Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أزمة الدولار تعيد إحياء مشروع صندوق النقد الآسيوي

استخدام اليوان سيستغرق خطة طويلة المدى قد تصل إلى 20 عاماً بسبب الثبات العالي للعملة الخضراء التي تهيمن تقريباً على النظام النقدي العالمي

الهدف من إنشاء صندوق نقد آسيوي توفير كيان آخر يمكنه تحقيق الاستقرار المالي الإقليمي (أ ف ب)

ملخص

مبادرة اقتصادية لإعادة إحياء مشروع صندوق للنقد الآسيوي على غرار #صندوق_النقد_الدولي لفك الارتباط القوي لدول #آسيا بـ #الدولار الأميركي

في زيارته الأولى إلى الصين اقترح رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم إعادة إحياء تدشين صندوق للنقد الآسيوي على غرار صندوق النقد الدولي، ليفك الارتباط القوي لدول آسيا بالدولار الأميركي ويعزز من اقتصاد القارة. هذا الاقتراح لم يكن جديداً، فقد نادت اليابان للمرة الأولى بإنشائه في أعقاب الأزمة المالية الآسيوية في التسعينيات.

وتتزامن فكرة الصندوق في وقت تسعى عدد من دول العالم فيه إلى تقليص استخدام الدولار الأميركي في المعاملات التجارية، وتعزيز تداول العملات المحلية لكسر هيمنة الدولار التي تسببت في ارتفاع أسعار السلع الأجنبية المسعرة بالدولار وحدوث التضخم المستورد والتقليل من الاعتماد على صندوق النقد الدولي. وعلى رغم تباين الآراء عن إمكانية كسر هيمنة الدولار في المستقبل، تشير التوقعات إلى أن القوى الاقتصادية الكبرى عالمياً قد يكون لها دور مهم في استبدال الدولار بسلة من العملات المختلفة لتقويض سيطرة العملة الخضراء، إذ تشير تقديرات إلى أن حوالى 40 في المئة من المدفوعات العالمية تتم بالدولار الأميركي.

الأزمة المالية الآسيوية

ضربت الأزمة المالية الآسيوية عام 1997 عدداً من بلدان شرق آسيا وجنوب شرقها، وتسببت في خفض قيمة عملاتها وارتفاع في معدلات التضخم. وبدأت الموجة مطلع يوليو (تموز) عام 1997 تحديداً من تايلاند وتمددت لتلحق بالفيليبين ثم ماليزيا وإندونيسيا وصلت كذلك إلى كوريا الجنوبية. في هذا الوقت لم تقدم الولايات المتحدة الأميركية كثيراً من الدعم لتلك الدول المتضررة في هذه الأزمة المالية، وكان الدور الأكبر لصندوق النقد الدولي الذي أقر حزماً من المساعدات والديون لتلك الدول حتى تمكنها من الخروج من أزمتها.

في أعقاب الأزمة الآسيوية ظهر للمرة الأولى مقترح صندوق النقد الآسيوي إلى النور. وطرحت اليابان، أحد المتضررين من الأزمة، إنشاء الصندوق لتوفير كيان آخر مواز لصندوق النقد الدولي يمكنه تحقيق الاستقرار المالي الإقليمي، ويجمع تمويلاً آسيوياً لمواجهة الأزمات الاقتصادية والحالية والمستقبلية. ولم يلق المقترح السابق ترحيباً من الولايات المتحدة بشكل خاص، ومن الصين كذلك إلى جانب بقية دول مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى، التي وجدت فيه سعياً إلى تقويض دور صندوق النقد الدولي ووسيلة قد تسبب انفصالاً بين آسيا وأميركا الشمالية.

وعلى رغم تواري فكرة صندوق النقد الآسيوي، فقد ظهرت على السطح مبادرة جديدة في مطلع الألفينيات وهي مبادرة "تشيانغ ماي متعددة الأطراف"، التي تتضمن دول آسيان العشر إلى جانب الصين وكوريا الجنوبية واليابان. المبادرة الاقتصادية تعد اتفاقاً متعدد الأطراف لتداول العملة بين 13 دولة إضافة إلى هونغ كونغ، وتهدف إلى معالجة ميزان المدفوعات وصعوبات السيولة قصيرة المدى في دول الاتفاق وإكمال الاتفاقات المالية الدولية، كما تسمح المبادرة بمبادلة العملة المحلية بالدولار الأميركي عند الحاجة.

صندوق جديد

أعاد رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم مجدداً مقترح صندوق النقد الآسيوي إلى الواجهة حين طرح الفكرة على الزعيم الصيني شي جينبينغ الذي رحب بدوره بالفكرة، بحسب تصريحات إبراهيم. ويرى رئيس الوزراء الماليزي أن فكرة الصندوق الآسيوي تجعل الدول الآسيوية أكثر استقلالاً بنظامها الداخلي الخاص، الذي يشكل منطقة عازلة ضد الأزمات الاقتصادية، كما أنها حل ممكن للأزمة الاقتصادية التي يشهدها العالم على خلفية الحرب الروسية - الأوكرانية وتأثير الدولار الأميركي في أسعار العملات المحلية.

