ملخص
مع غلاء الأسعار الذي اجتاح #الأسواق_المصرية خلال الآونة الأخيرة تبرز هذه المادة في عديد من #وقائع_الغش في السلع الغذائية التي يجري ضبطها، فما قصتها؟
فجرت قضية ضبط مصنع غير مرخص في مركز في الصف بالجيزة (جنوب القاهرة) يستخدم مالكه "بودرة السيراميك" لإنتاج الطحينة (نوع من السلطات المصرية)، كثيراً من علامات الاستفهام حول أسباب تكرار تلك الوقائع خلال السنوات القليلة الماضية، وما إذا كان من الممكن النظر إليها باعتبارها ظاهرة عامة أم تصرفات فردية، وما الدوافع وراء لجوء بعض المنتفعين ومرتكبي تلك الجرائم إلى استخدام ذلك الخليط بالذات للغش والتلاعب في المواد الغذائية، وأين أماكن استخراج تلك المواد وآليات الجهات الرقابية لمواجهة هذه الممارسات الضارة، وما إذا كانت العقوبات التي أقرتها القوانين في هذا الشأن كافية ورادعة للمخالفين.
"اندبندنت عربية" تواصلت مع عدد من المتخصصين والمسؤولين في محاولة للإجابة عن تلك التساؤلات الملحة، ولكشف النقاب عن الجانب الخفي في قضايا الغش والتلاعب بالسلع والأطعمة الغذائية التي يتناولها ملايين المصريين بصفة يومية، لا سيما مع غلاء الأسعار الذي اجتاح الأسواق المصرية خلال الآونة الماضية.
أعادت واقعة ضبط مصنع الصف بالجيزة، الذي عثر فيه على خمسة أطنان من "بودرة السيراميك"، إلى الأذهان مقاطع الفيديو التي تداولها رواد مواقع التواصل في مصر خلال يناير (كانون الثاني) الماضي، بعد ضبط مصنعين غير مرخصين يقلدان العلامة التجارية لمنتجات الشاي والنسكافيه والـ"بيكنغ بودر"، فضلاً عن استخدام مواد مجهولة المصدر في عملية التصنيع، وتظهر مقاطع الفيديو وجود الملايين من عبوات الشاي ومشروب قهوة شهير في مصنع غير مرخص بمحافظة الغربية (شمال القاهرة) يتم إنتاجها من "بودرة بلاط السيراميك" و"الأسمنت الأبيض" المستخدم في عمليات البناء.
في يناير عام 2013، تمكنت مباحث التموين بمحافظة القليوبية من القبض على سائق بحوزته 300 كيلو شاي مخلوط بالملح ونشارة الخشب قبل قيامه بتوزيعها على محلات الجملة بمنطقة شبرا الخيمة (شمال القاهرة)، وأخطرت النيابة التي تولت التحقيق.
ووفق الإحصاء السنوي لوزارة التموين في ديسمبر (كانون الأول) 2022، فإن جهاز حماية المستهلك (جهة حكومية) تلقى نحو 192 ألفاً و286 شكوى استهلاكية.
وأسفرت الجهود الرقابية عن تحرير 326 ألفاً و265 محضر مخالفات متنوعة منذ بداية عام 2022 من بينها 1747 محضر غش تجاري، و2970 محضر سلع منتهية الصلاحية، و6068 محضر سلع مجهولة المصدر، و5359 محضر عدم ترخيص، إضافة إلى 47 ألفاً و186 محضر مخالفات أخرى في الأسواق، و4299 مخالفة مواد بترولية، و6144 مخالفة تجار تموينيين.
"المنتج" المتهم الرئيس
في هذا السياق، يرى حازم المنوفي رئيس شعبة البقالة والمواد الغذائية بالإسكندرية وعضو شعبة المواد الغذائية بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن استغلال بعض الغشاشين وضعاف النفوس لـ"بودرة السيراميك" وخلطها بسلع ومنتجات غذائية أخرى يرجع إلى ارتفاع أسعار الخامات ومستلزمات الإنتاج، فهم يتحايلون على ذلك بإنتاج سلع ومنتجات رديئة، مشيراً إلى أنه مع غلاء الأسعار تزايدت عمليات الغش التجاري في الأسواق.
وأردف المنوفي لـ"اندبندنت عربية"، أن خلط "بودرة السيراميك" بالطحينة ليس الواقعة الأولى التي تعبر عن الغش التجاري في الأسواق، بل سبقها عديد من الوقائع، مثل إنتاج عبوات الشاي والنسكافيه من "بودرة بلاط السيراميك" و"الأسمنت الأبيض" المستخدم في عمليات البناء" و"نشارة الخشب".
