ملخص
مصير أكثر من 112 ألف #متقاعد_لبناني في مهب الريح بفعل انهيار الليرة
يعيش "متقاعدو لبنان" حالة خوف غير مسبوقة من المستقبل، فها هو نظام التقاعد يتهاوى أمام أنظارهم بسبب عجز الدولة عن حمايتهم. وهو ما يشكل عاملاً إضافياً لعدم الاستقرار في البلاد، وقد شكلت تحركات العسكريين المتقاعدين مؤشراً حول المرحلة المقبلة. في ظل تكهنات بتكرار التجربة الفرنسية في لبنان، وصولاً إلى تسخين الساحة "الثورية" مجدداً.
نظام متعدد للتقاعد
يشكل سن التقاعد معياراً أساسياً لمدى احترام الدولة لمواطنيها، وسعيها لتأمين الحماية لهم بعد سني الخدمة. ففي وقت شكل رفع سن التقاعد في فرنسا من سن 62 سنة إلى 64 سنة، مع الحفاظ على المكاسب والتقديمات للمتقاعدين. يختلف العنوان في لبنان، حيث يجهد هؤلاء لتحقيق الحد الأدنى من ضرورات العيش الكريم في ظل الانهيار المتسارع لسعر صرف العملة الوطنية مقابل الدولار الأميركي.
ينبه العميد أمين صليبا (أكاديمي محاضر في الجامعة اللبنانية) إلى اختلاف سن التقاعد في لبنان باختلاف الأسلاك العسكرية والمدنية. حيث يتألف القطاع العام في لبنان من قطاعات عدة، حيث يبلغ سن تقاعد القضاة 68 سنة، وبالنسبة للموظفين العمومين فهو 64 سنة، أما في ما يتعلق بالقطاعات العسكرية التي يحكمها قانون الدفاع الوطني المُطبق على الأمن الداخلي، والأمن العام، والجيش، وأمن الدولة، وعساكر الجمارك. يتأثر التقاعد بالرتبة العسكرية للفرد، حيث يبدأ من سن 52 بالنسبة للعسكر العادي صعوداً إلى تقاعد اللواء (الألوية أعضاء المجلس العسكري) عند سن 59، أما العماد قائد الجيش يتقاعد عند بلوغه سن 61 سنة.
يحمل العميد صليبا "الفساد وسوء الإدارة في الدولة اللبنانية" مسؤولية ما بلغه نظام التقاعد، لأن الدولة تقتطع جزءاً كبيراً من أجر الموظف والعسكري لصالح التقاعد، بالتالي لا منة لأحد على المتقاعد. وينطلق من تجربته "طوال 39 عاماً خدمة في جهاز قوى الأمن الداخلي، وصولاً إلى شغل منصب رئاسة الأركان، كان يقتطع رسم التقاعد من أجورنا أثناء الخدمة الفعلية"، منوهاً إلى "وجود صندوق خاص لتوظيف الأموال المقتطعة ليستفيد منها المتقاعدون".
يأسف العميد أمين صليبا "لعدم توظيف المبالغ المقتطعة من قبل المالية لمصلحة المتقاعدين"، ويشدد على أن "الدولة تصرفت بالمبالغ المتراكمة على غرار ما فعلت بأموال الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وسرقت مدخرات جميع المضمونين"، قائلاً "في عام 1972 كانت الدولة تقتطع 50 ليرة لبنانية من معاش قوامه 460 ليرة لبنانية، عندما كانت تنكة البنزين بـ 3 ليرات، وكيلو اللحم بـ 5 ليرات لبنانية، واستمرت بالزيادات والاقتطاعات وفق سعر الصرف المتدرج، حيث كان عليها الاستثمار وإنماء المدخرات لا التصرف بها".
يتطرق صليبا إلى معاناة الضباط والعسكر المتقاعدين، مميزاً بين "من اختار في المرحلة السابقة تعويض الصرف بدلاً عن التقاعد، وقام بتحويله إلى الدولار، تمكنوا من تأمين آخرتهم"، في مقابل، تآكل المعاش التقاعدي.
