Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المياه الجوفية في الجزائر "الفقيرة مائيا" عرضة للنضوب

يبقى معدل استهلاك الفرد الجزائري من الماء بعيداً من الرقم العالمي المحدد بـ1000 متر مكعب سنوياً

بحسب منظمة الصحة العالمية فإن الجزائر من بين الدول التي ستعرف ما يسمى "القلق المائي" (وكالة الأنباء الجزائرية)

ملخص

تكمن أهمية #المياه_الجوفية بالنسبة إلى #الجزائر في أنها تشكل مصدراً أساسياً لمياه الشرب في المناطق التي تقل فيها المياه السطحية

يتسبب الاستغلال الفوضوي والمتزايد وغير القانوني للمياه الجوفية في الجزائر في مخاطر كبيرة تتمثل في تدهور جودة المياه وتلوثها واستنزاف الموارد المائية غير المتجددة وانخفاض منسوب الآبار الجوفية نتيجة الإجهاد المائي، مما دفع بالسلطات إلى التحرك لدرئها أو في الأقل التخفيف من آثارها.
وتعد الجزائر من بين الدول الفقيرة بالموارد المائية، وتحذر الهيئات الدولية من تزايد حالة ندرة المياه، نتيجة الإجهاد المائي والنمو الديموغرافي والتغيرات المناخية وتكرار فترات الجفاف التي أصبحت أطول، إلى تفاقم ظاهرة التصحر والتسبب في الشح المياه.

ووفقاً لـ"أطلس مخاطر قنوات المياه" التابع لمعهد الموارد العالمية، فإن مستوى الإجهاد المائي في الجزائر مرتفع للغاية، حيث تقدر المياه العذبة الداخلية المتجددة بنحو 19 مليار متر مكعب سنوياً، أي ما يعادل 295 متراً مكعباً للفرد، ويضع هذا النقص في توافر المياه، الجزائر ضمن قائمة أكثر البلدان التي تعاني الإجهاد المائي في العالم.

ويبقى معدل استهلاك الفرد في الجزائر من المياه بعيداً من الرقم المحدد من طرف المنظمات الصحية، والذي يبلغ 1000 متر مكعب سنوياً، أي إن مياه الشرب تقدر بـ2 ليتر يومياً للفرد، إضافة إلى 140 أو 150 لتراً يومياً لتلبية حاجاته اليومية كالنظافة والطبخ.
وبحسب منظمة الصحة العالمية فإن الجزائر من بين الدول التي ستعرف ما يسمى "القلق المائي" stress hydrique أي اختلال التوازن بين الموارد المائية والطلب المتزايد عليه، حيث أشار تقرير منظمة الصحة العالمية في عام 2017 إلى أن الدول الأفريقية والمغاربية تشهد مزيداً من التراجع نظراً إلى الموقع الجغرافي، ويتوقع استهلاك المياه الملوثة.

احتياطي ضخم

وتقع الجزائر فوق نظام طبقات المياه الجوفية في الصحراء الشمالية الغربية، وهو احتياطي ضخم من المياه الجوفية الأحفورية العابرة للحدود مع قابلية تجديد منخفضة للغاية.
وتعرف المياه الموجودة تحت الأرض في الفراغات بين الصخور والتربة، بالمياه الجوفية، وتشكل المياه الجوفية نحو 30 في المئة من إجمالي المياه العذبة على الكوكب، في مقابل ذلك تشكل المياه السطحية 70 في المئة.
وتكمن أهمية المياه الجوفية في أنها تشكل مصدراً أساسياً لمياه الشرب في المناطق التي تقل فيها المياه السطحية، بخاصة في المناطق الريفية والصحراوية، وتعد منبعاً أساسياً لمياه الأنهار والبحيرات، وتستخدم في زراعة وري المحاصيل.
وتمتد شبكة طبقات المياه الجوفية شمال الصحراء الكبرى، على مساحة تقارب ضعف مساحة فرنسا، وتحجب ما تراكم بحجم يتراوح ببن مئات وآلاف الأمتار عمقاً، أي أكثر من 30000 كيلومتر مكعب، خلال مرور فترة تعاقب رطبة بلغت مليون سنة.
وتقدر الدراسات كمية الموارد المائية الجوفية وغير المتجددة في الجزائر بنحو 5 إلى 6 مليارات متر مكعب، وتقع في أطلس ووسط وأقصى الجنوب الجزائري، أما المياه الجوفية المتجددة التي تقع في الشمال فتقدر بنحو 2 إلى 3 مليارات متر مكعب. أما مقدار المياه السطحية فهي في حدود 11 مليار متر مكعب. وتوفر المياه الجوفية في الصحراء الكبرى نحو 95 في المئة من حاجات سكان الجنوب.
وقد أتاح مخزون المياه الجوفية هذه، والذي يعد من أكبر خزانات المياه في العالم، آفاقاً للتنمية الحضرية والزراعية للمناطق شبه القاحلة في تونس والجزائر، وجزء من ليبيا على مدى الـ30 سنة الماضية.


