Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تجنب الرصاص وإنفاق الآلاف… كيف هربت عائلات بريطانية من الحرب في السودان

شاهد الفارون الطائرات المقاتلة وهي تمخر عباب السماء والقذائف وهي تقع على بعد كيلومترات قليلة منهم فيما كانوا مضطرين إلى الاختباء

أطفال بريطانيون في حافلة أثناء فرارها من السودان قامت بتأمينها الدكتورة البريطانية لينا بدر وآخرين (لينا بدر)

ملخص

وصفت عائلات بريطانية فارة من السودان تفاديها إطلاق النيران الكثيف والقصف أثناء محاولتها الفرار من البلد الواقع في براثن الحرب بعد فشل وزارة خارجية بلادهم في تأمين طرق آمنة لخروجها.

وصفت عائلات بريطانية فارة من السودان تفاديها إطلاق النيران الكثيف والقصف أثناء محاولتها الفرار من البلد الواقع في براثن الحرب بعد "فشل" وزارة الخارجية في تأمين طرق آمنة لخروجها.

أشخاص كثر اضطروا إلى دفع الآلاف لتأمين هروب آمن من البلد، في وقت بدأت الرحلات الجوية الأولى بإجلاء الرعايا البريطانيين بعد ظهر الثلاثاء الفائت.

وكانت الدكتورة لينا بدر، 42 سنة التي تعمل طبيبة نسائية في هيئة الخدمات الصحية الوطنية في مدينة برمنغهام، تزور عائلتها في الخرطوم برفقة أطفالها الثلاثة عندما وجدت نفسها عالقة في وسط الاقتتال بين الجنرالين المتحاربين في السودان.  

بدر واحدة من بين 2000 مواطن بريطاني تقريباً في السودان سجلوا أسماءهم في وزارة الخارجية طلباً للحصول على المساعدة منذ اندلاع الصراع قبل قرابة الأسبوعين.

 

وعلى رغم مناشداتها اليائسة إلا أن أي تواصل لم يحصل للأم مع السلطات البريطانية، ما خلا الرسائل الإلكترونية الآلية التي تلقتها والتي طلب منها فيها ألا تبارح مكانها. وقالت إنها حاولت الاتصال بخطوط المساعدة المباشرة لكن لم يكن أي خط منها يعمل.    

بعدما اخترقت رصاصات طائشة غرفة الجلوس في منزل العائلة، ونفدت السلع الغذائية والمستلزمات ومرض طفلها البالغ من العمر سنتين، أخذت الأمور على عاتقها لكي تنقذ حياتهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقالت لـ "اندبندنت" عند الحدود المصرية التي كانت تأمل في أن تعبرها بأمان: "فقدت كل أمل في النظام. حتى هذا الصباح، لم أتلقّ أي شيء يتعلق بخطة إجلاء محكمة. وكل ما وصلني هو توجيهات بالبقاء داخل المنزل والاتصال في حال الحاجة إلى دعم نفسي... في غياب أي تواصل، كنا مضطرين إلى اتخاذ قرار. وقررنا المخاطرة".

اضطرت الدكتورة بدر إلى استئجار حافلة مع ابنة عمها، طبيبة الأسنان من برايتون التي كانت تزور هي الأخرى العاصمة السودانية خلال فترة الأعياد، ودفعت الوالدتان البريطانيتان زهاء 20 ألف دولار مقابل ذلك، مع الارتفاع الجنوني في أسعار المركبات والوقود وسط تصاعد وتيرة العنف.

حملتا معهما بعض البسكويت ورقائق البطاطس المتبقية لديهما، وقادتا الباص الذي كان على متنه 11 طفلاً لمدة 24 ساعة من أجل بلوغ الحدود المصرية. اعتمدت الطبيبتان على المعلومات المتوافرة على مجموعات "واتساب" السودانية لشق طريقهما.

وشرحت السيدة بدر عبر اتصال هاتفي معها: "توقفنا في الطريق عند منزل شخص كان من المفترض أن يزودنا بالنقود. لكن عند مدخل منزله وبينما كنا نتحدث، بدأ إطلاق النار بكثافة واضطررنا إلى ترك الموضوع برمته والإسراع إلى الباص وقيادته بعيداً وبسرعة لذلك لم نتمكن من الحصول على المال... قالوا لنا لاحقاً إن المنطقة تعرضت لقصف بالغ. بعضنا... لم يتمكن من إحضار جواز سفره معه، وبعضنا يحمل جوازات سفر منتهية الصلاحية".

