Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصلاة ملجأ البشر القديم خلال الجوائح

مناجاة الآلهة طلباً لهطول المطر قد تحيلنا على موضوع تغير المناخ وتأثيره المباشر في حياة البشر

إسبان مسيحيون يتجهون لأداء صلاة الاستسقاء بسبب الجفاف الذي ضرب بلادهم (أ.ب)

ملخص

يفسر علم نفس الجماعات طلب العون الجماعي من آلهة السماء بمثابة حماية أخيرة قبل فقدان الأمل

دفع الجفاف الحاد الذي يصيب جنوب إسبانيا، في مقاطعة الأندلس تحديداً التي يعتمد سكانها على أشجار الزيتون في معاشهم السنوي والفصلي من زيتها وتصدير مصنوعاتها من الصابون والعطور وزيوت التجميل، وهذه الزراعة تحتاج إلى مياه الأمطار السنوية التي تهطل في الربيع وقبل وصول فصل الصيف الحار، دفعت هذه الأزمة أبناء رعية مدينة "هايين" الجنوبية إلى تنظيم مسيرة قبل أيام تخللتها صلاة استسقاء من أجل نزول المطر، وحمل الآلاف تمثال "أل أبويلو" أو المسيح حاملاً الصليب في شوارع المدينة في أول صلاة استسقاء منذ مارس (آذار) 1949.

وقال رئيس أخوية "أل أبويلو" ريكاردو كوبوس إن المزارعين "أسرى جفاف مستمر. نطلب في هذه المسيرة من الرب مساعدتنا وإنقاذنا". مع العلم أن الجفاف يصيب 60 في المئة من عموم إسبانيا، وهي من الدول التي تصدر جزءاً كبيراً من إنتاجها الزراعي إلى دول الاتحاد الأوروبي، وبدأ هذا الجفاف يثير قلق المزارعين والسلطات.

السماء ملجأ جميع الديانات

مناجاة الآلهة في السماء طلباً لهطول المطر قد تحيلنا على موضوع تغير المناخ وتأثيره المباشر في حياة البشر، ولكنه أيضاً يضيء على طلب المساعدة من الرب أو من الطبيعة في مختلف الأديان السماوية والأرضية في الحالات التي لا يعود أمام البشر إلا أن يطلبوا مساعدة السماء سواء من أجل إنزال المطر أو من أجل وقف هطول المطر الغزير الذي يؤدي إلى كوارث طبيعية، أو إقامة الصلوات والتضرع من أجل إيقاف طاعون شامل يفتك بأعداد هائلة من البشر من دون أن يتمكنوا من ردع ملاك الموت عن حصد الأرواح. في السنوات الماضية إبان تفشي فيروس كورونا حاول مؤمنون كثر علاج إصاباتهم أو إصابة أقاربهم وأصدقائهم بواسطة الصلوات والدعاء أحياناً، أو بواسطة وصفات طبية دينية بعضها كان مثيراً للاستغراب.

ويفسر علم نفس الجماعات طلب العون الجماعي من آلهة السماء بمثابة حماية أخيرة قبل فقدان الأمل مما يمنع من تثبيط العزائم، خصوصاً في مواجهة الجوائح الطبيعية التي لا يمكن للبشر أن يمنعوا وقوعها أو أن يتوقعوها أو أن يقللوا من أضرارها، كالزلازل وأمواج التسونامي التي تنتج عنها، فتكون العودة إلى الخالق أو الرب أو القوة المطلقة العليا آخر فسحة من الأمل للتخفيف من حدة المأساة العامة، والأمر نفسه يحدث للأفراد الذين يمرون بظروف عصيبة ومفاجئة كموت شخص مقرب جداً حين يعزيهم الاعتقاد أن هذا القريب قد انتقل إلى مكان أفضل يقع في السماء.