خطر محدق

وتنحصر الموارد المائية في هذا النظام ضمن خزانين متداخلين رئيسين، وهما حوض المتداخل القاري وحوض المركب النهائي، وكلاهما يحتوي على نحو 60 ألف مليار متر مكعب من المياه الجوفية، حيث تستهلك الجزائر 70 في المئة منها. وتغطي هذه المياه الجوفية 96 في المئة من الطلب على المياه في جنوب البلاد وتوفر المياه لري المزارع وبساتين النخيل، والتي تمثل مصدر الدخل الأساس لمعظم السكان في المنطقة. وتحظى طبقات المياه الجوفية هذه أيضاً بأهمية متوارثة بالنسبة إلى المجتمعات المحلية، وبشكل أساس من خلال نظام قنوات الري المعروفة باسم الفقارة، والتي أضيفت في عام 2018 إلى قائمة اليونيسكو للتراث الثقافي غير المادي الذي يحتاج إلى صون عاجل.
وقبل سنوات، واجهت طبقة المياه الجوفية في جنوب الجزائر خطراً حقيقياً يتمثل في محاولة بدء استخراج الغاز الصخري الذي يقع فوق أكبر احتياطي للمياه الأحفورية في البلاد.
وقد أثار الخبراء مخاوف في شأن انخفاض كمية المياه وجودتها في طبقة المياه الجوفية كنتيجة مباشرة لاستخدام التصديع المائي، وتتضمن هذه التقنية حقن كميات كبيرة من السائل المضغوط لإحداث شقوق وتصدعات في التشكيلات الصخرية واستخراج الغاز الحبيس بداخلها، إذ تتراوح كمية المياه المستخدمة بين 10 و20 مليون ليتر من المياه لكل بئر استكشاف. وعلى نطاق آلاف الآبار، فسيؤدي ذلك إلى استهلاك كبير للمياه العذبة، مما سيسهم بشكل أكبر في انخفاض مخزون المياه الجوفية، كما أن استخدام مصادر المياه البديلة مثل المياه الجوفية قليلة الملوحة أو إعادة استخدام المياه من شأنه أن يقلل من كميات المياه العذبة المستخرجة من طبقات المياه الجوفية غير المتجددة.
ومن شأن خطر التلوث المرتبط بالتصديع المائي أن يزيد الوضع سوءاً، فإلى جانب استخدام كميات كبيرة من المياه، فإن هذه التقنية تنتج كميات كبيرة من مياه الصرف المحتوية على ملوثات تتطلب المعالجة قبل التخلص منها أو إعادة استخدامها. وفي حال سوء إدارة هذه المياه، فقد ينتشر السائل المستخدم في التصديع عن طريق طرحه أو تسربه أو غيرها من السبل ويلوث المناطق المحيطة، بما في ذلك مصادر مياه الشرب، وهنا تبرز الحاجة إلى الاستثمار الرأسمالي الضخم لإنشاء مرافق معالجة مياه عالية الجودة ومعقدة وتقليل مخاطر تلوث المياه الجوفية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