وأضاف عضو شعبة المواد الغذائية بالاتحاد العام للغرف التجارية، أنه أصدر قرارات حاسمة داخل الشعبة بالحصول على المنتجات من الشركة أو مندوب عنها مباشرة وليس تجار الجملة، منوهاً بأن المتهم الرئيس في تلك الوقائع هم المصنعون والمنتجون، فالتاجر مجرد عارض للسلع فقط، وما يهمه فقط صلاحية المنتج وفاتورة الشراء.
واستبعد المنوفي ظهور أية وقائع مشابهة للغش التجاري في محافظة الإسكندرية، مؤكداً أن هناك إجراءات وقرارات حاسمة تنفذها الدولة لمواجهة تلك الوقائع والتعامل معها بصورة مستمرة.
بلا طعم أو رائحة
يقول مدحت نافع المتخصص الاقتصادي ومساعد وزير التموين السابق، إن لجوء بعض المنتفعين لاستخدام "بودرة السيراميك" وخلطها بالمأكولات الغذائية يرجع لسببين رئيسين، الأول لرخص سعرها في الأسواق، والثاني لكونها تفتقد الطعم والرائحة وتحقق الشكل المطلوب لها في حال خلطها بمنتجات أخرى، وهو ما يجعل من يقومون بعمليات الغش التجاري والتلاعب في الأسواق يستخدمونها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف نافع لـ"اندبندنت عربية" أن أغلب المتلاعبين يستخدمون خليطاً ليس له مواصفات ظاهرة مثل الرائحة والطعم، ويمكن دمجه في منتجات أخرى من أجل تحقيق أرباح سريعة بأقل كلفة ممكنة، منوهاً إلى أن "بودرة السيراميك" أصبحت من المواد التي تستخدم في الغش التجاري مثل "نشارة الخشب" التي يخلطونها بالشاي، والتي اكتشفت في أماكن ومناطق مختلفة في فترات سابقة.
وأوضح مساعد وزير التموين السابق أن تلك الجرائم تخضع لقانون الغش والتدليس رقم 48 لسنة 1941 المعدل بالقانون رقم 281 لسنة 1994، الذي يحدد القواعد الخاصة بجريمة الغش التجاري والعقوبات المترتبة على ذلك بالقانون.
ونوه نافع إلى أنه يجب على المستهلكين التنبه جيداً لتلك الممارسات والألاعيب، وأن يتحروا الدقة في المنتجات والسلع التي تكون أرخص من نظيرتها في الأسواق، أو المعبأة بصورة غير طبيعية، أو تباع في محال "بير السلم"، مشدداً على وجوب أن يتعامل المواطن بإيجابية مع تلك القضية، وأن يقوم بإبلاغ الجهات الرقابية المتخصصة بشكل مباشر في حال اكتشاف مثل تلك الوقائع لمنع انتشارها ولحماية المواطنين من مخاطرها.
سلامة الغذاء
في فبراير (شباط) الماضي، أعلنت الإدارة العامة لشرطة التموين والتجارة بالتنسيق مع إدارات وأقسام شرطة التموين وفروعها الجغرافية بمديريات الأمن وقطاع الأمن العام والإدارة العامة لشرطة البيئة والمسطحات، حملاتها التموينية المكبرة لضبط الجرائم التموينية أسفرت عن ضبط 1682 قضية تموينية متنوعة.
وقائع الغش الغذائي التي تطل برأسها بين الحين والآخر، جاءت متناقضة مع التصريحات التي أدلى بها طارق الهوبي رئيس الهيئة القومية لسلامة الغذاء (جهة حكومية) في فبراير الماضي خلال افتتاح المرحلة الثانية من المدينة الصناعية "سايلو فودز" بمدينة السادات، حيث أوضح أن إنشاء هيئة متخصصة لسلامة الغذاء كان أمراً ملحاً لوضع مصر في مصاف الدول التي لديها أجهزة وهيئات تعنى بسلامة الغذاء.
بموجب قرار من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في يناير (كانون الثاني) عام 2017، نشأت الهيئة القومية لسلامة الغذاء لتطبيق أفضل الممارسات التنظيمية، وقامت بإعداد الاستراتيجية الأولى لها عن الفترة ما بين 2023 إلى 2026، التي تهدف إلى تعزيز التخطيط والتنفيذ المحكم للبرامج والنظم الرقابية على الأغذية، من خلال مواكبة التحول الرقمي للخدمات الداعمة للنظام الرقابي، وتعزيز منظومة التحاليل من خلال الربط الإلكتروني لضمان فاعلية العمليات ودقة النتائج الداعمة لاتخاذ القرارات.
