جنود أطفال وموت ويأس: لا بد أن نضمن السلام في السودان

أكد رئيس مجلس الوزراء البريطاني نجاح أول عملية إجلاء تقوم بها طائرات تابعة للقوات الجوية الملكية. وفي حين يلقى هذا الخبر ترحيباً، يبقى الوضع الميداني بالغ الخطورة.

وما جعل عملية الإجلاء ممكنة هو وقف إطلاق نار لمدة 72 ساعة بين الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع"، تفاوضت عليه الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، علماً بأن [طرفي النزاع] كانا يمران بمرحلة انتقالية، وكانت [قوات الدعم السريع] تسعى لدمج قواتها مع الجيش، إلى أن اندلعت أعمال القتال.

ومع أن وقف إطلاق النار لمدة 72 ساعة وجيز، يعد بالغ الأهمية وحيوياً لإجلاء أكبر عدد ممكن من الناس بأسرع وقت. بالتالي، أناشد الحكومة بإلحاح لتوظف أكبر عدد ممكن من الموارد وبأسرع وقت، بالنظر إلى الخطر الفعلي والملموس بأن يتجدد القتال.

وينصح المواطنون البريطانيون بالتوجه إلى مطار وادي سيدنا شمالي الخرطوم، والصعود على متن طائرات الإجلاء. وبموازاة ذلك، أعلن رفع التوصية بالبقاء داخل [المنازل] وبالامتناع عن التجول إلى حين تلقي اتصال من وزارة الخارجية. ومع أن الوقت سيحين لمناقشة ما أمكن القيام به بوتيرة أسرع، فإن أولويتنا جميعاً الآن هي التركيز على المهمة الراهنة، لأن عنصر الوقت أساسي.

لا شك في أن الأولوية الأهم في نظر أي حكومة هي ضمان أمن مواطنيها، أكان ذلك على أرض الوطن أم في المهجر. بالتالي، يسلط رئيس الوزراء الضوء، هو ووزارة الخارجية والجيش، على كيفية إخراج مواطنينا [من البلاد] من دون تعريض حياتهم للخطر.

وليست هذه المهمة سهلة، خصوصاً أن القانون والنظام غائبان في الخرطوم، وقد حل مكانهما صراع شبه عشوائي بين قوتين متنافستين ذات بنية قيادية ضعيفة. وجل ما تفعله التقارير حول جنود أطفال يجوبون شوارع الخرطوم هو تسليط الضوء على محدودية أي وقف لإطلاق النار، إذ لا يزال أفراد بمستويات أدرينالين عالية يحملون السلاح وينهبون، ويشكلون بالتالي مصدر خطر جدي وكبير.

يكون إحلال السلام دوماً أصعب بكثير من بدء الحرب. وفي حين أن الحكومة ترى، وبحق، أن إجلاء المواطنين البريطانيين هو الأولوية الأهم، علينا أن نسعى جاهدين لتمديد وقف إطلاق النار، بغية التوصل إلى وضع سلمي أكثر استدامةً.

ينتابني قلق شديد من تقارير عن هروب عمر البشير، الرئيس السوداني السابق المستبد الذي حكم البلاد 30 عاماً، من سجن كوبر. فالمحكمة الجنائية الدولية كانت أدانت البشير عام 2009 بسلسلة جرائم من بينها القتل، والإبادة، والتهجير، والتعذيب، وجرائم الحرب، وجرائم ضد الإنسانية، إلى جانب إدانته بثلاث تهم إبادة جماعية.

وبنظر عدد كبير من السودانيين، كان اعتقال البشير عام 2019، عقب [موجة] احتجاجات شعبية، نقطة تحول نحو الديمقراطية. بالتالي، آخر ما يلزم في وضع مماثل هو عودة البشير أو مواصلة تهربه من العدالة. لكن كلما طال عدم الاستقرار، زادت فرص البشير بمعاودة بناء قاعدة من القوة والسلطة لنفسه. بالتالي، تولى أهمية حيوية وقصوى لمعاودة اعتقاله في حال كان هارباً، وآمل أن تسلط الحكومة الضوء على مخاطر هروبه أمام قائد الجيش السوداني عبد الفتاح برهان، وقائد "قوات الدعم السريع" شبه العسكرية حمدان دقلو المعروف باسم "حميدتي".

وفي حين يبقى الصراع محصوراً بين طرفين متحاربين، فما زال احتمال السلام قائماً، بيد أن أي طرف محارب جديد سينجح في تقويض أي فسحة أمل متبقية. كما أن الصراع وعدم الاستقرار يفسحان المجال أمام مزيد من الأنشطة الخبيثة التي قد تقدم عليها دول عدائية. وبالفعل، ها إن مجموعة المرتزقة الروسية "فاغنر"، المسؤولة عن الويلات في أرجاء القارة وأوكرانيا، تتحكم بعدد من مناجم الذهب في البلاد، وتوفر للدولة الروسية عائدات هي بحاجة ماسة إليها.

لقد أعلن قائد "قوات الدعم السريع"، الفريق أول دقلو، عن تأييده بناء قاعدة بحرية روسية في بورتسودان، علماً بأن بناءها سيحمل عواقب شديدة على السلام والأمن في أرجاء المنطقة.

وسبق أن عانت السودان إبادة جماعية في دارفور، ونحن اليوم أمام احتمال اختبار مزيد من العنف والموت واليأس. وأمامنا فسحة زمنية قصيرة لسحب أهلنا من هذه الهاوية، ولا بد أن نستغلها. وإن كان أي منكم أو من أحبائكم في السودان، توجهوا رجاءً إلى مطار وادي سيدنا.

لا مجال للمبالغة في وصف الوضع ومأسويته، ولا بد للاستجابة أن تكون سريعة وحاسمة وفعالة، لأن حياة كثيرين مرهونة بها.