قلق حكومي

ودفع الوضع المقلق الذي تواجهه الجزائر، الحكومة إلى التحذير من تداعيات الإجهاد المائي في البلاد، حيث شدد الرئيس عبدالمجيد تبون، على ضرورة تعميم محطات تحلية مياه البحر عبر كامل شريط الساحل الجزائري، وذلك كمخطط استراتيجي، بخاصة أن تكنولوجيا التحكم في محطات تحلية مياه البحر للحد من الاستهلاك المفرط للمياه الجوفية.
وأعطى الرئيس تبون في اجتماع لمجلس الوزراء، عقد يوم 16 أبريل (نيسان) الجاري، تعليمات بـ"ضمان توزيع المياه باستمرار وبحكمة أمام حالة تذبذب التساقط السائد وطنياً ودولياً، إضافة إلى مراجعة مخططات تسيير توزيع المياه بما يوافق التوزيع العادل لماء الشرب بين الأحياء وضمن رزنامة معقولة". وأمر الرئيس الجزائري باستخدام أحدث التكنولوجيات لتنظيم استهلاك المياه بهدف الحفاظ على هذه المادة الحيوية.
ويعد ذلك ثاني اجتماع لمجلس الوزراء منذ بداية العام الحالي، الذي يتم فيه إعطاء تعليمات وتوجيهات للحكومة بضرورة التحرك العاجل لإيجاد حلول كفيلة بتفادي وقوع أزمات حادة في التزود بالمياه كالتي وقعت في سنوات ماضية.
وفي هذا الإطار، وضعت الحكومة الجزائرية مخططاً وطنياً يهدف إلى إنشاء بنك معلومات يتعلق بالمياه الجوفية، وإعادة النظر في تراخيص استغلالها لري الأراضي الزراعية، عبر تفعيل "شرطة المياه" التي من مهامها مراقبة استغلال المياه ومحاربة التبذير.
وعلى الصعيد القانوني، تقرر فرض أقصى العقوبات على كل من يضبط بالاستغلال غير القانوني لآبار المياه الجوفية، وهذا لوضع حد لاستنزاف القدرات البلاد من مياهها الجوفية.


حلول عملية

ويقول الباحث الجزائري في السياسات الاقتصادية عبدالمجيد سجال إن "الجزائر عرفت خلال الـ30 سنة الماضية شحاً في المياه تفاقمت أكثر منذ السنتين الماضيتين، مما انعكس على تطور القطاع الاقتصادي والزراعي والصناعي في البلاد.

وأوضح سجال أن "توفر المياه يتربط ارتباطاً وثيقاً بالنمو الاقتصادي، حيث إن المياه الجوفية غير متجددة، والإفراط في استهلاكها يقود إلى عواقب وخيمة على المناطق الجنوبية ووضع البلاد على عتبة الفقر المائي".
وأضاف أنه "من الواجب التفكير في حلول علمية وعملية وفق دراسات محكمة تحدد الكمية الحقيقية للمياه الجوفية في الجزائر وجودتها وكلفة استخراجها ونقلها إلى المناطق الشمالية".
وقال الباحث الجزائري إن "مليار متر مكعب، هي الحصيلة السنوية للمياه السطحية، معظمها يتبخر في الأيام الحارة المشمسة، و5 مليارات متر مكعب هي نصيب الصحراء من المياه، أما المياه الجوفية فهي غير قابلة للتجديد، ناهيك بنسبة الملوحة وتكلفة حفر الآبار وشبكة نقل المياه، نظراً إلى كبر المساحة وتباعد التجمعات السكانية".
أما بخصوص الأسباب الكامنة وراء وقوع الجزائر ضمن خانة الإجهاد المائي، فأشار سجال إلى "عدم وجود سياسة تشجير وطنية لخلق ظاهرة الاستمطار"، مقترحاً "إقرار زكاة البيئة للوصول إلى هدف غرس 50 مليون شجرة سنوياً".
وذكر المتحدث من بين الأسباب، "ضعف طاقة استيعاب السدود للمياه بسبب ظاهرة الطمي، حيث يمكن استغلال المياه عبر تجميعها في أنفاق تحت الأرض، وكذا استغلال الطاقة الشمسية في إدارة السدود للتقليل من كلفة الطاقة، وتدوير المياه المستعملة في المدن الكبيرة".
واقترح الباحث وضع دراسات شاملة حول المياه الجوفية في الجنوب والابتعاد عن الزراعات المستهلكة للمياه بكثرة والتوقف عن التبذير وتدريب الفلاحين على السقي بالتقطير لوقف هدر المياه.
وأكد أنه "أصبح من الواجب استحداث وزارة للأمن المائي لأن الوضع مرتبط بالأمن الاقتصادي، وما تحرك الحكومة أخيراً إلا دليل على إحساسها بحجم الخطر المحدق بالبلاد في هذا المجال".

اقرأ المزيد

المزيد من بيئة