يؤدي إلى الاستفزاز والعداء والتعصب بالتهديد، وبالمضايقة، وبالإساءة وبالتحريض وبالترهيب للمسلمين ولغير المسلمين، سواء في أرض الواقع أو على الإنترنت". هذه الكراهية تكون بدافع من العداء المؤسسي والأيديولوجي والسياسي والديني، وتتجاوزها إلى عنصرية بنيوية وثقافية. كما تستهدف الرموز والعلامات الدالة على أن الفرد المستهدف مسلم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

اللغة والعنصرية

تعي الأمم المتحدة أن كراهية الإسلام شكل من أشكال العنصرية، إذ ينظر إلى الدين والتقاليد والثقافة وكل ما يعبر عنها على أنها تهديد للقيم الغربية. وأحد أبرز وسائل التعبير اللغة المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالإسلام وبالعرب.

سنوات الصراع الأخيرة في المنطقة العربية، والطريقة التي تجري بها تغطية قضايا مختلف عليها، وأبرزها القضية الفلسطينية، وجدلية التفرقة بين أعمال المقاومة والإرهاب، وهل إسرائيل دولة تحب السلام وتسعى للأمن أم قوة محتلة وتمارس العنف والطغيان، إضافة إلى بزوغ نجم جماعات الإسلام السياسي بدرجاتها المتفاوتة وما يرتبط بها من تفسيرات دينية تميل إلى التطرف والتشدد أمور عززت نمط الربط بين اللغة العربية من جهة، والتشكك أو التخوف من التطرف والإرهاب من جهة أخرى.

وصم اللغة ليس أمراً جديداً أو غير مسبوق. علماء الاجتماع والسياسة تطرقوا إلى الاحتقانات التي تنشأ في داخل مجتمعات بسبب اللغة، وغالباً تكون نتيجة لغليان مكتوم أسبابه أعمق من اللغة. مؤشرات تصاعد الإسلاموفوبيا في الغرب جراء حرب غزة تقول الكثير. دول عدة أبرزها بريطانيا وألمانيا والسويد وهولندا، شهدت تزايد الانتهاكات الموجهة ضد مسلمين، لا سيما من العرب، منذ بدء حرب غزة.

الصورة النمطية التي ارتبطت بالعربي والثقافة العربية شهدت تطوراً عبر السنوات. فمن زير النساء ومتعددي الزوجات والراقصات الشرقيات ومفجري القنابل، إلى المليارديرات والغارقين في فقر مدقع ومفجري القنابل، إلى المتطرفين والمنغلقين مع استمرار مفجري القنابل، أخذت كرة الصورة النمطية للعرب تكبر وتتضخم لتنضم إليها اللغة العربية، التي باتت تعاني وصماً في بعض المجتمعات، يلصقها بالتطرف والإرهاب والتدين المنغلق.

ولأن الانغلاق أنواع، وليس آفة تعانيها ثقافة أو شعب من دون غيره، فإن البعض في دول غربية يندهش حين يعرف أن المسيحيين العرب مثلاً يتحدثون العربية!

 

في اليوم العالمي للغة العربية، تقول الأمم المتحدة بلغاتها الست الرسمية أن للعربية أهمية قصوى عند المسلمين، فهي لغة مقدسة، ولا تتم الصلاة إلا بإتقان بعض من كلماتها. كما أنها لغة شعائرية رئيسة لدى عدد من الكنائس المسيحية العربية، وكتب بها الكثير من أهم الأعمال الدينية والفكرية اليهودية في العصور الوسطى. كما أن متحدثي العربية ليسوا في الدول العربية فقط، لكن في دول مجاورة أيضاً مثل تركيا وتشاد ومالي والسنغال وإريتريا وغيرها.

وعلى رغم أن العربية ظلت قروناً طويلة لغة السياسة والعلم والأدب، وأثرت في كثير من اللغات مثل التركية والفارسية والكردية والأوردية والماليزية والإندونيسية والألبانية والهاوسا والسواحيلية، إضافة إلى اللغات الأوروبية، لا سيما المتوسطية مثل الإسبانية والبرتغالية والمالطية والصقلية، فإن ذلك لم يمنع من وضعها في حيز الاتهام وبشكل لافت على مدار عام 2024، وذلك على خلفية الصراعات في المنطقة، لا سيما حرب القطاع، وكأنها وصمة أو دلالة على عنف من يتحدث بها.

ويعتمد التنميط العنصري على افتراضات نمطية بناءً على العرق أو اللون أو الإثنية. حتى وقت قريب مضى، كان البعض يحذر من أن العبارة الوصفية "مظهر شرق أوسطي" تحمل افتراضات عنصرية معيبة. أحداث المنطقة الملتهبة، واستمرار الحروب الأهلية، واحتدام حرب القطاع، وتوسع رقعة الصراع أمعنت في ترسيخ الصورة النمطية، حيث إصدار أحكام، ولو غير منطوقة، بالعنف أو التطرف، تصبح آنية لحظة النطق بالعربية.في اليوم العالمي للغة العربية، تنظم منظمة "يونيسكو" (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة) فعالية بالتعاون مع "مؤسسة سلطان بن عبد العزيز آل سعود الخيرية" لمناقشة جوانب الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي العربي، والحفاظ على الثقافة واللغة، إضافة إلى توسيع نطاق تأثير اللغة العربية في المجالين الأكاديمي والعلمي. وأغلب الظن أن هذا هو الطريق الوحيد لمواجهة وصمة العنف والتطرف التي لحقت باللغة العربية بحجة المحتوى وبرهان التمكين الرقمي.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات