Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حديد التسليح يحكم قبضته على قطاع العقارات في مصر

الممارسات الاحتكارية من المنتجين تقف وراء الأزمة والشركات تطالب الحكومة بالتدخل الحاسم

يواجه القطاع العقاري المصري أزمة غير مسبوقة تمثلت في ارتفاع جنوني بأسعار مواد البناء (أ ف ب)

ملخص

القطاع العقاري المصري رهينة لأزمة "حديد التسليح" والمطورون العقاريون يبحثون عن الخلاص فما خططهم؟

رغم الاهتمام الذي قدمته مصر للقطاع العقاري خلال السنوات الثماني الأخيرة الذي بات يمثل نحو 25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لمصر وسجل مبيعات في عام 2022 بنحو تريليون جنيه مصري (نحو 33 مليار دولار أميركي)، فإنه تلقى ضربات متتالية خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة.

وأخيراً يواجه القطاع العقاري المصري أزمة غير مسبوقة تمثلت في ارتفاع جنوني في أسعار مواد البناء، وفي مقدمها حديد التسليح الذي تضاعفت أسعاره مرات عدة خلال عام واحد ليقفز سعر الطن من 15 ألف جنيه (485 دولاراً) في مارس 2022 إلى 42 ألف جنيه (1360 دولاراً) في أبريل 2023.

"حديد التسليح" لم يكن وحده المنتج الأكثر غلاء، بل تضاعفت أسعار مواد البناء كافة بأكثر من 100 في المئة، وهو ما بات يهدد بتوقف شركات التطوير العقاري عن العمل، بل ويكبد كثيراً من المطورين خسائراً تتجاوز حجم ما حققوه من مبيعات في ظل تضاعف كلفة التنفيذ.

ووجهت شركات التطوير العقاري والغرفة التجارية وشعبة صناعة التطوير ومجلس النواب نداءات للحكومة بسرعة التدخل، للسيطرة على حال الفوضى في سوق مواد البناء لكن الاستجابة جاءت بصورة نسبية.

"اندبندنت عربية" ناقشت المتخصصين في مجال التطوير العقاري، وكذلك منتجي الحديد للوقوف على أسباب الأزمة وسبل الخروج منها، ودور الحكومة لحماية أطراف المنظومة.

أسعار غير عادلة

يقول رئيس غرفة التطوير العقاري ووكيل لجنة الإسكان بالبرلمان المصري النائب طارق شكري، إن تقييم أزمة ارتفاع أسعار حديد التسليح يتطلب التساؤول حول عدالة الأسعار الموجودة في السوق المصرية، بخاصة بعد وصول سعر الطن إلى 41 ألف جنيه (1327 دولاراً).

وأضاف شكري أنه بمراجعة سريعة لسعر طن الحديد في بعض البلدان العربية يتبين أنه يوازي نحو 26 ألف جنيه مصري (842 دولاراً أميركياً)، في حين يزيد السعر داخل مصر بأكثر من 50 في المئة من هذه الأسعار، وهو أمر غير مبرر ويمثل ضغطاً شديداً على القطاع العقاري.

وأشار النائب المصري إلى أن هذا السعر دفع غرفة التطوير العقاري التابعة لاتحاد الصناعات المصرية للتقدم بمذكرة قبل أيام لمطالبة الحكومة بإلغاء رسوم الإغراق المفروضة على واردات الحديد لخلق منافسة سعرية عادلة بين المنتج المحلي والمستورد بهدف حماية صناعة التطوير العقاري التي تمثل أكثر من 20 في المئة من الناتج المحلي للدولة وتتأثر بها 100 صناعة أخرى، وهي خطوة كفيلة بخفض الأسعار لتقترب قليلاً من السعر في الدول المجاورة لتصبح الأسعار في مصر أقل بنسبة من 25 إلى 30 في المئة من الأسعار الموجودة حالياً.

 

ولفت شكري النظر إلى مدخلات البناء الأخرى التي ارتفعت أسعارها بجانب حديد التسليح وتمثل ضغطاً إضافياً على شركات التطوير، ومنها أسعار الأسمنت والأخشاب والكابلات والنحاس والألمنيوم والخامات الأخرى كافة التي أثرت بشكل سلبي ومباشر وبنسب تفوق قدرة وتخيل أي مستثمر في هذا المجال، إذ تراوحت الزيادة ما بين 100 إلى 150 في المئة ارتفاعاً في الأسعار، وهو عبء يتحمله طرف واحد فقط هو المطور العقاري، بخلاف المقاولين الذين تمنحهم عقودهم حق الحصول على تعويض سعري مناسب في حال تحركت أسعار الخامات.

