ملخص
يؤدي أدواره طاقم تمثيلي موريتاني كما جرت حواراته باللهجة الحسانية لكنه عرف طريقه إلى منصة "#نتفليكس" العالمية وردهات "#البيت_الأبيض"
في 29 مارس (آذار) الماضي، دخلت السينما الموريتانية مرحلة جديدة من تاريخها الذي بدأته قبل 60 عاماً من الآن، حين بثت شبكة "نتفليكس" العالمية فيلماً موريتانياً صرفاً يستمد حكايته من التراث الشعبي الموريتاني، وتم تصويره في العاصمة نواكشوط.
كل هذا لم يتحقق بسهولة، إذ تنافس آلاف المتسابقين للحصول على منحة مشتركة مقدمة مناصفة بين منصة "نتفليكس" ومنظمة "اليونسكو" لإنتاج أفلام قصيرة تحت عنوان "مختارات من الحكايات الشعبية الأفريقية"، وفاز بالمنحة خمسة مخرجين شباب من دول أفريقية، وكانت خطوة ولد اشكونه هي الأولى من نوعها لموريتاني في مجال الفن السابع، حين نجح في أن يشد انتباه لجنة التحكيم بقصة كتبها عن "الجن" مستوحاة من حكايات الأساطير الشعبية التي يتم تداولها في موريتانيا.
في البيت الأبيض
عرض الرئيس الأميركي جون بايدن فيلم "المستتر" للمخرج الموريتاني محمد ولد اشكونه لضيوفه الأفارقة خلال القمة الأميركية - الأفريقية في ديسمبر (كانون الأول)، ونال الفيلم الذي يتحدث عن عوالم الجن والسحر وتأثيراتها في الحياة الاجتماعية بموريتانيا، إعجاب الجميع، إذ يتناول الفيلم في ما لا يزيد على 19 دقيقة تمثلات الجن في المخيال الشعبي الموريتاني، ويؤدي أدواره طاقم تمثيلي موريتاني، كما جرت حواراته باللهجة الحسانية.
يقول ولد اشكونه عن فيلمه "إنه مستمد من قصص شعبية منتشرة في ثقافتنا الموريتانية التقليدية، وهو محاولة لتجسيد فكرة سيطرت على عقول الصغار في هذه الأرض".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف مخرج الفيلم "خضت تجربة جميلة مع فريق عمل رائع، وواجهنا عديداً من التحديات، لكنني لم أشعر بذلك بسبب لطف وعمل طاقمي الموريتاني والأجنبي، وعشنا شغفاً سينمائياً خالصاً".
يرى المخرج موسى لبات أن "فيلم (المستتر) قطع بنا شوطاً كبيراً في اتجاه العالمية، خصوصاً في المجال السينمائي، حين أبان هذا العمل عن خبرة قل مثيلها في بلادنا منذ الاستقلال وحتى الآن، وأرى أنه كان موفقاً جداً في اختيار الموضوع وتجسيده".
ويعتبر المنتج والسينمائي سالم دندو أن تجربة ولد اشكونه الإخراجية "ستلفت الانتباه إلى السينما الموريتانية الوليدة، وستسهم في دخولها باب العالمية، وذلك من خلال معالجة قصة مستوحاة من التراث الشعبي الموريتاني سلطت الأضواء على الثقافة الشعبية الزاخرة بالقصص والمواضيع التي تعد مادة دسمة إذا ما تم تناولها من خلال أفلام سينمائية تعرف العالم على ثقافة غنية ومتنوعة ظلت إلى عهد قريب مجهولة من طرف صناع الفرجة العالميين".
وهج المخيال الشعبي
اهتم نقاد سينما موريتانيون بموضوع قصة "المستتر" الذي عرض على "نتفليكس"، وحاول بعضهم تسليط الضوء على الأسباب التي أدت إلى أن يخوض السينمائي اشكونه غمار المخيال الشعبي الموريتاني.
يقول الناقد السينمائي جمال محمد إن "الفيلم برع في الإمساك ببذرة حكاية عالمية التوجه، إذ ظل عالم الجن محل تساؤل كبير في مختلف الحضارات الإنسانية، وبعده العالمي هو الذي سيلفت الانتباه إلى تيمة الفيلم التي هي محط اهتمام إنساني عابر للحضارات".
أما المنتج سالم دندو فيرى أن هذه الخطوة ستسهم في لفت الانتباه للسينما الموريتانية، ويبرر ذلك بقوله إن "عرض الفيلم على أكبر منصة للعرض السينمائي العالمي سيلفت انتباه صناع الأفلام إلى الموروث الثقافي الموريتاني البكر الذي يمكن استغلاله سينمائياً، بخاصة عندما يكتشف صناع هذا الفن ما تتمتع به موريتانيا من تنوع ثقافي، وكذلك جمال وأصالة المناظر والألوان والقصص، وهذه هي ضالة المنتجين التي يبحثون عنها في كل مكان".
يتفق المخرج موسى لبات مع هذا الطرح، ويضيف أن "هذا الفيلم، إضافة إلى فيلم (الموريتاني) الذي أخرجه البريطاني كيفن ماكدونالد، من بطولة جودي فوستر، ويتحدث عن قصة ملهمة للسجين الموريتاني محمدو صلاحي الذي سجن لأزيد من 15 عاماً في معتقل غوانتانامو، وفيلم (تمبكتو) للمخرج الموريتاني العالمي عبدالرحمن سيسياغو، أسهمت في رفع مستوى الإقبال على موريتانيا كواجهة سياحية ومكان خصب لصناعة السينما لم يكتشف بعد".
قاطرة الإبداع
بعد نجاحات متقطعة حققها سينمائيون موريتانيون، طالب صناع السينما في البلد الذي تراجعت فيه كثيراً ثقافة الفرجة خلال العقود الأخيرة، بحسب الناقد السينمائي جمال محمد، باستغلال هذه النجاحات الفردية وتحويلها إلى قاطرة إبداع تجر عربة السينما المتوقفة.
وتواجه صناعة السينما الموريتانية تحديات عدة يذكر المنتج والسينمائي سالم أهمها، وهي "غياب الثقافة السينمائية، حيث لا معاهد ولا مدارس ولا مؤسسات تهتم بالفنون عموماً والسينما على وجه الخصوص، وغياب الاهتمام من طرف القطاعات المعنية لأهمية الصورة وما يمكن أن تجلب من موارد اقتصادية إذا ما تم الاستثمار في تسويق صورة البلد والتعريف به من خلال الفنون التي هي الإطار الوحيد الذي يمكن من خلاله تقديم الهوية الحقيقية بما تحمله من ثراء وتنوع وجمال".
ويحلم المخرج الموريتاني موسى لبات أن تنجح مساعيه مع مؤسسات إنتاج غربية من أجل الاتفاق حول إنجاز تجارب سينمائية في المستقبل القريب داخل موريتانيا.
سبق للسينما الموريتانية تكريمها في هذا الأسبوع، حين حصد فيلم "تمبكتو" للمخرج الموريتاني عبدالرحمن سيساكو المركز الـ24 ضمن قائمة نقاد مجلة "هوليوود ريبورتر" لأفضل 50 فيلماً في القرن الـ21، ويصور الفيلم قصة اجتياح مسلحين متطرفين لمدينة تمبكتو التاريخية في مالي وفرض قوانينهم الصارمة عليها.