ملخص
ما مآلات انهيار النظام الصحي في السودان؟
منذ بدأت الأزمة بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع، هدد النظام الصحي في السودان بالانهيار، خصوصاً بعد خروج 70 في المئة من المرافق الصحية والمستشفيات من الخدمة فوراً، بعد استيلاء جهات عسكرية عليها وجعلها وسيلة للحماية من العدو. وخلف الصراع بين الطرفين ما يزيد على 470 قتيلاً وأصيب أكثر من 3700 آخرين بجروح، بحسب وكالات أنباء ولجان طبية.
وقالت نقابة أطباء السودان في بيان، إن "المستشفيات والمؤسسات الصحية في الخرطوم ومدن مجاورة تعرضت للقصف بالمدافع والأسلحة النارية، ما ألحق أضراراً بالغة في عدد منها، على رأسها مستشفى الشعب التعليمي ومستشفى ابن سينا التخصصي ومستشفى بشاير".
وضع كارثي
ونشرت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان تقريراً يوضح وضع المستشفيات في البلاد. وقالت إن "96 في المئة من المستشفيات المتاخمة لمناطق الاشتباكات متوقفة عن الخدمة، بينما توقفت 88 مستشفى أساسية في العاصمة والولايات وتعمل 72 مستشفى أغلبها بشكل جزئي، وهي مهددة بالإغلاق أيضاً نتيجة لنقص الكوادر الطبية والإمدادات الطبية والتيار المائي والكهربائي". وأكد البيان أن "61 مستشفى تم قصفها و91 مستشفى أخرى تعرضت للإخلاء القسري".
وصرح المتحدث باسم "تجمع المهنيين السودانيين" أمين ناصر مكي لـ"اندبندنت عربية"، أن "انهيار النظام الصحي في السودان بسبب الحرب العبثية بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية التي دخلت يومها الـ17 يعد أمراً مأسوياً".
وفي ضوء تقارير نقابة الأطباء السودانيين ومنظمة الصحة العالمية، قال مكي إن "الحرب أدت إلى انتهاكات لحقوق الإنسان واقتحام المستشفيات وبنك الدم والقصف العشوائي للمستشفيات، واستخدام الكوادر الطبية والمدنيين كدروع بشرية، والاعتداء على الطواقم الطبية وعربات الإسعاف، وأسفر عن مقتل 13 من أعضاء الجسم الطبي حتى الآن، وقصف مصانع الأدوية والصيدليات، وحالة من السيولة الأمنية التي نتج عنها حالات نهب وسلب للصيدليات ومخازن الأدوية وعدم إيجاد ممرات آمنة لإيصال الأدوية، وخرق الهدن المستمر من قبل الطرفين، مما تسبب في نقص حاد في الصيدليات لا سيما في أدوية الضغط والسكري والأمراض المستديمة".
انهيار تام
وتابع مكي قائلاً، "في ظل هذا الوضع، وعلى رغم النكران الدائم لوزارة الصحة يواجه السودان انهياراً كاملاً للنظام الصحي. فمستشفيات ولاية الخرطوم متوقفة بنسبة 96 في المئة، وهناك 61 مستشفى خرجت عن الخدمة من أصل 88، وعديد من المصابين والمرضى لم يتمكنوا من الوصول إلى المستشفيات بسبب صعوبة التنقل والوضع الأمني في البلاد. وبلغ عدد الوفيات منذ بداية الاشتباكات نحو 447 حالة وفاة بين المدنيين معظمهم من النساء والأطفال، وسجلت 2255 حالة إصابة بين المدنيين. ومن المتوقع أن يكون الضحايا العسكريون أضعاف هذه الأعداد، وهناك الآلاف يواجهون شبح الموت بسبب انقطاع علاجهم الكيماوي وانقطاع الغسيل الكلوي وإغلاق المستشفيات، كما هناك كارثة صحية سببها تحلل الجثث في شوارع الخرطوم، وعدم تمكن الأهالي من دفن أقاربهم، وفقاً لتقارير ضباط الصحة العامة". وعن مناطق النزاعات في غرب السودان وشبح توقف المستشفيات فيها، قال مكي "ما زالت كل المستشفيات والمرافق الصحية متوقفة في مدينة الجنينة حتى اللحظة، حيث العدد المبدئي للضحايا حتى الآن 98 قتيلاً ومئات الإصابات".
في سياق متصل قال مكي، إن "الأزمة الصحية في السودان لم تكن متفاقمة فقط بسبب الحرب، بل تزامن ذلك مع نقص حاد في الموارد الطبية والإمدادات الطبية الأساسية، مثل الأدوية والأوكسجين، وانعدام الوقود والكهرباء والماء، مما أثر سلباً على النظام الصحي في البلاد".
مبادرات طوعية
حرصت المبادرات الطوعية على سد الفجوة. وقال مكي، إن "المبادرات الطوعية تعمل على إعادة الخدمة لعدد من المستشفيات بمجهود شعبي ومناشدات للطواقم الطبية في ظل غياب وزارة الصحة".
أما عن دور النقابات المهنية والأجسام الطبية فقال مكي إن "الأجسام الطبية والنقابات المهنية داخل تجمع المهنيين تعمل ومنظمات حقوق الإنسان على المطالبة بفتح ممرات آمنة لإيصال الإمدادات الطبية الأساسية إلى المناطق المتضررة، وتناشد المنظمات الدولية بإيصال المساعدات الطبية والإنسانية إلى السودان، وأن تحث الأطراف المتحاربة على احترام حقوق الإنسان والحفاظ على البنية التحتية الصحية في البلاد. وتدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار، والاتجاه إلى التفاوض وفتح الممرات الإنسانية".
جهود وزارة الصحة
وقال المتحدث باسم وزارة الصحة محمد إبراهيم عبدالرحمن، إن "هناك 3013 إصابة مسجلة منذ بدء الاشتباكات".
وأفادت وزارة الصحة السودانية في بيان إن 21 مستشفى تحولت إلى ثكنات لقوات الدعم السريع. وقال مصدر من وزارة الصحة رفض ذكر اسمه، إن "الدعم السريع بعد تحويله المستشفيات لثكنات عسكرية عكس صورة سيئة عنه وعن نواياه المتمثلة في التخريب". وأضاف المصدر أن "تحميل وزارة الصحة التي تعتبر الآن مغلوبة على أمرها، مسؤولية ما يحدث، فيه إجحاف كبير، حيث ما زالت الوزارة تتابع وتعمل على الحفاظ على ما تبقى من مستشفيات ومحاولة تشغيل المستشفيات المعطلة بسبب الحرب، كما تعمل الوزارة على البحث عن بدائل حتى وإن كانت منازل لعلاج المصابين بواسطة كوادر طبية تابعة لها".
هرب نحو العلاج
وبعد أن اعتاد السودانيون البحث عن العلاج داخل مدينة الخرطوم تبدلت الأحوال والظروف، فأصبح الجميع يتجهون نحو الولايات للبحث عن أطباء حتى وإن كانوا ذوي خبرة بسيطة، لتضميد جراحهم ووقف شلالات الدماء والنزيف.
محمد عبدالعظيم، شاب جامعي تعرض لإصابة في قدمه اليمنى برصاصة طائشة وبسبب خروج أغلب المستشفيات في العاصمة عن الخدمة، اتجه إلى مدينة "ود مدني" بحثاً عن مستشفى تساعده على استخراج الرصاصة قبل أن تتسبب في فقدانه قدمه. وقال عبدالعظيم "تعرضت للإصابة في الأسبوع الثاني من بدأ الصراع. ولم أستطع أن أعلاجها لمدة يومين كنت أعاني فيها أشد المعاناة ولا يوجد مستشفى مجهز لعلاج قدمي المهددة بالبتر حتى نصحني البعض بالذهاب إلى مدينة مدني للعلاج".