ملخص
ما سر الديناصورات وما هي الكارثة التي حدثت وأدت إلى إبادتها ومتى؟
أثار بيع هيكل عظمي لتيرانوصور من نوع ريكس، المعروف اختصاراً بـ "تي ريكس"، وعمره 67 مليون سنة في مزاد علني، حمية العلماء الذين أعربوا عن قلقهم إزاء كثرة أحافير الديناصورات التي ينتهي بها المطاف إلى مجموعات المقتنيات الخاصة، إذ اشترى هذا الهيكل ما تعرف بمؤسسة "فيبوس" (Phoebus) غير الربحية التي أسسها فرنان هوتس، صاحب مجموعة "كاتون تاتي" البلجيكية بمبلغ 6.2 مليون دولار.
وأعلنت المؤسسة أن الديناصور سيعرض للجمهور في مركز بورنتورن، حيث سيتسنى لهواة الفن والباحثين وسواهم من الزوار الاطلاع من خلاله على التاريخ وجمال الفن والعلم والهندسة المعمارية، لكن هذا لم يعجب العلماء الذين يرون أن هذه الحركة تؤدي فقط للعرض العام دون الاستفادة منه في الدراسة والبحث، إذ يعتبر هذا الهيكل واحد من أروع الهياكل العظمية لنوع "تي ريكس"، ويصل ارتفاعه إلى 11.6 متر وطوله 3.9 متر.
فما سر الديناصورات ولماذا تحظى بهذه الشهرة الواسعة على رغم انقراضها؟ وهل لعالم الأساطير والتراث الشعبي علاقة بها؟ وهل هي نوع واحد أم أنواع عدة؟ وما هي الكارثة التي حدثت وأدت لإبادتها ومتى؟
اكتشاف الديناصورات
تعود أقدم بقايا الديناصورات التي عثر عليها الإنسان إلى العصر الجيولوجي المعروف بالعصر الترياسي Trais الذي بدأ قبل 250 مليون سنة تقريباً، وقد كشف عنها داخل صخور ترسبت في مراحل متأخرة من هذه الحقبة أي قبل حوالى 230 مليون سنة خلت، وانقرض آخر الديناصورات بالمعنى الحقيقي لهذه اللفظة في نهاية العصر الكريتاسي Cretace الذي انتهى قبل 65 مليون سنة.
إن الديناصورات عاشت إبان الفترة الأخيرة من العصر الترياسي وطوال العصر الجوراسي Jurassique والكريتاسي، أي إنها عاشت أكبر فترة من عصر الحياة الوسيطة الثانية، كما كانت تسمى قديماً، أي ما يعادل تقريباً 165 مليون سنة.
عندما عثر علماء المستحاثات (الأحفورات) على أولى بقايا الديناصورات لم ينسبوها إلى هذه الفصيلة من الحيوانات، فجورج كوفيي George Cuvier اعتقد وهو يقلب بين يديه فقاريات ديناصور اكتشفت في منطقه نورماندي Normandie، أنها عائدة إلى تمساح من نوع خاص.
وفي عام 1824 أطلق ويليام باكلاند William Buckland على بقايا عُثر عليها قرب أكسفورد اسم "ميغالوساوروس" Megalausurus أو السحلية الكبرى.
لهذا نجد أن أول ديناصور أطلق عليه اسم علمي قدم في تلك الفترة في صورة سحلية ضخمة، وفي العام التالي منح غيديون مانتل Gideon Mantell اسم "أسنان إيغوانا" لأسنان اكتشفت في جنوب إنجلترا، كما أن أولى عمليات أنجزها لإعادة تشكيل بنية الديناصورات، تمثل هذه الحيوانات في صورة سحلية إيغوانا ذات الحجم الضخم جداً.
ومع ذلك فعندما اقترح ريتشارد أوين Richard Owen اسم الديناصور في عام 1842 ومعناه باللاتينية "الزواحف الضخمة جداً"، لم يكن يرى في هذه الحيوانات فقط نسخاً مكبرة جداً للزواحف الحالية، فالديناصورات في نظره تتفوق في كثير من الجوانب على نظيرتها من الزواحف الحديثة ومرد ذلك أساساً إلى أن بنية أطرافها وحوضها كانا يسمحان لها بالوقوف منتصبة مع رفع جذعها عن مستوى الأرض مما يجعلها قريبة من الثدييات الكبرى الحالية.
