ملخص
رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد صرح في أكتوبر 2023 أمام جمع من الوزراء وقيادات حزبية رفيعة المستوى بأن البحر الأحمر بالنسبة لإثيوبيا هو مسألة "حياة أو موت" وأنه حان الوقت لمناقشة الموضوع علناً من دون مواربة.
ربطت وثيقة استراتيجية بين بقاء إثيوبيا ومستقبل تقدمها وما أطلق عليه "المياهين" والمقصود بهما حوض النيل والبحر الأحمر، والوثيقة تعد الرسمية الأولى في شأن قضية المياه، وأنجزها في الأول من مارس (آذار) 2024 معهد الشؤون الخارجية التابع لوزارة الخارجية الإثيوبية (IFA)، الذي أنشأته إثيوبيا حديثاً، وهو معهد بحثي يختص بوضع الاستراتيجيات في مختلف القضايا التي تهم إثيوبيا ومستقبلها.
وتقول الدراسة التي كتبت باللغة الأمهرية وترجمت إلى اللغة العربية في مقدمتها، إن "الدول ترسم استراتيجية وطنية للتعامل والرد بطريقة منظمة على التهديدات المتكررة التي تأتي من الخارج"، وتضيف، "للدول مطالب ومصالح كثيرة يمكن أن تتغير وتتنوع من وقت لآخر، وكذلك مطالب ومصالح دائمة وثابتة لا تتغير مع الظروف"، وتشير إلى أن "الدول تقوم بإعداد استراتيجية رئيسة تمكنها من الاستفادة من جميع طاقاتها وقدراتها الوطنية في سبيل تحقيق مصالحها الثابتة والدائمة ولتقليل التهديدات والتحديات التي تواجهها".
توضح، "الاستراتيجية الرئيسة هي التي يوضع فيها هدف واضح وقابل للتنفيذ وهذا الهدف في المرتبة الأولى مرتبط بكينونة وسيادة وأمن البلاد، تستخدم الدول الأساليب والأدوات المختلفة لتنفيذ هذا الهدف".
وتمضي الوثيقة، "الخيار الأول هو تعزيز وتقوية القدرات والإمكانات الداخلية التي تخلق القدرة الفائقة في المجال العسكري والدبلوماسي، والأمر الثاني في المجال العسكري هو بناء قوة دفاعية، وهذا قد يصل إلى خيار التفكير في القوة النووية لدرء خطر التهديد، والخيار الثالث هو الأسلوب المرتبط بالتحركات الدبلوماسية، والاستراتيجية الرئيسة التي ترسم بالأخذ في الاعتبار هذه الطرق الثلاثة سيكون لها بطريقة أو بأخرى ارتباط بالاستراتيجية الأمنية والاستراتيجية الدفاعية للبلاد".
المياهان
وضمن هذه المرئيات تنظر إثيوبيا إلى مسألة مياه كل من حوض النيل والبحر الأحمر في ما يشكلانه من هدف استراتيجي ووجودي لها ولمستقبلها، وتجيء الاستراتيجية الرئيسة لـ"المياهين" في ظل الأوضاع السياسية المعقدة ضمن خلافات قضية سد النهضة، والتوترات التي أفرزها توقيع إثيوبيا مذكرة تفاهم مع أرض الصومال "صوماليلاند" غير المعترف بها دولياً في يناير (كانون الثاني) الماضي وشملت حصول إثيوبيا على منفذ بحري على ساحل البحر الأحمر في صوماليلاند يضم ميناء وقاعدة عسكرية على مساحة تقدر بنحو 20 كيلومتراً مربعاً تستأجرهما إثيوبيا لمدة 50 عاماً نظير اعترافها باستقلال الإقليم دولة مستقلة عن الصومال.
وكان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد صرح في أكتوبر 2023 أمام جمع من الوزراء وقيادات حزبية رفيعة المستوى بأن البحر الأحمر بالنسبة لإثيوبيا هو مسألة "حياة أو موت" وبأنه حان الوقت لمناقشة الموضوع علناً من دون مواربة.
وكشف آبي أحمد النقاب عن استعداده لإثارة مطالب إثيوبيا بالحصول على منفذ بحري سيادي على البحر الأحمر في المحافل الدولية وقال، "شخصياً مستعد لإثارة الموضوع في المحافل الدولية، لأن مسألة الحصول على منفذ بحري بالنسبة لإثيوبيا ليس ترفاً"، مضيفاً "البحر الأحمر ونهر النيل هما ثنائيان يتوقف عليهما مصير إثيوبيا وجهودهما التنموية، والحصول على منفذ بحري للبلاد بات مسألة حياة أو موت".
مطلة على البحر
تتحدث الدراسة الاستراتيجية الرئيسة للجسمين المائيين "حوض النيل والبحر الأحمر" في 210 صفحات عن تاريخ إثيوبيا مركزة على عنصر المياه في ما شكله البحر الأحمر من منفذ بحري شاركت أديس أبابا عبره العالم الخارجي والتصقت به حضارتها منذ آلاف السنين، إلى جانب ما يمثله النيل كديمومة جغرافية وحضارية هو الآخر وأهمية لنهضتها ورفاهية مجتمعاتها بحيثيات إسهامها بالنصيب الأكبر من المياه عبر مصادرها المائية في النيل الأزرق والأنهار الأخرى المغذية له.
