ملخص
تصدرت السينما السعودية إيرادات دور العرض على مستوى الشرق الأوسط للعام الخامس على التوالي
عدسات كاميرات هنا وأخرى هناك تلتقط ابتسامة نجوم السينما وهم مقبلون على العرض الأول لأفلامهم في دور العرض السعودية. تحت بريق الأضواء الساحرة وعلى السجاد الخزامي تنتاب الحيرة المدعوين وهم يتساءلون عمن سيكون النجم القادم في السيارة المقبلة. هذا هو المشهد في المرحلة الراهنة أمام دور السينما في البلاد، والذي تكرر بدوره خلال المهرجانات والفعاليات الدولية التي تستضيفها العاصمة الرياض على مدار 5 سنوات مضت، هي عمر النقلة النوعية لقطاع السينما منذ أغلقت شاشات دور العرض أضواءها في ستينيات القرن الماضي.
للعام الخامس على التوالي لا تزال دور العرض السعودية تتربع على صدارة إيرادات شاشات السينما بالشرق الأوسط منذ طرح فيلم "ذا باتمان" خلال 2019 بالبلاد ليحصل على المركز الـ12 عالمياً من ناحية الإيرادات، حسبما أعلنت الهيئة السعودية العامة للإعلام.
الإقبال المتزايد للجماهير فرض توسعاً في دور العرض بالبلاد، إذ بلغ إجمالي دور السينما 63 داراً حتى نهاية 2022 مقابل 54 في 2021. وبلغ عدد الشاشات لـ6 مشغلين في المملكة 581 شاشة، تضم صالاتها 59 ألفاً و444 مقعداً، في 20 مدينة. ومن المرتقب أن يصل عدد دور العرض إلى 350 داراً تعرض 2500 فيلم في عموم المملكة وفقاً لبرنامج الرؤية 2030، فيما تستهدف البلاد زيادة رأسمال صناعة السينما إلى مليار دولار وسط زيادة إنفاق الأسر على الترفيه من 3 إلى 6 في المئة.
شغف السينما
حصيلة الأرقام وما تستهدفه السعودية، البلد الذي يتمتع باقتصاد قوي يعمل على تنوع مصادر الدخل لخزانة الدولة، يكشف عن مدى إقبال السعوديين على دور العرض وشغفهم بأحدث ما يقدم من إنتاج فني بأروقة الفن السابع وعلى شاشات السينما، وسط الآمال الواسعة التي انعقدت منذ الإعلان عن دعم صناعة القطاع رسمياً في ديسمبر (كانون الأول) 2017، وفتح باباً واسعاً أمام إصدار تراخيص دور العرض بالبلاد إحياءً لمرحلة مبكرة لصناعة السينما انقطعت منذ 35 عاماً.
يقول المخرج السعودي محمد السلمان إن "المهرجانات السينمائية التي دشنتها البلاد خلال السنوات الخمس الأخيرة ساعدت على سماع صوت كل المبدعين السعوديين، وصارت نقطة جذب لنظرائهم من السينمائيين من أنحاء العالم، كما كشفت عن شغف السعوديين بالسينما ومتابعة ما يطرح بها منذ سنوات طويلة، كما يشارك بعضهم في تطور الصناعة بالبلدان المجاورة بالتزامن مع انتشار الإنترنت مطلع الألفية الثالثة".
وأضاف أن "السينما السعودية تعيش عصرها الذهبي، فالجيل الحالي يطمح إلى تقديم أعمال متميزة تحدث نقلة كبيرة على مستوى الصناعة، خصوصا أن البلاد استحوذت على مكانة جيدة على خريطة السينما الدولية خلال السنوات القليلة الماضية".
وتابع أن "السعوديين حتى سنوات قريبة كانوا يسافرون لأي دولة مجاورة لمشاهدة الأفلام الجديدة، لكن البلاد حالياً أحدثت طفرة كبيرة في هذا المجال، كما أنها قادرة على المنافسة وتحقيق مستويات متقدمة، بعدما تصدرت إيرادات قطاع السينما في الشرق الأوسط بما في ذلك الإمارات خليجياً، ومصر عربياً".
نهضة سينمائية
ويرى الناقد الفني وكاتب السيناريست المصري يسري زيدان "استطاعت رؤية المملكة 2030 إحداث طفرات في كل شيء الاقتصاد والفن والإعلام، وسخرت السعودية كل طاقاتها وإمكاناتها للنهوض بالسينما، متمثلة في دورات وورش عديدة في تدريب الممثلين وإعداد مخرجين ومصورين وكوادر سينمائية، من خلال إفساح المجال للشباب بإقامة الندوات وعقد اللقاءات وتأسيس جمعيات وأندية السينما، كل هذا أدى إلى إخراج أعمال سينمائية متميزة بأيد وأفكار سعودية شبابية".