مشهورة لأنها كبيرة ومخيفة وميتة
إن حقيقة أن الديناصورات كائنات منقرضة كانت تسكن عوالم زمنية قديمة، لم تكن بالحقيقة المعروفة حتى هذا الوقت وكانت الديناصورات هي التجسيد الفعلي للتنانين الموجودة في الخرافات والأساطير، وربما ضمن هذا تقبل المجتمع بأكمله لها حتى أنها ظهرت في أعمال تشارلز ديكنز، الذي كانت تربطه علاقة شخصية بريتشارد أوين، وانطلاقاً من هذه البدايات المؤثرة، نما الاهتمام العام بالتصورات بالديناصورات واستمر منذ ذلك الحين، وقد خضع السبب وراء استمرار جاذبية هذا الموضوع لتفكير عميق، فربما يرجع قدر كبير منه إلى أهمية سرد القصص كوسيلة لتحفيز القدرات التخيلية والإبداعية لدى البشر.
ويقول ديفيد نورمان صاحب كتاب "مقدمة قصيرة جداً" عن الديناصورات، "يبدو لي أنه ليس من قبيل المصادفة أن الأطفال يظهرون أكبر قدر من الحماس تجاه الديناصورات خلال السنوات التي تسهم بالقدرة الأكبر في تشكيل النمو الفكري والتطور الثقافي لديهم أي ما بين سن الثالثة والعاشرة، فالحماس الشديد الذي ينشأ عندما يرى الأطفال هيكل الديناصور الأول في حياتهم لا يكاد يخفى على أحد".
كما قال على نحو بارز، الراحل ستيفن جاي غولد الذي يقال أنه أكبر مروج للتاريخ الطبيعي العلمي، إذ قال عن الديناصورات إنها "مشهورة لأنها كبيرة ومخيفة وميتة لحسن حظنا، وصحيح أن هياكلها العظمية نحيلة، إلا أنها تمارس قوه جذب هائلة على المشهد التخيلي للأطفال".
جاذبية خفية
أحد الأدلة البارزة التي تدعم فكرة وجود علاقة بين الجاذبية الخفية للديناصورات والنفس البشرية يمكن العثور عليه في علم الأساطير والتراث الشعبي، فقد بينت أدريان مايور أن الإغريق اتصلوا في وقت مبكر، يرجع إلى القرن السابع قبل الميلاد، بالثقافات البدوية في وسط آسيا، وتضم الروايات المكتوبة في هذا الوقت وصفاً لـ "الغريفن"، وهو كائن يقال إنه كان يكتنز الذهب ويحرسه بحذر شديد وكان في حجم الذئب وله منقار وأربعة أرجل ومخالب حادة في أقدامه، إضافة إلى هذا تصور الأعمال الفنية في الشرق الأدنى التي ترجع إلى عام 3000 قبل الميلاد كائنات تشبه "الغريفن".
ونشأت خرافة "الغريفن" في منغوليا شمال غربي الصين بالتزامن مع طرق القوافل القديمة والتنقيب عن الذهب في جبال تيان شان وألتاي، فهذا الجزء من العالم يحتوي على تراث حفري شديد الثراء ويشتهر بوفرة هياكل الديناصورات المحفوظة جيداً، وأهم أنواع الديناصورات كانت البروتوسيراتوبس وهي بحجم الذئب تقريباً ولديها منقار معقوف ناتئ وأربع أرجل في نهايتها أصابع حادة المخالب وتحتوي جمجمة هذا النوع من الديناصورات على نتوءات عظمية مقوسة إلى أعلى يحتمل أن تكون هي ببساطة أصل التكوينات التي تشبه الأجنحة التي تظهر دوماً في صور "الغريفن".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تنوع الديناصورات وغرابتها
ومع توالي الاكتشافات في مجال المستحاثات، مما مكن من تكوين صورة أدق عن الديناصورات، أصبح النظر إلى هذه الحيوانات يشوبه في بعض جوانبه بعض الازدراء، فالهياكل العظمية الكاملة إلى حد ما التي عُثر عليها في الغرب الأميركي في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، كشفت في الآن نفسه تنوع الديناصورات وغرابتها من قبيل السوروبود Sauropodes الذي يتجاوز طوله 20 متراً، ولكن برأس صغير جداً، والستيغوسور Stegosaures بجسمه الذي تبرز منه الصفائح العظمية، والسيراتوبسيانس Ceratopsiens بجمجمته الضخمة والقرون التي تعلو رأسه، وكلها أنواع أثارت حماس الباحثين والجمهور العريض، ولكنها أفسحت المجال أيضاً لتساؤلات حول نمط عيش هذه الكائنات ومصيرها النهائي، ذلك أن الفكرة التي فرضت نفسها حينها مفادها أن الديناصورات تمثل اختلالاً في عمليه التطور، لذلك أثارت قضية انقراض الزواحف الكبرى في عصر الحياة الوسيطة اهتمام علماء المستحاثات قبل وقت طويل وسرعان ما اتضح أن آخر ما بقي منها موجود اندثر في أواخر العصر الكريتاسي أي قبل 65 مليون سنة حسب التقويم الحالي وقدمت عديد من التفسيرات لانقراض الديناصورات، ولكن أغلبها لم يقنع سوى مفسريها أو أصحابها.