وتقوم هيئة سلامة الغذاء بدورها في شن حملات متنوعة في مختلف المحافظات لضبط حال أسواق المنتجات الغذائية المتداولة في مختلف الأسواق ومنافذ البيع، وتشديد وإحكام الرقابة على المنشآت الغذائية.
وقائع فردية
طلبات الإحاطة واستدعاء الجهات الرسمية من بين الأدوات التي استخدمها نواب البرلمان في مصر لمواجهة قضية التلاعب والغش الغذائي رقابياً وتشريعياً، ففي يناير الماضي واجه نواب البرلمان وزير التموين المصري علي مصيلحي بـ158 أداة رقابية للرد على كل طلبات الإحاطة المقدمة من النواب.
وفي فبراير الماضي، ناقشت لجنة الصناعة بمجلس النواب طلبي الإحاطة المقدمين من النائبين أبو زيد وأحمد مهنى في شأن انتشار مصانع "بير السلم" التي تنتج الأغذية والمشروبات المغشوشة وتستخدم خامات مجهولة المصدر وغير مطابقة للمواصفات بما يهدد سلامة المواطنين ويؤثر سلباً في الصناعة.
في هذا السياق، يقول النائب أحمد بهاء شلبي عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب، إن خلط "بودرة السيراميك" بالأطعمة الغذائية ليست ظاهرة عامة كما يراها بعض المتابعين، لكن يمكن النظر إليها باعتبارها وقائع أو تصرفات فردية، مشيراً إلى أن التشريعات والقوانين الحالية وضعت إجراءات حاسمة لمواجهة قضية الغش التجاري والتلاعب في السلع والأغذية وبقية المنتجات الأخرى.
وأوضح شلبي خلال حديثه لـ"اندبندنت عربية"، أن الغش التجاري لا يوجد في مصر فقط، ويجب التفرقة بين أصحاب المصانع التي توجد لديها بعض العقبات في تقنين أوضاعها وبين أماكن "بير السلم" التي يستغلها أصحابها للغش والتلاعب في السلع والأغذية بهدف الإضرار بصحة المواطنين.
وأضاف عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب أن البرلمان والجهات الرقابية تقوم بدورها في مواجهة هؤلاء المتلاعبين، كما أن هناك تشريعات وإجراءات عقابية رادعة ضد من يقومون بتلك الجرائم، وأصبح هناك اهتمام وتسليط إعلامي على تلك القضايا للتحذير من خطورتها، مثلما حدث من قبل في واقعة التلاعب في "النسكافيه".
تعضد الرأي السابق النائبة إيناس عبد الحليم عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، إذ ترى أن هناك إجراءات وتشريعات رادعة لمواجهة ممارسات الغش في الغذاء، منوهة بأن هيئة سلامة الغذاء لديها اختصاصات واضحة لمواجهة التلاعب والغش في الأغذية، مشيرة إلى أن الجهات الرقابية في المؤسسات المختلفة تقوم بدورها لمواجهة المتلاعبين.
وأوضحت عضو لجنة الصحة بمجلس النواب لـ"اندبندنت عربية"، أن الغش والتلاعب لا يقتصر على الغذاء فقط، ولكن هناك ممارسات عديدة مثل الغش في الأدوية، مثلما حدث في فترات سابقة باستخدام أدوية مستعملة وإعادة تدويرها من جديد، وغيرها من الأساليب في مجالات وقطاعات مختلفة.
وشددت إيناس على أن عينات الغذاء يتم تحليلها ومراقبتها قبل طرحها للمستهلكين في الأسواق، مؤكدة أنه لا توجد دولة في العالم بلا مستغلين يتحايلون على القانون لتحقيق أرباح طائلة، منوهة بأن هناك قوانين أقرها البرلمان لمواجهة الإعلانات المضللة عن الأدوية والأغذية، سواء في القنوات أو الإنترنت.
تشريعات غير رادعة
يجرم عديد من القوانين والتشريعات التلاعب في السلع والمأكولات الغذائية والغش فيها، إذ ينص القانون رقم 48 لسنة 1941 المعدل بالقانون رقم 281 لسنة 1994 على القواعد الخاصة بجريمة الغش التجاري والعقوبات المترتبة على ذلك، إذ "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه (نحو 166 دولاراً) ولا تتجاوز 20 ألف جنيه (نحو 665 دولاراً)، أو ما يعادل قيمة السلعة موضوع الجريمة أيهما أكبر، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من خدع أو شرع في أن يخدع المتعاقد معه بأية طريقة من الطرق".