وأكد وكيل الإسكان بالبرلمان المصري أن الأزمة لها شق آخر يتمثل في ارتفاع الفوائد البنكية التي تحصلها الحكومة على أقساط الأراضي المباعة لشركات التطوير، إذ يتم احتساب الفائدة بسعر "الكوريدور corridor" (الحد الأقصى والأدنى لسعر الفائدة لليلة واحدة ما بين البنوك)، الذي يتجاوز 22 في المئة حالياً، وهو ما يعني زيادة مستمرة في سعر أرض المشروع التي حصل عليها المطور وعدم ثبات سعر البيع، بجانب زيادة الخامات في ظل سعر بيع ثابت للعملاء.

وطالب شكري الحكومة بدعم المطورين بوقف سداد الفوائد المستحقة على أقساط الأراضي المخصصة لهم لمدة عامين لتخفيف الضغط الواقع على شركات التطوير، بخاصة أن أسباب الزيادة قهرية ولا دخل للمطور فيها.

وفي الثاني من يونيو (حزيران) 2022 أصدرت وزارة التجارة والصناعة المصرية قراراً بمد العمل بقرار فرض رسوم مكافحة إغراق نهائية بنسبة 25 في المئة على واردات حديد التسليح، و15 في المئة على خام البليت "أسياخ ولفائف وقضبان وعيدان" ذات المنشأ أو المستوردة من الصين أو تركيا أو أوكرانيا لمدة عام ينتهي في الخامس من يونيو 2023 بهدف حماية الصناعة المحلية.

وسجلت أكبر 20 شركة عقارية في السوق المصرية مبيعات بنحو 317 مليار جنيه (10.260 مليون دولار) خلال 2022، بخلاف مبيعات الوحدات التابعة للدولة والشركات الأخرى العاملة في السوق.

غياب الرقابة

من جانبه أكد رئيس شعبة مواد البناء في الغرفة التجارية بالقاهرة أحمد الزيني أن ارتفاع أسعار حديد التسليح غير مبرر وتقف وراءه الممارسات الاحتكارية من المنتجين، فهي نتاج غياب الرقابة الحكومية على الأسواق وعلى منتجي الحديد، وعدم تدخل الدولة للسيطرة على الأسعار وتفعيل القرار الملزم لشركات الحديد والأسمنت بضرورة إبلاغ وزارة التجارة بالكميات التي يتم طرحها من منتجاتها في الأسواق وقائمة التجار وأسماء الوكلاء الحاصلين على هذه الكميات، نافياً ما يتردد عن ارتفاع أسعار خام الحديد المستورد.

وأشار الزيني إلى أن الدور الحكومي يمتد لمتابعة حجم تشغيل المصانع وطاقتها الإنتاجية وأسعار البيع، وهو ما لا يحدث بالشكل المطلوب حالياً، داعياً إلى الحد من تصدير حديد التسليح للخارج، أو إلغاء رسوم الإغراق المفروضة على استيراد الحديد، بجانب القضاء على فوضى التسعير، إذ توجد فجوة سعرية بين المصانع المنتجة نتيجة غياب دور الدولة في تنظيم هذه السوق والتأكد من كفاية الكميات المطروحة محلياً لتلبية الطلب.

وحول التواصل مع الحكومة لحل الأزمة أكد تقديم عديد من المقترحات أبرزها فتح باب الاستيراد وفرض رقابة على الأسواق من حيث الكميات المطروحة وطريقة تسعيرها، لكن لم تجد صدى لها أو للمطالب الأخرى التي تقدمت بها شركات التطوير العقاري عبر نواب البرلمان.

وحول احتياجات السوق المحلية المصرية من كميات حديد التسليح، أكد رئيس شعبة مواد البناء، بأنه يحتاج إلى ما لا يقل عن ثمانية ملايين طن سنوياً، في حين حجم إنتاج المصانع غير واضح وغير معلوم لغياب البيانات التي ترصد حجم الإنتاج بدقة.