يشار إلى عرض 11 فيلماً سعودياً في السينما خلال 2022، كان أنجحها فيلم "سطار، عودة المخمس الأسطوري" الذي عرض في 29 ديسمبر (كانون الأول) 2022، وحقق أكبر افتتاحية لفيلم سعودي، كما حقق المركز الأول نهاية الأسبوع الأول، متفوقاً على جميع الأفلام المعروضة في الفترة نفسها كان بينها آنذاك "أفاتار" وفيلم "Shotgun Wedding " (زواج قسري)، وفقاً لهيئة الإعلام السعودية.
وتوقع زيدان استمرار صعود إيرادات السينما في حال استمرار الدعم، والبحث عن نصوص جيدة، وتوسع الإنتاج السنوي، وإنشاء معاهد متخصصة لفنون الدراما المتنوعة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
شوط واسع في أروقة الفن السابع
ويذهب الناقد الفني والكاتب الصحافي فارس الغنامي إلى أنه من المنطقي أن تلفت السعودية أنظار صناع السينما في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى كبار النقاد لما تشهده مسيرتها السريعة في النهوض، الذي يرصد أسبابه في أن "المجتمع السعودي ليس حديث عهد بتلك الصناعة التي تعود إلى ستينيات القرن الماضي، بالإضافة إلى عناية الدولة بالمناخ الثقافي العام ومدى انتعاش النقد الفني وما توليه من رعاية واهتمام بمنابر ذلك النوع من النقد والمشتغلين به، إضافة إلى النماذج الدرامية التي تقدمها السينما لمرتاديها ومدى قبول المجتمع لتلك النماذج، ونحو ذلك من الأسباب التي قطعت فيها المملكة شوطاً واسعاً من أجل الازدهار بالفن السابع".
يضيف الغنامي، يضاف إلى هذا وضع صناعة السينما ضمن برنامج الرؤية 2030، التي تتبناها الدولة، ولا تقتصرها على الترفيه وحسب، بل تتجلى أيضاً في تقديم أعمال فنية تستند إلى ما نصت عليه خطة الرؤية من أنها (ذاكرة الأمم، ورافد قوي من روافد الثقافة وتشكيل الهُوية الوطنية، ومنبر قوي التأثير لمعالجة هموم المجتمع ومناقشة قضاياه في إطار البحث عن حلول لها، كما تعدها الدولة (خطوة واسعة نحو الاستثمار تبدأ من حيث انتهى الآخرون)".
يتابع، "لعل في هذه البداية ما يمنحها قوة الانطلاق المستمدة من الخبرة بتجارب الدول الرائدة في هذا المجال، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس على جودة تلك الصناعة وتطورها سريعاً ويرتفع بسقف التوقعات بشأن إقبال المواطن السعودي على ارتياد دور العرض خلال السنوات المقبلة، ومن ثم الارتفاع بسقف التوقعات بخصوص حجم الاستثمار في قطاع صناعة السينما إلى مليار دولار أو ما يزيد بحلول 2030".
وكان رئيس مهرجان القاهرة السينمائي حسين فهمي ذكر خلال ندوة عن "تطور السينما السعودية" على طاولة نقاش المهرجان، أن "السينما السعودية تشبه بدايات نظيرتها المصرية، فهي سينما واعدة ولدى القائمين عليها آمال وطموحات، لكنها بحاجة لتكثيف حجم الإنتاج سنوياً".
أرقام وإحصاءات
شهدت سوق السينما السعودية نمواً متسارعاً خلال السنوات الخمس الأخيرة وباتت محط أنظار كبار المستثمرين في قطاع السينما حول العالم، وتأمل في تحقيق عائدات شباك تذاكر تتجاوز مليار دولار بحلول عام 2030، مما يضعها في قائمة أفضل 20 سوقاً للسينما العالمية، وفقاً لتقرير صادر عن شركة Entertainment Solution Services.
الجدير بالذكر أن الهيئة السعودية للإعلام كشفت أن دور العرض السينمائي بالبلاد حققت نمواً في إيراداتها بنسبة 9.47 في المئة خلال 2022، مسجلة نحو 905 ملايين ريال سعودي (240 مليون دولار)، حتى 25 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، مقارنة مع إيرادات 2021 التي وصلت 874 مليون ريال (232 مليون دولار). وأضافت، أن عدد تذاكر السينما المباعة زادت إلى أكثر من 14 مليون تذكرة خلال 2022، في مقابل 13 مليون تذكرة خلال عام 2021.
في السياق يدعم مهرجان البحر الأحمر صانعي الأفلام العرب والأفارقة، من خلال صندوق المهرجان الذي يقدم 14 مليون دولار سنوياً لدعم الأفلام في مراحل التطوير والإنتاج، وما بعد الإنتاج، لـ100 مشروع من قبل المخرجين السعوديين والعرب والأفارقة، كما كرم العديد من نجوم الصناعة عالميا وعربيا لجهودهم إثراء التجربة السينمائية السعودية.