Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا انقلب المغاربة على مدارس البعثة الفرنسية؟

إحداها منعت موظفة من الصلاة وأخرى حذفت الصحراء من خريطة المملكة وثالثة روجت لقيم هدامة ومطالبات برلمانية باتخاذ تدابير مناسبة

المدرسة الفرنسية "بالزاك" بالقنيطرة المغربية (مواقع التواصل)

ملخص

يتصدر #المغرب بلدان العالم من حيث عدد مدارس #البعثة_الفرنسية بـ45 مدرسة يتابع فيها أكثر من 46 ألف تلميذ دراسته

أثار عديد من المدارس التابعة للبعثة الفرنسية في المغرب جدلاً كبيراً في الآونة الأخيرة، بعد تسجيل "تجاوزات وسلوكات" اعتبرتها جهات عديدة في البلاد تمس بالقيم المغربية، في وقت تعيش فيه علاقات الرباط وباريس إحدى أسوأ فتراتها على الصعيد السياسي والدبلوماسي.

وتوالت سلوكات عدد من المؤسسات التعليمية الفرنسية بالمغرب التي أثارت امتعاض وغضب عديد من المغاربة والهيئات التربوية والبرلمانيين أيضاً، من قبيل منع موظفة من الصلاة في إحدى المدارس، وترويج مدرسة لأفكار تتعارض مع قيم المجتمع وتسيء إلى رموز الإسلام، بينما عمد أستاذ فرنسي إلى بتر الصحراء من خريطة المملكة.

صلاة وصحراء ومثلية

في البداية اندلعت قضية منع المدرسة الفرنسية ليوطي بمدينة الدار البيضاء لمستخدمة من الصلاة داخل أسوار المؤسسة التعليمية، بحجة أن المدرسة ليست مكاناً للصلاة، وهو السلوك الذي فجر موجة من الامتعاض والانتقاد.

واعتبر نشطاء مغاربة أن ما قامت به المدرسة الفرنسية في حق الموظفة المغربية التي كانت تؤدي الصلاة، يعد "مساً بحرية المعتقد وتدخلاً في عقيدة مسلم"، بينما قال آخرون، إن المدرسة الفرنسية ملزمة باحترام قوانين البلاد التي تستضيفها على أرضها.

وبعد أيام قليلة اندلع سجال آخر يتعلق بما قام به أستاذ فرنسي بمؤسسة تعليمية تابعة لبعثة بلاده بمدينة مكناس (وسط البلاد)، عندما تعمد عرض خريطة المغرب مبتورة من منطقة الصحراء، ودافع عن أطروحة جبهة البوليساريو المطالبة بانفصال الصحراء عن سيادة المملكة.

واحتج أولياء تلاميذ المغاربة على سلوك هذا الأستاذ الفرنسي بعرض خريطة البلاد منفصلة عن منطقة الصحراء، معتبرين أن هذا العمل يستهدف الوحدة الترابية للمملكة، ويمرر "فكر الانفصال" إلى تلاميذ مغاربة، مع العلم أن المناهج التعليمية المغربية تعرض المغرب موصولاً بصحرائه.

وبعدها أثير جدل عارم أيضاً بعرض أستاذة بمؤسسة تعليمية فرنسية تدعى "بالزاك" لصور إباحية تمثل "المثلية الجنسية"، محاولة إشاعة فكرة التطبيع مع هذه الميولات الجنسية، أمام أنظار تلاميذ في مستوى الابتدائي.

وأثار سلوك المدرسة الفرنسية انتقادات عديد من أسر التلاميذ المعنيين وقدموا شكاية قضائية ضد المؤسسة التعليمية التابعة للبعثة الفرنسية، بتهم "سوء معاملة الأطفال بالاعتداء على سلامتهم النفسية وعلى أمنهم بواسطة صور جنسية وإباحية منافية للأخلاق العامة، والتحريض على ذلك باستعمال وسائل إلكترونية والمساس بالثوابت الدستورية وزعزعة عقيدة مسلم".

حالات معزولة؟

هذا الجدل انتقل إلى قبة البرلمان المغربي من خلال مساءلة النائبة البرلمانية حنان أتركين لوزير الخارجية ناصر بوريطة حول هذا الملف، موردة بأن سلوكات هذه المدارس الفرنسية "أثارت حفيظة الأسر التي لم تكن تتوقع أن تتحول الفضاءات التعليمية التي يدرس بها أبناؤها إلى أماكن لتصريف حسابات سياسية والقيام بتصرفات غير معقولة".

ودعت البرلمانية عن حزب "الأصالة والمعاصرة" وزير الخارجية إلى "التعجيل باتخاذ التدابير الملائمة بهدف ضمان احترام مؤسسات البعثات التعليمية الفرنسية في المغرب للثوابت الدينية والوطنية"، على حد تعبير السؤال الشفوي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في المقابل، أفاد مصدر من إحدى المؤسسات التعليمية الفرنسية بالمغرب لـ"اندبندنت عربية" بأن ما حصل وراج في الإعلام من سلوكات يبقى حالات معزولة بالنظر إلى مجموع المدارس الفرنسية في البلاد، ولا يمكن البناء على حالات معزولة واستثنائية.

