ملخص
من المتوقع أن يدخل #النفط وخطوط الأنابيب في خضم الأحداث التي يشهدها #السودان بين #الجيش وقوات #الدعم_السريع
النفط باعتباره إحدى القضايا الشائكة بين دولتي السودان وجنوب السودان، في حالة الحرب كما في السلم، بعد انفصال الجنوب إلى دولة مستقلة عام 2011، فإن لعنته على ما يبدو لا تزال تسيطر على العلاقات بين البلدين وتفرض نفسها بين وقت وآخر من دون أن تصل إلى حل سوى اتفاقيات موقتة وغير مكتملة.
انتقل موضوع النفط بعد الانفصال إلى ما يعرف بـ"القضايا العالقة"، إضافة إلى قضايا الحدود، ومصير منطقة أبيي، والحريات الأربع، والجنسية لمواطني الجنوب الذين ولدوا وعاشوا في الشمال حتى الانفصال. وبعد أيلولة 75 في المئة من نفط السودان إلى الدولة الجديدة، قفز موضوع عائداته الذي أثير في زمن الرئيس السابق عمر البشير الذي تمت عمليات التنقيب والاستكشاف خلال سنوات حكمه الأولى في بداية تسعينيات القرن الماضي، ولم يكن قد حسم نهائياً، فقد أدى سوء إدارة قطاع النفط إلى استشراء الفساد وتزايد التوترات بين الحكومة والمجتمعات المحلية في مناطق الإنتاج بسبب حصتها التي نصت عليها اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) الموقعة عام 2005، في بند اقتسام الثروة، لكن لم ينفذ بل ظلت المجتمعات ترفع صوتها بالتظلمات الواقعة عليها ومعاناتها من التهميش والتدهور البيئي بسبب التنقيب والاستكشاف.
ما ورثه السودان بعد الانفصال حقول نفط صغيرة في مناطق متفرغة، إضافة إلى مراكز للمعالجة وخطوط الأنابيب وعدد من المصافي، فكانت النتيجة تراجع الإنتاج وهرب الشركات المستثمرة وشح النقد الأجنبي، وتأزم الوضع السياسي، وتواصل التدهور الاقتصادي والغلاء والتضخم، إلى أن انفجر الوضع في ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018.
وضمن هذه القضايا تظل المشكلة القائمة بكل تبعاتها هي قضية خط أنابيب النفط التي أثارت مشكلات عدة، والآن يتوقع أن تدخل في خضم الأحداث السودانية الأخيرة والصراع المسلح بين الجيش بقيادة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة، وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه الفريق محمد حمدان دقلو حميدتي.
خلاف الرسوم
من المفارقات أن السودان بعد خسارة معظم ثروته النفطية، نشأ تصدير نفط جنوب السودان عبر خط أنابيب وموانئ البحر الأحمر كحل لمشكلة اقتصاده المتعثر ومساعدته على التعافي، وحفز اعتماد جنوب السودان على صادرات النفط المتدفق شمالاً لتمويل ميزانيته من استفادة السودان من هذا الخط على رغم ما يحيط بها من مشكلات أيضاً بسبب الاختلاف حول رسوم العبور لعدم امتلاك دولة جنوب السودان موانئ للتصدير، فما تنتجه من خام النفط يتم تصديره عبر السودان إلى ميناء بشائر الرئيس في بورتسودان شرق البلاد.
لم يصمد هذا الحل البديل، إذ تدهورت العلاقات بشن المتمردين على الحكومة السودانية هجمات على حقل هجليج بولاية جنوب كردفان في أبريل (نيسان) 2012، وسيطرت عليها قبل أن تستعيدها القوات المسلحة السودانية في الشهر ذاته.
وكانت حكومة السودان قد قررت إبلاغ الشركات العاملة في نقل نفط جنوب السودان وتصديره عبر الأراضي السودانية بوقف تدفقه على خلفية اتهام الخرطوم لجوبا بتقديم الدعم العسكري للجبهة الثورية المتمردة في جنوب كردفان والنيل الأزرق.
وبضغط دولي استطاعت حكومتا البلدين تجاوز تلك الأحداث والتوقيع على اتفاق في سبتمبر (أيلول) من العام ذاته وتحديد رسوم عبور منخفضة بلغت دولاراً واحداً للبرميل فيما حددت رسوم معالجة وتعرفة نقل كانت فيما قبل تدفع مباشرة للشركات، قريبة من المعدلات التجارية، إضافة إلى نحو 3.028 مليار دولار عبارة عن ترتيبات مالية انتقالية مستحقة السداد للسودان من جنوب السودان على مدى ثلاث سنوات ونصف بمعدل 15 دولاراً لكل برميل نفط يتم شحنه من ميناء بورتسودان.