يشير العميد صليبا إلى الطابع القانوني لنظام التقاعد، مما يفتح الباب أمام الدولة لتعديله وتغييره، معطياً المثال الفرنسي حيث قامت الدولة برفع السن التقاعد، وهو ما أطلق تحركات كبيرة في الشارع، لأن "الموظف الفرنسي يعتبره إضراراً به وبمصالحه ومساساً بمكتسباته. ليس أقلها ثمن وجبة الطعام في نادي الضباط، لأن المتقاعد ينال تخفيضاً من 20 يورو إلى 12 يورو، وهو في عرفهم يشكل الكثير".
كما يلفت أمين صليبا إلى عدم جواز تعديل نظام التقاعد بمرسوم حكومي، وإنما يجب إصدار قانون من السلطة التشريعية في البلاد، معبراً عن اعتقاده بأن "الدولة لا يمكنها التوجه لإلغاء نظام التقاعد بحجة الحد من الأعباء المالية، ولكن يمكنها تخفيض نسبي للتقديمات إن وجدت، علماً أنها تصرفت بأمانات الناس، وأوصلت نظام التقاعد لما وصل إليه بفعل توظيف المحاسيب وإثقال كاهل الإدارة العامة بالأزلام فوق طاقتها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سنوات الخدمة الطويلة
أما على ضفة الأسلاك المدنية، تحدد نوال نصر (رئيس رابطة موظفي الإدارة العامة) الملامح العامة لنظام التقاعد، حيث يفترض التمييز بين الحالة الأولى التي تفترض عدداً محدداً من سنوات الخدمة الفعلية كشرط لاستحقاق الموظف معاشاً تقاعدياً. وهي 20 سنة من الخدمة الفعلية لمن هو موظف حالي، و25 سنة خدمة لمن عُيِن بعد موازنة 2022. أما الحالة الثانية، فهي عند بلوغ الموظف سن معينة، وعندها يحال حكمياً إلى التقاعد. ويقصد هنا، من أتم 64 سنة، وعندها يستحق تعويض صرف أو معاش تقاعدي.
تؤكد نصر أن الموظف في لبنان وعلى خلاف فرنسا، يطمع بالبقاء في الوظيفة لأطول فترة ممكنة، لئلا يخسر التقديمات التي يحصل عليها أثناء الخدمة، من لجان، وعمل إضافي، ومخصصات، مشددة على أن "تلك المزايا، لا يحصل عليها إلا المحظيين".
من هنا، تطالب بإصلاح نظام التقاعد في لبنان، لناحية حماية المحسومات التقاعدية البالغة 6 في المئة شهرياً، والتي يجب أن توضع في صندوق خاص. حيث تشير نصر إلى "وجود دراسات تؤكد إمكانية تأمين تقاعد 100 في المئة من الراتب لو وفرت المحسومات في الصندوق".
كما تعبر نوال نصر عن أسفها لتعامل السلطة معهم فـ "المسؤولون يتعاملون مع المتقاعدين باستخفاف، وكأنهم يستحقون التخلي عنهم"، وتعتقد أن "وضع الخاضع لشرعة التقاعد، أفضل حالاً ممن يتقاضون تعويض الصرف، بسبب انقطاع علاقتهم بالدولة، وكأنهم لم يلتزموا يوماً بالخدمة العامة"، مطالبةً بقيام الدولة بواجباتها تجاههم، وحمايتهم من خلال التشريع.