في تلك الحال، وفق القانون، تكون العقوبة هي الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تتجاوز خمس سنوات، وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تتجاوز 30 ألف جنيه، أو ما يعادل قيمة السلعة موضوع الجريمة أيهما أكبر، أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا ارتكبت أو شرع في ارتكابها باستعمال موازين أو مقاييس أو مكاييل أو دمغات أو آلات فحص أخرى مزيفة أو مختلفة، أو باستعمال طرق أو وسائل أو مستندات من شأنها جعل عملية وزن البضاعة أو قياسها أو كيلها أو فحصها غير صحيحة.
وقررت محكمة النقض المصرية في أحكامها أنه "يكفي لتحقق الغش خلط الشيء أو إضافة مادة مغايرة لطبيعته أو من طبيعته نفسها، ولكن من صنف أقل جودة بقصد الإيهام بأن المادة المخلوطة خالصة لا شائبة فيها، أو بقصد إظهارها في صورة أحسن مما هي عليه".
كذلك أقر قانون حماية حقوق الملكية الفكرية في البلاد غرامات مالية على كل من قلد بهدف التداول التجاري موضوع اختراع أو نموذج منفعة منح براءة عنه، وكل من باع أو عرض للبيع أو للتداول أو استورد أو حاز بقصد الاتجار منتجات مقلدة مع علمه بذلك، وكل من وضع بغير حق على المنتجات، أو الإعلانات أو العلامات التجارية أو أدوات التعبئة أو غير ذلك، بيانات تؤدي إلى الاعتقاد بحصوله على براءة اختراع أو براءة نموذج منفعة.
كما نص القانون على أنه في حال العودة تكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين، وغرامة لا تقل عن 40 ألف جنيه (نحو 1330 دولاراً أميركياً) ولا تتجاوز 200 ألف جنيه (نحو 6660 دولاراً).
ووضع قانون حماية المستهلك الصادر برقم 181 لسنة 2018، عدداً من القواعد التي تحمي المستهلك، فقد نصت المادة رقم 72 على أنه "إذا نشأت عن مخالفة أي حكم من أحكام هذا القانون إصابة شخص بعاهة مستديمة أو بمرض مزمن أو مستعص، تكون العقوبة السجن وغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه (3266 دولاراً) ولا تجاوز مليون جنيه (نحو 32 ألف دولار) أو ما يعادل قيمة السلعة محل الجريمة أيهما أكبر، وإذا رأت المحكمة تطبيق حكم المادة 17 من قانون العقوبات فلا يجوز في هذه الحال النزول بالعقوبة المقيدة للحرية عن الحبس مدة سنة واحدة، وإذا نشأت عن المخالفة وفاة شخص أو أكثر تكون العقوبة السجن المؤبد وغرامة لا تقل عن 200 ألف جنيه (نحو 6660 دولاراً) ولا تتجاوز مليوني جنيه (نحو 64 ألف دولار) أو ما يعادل قيمة السلعة محل الجريمة أيهما أكبر".
يقول المحامي محمد حامد لـ"اندبندنت عربية"، إنه على رغم تعدد التشريعات والقوانين التي تجرم التلاعب والغش في السلع والمنتجات الغذائية فإنها "غير كافية ولا رادعة" لمن يرتكبون تلك الجرائم التي تؤثر في صحة المواطنين بصورة مباشرة، مشيراً إلى أن تجرؤ عديد من المتلاعبين وضعاف النفوس على ارتكاب تلك الجرائم يؤكد ضرورة تغليظ العقوبات والقوانين لتكون أكثر ردعاً.
وأردف حامد أنه يجب تشديد الرقابة على المحال والمنافذ الصغرى أو ما يطلق عليها أماكن "بير السلم" وسرعة الفصل في قضايا الغش لتحقيق الردع العام، منوهاً بأن قضايا الغش التجاري والتلاعب في السلع والأغذية تنظر في المحاكم الاقتصادية.
سموم للبيع
يقول محمود عمرو مؤسس المركز القومي للسموم واستشاري الأمراض الصدرية والمهنية بمستشفى قصر العيني بالقاهرة، إن أية مادة كيماوية غير صالحة للاستخدام الغذائي والدوائي المقنن الذي يخضع لإشراف طبيب أو متخصص تتحول إلى مادة سامة، وهذه المادة تسبب التهابات مزمنة في الجهاز الهضمي، ومع مرور الوقت تؤدي إلى تقرحات وأمراض سرطانية في الجهاز الهضمي.
