ملخص
الغرب الذي بدأ بفرض عقوبات اقتصادية مشددة على #موسكو منذ بداية الحرب في #أوكرانيا كان يتوقع انهيار #الاقتصاد_الروسي بسرعة، لكن ذلك الانهيار لم يحدث كما كان متوقعاً
فيما بدت أول إشارة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أن العقوبات الغربية الصارمة وغير المسبوقة على موسكو بدأت تضر بالاقتصاد، حذر من العواقب "السلبية" للعقوبات "على المدى المتوسط".
وأضاف الرئيس الروسي أن "العودة إلى مسار نمو يجب ألا تجعلنا نتهاون"، مقراً بأنه لا تزال هناك "مشكلات" ينبغي "حلها".
جاءت تصريحات بوتين بعدما أعاد صندوق النقد الدولي نهاية مارس (آذار) المنصرم تقييم توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي الروسي لعام 2023 متوقعاً أنه سينمو بنسبة 0.3 في المئة بدلاً من أن ينكمش بنسبة 2.3 في المئة كما كانت توقعات الصندوق في يناير (كانون الثاني) الماضي.
قبل أيام من إعلان الصندوق توقعاته بنمو الاقتصاد الروسي هذا العام، كانت رئيسة الصندوق كريستينا غورغييفا، توقعت أن العقوبات المفروضة على روسيا سيكون لها آثار "مدمرة للغاية" على اقتصادها، وأن الاقتصاد الروسي سيشهد انكماشاً "بنسبة سبعة في المئة على الأقل".
وفي ظل هذا التضارب في التوقعات، انبرى معارضو الروس والقوى الغربية التي ترى أن سلاح العقوبات فعال في الضغط على روسيا لوقف الحرب في أوكرانيا إلى انتقاد صندوق النقد الدولي والإشارة إلى أنه يعتمد على البيانات والأرقام الرسمية الروسية التي لا يمكن الاعتداد بها. وتلك حجة دائمة لدى كثير من المعلقين والمحللين في الغرب بأن بيانات دول مثل روسيا والصين قد لا تكون صحيحة أو حقيقية.
انهيار لم يحدث
على مدى العام الماضي، ردد بوتين أن العقوبات الدولية غير مجدية وتنعكس سلباً على الغربيين أكثر منها على بلاده، مشدداً على "تعزيز السيادة الاقتصادية" واستحداث "مزيد من الفرص" لروسيا. لكنه غيّر من لهجته الشهر الماضي حيث أشار إلى أن الاقتصاد بدأ يعاني من أضرار العقوبات، بحسب ما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.
فالغرب، الذي بدأ بفرض عقوبات اقتصادية مشددة منذ بداية الحرب في أوكرانيا نهاية فبراير (شباط) 2022 كان يتوقع انهيار الاقتصاد الروسي بسرعة. وأخذت الولايات المتحدة وحلفاؤها في أوروبا تصعيد العقوبات باستمرار بهدف الضغط على القيادة في موسكو لوقف الحرب. لكن ذلك الانهيار لم يحدث كما كان الغرب يتوقع.
ويعود ذلك إلى عاملين مهمين، هما استعداد روسيا المسبق لاحتمالات فرض العقوبات خصوصاً منذ فرض عقوبات سابقة عليها في 2014 عقب ضمها شبه جزيرة القرم. وبالتالي وضعت سياسات للوقاية من مزيد من العقوبات، مثل تغيير القوانين لتقليل الاعتماد على الاستيراد خصوصاً في قطاعات يمكن تطوير منتجات محلية بديلة لها. وأيضاً التحسب لعقوبات مالية، فزادت من احتياطيات البنك المركزي ووزعتها على نطاق واسع. كما استحدثت بعض الأدوات المالية التي تمكنها من مواجهة حظر غربي ولو بقدر محدود.
أما العامل الثاني، فهو زيادة عائدات موسكو من صادرات الطاقة بشكل كبير في العام الماضي نتيجة ارتفاع أسعار النفط والغاز. ورغم الحظر الأوروبي على واردات الطاقة من روسيا فإن وجود منافذ أخرى للصادرات الروسية مثل الهند والصين حافظ على انسياب عائدات مبيعات الطاقة بشكل جيد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وهكذا كانت تصريحات الرئيس الروسي العام الماضي عن أن الانهيار الذي توقعه الغرب لم يحدث، وهو ما أكدته أيضاً تعليقات وتحليلات كثيرين في الغرب. وبدأ البعض يشكك في أن تأتي العقوبات القاسية بالنتائج المرجوة منها.
أضرار محتملة
مع ذلك، لا يمكن القول إن الاقتصاد الروسي لم يتضرر من العقوبات الخانقة غير المسبوقة التي يتم تشديدها باستمرار منذ عام تقريباً. ورغم تعزيز موسكو التعاون مع دول خارج المنظومة الغربية، بخاصة الصين وغيرها، فإن تأثير العقوبات بدأ يظهر على المؤشرات الكلية للاقتصاد الروسي. بخاصة وأن أسعار الطاقة انخفضت عن مستويات العام الماضي، وتراجع أيضاً حجم الصادرات الروسية ولو بقدر ليس كبيراً، لكنه كاف للضغط على موارد البلاد.
