ملخص
يقول الفنان #شادي_زقطان إن #الموسيقى_العربية متغيرة وحية، وأحب أن أفكر بأني أنا أيضاً جزء من الموسيقى التي لا تتوقف عن التغيير
يعمل العازف المغني الفلسطيني شادي زقطان وفق رؤية تقوم على فهم طبيعة المشروع الغنائي الذي ينفذه، فهو يعلم أن أغانيه يتخللها مزج عميق بين الفن الشرقي والآلة الموسيقية المعاصرة، التي توجه فعل الغناء وتجعله أكثر اتصالاً وتجذراً بالواقع الفلسطيني وشجونه.
لذلك، لا يبدو صاحب أغنية "كلهم كلهم" دخيلاً على عالم الموسيقى والغناء، بعدما تشبع به منذ طفولته وراكم فيه مخزوناً غنائياً مميزاً يجعله في طليعة الأسماء الموسيقية الجديدة، التي تتمتع بمكانة متقدمة على الساحة الفنية الفلسطينية، بل وتدخلها إلى مختبر التجريب الموسيقي القائم على المزج بين التأليف العربي والآلات الموسيقية الغربية.
فقد أسهم هذا التواشج الفني في تأصيل تجربة شادي زقطان وانفتاحها على مختلف التيارات الموسيقية المعاصرة، بما يضمن لها حداثتها الفنية وأصالتها الغنائية داخل الساحة الغنائية العربية، إن أغنية زقطان لها جرحها وذاكرتها الشخصية، فهي ليست نسخة مكررة من التأليف الفني، هذا الأمر، يتلمسه مستمع زقطان، إذ يصطدم بتشكيلات موسيقية متنوعة وفيديوهات واقعية مفتوحة على الواقع الفلسطيني.
كما أن منجزه الموسيقي يضمر أكثر مما يبوح به ويتألم أكثر مما يفرح، إذ يحاول غيتاره تشرب الألم الفلسطيني والقبض على حميميته في علاقة بالتاريخ والذاكرة والفضاء، ثم العمل على تطويعه موسيقياً، لذلك تأتي الموسيقى شجية وغاصة بالجرح، فهو يجعلها ملتصقة بمسام الواقع وتحولاته، لكن وفق طريقة تقوم على تغليب الفني- الموسيقي على الأيديولوجي، وبما أن التأليف لديه أشبه بسيناريوهات سينمائية، حين تتوالى المشاهد مزدحمةً في فوانيس الذاكرة، فالواقع هناك يظل قابعاً في مكانه.
قساوة الواقع
إن المدهش في سيرة صاحب أغنية "وطن" أنه يمتلك وعياً كبيراً بصنعته الموسيقية، إنه يعرف الحدود والسياجات الفاصلة بين قساوة الأغنية ورهافتها الموسيقية، وذلك بطريقة تجعله يحدس بحدود هويته الموسيقية ويعرف الطريق الذي منه تبدأ الأغنية وتنتهي، فلا تطالعنا في مجمل أغانيه أي مسحة غربية أو محاولة تنميطية تكرس الإبداع الغربي، على رغم استخدامه لآلة الغيتار التي لها تاريخها وذاكرتها في الغرب، فإنه يحاول تطويعها لتعبر عن جرحه الفلسطيني.
هكذا تأتي أغانيه منطبعة باجتهاد شخصي، يحول فيه آلة الغيتار إلى أداة موسيقية تدين الواقع وتكشف فداحته وقساوته، بخاصة في علاقته بمفهوم المدينة الفلسطينية والتحولات التي شهدتها في السنوات الأخيرة.