معاناة المتقاعد
تزداد معاناة المتقاعدين في ظل الانهيار المالي وبلوغ الدولة عتبة الإفلاس، ويعتقد تيار كبير من هؤلاء أنهم بحاجة إلى "معجزة" لتحسين أوضاعهم. فقد وصلت الأجور التقاعدية لبعض الموظفين السابقين مستوى 20 دولاراً أميركياً، مع فقدان التقديمات الصحية، والاستشفائية، والتعليمية في وقت هم في أمس الحاجة إليها بفعل تقدمهم بالسن وعدم توافر مصادر دخل أخرى. يقول العميد صليبا "هناك صعوبة كبيرة وكفاح للعيش بكرامة، وحدهم من يحصلون على إعانات وتحويلات من الخارج، يصمدون"، ويشكو من غياب الرعاية الصحية للمتقاعدين في قوى الأمن الداخلي، فيما تستمر الطبابة لأفراد الجيش اللبناني بفعل مساعي العماد قائد الجيش جوزيف عون، والمساعدات الدولية، ووجود قسم للطبابة العسكرية في المؤسسة ومستشفى عسكري. ويسترجع صليبا تجربة شخصية "في العام الماضي، توعكت وتوجهت بي سيارة الإسعاف إلى أحد المستشفيات، حيث أبقيت داخلها أكثر من نصف ساعة إلى حين تأمين عائلتي 1400 دولار كضمانة لصندوق المستشفى، على رغم كوني قائد وحدة سابق ورئيس للأركان، فما بالك بباقي العناصر"؟
وزارة المالية والبيانات
تشير بيانات وزارة المالية وجود 112078 متقاعداً في القطاع العام اللبناني، ويتوزع هؤلاء بين أسلاك مختلفة، من التربية، إلى العسكر، الجامعة اللبنانية، الإدارة العامة، وآخرين. وتجزم أوساطها أن "ما يعني وزارة المالية هو ترحيل المعاشات من المالية في وقتها"، وعملية صرف المعاشات تتم بصورة منتظمة من دون تأخير، "وفي حال وجود أي تأخير لا بد من مراجعة الإجراءات في المصارف ومصرف لبنان.
القطاع الخاص والتقاعد المأمول
على ضفة القطاع الخاص، تقتصر أحكام قانون العمل والضمان الاجتماعي على تعويض الصرف ونهاية الخدمة. حيث يقتصر نظام التقاعد على شرائح محدودة من القطاع الخاص كالمعلمين في المدارس الخاصة، وهو بدوره لا يسلم من الانتقادات بسبب تراجع قيمة تلك التعويضات في ظل انهيار الليرة اللبنانية.
وبالعودة إلى الوراء، أقر المشرع اللبناني في المادة 54 من قانون العمل (الصادر في عام 1946) منح الأجير المصروف من الخدمة بلا سبب مشروع تعويضاً مقطوعاً بمعدل أجرة شهر عن كل سنة خدمة وأجرة نصف شهر في حال كانت الخدمة دون السنة، وأكد المشرع أن الأحكام الحالية مرحلية إلى حين صدور قانون الضمان الاجتماعي. وبتاريخ 26 سبتمبر (أيلول) 1963 صدر قانون الضمان الاجتماعي، وأكد أن الطابع المرحلي لتعويض نهاية الخدمة ريثما يسن تشريع ضمان الشيخوخة.
في موازاة الإرباك التشريعي لناحية تعطيل النصوص، وعدم تأمين الحماية الكافية والشاملة لمتقاعدي القطاع الخاص، جاء بعض الفقهاء القانونيين مثل الدكتور محمد علي الشخيبي باقتراح وضع مشروع نظام التقاعد والحماية الاجتماعية، بما يتناسب مع اتفاقية العمل الدولية رقم 128 لعام 1967 إضافة إلى توصيات مكتب العمل الدولي التي تلت تلك الاتفاقية. ويهدف المشروع الراهن إلى حماية المسنين والعجزة، ومساهمة الدولة في ميزانية النظام، بالتالي وجوب اقتطاع جزء هام من الموازنة العامة لتمويله، وبسبب الصعوبات التمويلية في الفترة الراهنة، يمكن أن يبدأ بمرحلة أولى، ريثما يتمكن أفراد المجتمع من الإفادة من دون استثناء. ويؤمن النظام "المتخيل" لخلفاء المضمون بعد وفاته، معاشاً دائماً إلى أن يفقد المعال صفته القانونية في حقه في المعاش. على أن يوزع المعاش على الخلفاء (الورثة) لكل بحسب نصيبه من الإرث، وفقاً لأحكام قانون 2/8/1974.