وبشأن الارتفاع الجنوني في أسعار الأسمنت أكد الزيني أن الحكومة سمحت لمصانع الأسمنت بخفض إنتاجها، وهو ما تسبب في قفزة كبيرة في أسعار الأسمنت من 800 جنيه (26 دولاراً) إلى أكثر من 2000 جنيه للطن (64 دولاراً) على رغم التحذيرات السابقة التي أطلقتها الشعبة للتحذير من السماح للمصانع بخفض الإنتاج الذي سيدفع الأسعار للزيادة وهو ما حدث فعلياً، مطالباً الحكومة بإلزام مصانع الأسمنت بالعمل بكاملة طاقتها لتغطية الطلب المحلي وتصدير الفائض من الإنتاج للخارج للحصول على "العملة الصعبة".

دور حكومي

يقول رئيس مجلس العقار المصري أحمد شلبي، وهو المجلس المنوط به إحداث التوازن بين مختلف الكيانات المسؤولة عن القطاع العقاري في مصر، إن أزمة ارتفاع أسعار حديد التسليح ومواد البناء تحتاج إلى تدخل سريع وحاسم من الحكومة، مشيراً إلى أن أبرز مطالب شركات التطوير يتمثل في إلغاء رسوم الإغراق المفروضة على الحديد المستورد، بخاصة وأن سعر طن الحديد عالمياً يراوح ما بين 24 إلى 28 ألف جنيه مصرياً، فيما يتجاوز سعر الطن المنتج محلياً داخل مصر 40 ألف جنيه (1294 دولاراً أميركياً) وهو أمر غير منطقي وتتضرر منه شركات التطوير العقاري بشكل أساسي، وهو جزء من المشكلة بجانب ارتفاع كلفة الأراضي خلال السنوات الأخيرة، ومعدلات الفائدة على أقساط تلك الأراضي، وكذلك ارتفاع الفائدة على التمويل، بجانب أسعار بقية مدخلات صناعة البناء.

وأشار شلبي إلى أن قيام الشركات بتنفيذ الوحدات المباعة خلال السنوات الثلاث الماضية في ظل ارتفاع أسعار الخامات هو خسارة مؤكدة، فكلفة تنفيذ المشروع باتت أعلى من كلفة بيعه، وهي أزمة عامة وغير مسبوقة وتهدد السوق بالكامل وتحتاج إلى حلول جديدة ومختلفة يتكاتف فيها المطورون مع الحكومة والبنك المركزي والقطاع المصرفي بشكل عام للخروج منها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

10 مطالب على طاولة الحكومة 

وحول دور مجلس العقار المصري في مواجهة أزمة ارتفاع أسعار مواد البناء بالتنسيق مع الكيانات العقارية المختلفة، أكد شلبي إعداد 10 طلبات هي حق مشروع لشركات التطوير التي جرى إرسالها للحكومة تمهيداً لعقد اجتماع مع وزير الإسكان المصري عاصم الجزار، ورئيس الحكومة مصطفي مدبولي حال تطلب الأمر ذلك.

وتتلخص الطلبات في السماح باستيراد الحديد من الخارج، وإلغاء رسوم الإغراق المفروضة على الواردات، وتأجيل سداد فوائد أقساط الأراضي لمدة عامين على الأقل كحد أدنى، مع تثبيت الفائدة عند نسبة 10 في المئة على غرار المعمول به في أراضي شركة العاصمة الإدارية الجديدة، إذ إن الأراضي ليست قرضاً بنكياً ليتم تركه لأسعار الفائدة المتغيرة الـ"كوريدور"، كذلك زيادة نسبة الـ"far" معامل استغلال الأراضي (هو نسبة تحدد ما بين المساحة الكلية المصرح بالبناء عليها في جميع الطوابق إلي مساحة أرض المشروع) لما لا يقل عن 25 في المئة من المسموح به، والتوسع في قاعدة "الحجوم" الخاصة بتحديد الكثافة السكانية للمشاريع.

 

وطالب المجلس أيضاً بطرح أراضي بأسعار مخفضة لشركات التطوير على غرار أراضي الإسكان التعاوني لتعويض المطورين عن الخسائر التي لحقت بهم جراء القرارات الاقتصادية للحكومة، بجانب اعتبار المشروع مكتمل التنفيذ بوصوله إلى 70 في المئة على أن يترك للمطور حرية استكمال النسبة الباقية وبيعها في أي وقت من دون الالتزام بجدول زمني للانتهاء منها وما يترتب على هذا الجدول من غرامات تأخير.