في النهاية، يناجي جميع المؤمنين خالقهم أو إلههم ويتضرعون له بطرق مختلفة بخاصة في الديانات السماوية الثلاث، فيقال في الإسلام على سبيل المثال إن صلاة الاستسقاء سنة مؤكدة عند حصول موجبها أي حاجة الناس إلى المطر لجدب الأرض والخوف على المزارع ونحو ذلك، وإن عين الإمام يوماً لصلاتها فليستعدوا بالصيام والصدقة والتوبة وهذا ما يحدث أيضاً في المسيحية واليهودية.

يقول الحاخام مناحيم فرومان، وهو حاخام محافظ من مستعمره "تكواع" قرب بيت لحم، في تحقيق لمجلة "أخباركم" حول توحيد صلوات الاستسقاء بين الديانات السماوية الثلاث في فلسطين، "قبل كل شيء نحتاج إلى المطر كي نعيش، إذا لم يكن هناك مطر فلن يكون هناك يهود أو مسلمون أو مسيحيون فوق أرض مصابة بالقحط والجفاف. وفي الأعوام الماضية دعا الحاخامات في إسرائيل المؤمنين اليهود إلى الصلاة من أجل هطول الأمطار، إضافة إلى صلاتهم يوم السبت"، وطلب رجال دين مسيحيون في السنوات الماضية من المؤمنين توحيد صلواتهم معاً، وجدد رجال دين مسلمون في فلسطين ومصر التأكيد أن صلاة الاستسقاء تنزل المطر على الجميع باختلاف أديانهم وعقائدهم الدينية.\

ولدى المسيحيين غالباً ما تكون الصلاة موجهة إلى القديس إيليا "نطلب من البار، كان إيليا تحت الآلام مثلنا، وصلى صلاة ألا تمطر، فلم تمطر على الأرض ثلاث سنوات وستة أشهر، ثم صلى أيضاً فأعطت السماء مطراً وأخرجت الأرض ثمرها".

وحتى الآن تقام صلاة المطر من قبل الطوائف المسيحية لطلب الغوث بإنزال المطر، ومراجعة الأخطاء لتحل البركة ويعم موسم الخير، وتتم من خلال تراتيل من الإنجيل تركز على مراجعة الذات ونبذ المعاصي، وهي واحدة من الصلوات الاعتيادية لدعاء الرب كون المطر أحد أسس الخير.

في موقع "إسلام أونلاين" يشير المحرر إلى أن مكانة الطبيعة في التصور الإسلامي تدخل في ركني الدين الإسلامي، الأول أي ألوهية الله تعالى وحده، والثاني عبودية ما سواه له. وتقع الطبيعة في مقام الإنسان وتقدم العبادة، فتأتمر بأمر خالقها، لذا يلجأ بنو آدم إلى ربهم كي يأمر الطبيعة بأن تكون حنونة معهم، وهذه العلاقة بين البشر والإله منتشرة في سائر الديانات القديمة والحديثة، والديانات السماوية والأرضية، والعقائد شبه الدينية المعاصرة التي تقوم بما يمكن اعتباره تأليهاً للطبيعة الأم، وأعضاء هذه الديانات يكونون غالباً من أنصار البيئة ومن المؤمنين بنهاية العالم الحتمية بسبب تدمير البشر المتعمد للطبيعة الأم، ويقترح موقع womanofgod.com  مقاطع مختلفة لصلاة من أجل المطر، نستعير من أحدها، "أبي العزيز، أقف أمامك اليوم وأشكرك على كل المواسم والأوقات الماضية. لقد كنتم مخلصين لنا كأمة ولم تدعونا أبداً نفتقر إلى ضرورات الحياة الأساسية. نصلي الآن كي تنظر إلينا برحمة، وترسل الأمطار على محاصيلنا، وتملأ أنهارنا بمياهك".