 

وأضافت أن الجنود السودانيين وخصومهم من قوات الدعم السريع صعدوا إلى متن الباص عند نقاط تفتيش مختلفة لاستجوابهم على طول الطريق، مما أرعب الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و11 سنة، وسنتين.

وفي هذه الأثناء، قال زوجها أسامة سليمان، الطبيب الذي يعمل أيضاً في هيئة الخدمات الصحية الوطنية في برمنغهام إنه قلق من إمكانية اختطاف العائلة على الطريق.

وأخبر "اندبندنت" من منزله في برمنغهام: "قيل لنا إن قوات الدعم السريع تبحث عن أطباء لمعالجة جرحاها وتأخذ الأطباء الهاربين من داخل حافلات الإجلاء... أعرف عائلات أخرى كثيرة تقوم بهذه الرحلة نفسها. لقد ترك أفرادها وراءهم كل حقائبهم وأغراضهم". 

مر رعايا بريطانيون آخرون بتجربة الدكتورة بدر بعد أن هربوا وحدهم بدورهم.

كان ويليام، أستاذ المدرسة من كوفنتري، ينتظر هو الآخر عند الحدود المصرية، وقال إن السلطات البريطانية احتاجت إلى خمسة أيام قبل أن "تلاحظ حتى أننا هنا في الخرطوم" مع أن المنطقة التي كان فيها تعرضت لقصف مباشر من المروحيات.

 

بعد إجلاء الدبلوماسيين البريطانيين جواً من البلاد وعدم الإعلان عن أي خطة إجلاء للرعايا، رتبت المدرسة التي كان يعمل فيها حافلة من أجل عبور منطقة الحرب ونقل نحو 50 موظفاً من مختلف الجنسيات الدولية إلى بر الأمان.

وفيما كانت الطائرات الحربية تمخر عباب السماء والقذائف والمتفجرات تقع على بعد كيلومترات قليلة منهم، اضطروا إلى الاختباء داخل غرف نومهم ريثما يتسنّ لهم الخروج. 

وقال ويليام الذي طلب عدم الكشف عن اسم عائلته لأسباب أمنية، لـ"اندبندنت": "كأنه يوم القيامة. بعض المناطق في الخرطوم سوّيت بالأرض تماماً. كان من الضروري جداً أن نخرج ببساطة. من المستحيل أن يرغب أي شخص في البقاء في الخرطوم الآن".

وأضاف أن رحلته إلى الحدود المصرية استغرقت 24 ساعة فيما حصل إطلاق للنيران على طول الطريق... "استغرق الطريق بالسيارة يوماً وليلة وكان صعباً للغاية".

وأضاف: "لم تصلني أي رسالة من السفارة. إن البريطانيين بحاجة إلى تطمينات بأن شيئاً ما سيحدث".

 

تعرضت الحكومة البريطانية لانتقادات شديدة بسبب بطء استجابتها للأزمة، لا سيما بعدما نجحت دول أخرى عدة، من بينها الولايات المتحدة ودول خليجية كقطر وغيرها من الدول أوروبية، في إجلاء رعاياها.

ودافع وزير الخارجية جيمس كليفرلي عن تصرفات وزارة الخارجية أول من أمس الثلاثاء، فقال "إن الظروف تختلف بين دولة وأخرى... كما أن عدد الرعايا البريطانيين في السودان يفوق أعداد رعايا الدول الأخرى هناك بكثير".

ثم أضاف أن سلاح الجو الملكي بدأ بإجلاء المواطنين الآن، وهو يستغل هدنة هشة اتفق عليها الطرفان المتحاربان. لكنه أقر بأنه على الرعايا البريطانيين أن يعبروا وحدهم الطريق الخطر وصولاً إلى قاعدة جوية بالقرب من الخرطوم- يزعم بأن القوات الألمانية تؤمنها.

وحذر من أنه "يستحيل" أن نعرف إلى متى تستمر الهدنة وسط هذا القتال الضاري وأن "الوضع لا يزال خطراً ومتفجراً ولا يمكن التنبؤ به". 

كما أردف: "من المستحيل أن نعرف إلى متى ستظل أي طريق إجلاء أخرى مفتوحة". 

