لا تزال بعض الحرف التقليدية تقاوم خطر الاندثار في الجزائر، ولعل خياطة شباك الصيد إحداها، إذ تعيش وضعاً مأسوياً بالبلاد، ففي حين يتمسك الكبار بالموروث في محاولة للحفاظ عليه يعزف الشباب عن ممارسة هذه المهنة.
مشكلات كثيرة
وتواجه حرفة ترقيع شباك الصيد في الجزائر مشكلات كثيرة جعلتها مهددة بالزوال، على رغم أن شريحة من الصيادين لا تزال تحافظ عليها أمام تطور أساليب وأدوات الصيد البحري الحديثة، ولا شيء يدعوهم إلى التمسك بها سوى أنها من المهن التقليدية المتوارثة عن الأجداد التي تعتبر بالنسبة إليهم موروثاً عريقاً.
يعدد نائب رئيس جمعية خياطي شبابيك الصيد بوبزاري المولود، المشكلات التي يعانيها القطاع، بينها ما يتعلق بالتأمين الاجتماعي والتقاعد، وتصنيف هذه الحرفة ضمن المهن الشاقة.
لا يوجد تأمين اجتماعي لخياطي شباك الصيد (اندبندنت عربية)
وأوضح إلى أنهم حالياً لا يصنفون كخياطين وإنما كصيادين، وشدد على أن الجمعية هدفها المطالبة بحقوق الخياطين بحكم أن هذه المهنة غير معترف بها، مشيراً إلى أن المشكلة تكمن في القوانين، ومن أجل هذا تطالب الجمعية بضرورة إيجاد صيغة قانونية تسمح بمزاولة الحرفة في إطار قانوني يسمح للخياطين بالاستفادة من الخدمات الاجتماعية، فضلاً عن تدعيمهم بمختلف الوسائل التي يعتمد عليها المهني، وختم أنه على رغم الانشغالات التي تطرح فإن الجهات الرسمية لا تتجاوب وتكتفي بالوعود فقط.
أجر يومي يفوق 20 دولاراً
من جانبه يرى الصياد وخياط الشباك عبدالكريم واسطي، الذي التقته "اندبندنت عربية" بميناء "قاع السور" بساحل الجزائر العاصمة، أن ترقيع شباك الصيد يعد من الحرف الأساسية المرتبطة بصيد الأسماك، فالشباك تتعرض للتمزق إما بسبب الصخور أو بعض أنواع الأسماك، لذلك فإن خياطة الشباك تتم بصفة يومية طوال موسم الصيد، غير أنها باتت مهددة بالاندثار جراء عزوف الشباب عن ممارستها، على رغم أن أجرها اليومي يصل إلى ثلاثة آلاف دينار أي ما يعادل 20 دولار تقريباً.
وأرجع واسطي أسباب العزوف إلى الجهد العضلي الذي يتطلبه ترقيع بضعة أمتار من شباك الصيد في اليوم، إضافة إلى غياب وسائل العمل وإن وجدت تبقى أسعارها مرتفعة، كما أن غياب أماكن العمل والظروف غير المواتية لا يشجعان الشباب على الإقبال على هذه المهنة.
تسعى الجهات المتخصصة إلى تحسين الأوضاع واستقطاب الشباب للحفاظ على هذه الحرفة (اندبندنت عربية)
وأشار إلى أن تذبذب نشاط هذه الحرفة وإقبال أرباب السفن على التعامل مع بعض الحرفيين المتخصصين في ترميم الشباك عن طريق آلات حديثة، وعدم ثقتهم في الشباب الذي اقتحموا هذا المجال، زاد من النفور وعدم الاهتمام بالحرفة، ودعا إلى تأطير هذا النشاط ومرافقة المتخرجين بعد التكوين عبر تخصيص أماكن لمزاولة عملية خياطة وترميم الشباك، على مستوى الموانئ أو على اليابسة، وتقديم الدعم للراغبين في اقتحام هذا المجال الذي يعرف تطوراً في الوسائل والآلات والتقنيات تزامناً مع تطور وتنوع شباك الصيد والمواد المستعملة في صناعتها.
نساء الجزائر
في المقابل تسعى الجهات المتخصصة إلى تحسين الأوضاع واستقطاب الشباب للحفاظ على هذه الحرفة، إذ دعت غرفتا الصيد البحري والمائيات الشباب الراغبين في تعلم حرفة ترميم وترقيع شباك الصيد، بعد أن أشارت إلى أنها باتت مهددة بالزوال بسبب العزوف، وانحسار ممارسيها في البحارة المتقاعدين، وقالت في بيان إن "خياطة شباك الصيد حرفة ذات مستقبل واعد، بخاصة مع مشاريع تربية المائيات البحرية المبرمجة التي توظف الخياطين براتب شهري".
كما كشفت رئيسة مصلحة التمهين بمديرية الصيد البحري صفية سالم عطية عن أن "قطاع التكوين والتعليم المهنيين، وتماشياً مع متطلبات سوق الشغل وبالتنسيق مع فاعلي الصيد البحري وتربية المائيات، تم تخصيص مدربين من ذوي الخبرة خياطة شباك الصيد موجهة للمهتمين من الجنسين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضافت أن هذه المبادرة تأتي ترجمة لاحتياجات قطاع الصيد البحري من اليد العاملة المؤهلة إلى جانب الاستجابة لتطلعات مختلف الفئات الاجتماعية على غرار النساء الماكثات في البيت، وسعياً إلى بعث هذه الحرفة والمهنة الآيلة للزوال، مبرزة أن مصالحها برمجت عروضاً تكوينية في هذا التخصص عبر مؤسسات التكوين المنتشرة على طول الشريط الساحلي.
غرفة الصيد البحري وتربية المائيات ثمنت توجيه عروض التكوين نحو مثل هذه التخصصات التي تعاني نقصاً في اليد العاملة المؤهلة، وفتح المجال أمام النساء الماكثات في البيت وليس فقط فئة الرجال، وأشارت إلى أن خياطة شباك الصيد حرفة آيلة للزوال بالنظر إلى أن العاملين بها تجاوزوا العقد الخامس، فيما تقاعد آخرون، إضافة إلى عزوف الشباب عن ولوج هذه المهنة، لذا كان لا بد من الشروع في تكوين عناصر جديدة وفتح هذا التخصص أمام النساء الماكثات في البيت، إذ بات هذا المجال يستهوي العنصر النسوي بقوة.