الكارثة التي أبادت الديناصورات
مما لا يمكن إنكاره أن موضوع الديناصورات يحظى باهتمام لدى كثير من الناس فمجرد وجودها يبعث على الفضول، وعند النظر إلى الأمر بموضوعية نجد أن الانتشار الثقافي للديناصورات أمراً استثنائياً، ففي نهاية الأمر لم ير أي إنسان قط ديناصوراً على قيد الحياة من النوع الذي لا يطير، فقد عاش أوائل البشر الذين أمكن التعرف عليهم منذ 500 ألف سنة، وفي المقابل سار آخر ديناصور على سطح كوكبنا منذ 65 مليون سنة، وربما لقي حتفه ككثير من الكائنات الأخرى في كارثة حدثت إثر اصطدام نيزك عملاق بالأرض، فقد انتبه الباحثون إلى هذه الكارثة التي أصابت الأرض من خارجها عندما اكتشفوا تركيزاً كبيراً لمادة الإيريديوم في طبقه طينية رقيقة تكونت قبل 65 مليون سنة وهي ترسم الحدود بين صخور العصر الكريتاسي والعصر الثالث في عديد من المواقع في العالم.
وأول اكتشاف من هذا النوع كان في منطقة جوبيو بإيطاليا، والإيريديوم معدن من مجموعة معادن البلاتين ونادراً ما نجده في الصخور التي تكون القشرة الأرضية، ولكن يمكن العثور عليه بكميات كبيرة في بعض أنواع النيازك.
وقد فسر لويس ألفاريس (Luis Alvarez) ووالتر ألفاريس (Walter Alvarez) وفرانك أزارو (Frank Asaro) وهيلين ميشيل (Helen Michel) في عام 1980 وجود الإريديوم في الحدود الفاصلة بين صخور العصر الكريتاسي والعصر الثالث، باصطدام نيزك بقطر عشرات الكيلومترات بالأرض، مما جعل هذه المادة تستقر في قشرة الأرض بكميات كبيرة.
وأمام إصرار بعض المتشككين على موقفهم، حين ذهبوا إلى حد القول إن الإريديوم يكون ناتجاً من هيجان بركاني قذف بهذه المادة من باطن الأرض إلى قشرتها الخارجية، تابع العلماء أبحاثهم ليكتشفوا مؤشرات إضافية على حدوث الاصطدام.
إذ يتعلق الأمر بحبات كوارتز تبرز على بنيتها البلورية تشوهات دالة على ضغوط عنيفة بمستويات عالية جداً، نجدها في الطين الواقع في الحدود بين العصر الكريتاسي والعصر الثالث، والحال أنه لا وجود سوى لظاهرتين يمكن أن ينتج منهما مثل هذا "الكوارتز المصدوم" وهما الانفجارات النووية التي لم تكن ممكنة في العصر الكريتاسي، وآثار النيازك.
كما أن هناك دليلاً آخر جاء من مديرية الطاقة النووية قدمه إيريك روبن وروبير روشيا ومساعدهما، ومفاده أن الطبقة الطينية التي ترسم الحدود بين العصرين "الكريتاسي" و"الثالث" تحتوي على معادن مغناطيسية متميزة وهي "الأسبنيل النيكلي" التي لا تتشكل سوى في الحالة التي يكون فيها سطح النيزك متأكسداً ضمن شروط فيزيائية وكيماوية خاصة تصاحب عبور النيزك الجو الخارجي، وهذا يدل على أن معدن الأسبنيل النيكيلي من بقايا النيزكي نفسه، وقد أدت هذه الكارثة التي أصابت الأرض من خارجها إلى عمليات الانقراض الكبرى التي ميزت نهاية العصر الكريتاسي، ولم تكتف باستئصال الديناصورات، بل راح ضحيتها عديد من الكائنات الحية الأخرى في البر والبحر، ويقدر العلماء نسبة الأنواع الحية التي اندثرت حينها بـ 70 في المئة.