وتابع المصدر ذاته أنه "عندما يثبت خطأ ما صريح صدر عن أحد موظفي أو أساتذة أو مسؤولي هذه المدارس فإنها لا شك تتخذ الإجراءات اللازمة في حقه، من باب احترام قوانين البلد المستضيف"، لافتاً إلى واقعة الاستغناء عن خدمات الأستاذة في مؤسسة "بالزاك".

وأعلنت إدارة مدرسة "بالزاك" الفرنسية بمدينة القنيطرة المغربية عن فصل الأستاذة موضوع الجدل عن العمل، وذلك بعد التثبت من صحة المعلومات التي راجت عنها، التي أضرت بالسلامة التربوية للأطفال، وأيضاً بسمعة المدرسة.

ويتصدر المغرب بلدان العالم من حيث عدد مدارس البعثة الفرنسية بـ45 مدرسة، يتابع فيها أكثر من 46 ألف تلميذ دراسته، 70 في المئة منهم مغاربة، وفق معطيات رسمية سابقة.

واقع مدارس البعثات الفرنسية

ويقول في هذا الصدد الخبير في شؤون التربية والتعليم محمد الصدوقي، إن "شبكة مدارس البعثات الفرنسية تابعة تنظيمياً لوكالة التعليم الفرنسية بالخارج، وهي مؤسسة عمومية تحت وصاية وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية".

وهذه الوكالة مسؤولة عن تسيير وتتبع ومراقبة هذه المدارس تربوياً وتنظيمياً، فمن الناحية التربوية يجب أن يكون المنهاج التربوي موافقاً للنظام التربوي الفرنسي، مع التفتح على واقع وثقافة البلد المضيف، ودمج التلاميذ الأجانب من خلال مناهج خاصة لتعليم اللغة الفرنسية.

وأفاد الصدوقي بأن مدارس البعثات الأجنبية أحدثت في الخارج حتى يتمتع أبناء الجاليات (البعثات الأجنبية) بتعليم بلد الأصل تحقيقاً لمبدأ المساواة في التعليم، غير أن هذه المدارس الأجنبية، ومنها الفرنسية، بدأت تستقبل أبناء البلد المضيف، وذلك لأسباب عدة.

من هذه الأسباب، وفق المتحدث، رغبة الدولة الأجنبية المحدثة لهذه المدارس في نشر لغتها وثقافتها محلياً واستقطاب النخب، والاستفادة من تمويل الأسر المحلية، كما أن هناك رغبة لدى بعض نخب البلد المضيف من استفادة أبنائها من الامتيازات التربوية والآفاق المهنية التي تتيحها هذه المدارس الأجنبية.

ولفت الخبير عينه إلى أنه "أمام تصاعد أعداد المدارس الفرنسية في المغرب لم يعد التسجيل فيها مقتصراً فقط على نخبة النخبة، بل أصبح متاحاً لبعض أسر الطبقة المتوسطة، منها حتى الأسر ذات الثقافة المحافظة".

منهاج المدارس الأجنبية

ورأى الصدوقي أن النظام التربوي الفرنسي الرسمي هو نظام علماني، مناهجه التربوية تروم تحقيق أهداف معرفية وقيمية وثقافية تختلف كثيراً عن النظام التربوي والثقافي والمجتمعي للبلد المضيف، وهو ما يفسر ما سماه البعض خروقات بالنسبة إلى المغاربة، لكنها عادية عند مرتكبيها من بعض الأساتذة الأجانب في هذه المدارس، لاختلاف النماذج التربوية والقيمية، وذهب المتحدث إلى أن "المدرسة هي عموماً مؤسسة للتنشئة الاجتماعية، بالتالي من الطبيعي أن يتأثر التلاميذ المغاربة تربوياً في تنشئتهم بالحوامل الثقافية والقيمية لنموذج التعليم الفرنسي وسلوكات وتمثلات الأساتذة الأجانب".

واستدرك الصدوقي بأن بعض الأسر المحتجة التي تقبل بتسجيل أبنائها في المدارس الأجنبية لا تعي هذه الخلفيات والحيثيات التربوية والتنظيمية للتعليم الفرنسي، فهي تريد فقط أن تستفيد من امتيازات هذا التعليم وفرض رؤيتها وقيمها عليه، لكنه تعليم أجنبي له ضوابطه واختياراته، قبل أن يتساءل "لماذا لا تسجل هذه الأسر أبناءها في التعليم المغربي الذي تحترم مناهجه التربوية الخصوصيات المحلية؟".

ضرورة التكييف

ودعا الصدوقي مدارس البعثات الفرنسية بالمغرب التي اختارت تحقيق أهدافها بتسجيل التلاميذ المغاربة بمؤسساتها إلى تكييف منهاجها التربوي بحسب الخصوصيات المحلية، والقيام بتكوين مستمر لأطرها التربوية الفرنسية يستهدف الوعي ومعرفة الخصوصيات الثقافية والقيمية المحلية"، كما طالب المتحدث ذاته وزارة التربية الوطنية المغربية بالتدخل عبر شراكة مع وكالة التعليم الفرنسي بالخارج للعمل على تكييف مناهج وبرامج هذه المدارس الأجنبية مع الخصوصيات والأهداف والاختيارات التربوية للدولة المضيفة كذلك، ولفت الخبير التربوي إلى أن "هذا النوع من التعليم الأجنبي في المغرب يغري كثيراً من الأسر المغربية، بخاصة الثرية والمتوسطة أمام تردي وضعف النظام التربوي المحلي على رغم الإصلاحات المتتالية".

المزيد من تقارير