عاد التساؤل عن أسباب استمرار المؤسسة العسكرية الجزائرية في اقتناء مختلف أنوع الأسلحة وتخصيص موارد مالية ضخمة سعياً للحصول على القطع الحربية، في وقت تعيش البلاد أزمة اقتصادية خانقة، تهدد بوضعها تحت رحمة "الهيئات المالية الدولية". وعلى الرغم من التبريرات التي قدمتها السلطات في السنوات الماضية ومنها التوتر مع المغرب، إضافة إلى التدهور الأمني في منطقة الساحل، ثم الحرب الليبية، فإن استمرار السياسة ذاتها في وضعيات مختلفة، فتح أبواب الاستغراب.
عقود تسلح وتبريرات
وأثار نشر مجلة عسكرية روسية، عقود التسليح الموقعة بين روسيا والجزائر، نقاشات في أوساط الطبقة السياسية والحراك، حين ذكرت أنه من "المرتقب أن تتعاقد الجزائر حول القاذفة المقاتلة "سو-32"، لتكون أول زبون أجنبي لهذا النوع من القاذفات"، كما كشفت عن تعاقد مع الجزائر عام 2018، لتزويدها بـ 16 مقاتلة متعددة المهام من نوع "ميغ"، بقيمة 800 مليون دولار، وقبلها 14 مقاتلة "سو- 30" بقيمة مليار دولار.
ومن ضمن المبررات التي تروج لها الجهات الرسمية في الجزائر، أن الجوار الإقليمي للبلاد لا يزال مضطرباً بشكل يصعب التنبؤ بخطورة مآلاته، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالحالة الليبية، مع تنامي هشاشة السلطة السياسية، وعدم مقدرتها على تجميع السلاح، وتصاعد قوة المشير خليفة حفتر، ما حول ليبيا إلى جار مضطرب أمنياً وعسكرياً.
مخاوف إقليمية؟
وقال الخبير الأمني عبد الكريم سليماني في تصريح لـ "اندبندنت عربية" إن "عقود التسليح التي تبرمها المؤسسة العسكرية، تندرج في إطار تجديد التجهيزات والقطع الحربية، في سياق عملية التشبيب التي تشهدها مؤسسة الجيش"، وتابع "الوضع الذي تشهده منطقة شمال أفريقيا يستدعي اليقظة، خصوصاً في ظل تدخل قوى أجنبية تحت شعار "حماية مصالحها في المنطقة"، وهو التدخل الذي شجع الجماعات الإرهابية على التحرك لمواجهة الصليبيين، وفق تعبيرهم في مختلف التسجيلات المصورة والبيانات". وخلُص إلى أن "اقتناء الأسلحة لا علاقة له بالأزمة الاقتصادية التي تواجه الجزائر، على اعتبار أن العقود تعود لسنوات سابقة".
سباق تسلح وتنافس
وفي وقت يعزو الخبراء الأمر إلى اليقظة الأمنية لمواجهة التحديات المحيطة بالبلاد، تعتبر فئة واسعة من الطبقة السياسية اقتناء الأسلحة بأموال، سباق تسلح مع الجارة المغرب. وأوضح الناشط السياسي علي زاري أن "العلاقة التي تراوح مكانها بين المغرب والجزائر في ما يمكن تسميته بالتوازن القلق، أمر يتطلب استعداداً دائماً وفق الرؤية الرسمية الجزائرية"، مبيناً أن "التوجه العسكري الجزائري اللافت يهدف إلى تحقيق التفوق الاستراتيجي في المنطقة، خصوصاً في ظل توتر علاقاتها مع المغرب"، وقال إن "الجزائر تسعى لأن تكون القوة العسكرية الأولى في المنطقة".
تزايد الإنفاق العسكري لدى الجزائر والمغرب لا يثير مخاوف حول احتمال حدوث صدام بين الجارين، وإنما يندرج في إطار تعزيز مقدرة المؤسسة العسكرية في البلدين للتنافس على الزعامة والحصول على شعار "قوة إقليمية". زاري الذي حذر من استمرار إثارة القلاقل بين البلدين من طرف دول غربية، لترفع من مداخيل تصديرها للسلاح والمعدات العسكرية، قال "تارة أحاديث عن الصحراء الغربية وأخرى عن إطلاق النار على حدود البلدين، ومرة يظهر ملف المخدرات المغربية وتهديدات إرهابية من البلدين".
كل هذه المعطيات وغيرها تجعل العلاقة بين الجزائر والمغرب مشلولة بعد عقود طويلة من الاستنزاف والسباق نحو التسلح بمليارات الدولارات، الأمر الذي أصبح عائقاً للتنمية في البلدين، على الرغم من مطالب شعبية لاستثمار الأموال التي تُصرف في شراء البنادق، لبناء المصانع وتشييد المدارس لحياة أفضل.
ميزانية لا تقل عن 10 مليار دولار
ويضع معهد "ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام والتسلح عبر العالم"، الجزائر على رأس الدول الأكثر إنفاقاً على التسليح في أفريقيا، على الرغم من تراجع الإنفاق منذ عام 2014، بسبب تهاوي أسعار النفط. كما صنفت المؤسسة العسكرية "غلوبال فاير باور" الجيش الجزائري في المرتبة الثالثة عربياً والـ 26 عالمياً، بعد كل من الجيش المصري والسعودي.
ويحتفظ الجيش الجزائري بحصة لا بأس بها من الميزانية العامة للدولة، لا تقل عن 10 مليارات دولار، بعدما بلغت 17 مليار خلال سنوات "البحبوحة المالية"، بشكل يعكس أهمية المؤسسة العسكرية نظير الثقل الاستراتيجي الذي تتحمله في حفظ أمن البلاد واستقرارها.
انتقادات سياسية
وتنتقد جهات سياسية توجه المؤسسة العسكرية للتسلح، وتعتبر أنه يأتي على حساب التنمية المحلية وتطوير الاقتصاد وتحسين الخدمات والاعتناء بالمطالب الاجتماعية، وتؤكد أن الإمعان في سياسة التسلح يعيق التفرغ والاهتمام بالقطاعات الأخرى. ورفض أستاذ العلوم السياسية محمد ولد السعيد في حديث لـ "اندبندنت عربية"، التبريرات التي تقدمها السلطة في كل مرة، والتي تربطها بالأوضاع الأمنية والتوترات التي تحيط بالبلاد، وقال إن "الاستمرار في سياسة التسليح يرسم صورة متخلّفة عن البلد، مقترنة بدول العالم الثالث والعالم العربي تحديداً، كون الأنظمة الحاكمة وفّرت السلاح وأهملت تنشئة العقول".