ومن المطالب التي قدمها المطورون أيضاً، تعليق سداد جميع العلاوات والرسوم الإضافية على المشاريع لمدة عامين على الأقل، وإتاحة التمويل العقاري للوحدات "تحت الإنشاء" كما كان في الفترات السابقة قبل عام 2008 كحل بديل، وكذلك منح تمويلات بنكية للمشاريع العقارية بفائدة 11 في المئة على غرار مبادرات دعم الصناعة والزراعة المدعومة من وزارة المالية.

وبشأن الأراضي السياحية المقيم سعرها بالدولار، طالب مجلس العقار المصري بتثبيت سعر الدولار عند سعر تاريخ الإسناد وليس وقت سداد القسط، بخاصة في ظل التحرك المستمر في أسعار الصرف، إذ يتسبب ذلك في خسائر كبيرة لملاك المشاريع السياحية.

عقود مستقبلية

أثار ملف التسعير في عقود بيع الوحدات المستقبلية نقاشاً موسعاً بين شركات التطوير العقاري، وكيف يمكن لتلك الشركات تفادي أي تذبذب جديد في أسعار مواد البناء مستقبلاً بهدف تجنب تكرار أزمة تنفيذ المشاريع بأعلى من عوائدها البيعية، حيث جرى اقتراح تضمين عقود البيع الجديدة بدءاً من العام الحالي بنداً ينص على تحمل العميل أية زيادة أو فروق سعرية تشهدها مواد البناء مستقبلاً ولحين تسلمه وحدته، على أن يكون ذلك من خلال آلية تحددها الحكومة مربوطة بنسب التضخم وارتفاع الأسعار.

واقترحت شركات أخرى استبعاد العميل من هذا الأمر كونه ليس طرفاً في المشكلة أو سبباً في زيادة الأسعار، على أن تتحمل الحكومة فروق الأسعار خصماً من أقساط الأرض التي يسدد المطور ثمنها للدولة، كونها المسؤولة عن المنظومة الاقتصادية والقرارات المختلفة وأية مشكلة اقتصادية تطرأ وتتسبب في خسائر للمستثمرين يجب أن تتحمل الدولة تبعاتها وليس العميل لحين استقرار الأوضاع الاقتصادية، وهو الفكر المعمول به في عقود شركات المقاولات حيث تتحمل الدولة فروق أسعار الخامات وتقوم بتعويض المقاولين عن أية زيادات سعرية طارئة، وفقاً لما أكده رئيس مجلس العقار المصري أحمد شلبي الذي شدد على أن الأزمة الكبرى ليست في المبيعات الجديدة، ولكن في المبيعات السابقة التي تمت خلال السنوات الثلاث الماضية وبخاصة من شركات التطوير الصغيرة والمتوسطة التي تمثل قرابة 70 في المئة من شركات السوق المصرية، حيث تم البيع بأسعار منخفضة تناسب سعر طن الحديد ومواد البناء آنذاك حيث كان طن الحديد تراوح قيمته من 10 إلى 14 ألف جنيه، مطالباً بسرعة تنظيم السوق لتفادي انهيار تلك الشركات.

في أبريل (نيسان) 2022 ومحاولة منه لبحث أسباب الأزمة وتداعياتها، عقد رئيس الوزراء المصري مصطفي مدبولي، اجتماعاً موسعاً بعدد من كبار مصنعي الحديد والصلب والأسمنت، بحضور وزير الإسكان والمرافق عاصم الجزار، ونيفين جامع وزيرة التجارة والصناعة، لبحث أسباب زيادة الأسعار.

وأكد رئيس الحكومة أن ارتفاع أسعار مواد البناء يؤثر بالسلب في قطاع التشييد والبناء بوجه عام، لافتًا إلى اهتمام الحكومة باستقرار قطاع المقاولات والتطوير العقاري الذي يعمل به ملايين الأيدي العاملة ويسهم بقوة في ارتفاع معدلات النمو، ومطالباً في ختام الاجتماع بالتوصل إلى سعر عادل للحديد والأسمنت حتى يحدث التوازن المطلوب، فيما حذر وزير الإسكان من أن الارتفاعات الكبيرة في الأسعار ليست في مصلحة الدولة ولا في مصلحة المصنعين ولا قطاع التشييد والبناء.

وفي السياق ذاته تدرس وزارة التجارة والصناعة خلال الفترة الحالية مد حظر تصدير حديد الخردة لمدة عام، في محاولة لوقف الزيادات المستمرة في أسعار الحديد.

