ملخص
المشاهد #التونسي يعتبر استهلاك #الدراما المحلية جزءاً من طقوس رمضان، فتقريباً هي المناسبة الوحيدة التي يكون فيها على استعداد لمتابعة المنتوج المحلّي.
يعَدّ شهر الصّيام مناسبة يمكن من خلالها أن يتابع الجمهور التّونسيّ دراما محلّية. والواقع أنّ هذا التقليد نشأ منذ مدة، وتعزز مع ظهور القنوات الخاصة بحيث بات بالإمكان تنويع المنتوج الدرامي المحلي بما من شأنه أن يخلق جوّاً من المنافسة، يسهم في تحسين جودة هذا المنتوج. وفعلاً تمكن المخرجون التونسيون من تحويل وجهة ذائقة التونسي إلى منتوج بلده بشكل لافت. ولم يكن ذلك في الحقيقة عن طريق الاشتغال الفني الذي ينقص ويزيد بحسب العمل فقط، بل بسَلْك مسالك أخرى أبعد ما تكون عن الفن. فالمخرج في تونس على يقين من أن المشاهد التونسي يعتبر استهلاك الدراما المحلية جزءاً من طقوس رمضان، فتقريباً هي المناسبة الوحيدة التي يكون فيها على استعداد لمتابعة المنتوج المحلّي، ويكون ذلك وسط أجواء العائلة الاحتفالية.
"فلوجة" 4 ملايين مشاهد
هذه حقيقة لا تقبل الدحض لأن التدوينات الفايسبوكية وحدها تدل على نسبة إقبال مشاهدة مرتفعة للدراما التونسية، إضافة إلى سبر الآراء الذي قامت به الشركة التونسية الخاصة "سيغما كونساي"، وخلصت إلى أن عدد متابعي مسلسل "فلوجة" بلغ حوالى 4 ملايين في حلقته ما قبل الأخيرة، بينما حاز مسلسل تركي على المرتبة الثالثة بـ 700 ألف متابع. ومثل هذا القول يؤكد أنّ المنافسة استقرت بين المسلسلات التونسية وليس مع غيرها من الأعمال العربية، وكان الظفر فيها لخط قناة "الحوار التونسي" التي اختارت منذ تأسيسها، الإثارة من خلال طرح مواضيع مرتبطة بالراهن الثقافي والاجتماعي، لا سيما تلك التي تمس بصفة مباشرة ذهنية التونسي وتحرجها. وقد دلّل هذا الخط على فلسفته في تحقيق النجاح الجماهيري منذ مسلسل "أولاد مفيدة" بأجزائه الأربعة، ومسلسل "براءة" الذي بث في رمضان الماضي حول الزواج العرفي وقضايا أخرى بعيدة من تقاليد المجتمع التونسي. ولعل هذا ما يفسر نجاح مسلسل "فلوجة" للمخرجة سوسن الجمني في القناة نفسها، ومن قبله مسلسلها "فوندو"، الذي تناولت فيه الجمني مسائل وإشكاليات تتعلق بالمدرسة التونسية، وإخراجها في قالب مثير يعتمد على سياسة الصدمة أو ما يُسمّى في تقنيات المسرح وفي مدارس تكوين الممثل الأخيرة بـ"الاقتحام الأخلاقي"، من خلال التركيز على ما يحدث في المدرسة التونسية عبر فضح الواقع وإحداث الصدمة في صفوف المشاهدين.
وإذا ما حاولنا أن نقدم قراءة موضوعية للأعمال الدرامية التي بثتها القنوات التونسية على غرار 'فلّوجة" أو "الجبل لحمر" أو "لِلّا السندريلا" نقف على محور مركزي، فحواه أن المخرج التونسي أو المنتج تتحكم فيه فكرة إرضاء المتلقي وإثارته وليس الارتقاء بذائقته. وهذا ما يفسر النسق الدرامي المتعجل والانفعالي في مسلسل "فلّوجة"، وهو نسق بدا كما لو كان غاية في حد ذاته. وذلك في غياب حبكة رصينة، فضلاً عن الأداء الباهت لبعض الممثلين الذين يفتقدون العمق.