قوة الدولار باتت مصدر قلق لعدد من الدول الآسيوية، التي دأبت على استيراد عدد من المواد والمنتجات من الخارج، إذ يعتمد معظمها على الدولار الأميركي في المعاملات التجارية. ومع ارتفاع الدولار تعاني هذه الدول من شراء السلع المستوردة بأسعار أكثر كلفة من العملة المحلية، مما يسبب ما يعرف بالتضخم المستورد.

يختلف مقترح الصندوق الآسيوي القديم - الحديث وفي هذا التوقيت وبعد مرور ما يقرب من ثلاثة عقود، مع بزوغ اقتصادات عالمية أخرى إلى جانب الاقتصاد الأميركي، كالاقتصاد الصيني والياباني وغيرهما. فعودة مقترح صندوق النقد الآسيوي للواجهة مجدداً نظراً إلى ما تعانيه كثير من الدول الآسيوية من تراجع اقتصادي نتيجة الاعتماد النقدي على الولايات المتحدة وتمحور نظام الاقتصاد العالمي حوله، كما أن الطموح الصيني بتبني دور أوسع وأقوى في القيادة العالمية الاقتصادية والسياسية، يدفع بهذا المقترح إلى الأمام ويمنحه مزيداً من الزخم.

إنشاء صندوق النقد الآسيوي قد تقابله عقبات عدة، أهمها التنافس بين الصين واليابان على زعامة الإقليم الذي يزداد تعقيداً مع السياسات اليابانية الجديدة، إلى جانب أن عدم وجود عملة واحدة توافقية لدول المنطقة قد يمثل صعوبة أخرى في طريق تأسيس الصندوق المقترح.

إندونيسيا دخلت على خط فكرة الصندوق بحذر، فأعرب الوزير المنسق لشؤون الاقتصاد أن الصندوق المقترح قد يأتي بالتزامات لبعض الدول يصعب الوفاء بها. وتتخوف إندونيسيا من تمويل الصندوق وما يتبع ذلك من تحديات، وفضلت تقليص الاعتماد على الدولار والعملات الأجنبية عن طريق تسويات العملات المحلية التي تتم بين دولتين وتسمح لهما بالتجارة والاستثمار بالعملة المحلية بدل الدولار الأميركي.

عملة آسيوية تزيح الدولار

قد تمثل الدعوة إلى إنشاء صندوق النقد الآسيوي خطوة في إزاحة الدولار من التعاملات الآسيوية واستبدالها بعملة أو عملات أخرى. ومع تطور القوة الاقتصادية الصينية قد ينظر لليوان الصيني باعتباره العملة البديلة للدولار في آسيا، لكن التحول من الاعتماد على الدولار الأميركي إلى اليوان الصيني في آسيا لن يكون الحل الأمثل للقارة أو صندوق النقد الآسيوي المزمع تشكيله والبديل أن يكون من خلال إعادة هيكلة للنظام المالي لا يخضع لسلطة أية دولة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في المقابل فإن فكرة صندوق النقد الآسيوي في حال إنشائه، من الممكن أن يدفع بخفض الاعتماد على الدولار يقابله تدويل اليوان الصيني، لاسيما في حال التعاون مع صناديق النقد الإقليمية الأخرى كصندوق النقد العربي.

وتشير تقديرات إلى أن نحو 40 في المئة من المدفوعات العالمية تتم بالدولار الأميركي، في حين يشكل اليوان الصيني ما يقرب من اثنين في المئة من هذه المدفوعات، وهو ما يجعل العملة الصينية تحتاج إلى وقت طويل لكسر هيمنة الدولار. كما يوضح أستاذ الاقتصاد في جامعة هونغ كونغ إدوين لاي أن تدويل استخدام اليوان واستبداله بالدولار الأميركي سيستغرق وقتاً وخطة طويلة المدى قد تصل إلى 20 عاماً، وذلك بسبب الثبات العالي للدولار الذي يهيمن تقريباً على النظام النقدي العالمي.

دول بريكس وسلة العملات

مع تطبيق العقوبات الغربية والأميركية على روسيا، تحولت موسكو إلى استخدام عملات أجنبية أخرى في المعاملات التجارية. وأزاح اليوان الصيني في روسيا الدولار الأميركي كأكثر عملة متداولة بحسب وكالة "بلومبيرغ" الاقتصادية في فبراير (شباط) الماضي، وذلك على إثر العقوبات التي تضرب الاقتصاد الروسي منذ الحرب على روسيا. موسكو واحدة من دول بريكس (BRICS) الخمس، الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم، والساعية إلى الاستغناء عن الدولار الأميركي والعملات الغربية.