وأشار عمرو لـ"اندبندنت عربية"، إلى أن "بودرة السيراميك" حينما تضاف إليها مياه تصبح مثل اللبن كامل الدسم، بحسب قوله، موضحاً أن بعض ضعاف النفوس يلجأون إليها لرخص سعرها وتفادياً للمواد الخام ومستلزمات الإنتاج غالية الأسعار الموجودة في الأسواق.
وأوضح أن كيلو "بودرة السيراميك" يمكنه إنتاج 1000 باكيت "نسكافيه"، ويتم استخلاص المادة من الحجارة البيضاء التي تأتي من جبال محافظات الصعيد، وثمن الكيلو منها يقدر بـ50 قرشاً، وهو ما يجعل كثيراً من المتلاعبين يلجأون إلى استعمالها للحصول على أرباح طائلة بأقل كلفة.
سرطان وفشل كلوي
جانب آخر يضيفه محمد عز العرب استشاري الكبد والجهاز الهضمي ومؤسس وحدة أورام الكبد بالمعهد القومي للكبد، فيقول إن هناك عديداً من الأضرار الصحية الخطيرة التي قد تؤدي في النهاية إلى وفاة الإنسان جراء استهلاك هذه المواد الضارة.
وأردف عز العرب لـ"اندبندنت عربية"، أن "بودرة السيراميك" تتكون من كربونات الكالسيوم وما تحويه من السيلكا، وهي ذرات صغيرة تؤدي إلى تليف في الرئة ومضاعفات خطيرة، مستطرداً "من يتعرضون إليها في مجال التصنيع يعانون أضراراً ومشكلات تنفسية، فما بالنا بمن يتناول تلك المكونات الكيماوية؟".
واستطرد استشاري الكبد والجهاز الهضمي، "هناك تأثيرات صحية أيضاً ناتجة من تناول كربونات الكالسيوم تتمثل في تكوين حصوات في الكلى، كما أن زيادة معدلات الكالسيوم في الدم لها تأثيرات خطرة قد ينتج منها الوفاة، فضلاً عن أن الكربونات تؤدي إلى قلوية الدم ومضاعفات أخرى تتسبب في زيادة الآلام في الجهاز العصبي والتشنجات"، مردفاً "بودرة السيراميك لها تأثيراتها على المدى الطويل، وقد تؤدي إلى فشل كلوي، ومن الجوانب الخطيرة أيضاً ما ينتج من تحور الخلايا نتيجة احتواء الأطعمة على منتجات غير صحية".
وطالب عز العرب بضرورة التنبه جيداً قبل تناول المنتجات غير المعروفة، وبأن تكون هناك تشريعات وقوانين رادعة لمواجهة المتلاعبين ومن يقومون بارتكاب تلك الجرائم.
منافذ "بير السلم"
بعد آخر يكشف جانباً أخطر في القضية يدلي به مجدي نزيه المتخصص في التغذية، إذ يقول إن أغلب المشكلات المرتبطة بالغش في السلع والمنتجات الغذائية ظهرت نتيجة تلاعب أصحاب المحال والمنافذ التجارية الصغيرة التي لا تخضع لرقابة دورية من الجهات المتخصصة، عكس المحال والسلاسل التجارية الكبرى التي تخضع لإشراف ورقابة دورية مستمرة، بالتالي يصبح من الصعب عليها التلاعب أو التحايل على المستهلكين وبيع سلع مغشوشة.
وأضاف نزيه لـ"اندبندنت عربية"، أن "أغلب عمليات الغش في السلع والمنتجات الغذائية تأتي نتيجة جشع التجار الذين يقومون ببيع منتجاتهم بعيداً من أعين الأجهزة الرقابية، أملاً في تحقيق أرباح سريعة على حساب صحة المواطنين".
ينصح نزيه المستهلك بأن لا يلجأ للشراء إلا من متاجر ومحلات تجارية معروفة تخضع لرقابة دورية، وتقوم ببيع منتجاتها بفواتير رسمية منعاً للغش والتلاعب، وحتى لا يكون عرضة لتناول منتجات مغشوشة أو مسمومة.
ويستطرد أن أغلب المحلات التجارية غير المعروفة التي تعرض منتجات مغشوشة تنتج تحت "بير السلم" وتحاول إغراء المستهلك بتخفيضات كبرى لجذبه، مشدداً على ضرورة أن ينتبه المستهلك لمثل تلك الألاعيب والممارسات، فـ"الصحة لها ثمن".