Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

مآسي المرأة في "ثلاث نساء في غرفة ضيقة"

هناء متولي توظف تقنيات مسرحية وسينمائية في قصصها

لوحة للرسام المصري مصطفى رحمة (صفحة الرسام - فيسبوك)

ملخص

تظهر المرأة في المجموعة القصصية "ثلاث نساء في غرفة ضيقة" (بيت الحكمة - القاهرة) للكاتبة هناء متولي، رازحة تحت سلطة الرجل، مما جعل الأنوثة مرتبطة بالشقاء والإحساس بالقهر، وهو ما يفسر انتشار ثيمات مثل الكابوس والانتحار وغياب الحبيب الذي يحقق ذاتية الأنثى.

تأخذ قصة "رسائل إلى ميرنا" شكل الرسالة الموجهة إلى شخص فارق الحياة، وتمثله هنا "ميرنا"، وكاتبتها هي شقيقتها التي تلومها على انتحارها. على أن المهم هو رؤية هذه الشقيقة للآباء عموماً حين تقول: "بالله، ماذا قدم لنا آباؤنا؟ ومن أعطاهم حق السيطرة وإطلاق النفوذ بحجة أنهم من جلبنا لهذه الحياة المقيتة". ولهذا تقوم بإجهاض نفسها لتخلص جنينها من خطيئة الميلاد، بينما ظلت الكوابيس والرؤى المهلكة تطاردها. وفي قصة "قط ذكر لقطة وحيدة"، تتذكر "قسمت" الأربعينية أنها بمجرد أن حملت للمرة الأولى، طلقها زوجها لأنه يحب امرأة أخرى. وفي قصة "رسائل الموتى" تتحدث "سناء" عن زوجها "الذي فوجئت به يجرها من ذراعها كشاة تساق إلى الذبح"، على ما في هذا المشهد من دلالة على قهر المرأة.

غير أن الرؤية الذكورية الشهوانية تظهر بوضوح في "أقراص المنوم الخمسة" حين يصف الكاتب الكبير "نهى" الكاتبة الشابة التي تحدته بأنها قادرة على أن تكتب أفضل منه، بهذه الأوصاف: "من هذه البطة السمينة التي تنتقدني؟ هذا النهد الرجراج لا ينتظر أن تكتب صاحبته جملة واحدة صحيحة". فالمرأة غالباً عند الرجل حتى لو كان كاتباً كبيراً هي مجرد مثير شبقي يقف منه وقفة الصائد الماهر المخادع، وتصبح هي "فريسة" لإشباع رغباته. وتمثل شخصية السيد أحمد عبدالجواد التي ذكرتها الساردة في "ثلاث نساء في غرفة ضيقة" سلطة الزوج والأب معاً، وهو ما يجعل "مسخ كافكا" الوارد في هذا السياق معادلاً لوضعية الأنثى. وهي الدلالة التي تتأكد حين تقول الساردة: "هذا البشري أضاع رحلتي بين قضبان قفصه وهو لا يطيق الحبس ساعة، لديه من يدافع عنه وهو يرى قهري عرضاً".

عزلة شاملة

الحب قيمة مفقودة على مدار قصص هذه المجموعة على نحو ما يبدو في قول الساردة في "سقوط حر": "يظهر وجه حبيبها أمامها فجأة، وجهه القديم بابتسامته الساحرة، وتدور الأسئلة برأسها، كيف فقدت ذلك الوجه؟ لماذا تركتني يا روحي؟ تدمع وتبتسم وهي تنظر إلى ملامحه التي بدأت في التلاشي. ترفع يديها تحاول ملامسة وجهه. الوجه يختفي تماماً". وهو ما تذكره في "سبب مفاجئ للنوم الطويل": "تذكرت حبيبها وعائلتها. بحثت عن الهاتف في جيب بنطالها، ما زالت الشبكة تعمل وهذا فأل خير، اتصلت بهم كثيراً. لا أحد يجيب".