في الـ22 من مارس (آذار) 2023 تقدمت عضو مجلس النواب المصري سميرة الجزار بطلب إحاطة إلى رئيس الوزراء بشأن الارتفاع الجنوني لسعر حديد التسليح ومواد البناء.

وقالت في طلبها إن طن حديد التسليح خلال شهر مارس قفز من 26 ألف جنيه للطن إلى 28 ألفاً ثم 36 ألفاً ووصل إلى أكثر من 42 ألف جنيه، متهمة المصانع والتجار باستغلال أحداث الحرب الروسية - الأوكرانية والأزمة الاقتصادية العالمية لإحداث فوضى في الأسعار وتحقيق مكاسب إضافية، مما يؤثر سلباً في صناعة التشييد والبناء التي يبلغ عدد العاملين فيها 3.463 مليون مواطن وفقاً لإحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

خسائر فادحة

يقول رئيس جمعية مطوري القاهرة الجديدة والعاصمة الإدارية محمد البستاني إن شركات التطوير العقاري في مصر تعيش كارثة حقيقية بسبب ارتفاع أسعار مواد البناء، وفي مقدمها حديد التسليح الذي بلغ أسعاراً جنونية، حيث ارتفع من 14 ألف جنيه في الربع الأول من عام 2022 إلى أكثر من 40 ألف جنيه في الربع الأول من العام الحالي.

وأكد البستاني أن الأزمة لها شقان، الأول هو الوحدات التي تم تسويقها وبيعها خلال السنوات الثلاث الماضية التي بيعت بأسعار كانت تناسب ظروف وأسعار مواد البناء في تلك الفترة، حيث كان طن الحديد يباع بسعر 10 آلاف جنيه والأسمنت بـ800 جنيه للطن بخلاف بقية مواد البناء من زجاج ونحاس وأخشاب وغيرها، ولم يكن متوقعاً أن تحدث تلك الزيادات غير المنطقية في أسعار مدخلات صناعة البناء، مشيراً إلى أن كلفة تنفيذ تلك الوحدات المباعة خلال تلك الفترة تتجاوز قيمة المبيعات الإجمالية، وهو ما يعني أن شركات التطوير ستتحمل خسائر كبرى للوفاء بالتزاماتها بسبب غلاء مواد البناء.

وأشار رئيس جمعية مطوري القاهرة الجديدة والعاصمة الإدارية إلى أن هناك مقترحات عدة عاجلة يمكن البدء فيها وأخرى آجلة تحتاج إلى دعم من الدولة، التي أعدتها جمعية المطورين للعرض على المسؤولين، لافتاً إلى أن المقترح العاجل هو التشاور ودياً مع العملاء المتعاقدين مع شركات التطوير لتحمل جزء من زيادات كلفة تنفيذ الوحدات السكنية باعتبار أن ما يشهده قطاع التطوير العقاري في مصر من زيادات في الأسعار هو قوة قاهرة ليس للمطورين ذنب فيها، مؤكداً أن القانون يقف حائلاً ويمنع ذلك ولا سبيل لتعديل الأسعار سوى بالطرق الودية مع العملاء.

 

وأكد البستاني أن العميل بين خيارات عدة، أولها إما التفاهم وتقديم يد العون للمطور لتنفيذ واستلام الوحدة المتعاقد عليها، ويكون ذلك من خلال تعجيل سداد ما تبقى عليه من أقساط دفعة واحدة للمطور لشراء الخامات اللازمة والتنفيذ الفوري للمبنى، أو سداد العميل فروق أسعار تتناسب مع الزيادات الضخمة في أسعار الخامات، لافتاً إلى أن التعاون بين الطرفين هو الحل "لإنقاذ ما يمكن إنقاذه".

وأضاف البستاني أن هناك حلاً ثالثاً يتمثل في قيام المطور باستكمال تنفيذ الوحدة المباعة للعميل على نفقته على رغم الزيادات السعرية في مواد البناء في مقابل أن تكون الوحدة ملكية مشتركة بين المطور والعميل، أو أن يسترد العميل ما سدده من مقدم حجز وأقساط محملة بفائدة البنك المركزي وأن تعود الوحدة لحوزة المطور مرة أخرى.