كما أن عزل روسيا عن النظم المصرفية العالمية، وبخاصة نظام رسائل القطاع المصرفي الدولي "سويفت" أضر أيضاً بالقطاع المالي الروسي وتعاملاته الخارجية. صحيح أن هناك نظاماً بديلاً طورته موسكو منذ نحو عقد من الزمن، لكنه ليس كافياً لتفادي أضرار الحظر من "سويفت" لأنه لا يشترك فيه سوى عدد قليل من الدول.
وإن كانت الحكومة الروسية بدأت في التعامل بالعملات المحلية مع شركائها التجاريين من الصين إلى الهند وغيرهما، فإن ذلك ربما خفف أضرار عدم توفر الدولار، لكنه لم يمنعها تماماً. هذا إضافة إلى أن الصناعات الروسية التي تحتاج إلى مكونات غربية بدأت تعاني بالفعل، إما بسبب الحظر الذي تفرضه العقوبات على التصدير إلى روسيا أو بسبب عدم توفر العملة الصعبة للشراء أو صعوبة التعامل المالي نتيجة الحظر من النظام المصرفي الغربي.
لذا كان هناك شبه إجماع من الاقتصاديين والمحللين في الغرب وكثير من المؤسسات المالية الدولية على توقع انكماش الناتج المحلي الإجمالي الروسي بنسبة ما بين ثلاثة وأربعة في المئة خلال العام الحالي. وبدا ذلك منطقياً أيضاً في ظل التوقعات الشائعة بتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي أو دخوله في ركود قبل نهاية هذا العام.
استمرار الصمود
مع ذلك تراهن القيادة الروسية على استمرار الصمود، حتى في ظل الاعتراف بالأضرار التي أدت إليها العقوبات الغربية. وكما يقول أرنو دوبيان، مدير المرصد الفرنسي الروسي في موسكو، فإن موقف الرئيس بوتين الأخير "هو بكل بساطة واقعي". وأوضح لوكالة الأنباء الفرنسية "أنها رسالة تعبئة موجهة إلى الشركات والوزارات المعنية تفيد بأن "الوضع أفضل مما كان متوقعاً لكن لا تتهاونوا، واصلوا البحث عن حلول بديلة".
وأشار دوبيان إلى أن "القطاعات الأكثر تضرراً جراء العقوبات مثل قطاع السيارات، هي تلك التي كانت الأكثر انفتاحاً على الاستثمارات والتعاون مع الشركات الدولية". ويواجه الاقتصاد الروسي الآن مشكلات عدة، مع التراجع الشديد في صادرات الغاز وتقلص القوة العاملة والنقص في بعض سلاسل الإنتاج وهبوط قيمة الروبل، وتوقف قطاع السياحة وغيره.
ومن أحدث الأمثلة على ذلك ما أعلنته شركة "أفتوفاز" للسيارات عن توقف الإمدادات من بعض مزوديها الأجانب، ما سيجعل "من المستحيل مواصلة إنتاج سيارات متكاملة اعتباراً من النصف الثاني من مايو (آيار) المقبل".
وخلص دوبيان إلى أن "العقوبات لا تخلو من الألم، لكن توازنات الاقتصاد الكلي ليست في خطر في الوقت الحاضر" مضيفاً أن "بإمكان روسيا تمويل مجهودها الحربي لثلاث أو أربع سنوات إضافية، لكنها خسرت ما يوازي عقداً من التطور منذ 2014، والآن قد تخسر عقداً ثانياً".
ومع تحذير بوتين من أن "العقوبات ستدوم طويلاً"، تسعى موسكو لتعزيز العلاقات مع دول مثل الصين والهند لتعويض ما تحضره العقوبات من واردات للشركات الروسية. لكن ذلك قد لا يكون كافياً لوقف التدهور الذي تسببه العقوبات على المدى المتوسط والطويل. تقول ألكسندرا بروكوبنكو، الباحثة التي كانت تعمل سابقاً في البنك المركزي الروسي، عن رسائل الرئيس بوتين للشركات الروسية، إنه "يقول لهم ما معناه أنتم وأعمالكم في أمان في روسيا فقط تحت سلطتي، لا عودة إلى ما قبل فبراير 2022".
وأشارت بروكوبنكو إلى أن الشركات المرتبطة بقطاع الصناعات العسكرية هي التي "تتدبر أمرها بصورة أفضل"، وضربت أمثلة بقطاعات "البصريات والأدوية والمعدات المعدنية إلى ما هنالك".
وأضافت أنه "ليس هناك أي مؤشر إلى أن روسيا تحظى في 2023 بعائدات إضافية كما في العام الماضي من خلال عائدات النفط والغاز". واعتبرت أن المستقبل "ضبابي" مؤكدة أن "الأمر يتطلب وقتاً طويلاً للتكيف وإيجاد شركاء جدد وإقامة علاقات جيدة" بخاصة مع الدول الآسيوية.