تعرف موسوعة "بريتانيكا" عبادة الطبيعة على أنه نظام ديني قائم على تبجيل الظواهر الطبيعية مثل الأجرام السماوية والشمس والقمر والعناصر الأرضية مثل الماء والنار، وبحسب الموسوعة الإنجليزية، فإن تاريخ الأديان والثقافات لم يوثق عبادة الطبيعة كنظام ديني محدد للاعتقاد أو كشكل سائد من أشكال الدين بشكل مستقل، ولم تتعامل الشعوب الأصلية في عديد من القارات مع مفهوم الطبيعة كمفهوم عام كما نفهمه اليوم، بل تعاملت مع عناصر محددة من الطبيعة ويمكنها التأثير في مسار الأحداث الطبيعية، بالتالي تستحق التبجيل أو الاسترضاء، ولو كان هذا العنصر هو تمساح نهر النيل بالنسبة إلى المصريين القدماء، أو السمندل الذي بجلته حضارات أميركا الجنوبية كرمز للخير، ربما يكون أقرب مثال لما يمكن تسميته عبادة الطبيعة في الثقافات القديمة حيث يوجد إله في السماء الأعلى وقد انسحب من تفاصيل حكم العالم، وهذا النوع من الآلهة العليا يسمى في الديانات اليونانية القديمة Deus otiosus "الإله الخفي" أو الخامل" الذي يفوض كل العمل على الأرض إلى ما يسمى "أرواح الطبيعة"، وعرف هذا النوع من الآلهة في ديانات السكان الأصليين على الساحل الغربي لأفريقيا.

في مثل هذه الأديان تنظم أرواح الطبيعة البيئة الروحية البشرية وظيفياً عن طريق القوى الطبيعية المجسدة. وتضيف موسوعة "بريتانيكا" بأن عبادة الطبيعة ككيان كلي القدرة بالمعنى الوجودي لم يتم توثيقها بعد في أي مكان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تبجيل الطبيعة بعد السماء وآلهتها

وتم تخصيص مصطلح "مانا" الذي يستخدمه البولينيزيون والميلانيزيون من قبل علماء الأنثروبولوجيا الغربيين في القرن الـ19، وارتبط هذا المصطلح من الناحية المفاهيمية بمصطلحات هنود أميركا الشمالية، والتي، إلى المجال الخارق للطبيعة المتميز والمنفصل عنها، قد تحل هذه "القوة الفائقة" أو "الكفاءة الاستثنائية" في شخص كحرفي أو محارب أو ملك.

في معظم الأديان تكون الأرض على خلاف السماء من دون إله خاص بها إلا في بعض المجتمعات الزراعية القديمة ومنها عشتار إلهة الخصب والحرب في بلاد ما بين النهرين، قبل أن تنتقل عبادتها إلى فينيقيا وروما ثم مصر بعد احتلال الإسكندر لها، إلا أن الديانات في هذه الإمبراطوريات أسكنت عشتار في السماء قبل أن تعود إلى الأرض في الربيع على شكل انفجار في الطبيعة.

فالسماء تحركها الغيوم التي تهطل بالمطر مع البرق والرعد، وتسير فيها مجموعة كبيرة من الأجرام السماوية بشكل منتظم وهي الشمس والقمر والنجوم، وفيها أيضاً الظلام اللانهائي، وهذا ما جعل السماء مركزاً للآلهة لدى كل الحضارات والثقافات والديانات، حتى الديانات متعددة الآلهة التي تصنف الآلهة بدرجات الأقوى بينها يسكن السماء والأضعف يسكن الأرض، كما يصف محرر "بريتانيكا" سبب كون السماء مسكناً للآلهة لدى جميع البشر.

في الغابات الاستوائية تحكم آلهة العواصف الرعدية السماء والأرض، وانتقل الاعتقاد بسيطرتها على الطبيعة من آلهة الرعد الهندو - الأوروبية ثم تحولت إلى ثور دونار لدى الجرمان أو تارانيس وبيركونيس لدى الكلت والسلاف وإندرا الهندي، انتهاء بزيوس وجوبيتير من الإغريق والرومان، وكلهم آلهة تتسلح بالبرق والصواعق.

المزيد من تحقيقات ومطولات