وأرجع رئيس جمعية مطوري القاهرة الجديدة والعاصمة الإدارية أزمة تصاعد أسعار حديد التسليح إلى اتجاه الشركات المنتجة لتصدير منتجاتها للحصول على الدولار الذي يمكنها من شراء المواد الخامة اللازمة للتصنيع وغير المتوفرة محلياً، مطالباً الحكومة بتعويض المطورين بمنحهم "طابقاً" إضافياً برسوم رمزية في الأراضي المخصصة لهم، أو زيادة النسبة البنائية في المشاريع بما يعوض زيادة تكاليف التنفيذ، بجانب إطلاق مبادرات مصرفية لدعم شركات التطوير.

إطار حماية

يقول عضو مجلس إدارة شعبة الاستثمار العقاري في غرفة القاهرة التجارية حسن جودة إن شركات التطوير العقاري في موقف لا تحسد عليه، فهي بين شقي رحى بين الوفاء بالتزاماتها مع العملاء وتحملها خسائر مالية كبيرة لتنفيذ تعهداتها في ظل الزيادة الجنونية في أسعار حديد التسليح ومواد البناء الأخرى.

وأشار إلى أن الحكومة لم تتخذ أية خطوات لحل الأزمة أو للسيطرة على أسعار حديد التسليح، إذ لم تستمع بالشكل المطلوب لشكاوى ومطالب المطورين العقاريين وهو ما يزيد الموقف صعوبة ويؤثر سلباً في القطاع الاقتصادي الأهم في مصر، فالجميع يبحث عن إطار قانوني يحمي المطور والعميل وصناعة التطوير العقاري بشكل عام أيضاً، لافتاً إلى أن شركات التطوير تدرس التفاوض الودي مع العملاء لتحصيل فروق أسعار منهم، أو تسليم المشاريع للحاجزين من دون استكمال بقية البنود المتفق عليها، مناشداً العملاء التعاون مع المطورين لعبور الأزمة.

مصانع الحديد: إنتاجنا وأسعارنا مراقبة

وعلى الجانب الآخر أكد الرئيس التنفيذي لتطوير الأعمال بمصانع المراكبي للحديد والصلب رامي صالح، أن مدخلات إنتاج حديد التسليح في مصر تعتمد بشكل أساسي على الخامات المستوردة من الخارج شأنها شأن الصناعات كافة في مصر، مشيراً إلى أن بعض خامات الحديد المتوفرة محلياً تركيز مادة الحديد فيها يكون بنسب متدنية، وهو الأمر الذي كان سبباً في فشل شركات كبرى مثل شركة الحديد والصلب المصرية التي كانت تعتمد على خامات من الواحات البحرية.

وأشار صالح إلى أن مصانع الحديد والصلب نوعان، الأول يعتمد على أوكسيد الحديد "مكورات الحديد" والمستورد من الخارج، أو يعتمد على حديد الخردة غير المتوفر بكثرة محلياً، لافتاً إلى أن تراجع معدلات تشغيل المصانع ذات الأنشطة الأخرى التي كانت تخلف كميات من الخردة يتم بيعها بعد ذلك لمصانع الحديد أثر بشكل مباشر في حجم المتاح من الخردة في مصر الذي لا يسد أكثر من 10 في المئة من احتياج مصر من الحديد سنوياً.

وأوضح الرئيس التنفيذي لمصانع المراكبي أن ارتفاع أسعار الحديد محلياً سببه غياب الخامات، وأن المتحكم في أسعار المنتج النهائي من حديد التسليح هم تجار الخردة بالأساس وليس مصانع الحديد، بخاصة وأنه لا رقيب على الأسعار التي يقررها تجار الخردة لبيع المخزون المتوافر لديهم فهو عرض وطلب، حيث يتم طرح حديد التسليح المصنع من الخردة في السوق المحلية وهو ما يفسر سبب ارتفاع أسعاره.

وأضاف صالح أن الأفران وأقطاب الجرافيت التي تحول الكهرباء إلى حرارة لصهر الحديد وغيرها من أدوات الإنتاج والخامات المساعدة جميعها مستوردة بالدولار وهي أعباء مالية تتحملها المصانع وإلا توقفت عن الإنتاج حتى وإن توفرت لها كميات من الخردة، مؤكداً أن سعر طن الخردة الأسبوع الماضي تجاوز 20 ألف جنيه (647 دولاراً أميركياً) غير شامل الضريبة، بخلاف نسبة هالك من الكمية أثناء التصنيع تقترب من 20 في المئة، وهو ما يفسر أيضاً ارتفاع أسعار المنتج النهائي، مشيراً إلى القاعدة المعروفة في السوق بأن سعر طن الخردة يعادل 50 في المئة من سعر طن الحديد بعد التصنيع.