سؤال البدايات
عن بدايات تجربته الموسيقية وعلاقتها بالواقع الفلسطيني المعاصر، يقول شادي زقطان، "عمي، وضاح زقطان، الذي عشت معه في طفولتي المبكرة، بغيتاره والكلاشنكوف معاً، شكل صورة أسطورية في ذهني، فوضى فرقته الموسيقية في منزل الجد المكتظ أصلاً بالرفاق والرفيقات والشعراء والمناضلين، فرقة بلدنا في البداية، ثم فرقة الرايات في عمان، حتى أنه استضافني في بعض العروض مبكراً من أجل تقديم أغنية أو أغنيتين، فقد كان عالماً ساحراً مليئاً بالشعر والموسيقى والثورة والتحدي والحب والأحلام، والكتب والسجائر، وأنصاف الأغاني على الأوراق هنا وهناك. وضاح بعينيه البعيدتين والغيتار".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما عن تلك الأشياء التي تبقى منطبعة فيه من الذاكرة الموسيقية الطفولية إلى حد تستطيع هذه المرحلة المبكرة التأثير في راهنه كموسيقي، فيرى أن "الموسيقى تتلاشى في الذاكرة، التي تبتعد أكثر لتشبه الأحلام، لكن بقي المكان الذي كانت تؤلف فيه كل تلك الأغاني، الطريق هناك مرصوف بالأغاني والقصائد، يبقى صداها في مكان ما في الهواء ولكن ما يبقى واضحاً وأساسياً هو ما تتحدث عنه، وذاك المكان، البعد الموازي لهذا الواقع ما يزال ينادي من هناك، حيث كل شيء كما عليه أن يكون، يتوهج لنكتب عنه ونغني له".
الاحتجاج موسيقياً
من ناحية أخرى، يقول شادي زقطان عن غلبة نوع من الاحتجاج السياسي على أغانيه، إن "الواقع ثقيل ويشبه الرمال المتحركة، ستعلق به إذا حاولت البقاء فيه طويلاً، بينما الأغنية حرة، ليس لها حدود أو أرض لترتكز عليها، الاحتجاج على الواقع أجنحة، والاعتراض عليه هو مساحة واسعة للأغنية الفلسطينية، إذ هناك كثير للتحدث عنه، فلسطين معركة مستمرة وقصة حب لا تخلو من صوفية أو من رومانسية، وكثير من التضحيات، لذا قد تكون هذه مساحة جمالية للعمل، ولكنها غنية وعطشى في الوقت نفسه".
ولأن خزانه الموسيقي يتميز بالتجديد، بما يجعل تجربته واضحة داخل الموسيقى الجديدة، يرى الفنان أن تجربته الموسيقية الخاصة خليط بين الشرقي والغربي".
ويقول "جذوري شرقية في عالم يود التحرر من كل ما هو قديم، العالم سيشبه بعضه على النسق الذي يسير عليه، في شكل الناس وملابسها، بل حتى في الأغاني تتجه موسيقى البوب العالمية إلى قالب متشابه عالمياً. لذلك أعتقد أن الفوضى حمتني من هذا التنقل وحتى مع عائلتي الخاصة. فأنا هجين موسيقي شرقي الهوية ورفيقي في الرحلة آلة الغيتار المحايدة من الوتريات كالعود والبزق، فأنا لا أرى الغيتار آلة غربية بشكل محدد".
ويضيف "أعتقد أن موضوعي في الغناء تحرر من هذه الحدود الشرقية والغربية، لهذا أرى الموسيقى شرقية بروحها ومحتواها وليس فقط بطبيعة النوتات التي تحتويها أرباع أم أنصاف نوتة، وأرى نفسي شرقياً جداً في مواضيع وهوية الأغاني التي أكتبها".
وعن السبب يقول، "أنا لم أحدد شكل ما أنتجه من موسيقى أو أغان، كنت أنتظر أحياناً نهاية تسجيل الأغنية لأستمع إلى أين هي أو كيف سيكون شكلها النهائي، وأحياناً قصدت أن تكون كما هي، ولكن لم أقرر سلفاً كم ستكون شرقية أو غربية، الموسيقى العربية موسيقى متغيرة وحية، وأحب أن أفكر بأني أنا أيضاً جزء من الموسيقى التي لا تتوقف عن التغيير، فهل نستطيع أن نقول إن الموسيقى القادمة الآن من العالم العربي ليست شرقية؟ فقط لأنها محمولة على تخت غير شرقي كلاسيكي".