ملخص
تضاعف عدد البلدان التي لديها بنوك مركزية تبحث عن طرق لإطلاق عملتها الرقمية الخاصة بها ثلاث مرات منذ عام 2020
يتفق المراقبون اليوم بغالبية ساحقة على أنه على رغم ضعف الدولار الأميركي لا يمكن أن تفقد العملة الأميركية هيمنتها على عملات العالم، لأنه لا يوجد "بديل" في الأفق المرئي على رغم سباق عديد من البلدان إلى إيجاد هذا البديل، ففي حين قد يكون "الذهب" المثال الرئيس كبديل، وبخاصة مع ارتفاع أسعار المعدن الأصفر بنسبة 20 في المئة في ستة أشهر، ومع قيادة البنوك المركزية زيادة الطلب على المعدن الأصفر، وليس المستثمرين الكبار والصغار، كما اعتدنا، سعياً منهم إلى التحوط ضد التضخم وانخفاض أسعار الفائدة الحقيقية، كما تقوم البنوك المركزية، اليوم أيضاً، بتخفيض حيازاتها من الدولار بشكل حاد وتبحث عن بديل آمن، لذلك تشتري أطناناً من الذهب أكثر من أي وقت مضى منذ أن بدأت البيانات عام 1950 ليمثل طلبها على الذهب حالياً 33 في المئة من الطلب العالمي الشهري على الذهب.
كما ساعدت طفرة الشراء هذه في دفع أسعار الذهب إلى مستويات قريبة من المستويات القياسية وأعلى بنسبة تزيد على 50 في المئة، مما قد توحي به النماذج القائمة على أسعار الفائدة الحقيقية، بالتالي من الواضح أن هناك شيئاً جديداً يقود أسعار الذهب.
ويقول رئيس مؤسسة "روكي فيلير إنترناشيونال" روشير شارما لصحيفة "فايننشال تايمز"، إننا "إذا نظرنا من كثب إلى مشتري الذهب من البنوك المركزية سنجد أن 9 من الـ10 الأوائل من العالم النامي، بما في ذلك روسيا والهند والصين، بالتالي ليس من قبيل الصدفة أن هذه الدول الثلاث تجري محادثات مع البرازيل وجنوب أفريقيا حول إنشاء عملة جديدة لتحدي الدولار، وهدفها المباشر هو التجارة مع بعضها بعضاً مباشرة بعملة خاصة بها". واستشهد شارما بما قاله الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا أخيراً في زيارة للصين، "كل ليلة أسأل نفسي لماذا يتعين على كل البلدان أن تبني تجارتها على الدولار؟"، مجادلاً بأن البديل من شأنه أن يساعد في "تحقيق التوازن في الجغرافيا السياسية العالمية".
أزمة المصارف وملاذ الذهب
ويشير شارما إلى أن الذهب كان أقدم الأصول وأكثرها تقليدية، وهو اليوم وسيلة لثورة البنوك المركزية ضد الدولار، فغالباً ما كان ينظر إلى الدولار والذهب في الماضي على أنهما ملاذات، ولكن ينظر الآن إلى الذهب على أنه أكثر أماناً. ويضيف أنه خلال الأزمة المصرفية الأخيرة في مارس (آذار)، استمر الذهب في الارتفاع، بينما تراجع الدولار، مشيراً إلى أن الفرق في الحركة بين الاثنين لم يكن بهذا الحجم من قبل. ويتساءل شارما: لماذا تتمرد الدول الناشئة اليوم على الدولار بينما كانت التجارة العالمية قائمة على الدولار منذ نهاية الحرب العالمية الثانية؟ ويجيب عن سؤاله قائلاً "الولايات المتحدة وحلفاؤها قد تحولوا بشكل متزايد إلى العقوبات المالية كسلاح".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى رئيس مؤسسة "روكي فيلير إنترناشيونال" أن ما يثير الدهشة أن 30 في المئة من مختلف البلدان تواجه الآن عقوبات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان والمملكة المتحدة ارتفاعاً من 10 في المئة في أوائل التسعينيات. ويقول إنه حتى وقت قريب، كانت معظم الأهداف صغيرة، وثم شنت هذه المجموعة من الدول هجوماً شاملاً على روسيا بسبب هجومها على أوكرانيا، مما أدى إلى عزل البنوك الروسية عن نظام الدفع العالمي القائم على الدولار، وفجأة، أصبح من الواضح أن أي أمة يمكن أن تكون مستهدفة. ويضيف شارما، "وبالنظر إلى الثقة الأميركية الكبيرة جداً من أن الدولار الذي لا يقهر، رأت الولايات المتحدة في العقوبات وسيلة خالية من الكلفة لمحاربة روسيا من دون المخاطرة بقواتها"، لكن شارما يرى اليوم أن أميركا تدفع الثمن من خلال الولاءات الضائعة بالعملة، فالدول التي أبرمت صفقات للتجارة من دون الدولار تشمل الآن حلفاء قدامى للولايات المتحدة مثل الفيليبين وتايلاند.
البنوك المركزية وإطلاق عملات رقمية
كما تضاعف عدد البلدان التي لديها بنوك مركزية تبحث عن طرق لإطلاق عملتها الرقمية الخاصة بها ثلاث مرات منذ عام 2020 إلى أكثر من 110، لتمثل 95 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العالم، كما يختبر كثيرون هذه العملات الرقمية لاستخدامها في التجارة الثنائية، وهو تحدٍ مفتوح آخر للدولار. ويقول شارما إنه على رغم أن البعض يشك في أن الدولار المهيمن مهم للاقتصاد الأميركي، فإن الطلب المرتفع على العملة بشكل عام يميل إلى خفض كلفة الاقتراض من الخارج، وهو امتياز تحتاج إليه أميركا بشدة، اليوم، مشيراً إلى أنه من بين أكبر 20 اقتصاداً متقدماً، لدى الولايات المتحدة اليوم ثاني أعلى عجز مالي وحساب جارٍ بعد المملكة المتحدة وثاني أعلى المطلوبات الأجنبية (كما ينعكس في صافي مركز الاستثمار الدولي) بعد البرتغال.
الخطر في زيادة الثقة المفرطة
ويرى شارما أن الخطر بالنسبة لأميركا يكمن في زيادة الثقة المفرطة التي تغذيها قصة "لا بديل"، قائلاً إن هذه الرواية تستند إلى الثقة العالمية في المؤسسات الأميركية وسيادة القانون، لكنه يقول إن هذا بالضبط ما فعله تسليح الدولار كثيراً لتقويضه، إلى جانب اعتماد الولايات المتحدة على الثقة في قدرة الدولة على سداد ديونها، لكن ذلك يتراجع كما يقول شارما، بخاصة مع تزايد اعتمادها على التمويل الأجنبي. ويعتبر شارما أن خط الدفاع الأخير عن الدولار هو دولة الصين، فهي الاقتصاد الوحيد الكبير والمركزي بما يكفي لتحدي تفوق العملة الأميركية، ولكنه يقول أيضاً إن الصين أكثر مديونة ولديها اختلال مؤسسي. ويختم شارما بالقول إنه عندما يعتمد عملاق (أي الولايات المتحدة) على ضعف المنافسين، فقد حان الوقت للنظر بجدية في المرآة "عندما تواجه تحديات كالذهب ومنافسين جدد مثل العملة الرقمية، يجب أن تبحث عن طرق لتعزيز الثقة في مواردها المالية، وليس اعتبار وضعها المالي كقوة عظمى أمراً مفروغاً منه".