 

وحول الاتهامات الموجهة لمنتجي الحديد بأن تصدير حديد التسليح للخارج هو السبب الرئيس للأزمة الموجودة محلياً أكد صالح أن هذه الاتهامات غير دقيقة وأن التصدير هو وسيلة للحفاظ على استمرارية الإنتاج، منوهاً بأن إنتاج الحديد من الخردة وطرحه في السوق المحلية معناه أن تعمل المصانع بطاقة إنتاجية لا تتجاوز 10 في المئة من قوتها، أو أن تتوقف تماماً عن العمل، لافتاً إلى أن تصدير حديد التسليح هو محاولة من المصانع للاستمرار في العمل وتعظيم الاستفادة من الطاقة المعطلة للمصانع من خلال جلب طلبات تصدير حديد للخارج، ومن عوائد بيعها بالدولار يقوم المصنع بشراء خامات تمكنه من الاستمرار في العمل بطاقة أكبر قد تصل إلى 40 في المئة يصدر منها ما يمكن تصديره ويطرح بقية الإنتاج في السوق المحلية، وأنه لا يوجد مصنع في مصر يعتمد على التصدير فقط، بخاصة وأن طلبات التصدير ليست بالكثافة التي يتصورها بعضهم في ظل أن أغلب دول العالم تعاني أزمات اقتصادية.

وأكد الرئيس التنفيذي بمصانع المراكبي للحديد والصلب أن مصانع الحديد كافة في مصر تعمل بطاقة إنتاجية حالياً أقل من 50 في المئة من قدراتها بسبب شح الخامات، وأن مصانع الحديد تحقق خسائر كبيرة في ظل الأزمة الحالية.

وأكد صالح أن معدلات الطلب تراجعت خلال الربع الأول من العام الحالي بنسبة 30 في المئة، فيما تراجعت نسب الإنتاج خلال الفترة ذاتها بنسبة 20 في المئة، وما يتم تصديره هو الفارق بحوالى 10 في المئة، متوقعاً حدوث حال من الانكماش الكبير في السوق المصرية خلال العام الحالي.

وتحتاج مصر سنوياً إلى حوالى 8 ملايين طن من حديد التسليح، حيث استهلكت السوق المحلية في عام 2022 حوالى 7.9 مليون طن، وفي عام 2021 نحو 7.3 مليون طن، بينما أنتجت مصر حديد تسليح خلال الربع الأول من العام الحالي حوالى 1.7 مليون طن، استهلكت منه 1.4 مليون طن بنسب تراجع ملحوظة مقارنة بالربع الأول من 2022 الذي سجل إنتاج 2.2 مليون طن واستهلاك 2.1 مليون طن.

ويضيف رامي صالح بأن الطاقة الإنتاجية القصوى لمصانع الحديد في مصر تبلغ حوالى 15 مليون طن سنوياً، وتكتفي المصانع بإنتاج لا يتجاوز 10 ملايين طن سنوياً لتغطية الطلب المحلي والتصدير للخارج، مشيراً إلى أن حجم إنتاج مصانع الحديد معلن ومراقب من قبل الحكومة، فهو سلعة استراتيجية وليس كما يظن بعضهم أن مصانع الحديد بعيدة من رقابة الحكومة.

وطالب رئيس تطوير الأعمال بمصانع المراكبي الحكومة بسرعة تدبير الدولار لاستيراد المواد الخام اللازمة لتشغيل المصانع وإنتاج الحديد وإنهاء الأزمة التي يعانيها جميع المستثمرين، بخاصة في ظل التكالب الكبير على الطلب محلياً بدافع القلق من استمرار حال عدم الاستقرار الاقتصادي، مشيراً إلى أن الاعتماد على الخردة طوال الوقت مخاطرة تهدد بتوقف عديد من المصانع في حال عدم وجود كميات منها.

وحول جدوى إلغاء رسوم الإغراق المفروضة على واردات الحديد أكد صالح أن الأزمة تكمن في مدى توافر الدولار الذي يمكن به استيراد حديد التسليح من أية دولة أخرى، أو استيراد المواد الخام اللازمة لتشغيل مصانع الحديد الوطنية بكامل طاقتها الإنتاجية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات