ملخص
يرى مراقبون أن "حماس" والفصائل أدركت عبثية إطلاق الصواريخ لذلك لن تنجر من جديد لمعارك مفتوحة
عقب وفاة الأسير الفلسطيني خضر عدنان أمس الثلاثاء، دخلت الأراضي الفلسطينية في موجة توتر أمني مع إسرائيل، تخلله إطلاق رشقات صاروخية وقذائف هاون من غزة صوب التجمعات السكنية الإسرائيلية المحاذية للحدود مع القطاع، فيما رد الجيش بقصف جوي استهدف البنية التحتية للفصائل، وأسفر عن مقتل مواطن فلسطيني وجرح خمسة آخرين.
الاندفاع نحو التوتر الأمني والردود العسكرية التي جرت بين قطاع غزة والجيش الإسرائيلي، لم تجر المنطقة إلى مواجهة مفتوحة، بل كانت أشبه بالفعل ورد الفعل، وعمد الطرفان إلى تحجيم ردود إطلاق النار بما يضمن عدم اندلاع معركة جديدة.
ساحة للعمل السياسي وتجنيب فعل "المقاومة"
وظهر ذلك واضحاً في إطلاق النار المتبادل، إذ أطلقت الفصائل الفلسطينية رشقات صاروخية عدة من غزة صوب المدن الإسرائيلية المحاذية للقطاع، وهو ما يعني أن هذا الرد محسوب ومحدود بما يضمن عدم جر المنطقة إلى صراع مفتوح.
وحسب دراسة أشكال المعارك العسكرية السابقة، فإن عملية قصف مدن "غلاف غزة" لا يؤدي إلى معركة مفتوحة، وإنما يرد الجيش الإسرائيلي بقصف القطاع، بينما توجيه رشقات القذائف صوب مدن وسط إسرائيل كان يجر المنطقة إلى عملية عسكرية واسعة.
يعقب على ذلك الباحث في الشؤون السياسية منصور أبو كريم قائلاً إن "طبيعة قصف الفصائل لمدن غلاف غزة تظهر أن الرد العسكري لن يستمر طويلاً ولن يصل إلى عمق إسرائيل، لأن حماس تميل إلى ساحة العمل السياسي كونها سلطة في غزة أكثر من قوة مقاومة، وهذا يندرج في سياق التحول داخل الحركة المتمثل في تجنب العمل العسكري والتراجع عنه قليلاً، في محاولة منها للتكيف مع متطلبات المجتمع الدولي من أجل الحصول على الشرعية الدولية والإقليمية وتثبيت أركان حكمها في غزة".
وبحسب منصور فإن "إسرائيل وحماس على حد سواء بذلتا جهوداً كبيرة على المستوى الدولي من أجل تبريد جبهة غزة، إذ إن عودة تسخين المنطقة لا يخدم الطرفين، لذلك فإن احتمالية الانجرار لتوتر أمني ضئيلة جداً".
رد إسرائيل بأفعال الماضي
ومن جهة قصفها لغزة، ظهرت إسرائيل وكأنها لا ترغب في مواجهة عسكرية، إذ استهدفت مواقع عسكرية تابعة للفصائل، ولم تلحق الضرر بأهداف مهمة قد تدفع إلى تطوير شكل المواجهة، ودلل على ذلك بيان المتحدث باسم الجيش أفيخاي أدرعي الذي استخدم أفعال الماضي عند وصفه الأماكن المستهدفة، وقال "أغارت الطائرات على مجمع عسكري كان يستخدم كمعسكر تدريب لحماس، إضافة إلى مواقع كانت تضم مستودعات أسلحة، إلى جانب تدمير مجمع تدريب للحركة".
ويعتقد مراقبون أن الفصائل الفلسطينية كانت واضحة منذ بداية انتقامها لخضر عدنان بأن المواجهة ستأخذ شكل ضربة محدودة، وذلك تماشياً مع الظروف الإنسانية في غزة والضغوط الدولية بهذا الصدد.
تعقيب الفصائل
وقال أستاذ العلوم السياسية حسام الدجني إن "فصائل غزة غير معنية بالتصعيد العسكري المفتوح، وذلك حسب تعقيب المتحدثين على حادثة عدنان وتحليل البيئة السياسية للفصائل، وواقع قطاع غزة على المستويات الإنسانية، وحتى ضمن التعاطي مع المستويين الإقليمي والدولي".
على المستوى الرسمي للفصائل، اقتصر موقف "حماس" على حض الفلسطينيين على الانتقام، وقال الناطق باسم الحركة حازم قاسم إن "ارتقاء عدنان جريمة تمثل إعداماً بدم بارد وشعبنا عودنا أنه لا يمكن أن يمرر هذه الجريمة دون رد يوازيها".
كما قال عضو المكتب السياسي لحركة "الجهاد الإسلامي" أحمد المدلل "إن عدنان لم يمثل نفسه ولا حتى تنظيمنا فقط، وإنما مثل الشعب الفلسطيني وسيكون هناك توافق على مستوى الرد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مشهد سياسي بعيد من العمل العسكري
وبالعودة إلى الدجني فقال إنه "في إطار نضجها السياسي لم تعد الفصائل تتعاطى بالفعل ورد الفعل مع إسرائيل، وباتت تتعاطى مع المشهد ضمن إطار سياسي وليس عسكرياً، وأصبحت الفصائل تعتبر نفسها أنها مقاومة ليس من أجل المقاومة، وإنما من أجل مشروع وطني، لذلك لم تدخل في عمليات عسكرية جديدة".
وكانت فصائل غزة عقبت على قصفها إسرائيل إثر وفاة عدنان، بأن ذلك "رد أولي، بينما الردود ستفجر من الأفراد الفلسطينيين في جميع الساحات وأماكن الاشتباك"، وأن على إسرائيل "عدم التمادي في العدوان، ولا ارتكاب جرائم جديدة ضد غزة لأن ذلك لن يبقى دون رد وسيؤدي إلى معركة مفتوحة".
ولفت الدجني إلى أن "قصف فصائل غزة للمدن الإسرائيلية المحاذية هو مجرد تنبيه المجتمع الدولي لما يحصل في غزة وبقية المناطق الفلسطينية، ورسالة للحث على التدخل لوقف سياسات تل أبيب المخالفة للقرارات الشرعية الدولية، وتلك الصادرة عن الأمم المتحدة".
وأوضح أنه "حسب القراءة لما بين سطور بيان غرفة الفصائل المشتركة يظهر واضحاً أن فعل التوتر الأمني أو العسكري انتهى في غزة، وعلى إسرائيل أن تلتقط هذه الرسالة وعدم الذهاب إلى عدوان واسع على القطاع خلال الفترة المقبلة أو أثناء ردها على القذائف الصاروخية التي سقطت على مدن الغلاف".
صراعات دموية غير مجدية
من جانبه، اعتبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر إبراهيم أبراش أن "الحالة الموجودة في غزة تأخذ شكل التوتر الأمني باستمرار ولم تهدأ المنطقة منذ أمد بعيد، ونصف سياسياً الوضع في القطاع بأنه لا حرب ولا سلم، بل توتر أمني لا يدفع لمواجهة عسكرية".
ووفقاً لتقديرات أبراش، فإن "غزة لن تشهد عمليات عسكرية مفتوحة خلال الفترة المقبلة، وإنما ستأخذ شكل توتر أمني فقط، لأن الفصائل أدركت أن الانجرار للصراعات الدموية لن يكون مجدياً ولا يحقق الغايات ويجلب دماراً مستمراً للقطاع".
ولفت أبراش إلى أن "العمليات العسكرية التي خاضتها غزة، وكانت تأخذ شكل مواجهات صاروخية، كانت حروباً مدمرة ولم تلحق ضرراً بإسرائيل، التي كانت تستغلها في عزل غزة عن العالم وبقية الأراضي الفلسطينية".
حالة الهدوء ضرورية
ورأى المتحدث ذاته أن "حماس والفصائل أدركت عبثية إطلاق الصواريخ، لذلك لن تنجر من جديد لمعارك مفتوحة، وهذا يعود إلى التفاهمات واتفاقيات الهدوء التي جرت برعاية الوسيطين المصري والأميركي وعملت على الضغط لعدم عودة الحروب المدمرة إلى غزة".
وأوضح أبراش أن "إسرائيل نجحت في ربط اقتصاد غزة بها، ورهنت ذلك في استمرار عملية الهدوء ما يجعل حماس والفصائل أسيرة لحالة الهدنة، وتحاول نقل المواجهة إلى الضفة الغربية بدل خوض معارك مدمرة ودموية".
أما من ناحيتها فاكتفت تل أبيب بتهديد غزة أو أي طرف يحاول القيام بأعمال عنف، وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت "سنعمل بحزم في غزة وسيندم كل من يحاول إيذاء أمن إسرائيل".