إن الشخصية السردية هنا لا تعاني فقد حبيبها فحسب، بل من فقد عائلتها أيضاً، بما يعني معاناتها من عزلة شاملة لا تستطيع مقاومتها. من أجل هذا تبحث "هند" في "ارحلي بعيداً يا سمينة"، عن فتى أحلامها وتحدد المواصفات الإلزامية له، وعندما تعجز عن العثور عليه تقرر الزواج من إنسان آلي، "تملك وحدها برمجته وتعبئة عقله وعواطفه". تنجح في ذلك، وبعد عامين تتبنى طفلاً، وفجأة يختفي هذا الإنسان الآلي وتعرف أنه عند جارتها "نرجس"، وعندما تطرق بابها يفتح الروبوت الباب قائلاً: "أنت طالق. أنت سمينة وقبيحة. ارحلي عني. نرجس جميلة وفاتنة. ارحلي بعيداً يا سمينة".

في قصة "رسائل الموتى" تصف الساردة البيت الذي تسكنه "سناء": "يطل على الترعة وحيداً، مشيد من طوب لبن ومعرش بسقيفة من القش". ومع ذلك كان يشع دفئاً في وجه الزمن، قبل أن تفقد ابنها الوحيد فينقلب كل شيء حولها وينشر الليل أسواره التي يضربها كل مساء حول القرية فتتعثر خطواتها في الظلمة وهي ذاهبة إلى عرافة ستخبرها أنه ربما يكون هناك حائل بينها وبين رسائل ابنها. وأثناء ثورتها الغاضبة على هذه العرافة تسمع صوته: "إنه هو بالفعل. تقبل رأس الخالة وقدميها وتسألها السماح". ويلاحظ هنا تجاوب المكان بتحولاته مع حالات الشخصية السردية، وتوظيف بعض الاعتقادات الشعبية في الريف المصري.

اقرأ المزيد

إن قصص هذه المجموعة هي بمثابة تعرية لأمراض المجتمع. فالمرأة المتهمة بالزنى في "سقوط حر"، كان زوجها مريضاً بالمثلية الجنسية، "كان ذا شفتين ورديتين وكف ملساء. في البدء لم تفسر ارتعاشه ونفوره منها حتى اكتشفت أنه مثلي". وفي القصة التي تحمل المجموعة عنوانها يحضر الكاتب الراحل محمد البساطي بالاسم لا بالتلميح وتحضر شخصياته النسائية الثلاث: سعدية زوجة مسعد الجزار في رواية "بيوت وراء الأشجار"، وفردوس في رواية "فردوس"، وليلى في رواية "ليال أخرى"، متمردات على الصورة التي رسمها لهن، لكن بسبب اختلافهن حول التي ينبغي أن يبدأ بتغيير صورتها، يدفع الكاتب إلى اتخاذ قرار بـ"حبسهن في رواية عنوانها ثلاث نساء في غرفة ضيقة". وهكذا يتداخل الحقيقي والخيالي في حيلة سردية شيقة.

السرد والدراما

ربما يكون من المفيد أن هناء متولي أصدرت من قبل مسرحية بعنوان "الفلاسفة لا يعرفون الحب"، وهذا يفسر اعتمادها – كثيراً - على الحوار وتنوع الشخصيات، بل كتابة القصة في صورة مسرحية من خلال تحديد المكان والزمان، كما في "دموع الكراميل"، و"الخامسة مساءً". والحقيقة أن القصتين مسرحيتان بالفعل ولا يلغي هذه الصفة وضعهما داخل مجموعة قصصية. على أن المزج الجيد تحقق في قصة "نساء ملونة" التي تقوم على حوار ثلاث شخصيات: الصهباء والسمراء والشقراء مع تغيير المكان من مشهد إلى آخر. يضاف إلى ذلك ما يسمى حوار النصوص في قصتي "رسائل إلى ميرنا"، و"فتاة الباي بولار"، حيث تعد الثانية امتداداً للأولى، حين تقدم ميرنا نفسها بضمير المتكلم بعدما ظلت شبه غامضة في القصة الأولى.

وهناك توظيف للسرد الشعبي العجائبي عند الحديث عن الشيطان الذي حاول غواية الفتيات الثلاث الجميلات، لكنهن يكتشفن خداعه حين نسى إخفاء ذيله! وفي "أقراص المنوم الخمسة" نجد توظيفاً لفن المونتاج حين ينتقل السرد بين مشهدهين متزامنين، لتأكيد التناقض بين الكاتب الكبير والكاتبة الشابة.

المزيد من ثقافة