وأسهمت الشكاوى المتواصلة من حكومة جنوب السودان بأنها لا تتلقى نصيبها العادل من عائدات صادرات النفط في الضغط على حكومة السودان بفرض شروطها حول رسوم العبور التي لم تحسم حتى الآن.
استهداف الخط
بعد تحسن الأحوال الأمنية في مناطق الإنتاج، استؤنف إنتاج النفط في أبريل 2013، لتنطلق أول شحنة من ميناء بورتسودان في يوليو (تموز) من العام ذاته، لكن في جوبا تزايدت الخلافات على أثر إقالة سلفاكير لمشار واندلعت بعدها الحرب مرة أخرى، ولم تتوقف إلا بتوقيع اتفاق السلام في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا لإنهاء خمسة أعوام من الحرب الأهلية بالبلاد في سبتمبر 2018.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وجرى تمديد الاتفاق حتى 21 ديسمبر 2019 بأن يسمح للجنوب بتصدير النفط عبر موانئ الشمال حتى 2022. وزاد إنتاج النفط في دولة جنوب السودان، تبعها تحسن العلاقة بين البلدين، وتم خلال تلك الفترة تمديد لاتفاقية التعاون النفطي بين البلدين إلى عام 2022 من دون زيادة في الرسوم.
لكن عادت الأمور إلى التوتر مرة أخرى بتعرض خط الأنابيب الناقل لنفط الجنوب إلى التفجير بتاريخ 16 يونيو (حزيران) 2013، في جزئه الممتد من حقلي دفرة ونيم في طريقه إلى محطة المعالجة الرئيسة بهجليج.
وكان قبلها قد تعرض خط الأنابيب الذي ينقل النفط الخام السوداني إلى ميناء بشائر على البحر الأحمر إلى الاعتداء مرات عدة، منها تفجيره على بعد 30 كيلومتراً من مدينة سنكات شرق السودان في مايو 2000، اتهمت به حركة "مؤتمر البجا" وهي جزء من التحالف الوطني الديمقراطي المعارض للنظام السابق.
هذا الواقع ليس بعيداً من النهج العالمي للقوات المتمردة والمعارضة في اتخاذ أنابيب النفط هدفاً لتصفية حساباتها مع الحكومة، فعلى سبيل المثال، في كولومبيا قصف المتمردون خط أنابيب شركة أكسيدنتال بتروليوم، في حقل كانيو ليمون مرات عدة منذ عام 1986، وأغلق لأشهر في كل مرة وكبد الحكومة الكولومبية خسائر بنحو 2.5 مليار دولار، كما تسببت الهجمات في عام 1998 في اندلاع حريق أدى إلى مقتل وإصابة أكثر من 100 شخص.
وفي عام 1996 أحبطت شرطة لندن مخططاً للجيش الجمهوري الإيرلندي هدف إلى تفجير أنابيب الغاز والمرافق الأخرى في جميع أنحاء المدينة بنحو 36 عبوة ناسفة.
وظلت خطوط أنابيب الغاز والنفط تتعرض للهجوم بمناطق عدة من العالم في السودان كما في نيجيريا وباكستان وميانمار والعراق، أو للتهديد بتنفيذه مثل الذي حدث من قبل تنظيم "القاعدة" في عام 2002 وكان يستهدف أنابيب النفط في السعودية.
طوارئ الحرب
كان هناك اقتراح بإنشاء خط أنابيب طوارئ للحرب بقطر كبير، ولم يكن في تصور دولتي السودان أو جنوب السودان الأحداث الحالية، لكن تحسباً لأي صراع مستقبلي مصاحب للنفط، ومع ذلك لم يتم لعوامل عدة، الأول ركز معارضون على رفضهم وجود خط أنابيب بالأساس ومعارضة أكبر لأي خط بقطر أكبر في الشمال وإثارة مخاوف تتعلق بالسلامة، ومروره عبر الأراضي المأهولة بالسكان والبصمة الكربونية الكبيرة للنفط على الأراضي الخصبة وتأثيرها على الزراعة.