وتواجه الحكومة كذلك انتقادات متزايدة لعدم تقديمها تأشيرات دخول لظروف طارئة إلى أقارب المواطنين البريطانيين المقربين، منعاً لتشتت شمل العائلة، إذ قالت إحدى الطبيبات في هيئة الخدمات الصحية الوطنية، طلبت عدم الكشف عن هويتها لأسباب أمنية، لـ"اندبندنت" إن والدها الذي يعمل هو الآخر طبيباً في الهيئة وأصيب برصاصة في رجله في الخرطوم، وشقيقتها، أخبرا بتخصيص مكان لهما في موكب الإجلاء. لكن لم يخصص أي مكان لجدتها البالغة من العمر 87 سنة التي لا تحمل الجنسية البريطانية وتختبئ معهما.

وقالت بنبرة يائسة "لا يمكن للمملكة المتحدة أن تتوقع من والدي الجريح أن ينضم إلى موكب الإجلاء ويترك والدته ذات الـ87 سنة وحدها وسط حرب في الخرطوم". وأضافت "هذا أمر غير إنساني".

كما طرحت تساؤلات عن سبب إخراج الحكومة البريطانية لطاقمها الدبلوماسي أولاً، وتخليها عن مواطنيها، كما يبدو.

وقالت أزهار شلغامي، الباحثة في جامعة كورنيل في الولايات المتحدة، لـ"اندبندنت"، إن جدها البريطاني عبدالله شلغامي، رجل الأعمال المتقاعد والبالغ من العمر 85 سنة، ترك عالقاً في الجبهة من دون ماء ولا طعام مع أنه يسكن قبالة السفارة البريطانية مباشرة. وأضافت: "دهمت قوات الدعم السريع منزله ونهبته، وأخذت منه الطعام والماء. وفي ظل انقطاع الكهرباء كما خطوط الاتصال الهاتفي، ليس لدينا أي وسيلة اتصال به". 

وتابعت "اتصلنا بأشخاص عدة في السفارة وطلبنا مساعدتهم خلال الأيام الثمانية أو التسعة الماضية"، ووسط ورود تقارير تفيد بأن قوات الدعم السريع تختطف الأطباء وتنهب سيارات الإسعاف، لم يتمكن الصليب الأحمر من إنقاذه. وتعرض أفراد العائلة ومتطوعون سودانيون مدنيون لإطلاق النيران أثناء محاولتهم الوصول إلى الشارع. "كان جدي دائماً يقول إنه سعيد لأنه يسكن بالقرب من السفارة البريطانية، لأنه في حال وقوع أي أمر سيئ، فهم جيرانه. هذا أمر مخيب للآمال بشكل هائل".

وأضافت "أقلها، كان بإمكانهم أن يطرقوا بابه ويقدموا له زجاجة من المياه عندما غادروا لكنهم لم يفعلوا هذا حتى".

وبالعودة لبرمنغهام، قال الدكتور سليمان الذي ينتظر عودة عائلته بفارغ الصبر، إنه في ظل عدم وجود مساعدة تذكر، لا خيار أمام البريطانيين في السودان سوى أن يحاولوا الهروب من البلاد بأنفسهم.

وأضاف "كل من أعرفهم قاموا بالرحلة براً إلى مصر. معظم الذين سجلوا أسماءهم مع وزارة الخارجية لن يكونوا موجودين خلال عملية الإجلاء". 

"عندما تكون خطوط المساعدة المباشرة خارج الخدمة وعندما يتعذر عليك التواصل مع أي شخص ثم تصلك الأنباء حول إجلاء الدبلوماسيين والسفارة، تصاب بالذعر".

عند الحدود المصرية، قالت الدكتورة بدر إن ما تخشاه هو أن كثيرين اضطروا إلى ترك جواز سفرهم وراءهم في خضم القتال، ولن يحصلوا بالتالي على الموافقة لعبور الحدود. وأضافت أنه يمكنها أن تقدر صعوبة التخطيط لعملية إجلاء- لكن طالما قدرت هي أن تقوم بذلك، "فهو أمر ممكن".

وتابعت: "تمكنت دول أخرى من إجلاء رعاياها المدنيين بطريقة آمنة وفاعلة وسلسة... وطالما استطاعت دول أخرى أن تنفذ عملية إجلاء، توقعت أن تكون المملكة المتحدة من أول البلدان التي تقوم بذلك".

© The Independent

المزيد من متابعات