وعلى رغم ذلك، يشكك بعضهم في إمكانية أن تشكل دول بريكس تهديداً للدولار الأميركي، لاسيما وأن بعض المراقبين يرون أن الخلاف السياسي بين الهند والصين قد يلقي بظلاله على أي اتفاق اقتصادي قد تتوصل إليه بريكس، ما يجعل خطورة التحالف الاقتصادي محدودة إلا في حال تحسن الأوضاع السياسية بين بكين ونيودلهي.

ولكن على جانب آخر تعمل دول بريكس على تأسيس عملات احتياطية جديدة لخدمة المصالح الاقتصادية للمجموعة التي تضم البرازيل وروسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا، وتخطط المجموعة الاقتصادية إلى اعتماد سلة عملات الدول الخمس الأعضاء باعتبارها عملة احتياطية للتكتل. وفي مارس (آذار) من العام الحالي ناقشت بريكس جهود خفض الاعتماد على الدولار الأميركي واليورو. هذه الخطوات تنذر بمزيد من الابتعاد عن العملة الخضراء من دول العالم الأسرع نمواً اقتصادياً.

هيمنة الدولار إلى متى؟

هيمنة الدولار الأميركي على الساحة الاقتصادية وامتلاك واشنطن للأدوات التقنية والتحليل أعطى الولايات المتحدة قوة ونفوذاً كبيرين في الاقتصاد الدولي، يسمحان لها بالتأثير في الدول من خلال العقوبات ضد خصومها وتتبع التدفقات الدولية في الأسلحة والمخدرات وغير ذلك من أنشطة غير شرعية، وهو مصدر قوة لواشنطن يقلق عدداً من الدول الأخرى.

ويشهد التحول بعيداً من الدولار في الوقت الحالي ازدياداً مطرداً، بخاصة في أعقاب الصراع الروسي - الأميركي واستخدام الولايات المتحدة وحلفائها عملتها وسلطتها في معاقبة موسكو من خلال تجميد أصولها في البنوك المركزية وطرد الشركات الروسية من النظام المالي الدولي. وبحسب بيانات صندوق النقد، تقلصت حصة الدولار الأميركي في السوق العالمية خلال عقدين تقريباً بحوالى 12 في المئة، إذ وصلت حصة الدولار الأميركي من احتياطات النقد الأجنبي إلى 60 في المئة في الربع الثالث من عام 2022، بينما كانت تبلغ 72 في المئة خلال عام 1999. هذا الانخفاض يشير إلى استبدال عدد من اللاعبين الدوليين الدولار الأميركي في عملاتهم الأجنبية والتجارة الدولية والخدمات البنكية.

وتحاول عدد من دول العالم إيجاد بدائل للعملة الخضراء، فأصبحت روسيا والصين تستخدمان عملتهما المحلية في العلاقات التجارية بينهما، كما أسقطت البرازيل والصين الدولار في تجارتهما الثنائية، التي تصل إلى 150 مليار دولار، معتمدتين على عملتيهما المحلية في تجارتهما البينية.

فيما تناقش دول آسيان تقليل تداول واستخدام عملات أجنبية عدة من بينها الدولار الأميركي، في المعاملات بين دول الرابطة واعتماد العملات المحلية كبديل لذلك. وقد اتفقت إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة والفيليبين وتايلاند في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، على نظام للدفع الإلكتروني عابر للحدود بينها. كذلك تبذل الهند جهوداً حثيثة لتقليل هيمنة الدولار في معاملاتها التجارية الدولية.

من ناحية أخرى هناك تباين كبير بين الاقتصاديين حول مدى كسر هيمنة الدولار في المستقبل المتوسط والبعيد. فبعض التوقعات ترجح صعوبة أن يفقد الدولار هيمنته في الوقت الحالي لأسباب عدة، منها الثقة المرتفعة في العملة الأميركية التي تنعكس على قيمة احتياطي العملة الأجنبية العالمي الذي يبلغ 60 في المئة منه بالدولار الأميركي. كما يسيطر الدولار على معاملات التجارة والتمويل العالمي.

فيما يتوقع متخصصون اقتصاديون إمكانية كسر هيمنة العملة الأميركية من خلال تبني عدد من العملات لكل منطقة مثل أميركا اللاتينية والصين وآسيان والهند وأوراسيا، وذلك في إطار سعي الدول للاستقلال عن الدولار. كما أن تزايد الاتفاقات الثنائية بين دول العالم على استخدام العملة المحلية قد يمكن من الحد من الاعتماد على الدولار الأميركي خلال السنوات المقبلة.

المزيد من تقارير