العامل الثاني، لم تتحمس حكومة الجنوب للاقتراح، وذلك لأنها اعتبرت أن الأنبوب القديم يلبي الغرض، وأنه لا حاجة إلى أنبوب بقطر كبير خصوصاً أن الشمال آمن والحرب والنزاعات أصبحت تتركز داخل الجنوب، بينما يبدأ انطلاق أنبوب النفط من شمال الدولة على الحدود بين البلدين، كما أن النزاعات في السودان تتركز بإقليم دارفور، ومنطقتي النيل الأزرق وجبال النوبة بينما يشق الأنبوب طريقاً آخر نحو الشمال.
أما العامل الثالث، فهو لتفادي الكلفة العالية وهي ما قد تمكن جوبا من إكمال الخط الناقل الذي يربط دولة الجنوب بكينيا في ميناء لامو بواسطة الشركة الصينية للإنشاءات والاتصالات، ويربط منطقة شرق ووسط أفريقيا، لتعزيز التنمية الاقتصادية والتكامل الإقليمي في منطقة شرق أفريقيا وخارجها.
ومع تكرر أزمات المحروقات في السودان، فإن الخرطوم حاولت إقناع جوبا بشراء نفطها قبل تصديره، ولم تنجح في ذلك، لكنها وصلت إلى صيغة تخفف عنها بعض الضرر، ففي مارس (آذار) 2020 ومع النقص الحاد في إنتاج السودان من النفط، اضطرت الحكومة إلى الاستدانة من الشركات العاملة في النفط ومن حكومة جنوب السودان، لتغطية العجز في تشغيل مصفاة الخرطوم التي تغطي نصف حاجة البلاد من المشتقات النفطية، ويتم استيراد النصف المتبقي.
وفي مايو 2020، جرت تفاهمات بين رئيس الوزراء السوداني آنذاك عبدالله حمدوك ورئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت حول إمداد جوبا للخرطوم بكميات إضافية من النفط الخام لصالح محطات التوليد الكهربائية في البلاد مقابل جازولين مكرر بالمصافي السودانية خصوصاً مصفاة مدينة الأبيض، وحتى هذا الحل الأخير لم ير النور بسبب الاشتباكات المتكررة في دولة جنوب السودان بين الحكومة بقيادة سلفاكير والمعارضة بقيادة نائبه رياك مشار.
تأثير النزاع
سيكون تأثير النزاع السوداني الحالي على نفط جنوب السودان من خلال تهديد سلامة خط أنابيب النفط معتمداً على محددات عدة، الأول مدة الحرب، والثاني شدة النزاع ومحاولة كل طرف الانتقام من الآخر، ليكون النفط ضحية هذا الانتقام، خصوصاً أن هنالك استهدافاً ومستوى من الدمار الواضح طال البنية التحتية للدولة السودانية ومحاولة تكبيد الحكومة أكبر الخسائر، أما العامل الثالث ففي حال وصلت الأمور إلى طريق مسدود ونفذت الولايات المتحدة العقوبات التي هددت بإيقاعها على البرهان وحميدتي، فقد تتطور إلى أن تشمل النفط باعتباره مورداً اقتصادياً مهماً تستفيد منه الحكومة وعلى رأسها البرهان.
نشأت صناعة خطوط الأنابيب في السودان بكلفة عالية مستفيدة من الطفرة النفطية، ومع ذلك فهي ضعيفة نظراً إلى طولها الذي يبلغ نحو 1600 كلم، وعليه لم يدشن أي نظام لاحتمال وقوع هجمات إرهابية أو تخريبية، وهو ما يتوقع في ظل النزاع الحالي.
تقطع خطوط الأنابيب الممتدة أرض السودان متجهة إلى ميناء بشائر شرق السودان، وهي جزء لا يتجزأ من إمدادات الطاقة لدولة جنوب السودان، ولها روابط حيوية مع البنية التحتية للسودان، مثل محطات الطاقة ومصافي البترول. وإذا نظرنا للأنابيب من ناحية ميكانيكية كوسيلة نقل آمنة للنفط، لكنها بسبب أنها تحمل مواد قابلة للاشتعال، فهي تصلح لأن تكون هدفاً في حد ذاتها، وتمتد خطورتها إلى مرورها بمناطق مأهولة بالسكان.
وعلى رغم أن هنالك برامج استجابة للتهديدات تابعة لخطوط الأنابيب بشكل عام، لكنها تحتاج إلى تعزيزات إضافية مع الأحداث المتطورة الحالية في السودان، ومع ذلك قد يكون طلب السلامة المتعلقة بالأمن في وقت لا تستطيع حكومتا البلدين الإيفاء به في هذا الظرف الحرج ضرباً من المستحيل.