عنف "الجبل الأحمر"
وهذه الخصائص التي يمكن أن نسم بها مسلسل "فلوجة" تنسحب ولو بطريقة مغايرة على مسلسل "الجبل الأحمر"، فمشاهد العنف تواترت من دون أن تقتضيه الشخصية ونموها في مسار الحبكة، وهو ما يجعل هذه المشاهد مسقطة مشدودة إلى هوس ينهض على "براديغم" الحي الشعبي ودلالاته، على غرار الراب التونسي، على رغم الأداء المميز لبعض الممثلين مثل نصر الدين السهيلي الذي لعب دور "ليمة" والممثل القدير فتحي الهدّاوي وثلة من الممثلين الكبار. علماً أنه تمّ إيقاف العمل قبل بث حلقاته الأربعة الأخيرة، بسبب خلاف بين القناة الوطنية التونسية الأولى وفريق الإخراج والإنتاج حول عقد المسلسل.
أما مسلسل "للا السندريلا" فبدا على درجة من التسرع، ولم يشفع للمخرج استلهامه قصة من التراث العالمي أو استدعاؤه ثلّة من أبرز الممثلين التونسيين (دليلة مفتاحي، فرحات هنانة، سماح السنكري، ياسين بن قمرة)، من التدحرج إلى دائرة الصخب والتهريج والجنوح في الأداء، والابتذال في التصور، وإلى استفراد منتجته وبطلته الأولى باللغو والتنطّع، وبالتعرّض بالشتم والثلب لكل من انتقد عملها وبيّن نقائصه وهناته الفنية.
توْنسة الأكل والدراما
ومهما يكن من أمر، فإن التونسي يقبل على المسلسلات التونسية من منطلق طقوسي أكثر من كونه ذوقياً، فشهر رمضان كما سبق أن ذكرنا، يمثل أرضية نفسية وثقافية واجتماعية تونسية صِرفة لتقبل المنتوج الدرامي المحلي. كما أن التونسي بات يرى نفسه ويقيّمها ويقوّمها من خلال هذه المسلسلات، وقد يكون هذا النزوع وراء اللغط والجدل الذي يصاحب بث هذه الأعمال. ويبقى مجال تميز مسلسل على آخر، مرتبطاً بالإثارة واللعب على هواجس التونسي هو المحدد، وليس مجال الفن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما في ما يخص المسلسلات المصرية بصفة خاصة والعربية بصفة عامة، فإنها فقدت شروط نجاحها في تونس سواء في رمضان أو على مدار السنة، اللهم بعض الاستثناءات مثل "باب الحارة" الذي لقي نجاحاً كبيراً، وأثبت قدرته على انتزاع إعجاب الجمهور التونسي، نظراً إلى ما فيه من رسائل تتعلق بالقيم العربية. وهذا العزوف عن الدراما المصرية مرده توفر الدراما المحلية خلال شهر رمضان والدراما التركية بقية أشهر السنة. فعلى سبيل الذكر لا الحصر بلغت نسبة مشاهدة التونسيين قناة "الحوار التونسي" خلال شهر رمضان وبحسب شركة "سيغما كونساي" التونسية 36.6 في المئة بينما بلغت نسبة متابعة التونسيين قناة "أم بي سي دراما" 0.4 في المئة. ولم يكن هذا الواقع محض صدفة بل كان خياراً ثقافياً انتهجته السلطة الثقافية في تونس، وفرضه واقع تعدد القنوات وانفتاح المواطن التونسي على القنوات العربية، وما تقدّمُ من مادة درامية متنوعة. وهذا التحوّل في الخيارات والتوجهات تجذّر بعد الثورة تزامناً مع نهَم التونسي إلى معرفة عمق المجتمع الهامشي وخفاياه. وإننا لنجد صدى هذا النهم في إقبال طائفة كبيرة من الجمهور لا سيما الشباب، على الراب بما هو ضرب من الموسيقى يقوم على تسليط الضوء على ما كانت السلطة في تونس قبل الثورة تسعى إلى إخفائه.
وعليه فإن غياب الدراما المصرية في رمضان كان خياراً تكرّس بعد الثورة في تناغم مع اكتشاف التونسي لنفسه، إبّان هذه المرحلة، ولم تكن الانتقادات المتواصلة للمنتَج الدرامي في تونس تحت شعارات الهوية أو الدين، دليلاً على عزوف الجمهور ورفضه للدراما التونسية، بقدر ما كانت حجة على الإقبال المتزايد على هذا المنتج الذي سبق أن بيّنا، لا سيما مع خط قناة "الحوار التونسي"، ومدى قدرتها على فهم نفسية التونسي ومآزقها.