دراسة معهد وزارة الخارجية الإثيوبية "IFA" الرئيسة للمياه في إثيوبيا جاءت كاستراتيجية توحي ببقاء أو فناء إثيوبيا ارتباطاً بالماء، واستلهمت الحراك الإثيوبي والمناقشات المحلية والخارجية حول نهر النيل وقضية سد النهضة، إلى جانب المناقشات حول البحر الأحمر ليتصدر أولوية الاهتمام القومي.
تربط مصادر بين صعود التدافع الإقليمي في قضية "المجسمين المائيين" وخصوصاً البحر الأحمر وسلطة رئيس الوزراء آبي أحمد الذي تولى رئاسة الوزراء في أبريل (نيسان) 2018، وبعد عقد اتفاقية سلام بريتوريا مع جبهة تحرير تيغراي، التفت حديث السياسة الخارجية نحو القرن الأفريقي والحقوق المائية، وبينما أخذ حوض النيل وقضية سد النهضة محور الاهتمام الإثيوبي خلال جولات المفاوضات مع دولتي المصب التي استمرت 14 عاماً، من دون إبداء أي تنازل في ما تراه إثيوبيا من حقوق، وبرزت قضية "حتمية" الوصول إلى البحر الأحمر، وتبني عقيدة سياسية على أن البحر والنهر يحددان مستقبل إثيوبيا "إما تطورها أو زوالها".
الحق الإثيوبي
أصبحت إثيوبيا دولة مغلقة بعد استقلال إريتريا عام 1993، واستحواذ الأخيرة على شواطئ البحر الأحمر ومنفذي عصب ومصوع.
وتشير بعض المصادر إلى أن الاستراتيجية الإثيوبية الكبرى للجسمين المائيين ربما لا تعكس توجهات حكومة آبي أحمد فحسب، ولكنها تشير إلى جملة الواقع الإقليمي في تحديات وطموحات أطرافه، إلى جانب أطراف دولية أخرى لها مصالح، وبما أن مطالبات الحق الإثيوبي في حوض النيل ارتبطت بمختلف الحقب التاريخية السابقة، وخصوصاً في عهد مؤسس سد النهضة ملس زيناوي، لم تكن مسألة الوصول إلى البحر والحصول على منفذ بحري ضمن الأولويات الإثيوبية لدى الجبهة الديمقراطية الثورية وجبهة تحرير تيغراي الحاكمة خلال العقود الثلاثة السابقة لحكم آبي أحمد، وفي أثناء انفصال إريتريا كذلك لم تكترث حكومة ملس زيناوي لقضية المنفذ البحري، ويرجع البعض هذا الأمر لأسباب محلية وقومية، وضغوط دولية.
خرجت "دراسة المجسمين المائيين" في الأول من مارس الماضي بعد توقيع مذكرة التفاهم مع صوماليلاند وتصريحات القيادة الإثيوبية حول البحر الأحمر.
وتؤكد الدراسة "أن إثيوبيا كانت دولة مطلة على البحر الأحمر وتشارك شواطئه، وحتى اليوم هي دولة مهمة وحاسمة تقع قرب هذا البحر، وكذلك دولة رئيسة ومهمة لمنطقة حوض النيل تسهم فيه بالنصيب الأكبر من المياه، ومن هنا لا يمكن تصور إثيوبيا خارج إطار سياسة البحر الأحمر ومياه حوض النيل، وهناك أيضاً أدلة كثيرة تؤكد أن لإثيوبيا مصالح ثابتة ومطالب دائمة مرتبطة بـ(المائيين)، من حيث إنهما مرتبطان ارتباطاً وثيقاً بأمن وسيادة بلادنا يتطلب الأمر رؤية استراتيجية واسعة".
الرؤية الاستراتيجية الإثيوبية التي تتحدث عنها دراسة "المجسمين المائيين" شملت ستة فصول هي:
1 - الاستراتيجية الرئيسة تجاه حوض النيل والمنفذ البحري "رؤية جديدة".
2- لعب دور بارز في الاستفادة المائية من حوض النيل.
3- قضايا القانون والسياسات حول استخدم مياه النيل.
4- البحر الأحمر والوصول إلى منفذ بحري.
5- "مسيرة النضال للحصول على منفذ بحري من مملكة إكسوم إلى الحكومة العسكرية "الدرق".
6- مصالحنا والاستراتيجيات التي ينبغي اتباعها.
ديناميكيات الأمن
وكانت وزارة الخارجية الإثيوبية عقدت في سبتمبر (أيلول) 2023، أعمال المنتدى الإقليمي السنوي الأول بأديس أبابا حول ديناميكيات الأمن في البحر الأحمر، تحت عنوان "ضرورة الحوار والتعاون في زمن التشابكات الجيوسياسية"، وشارك في أعمال المنتدى الإقليمي الذي نظمه معهد الشؤون الخارجية بالتعاون مع كلية الدفاع الحربية، عدد من المؤسسات البحثية ومحللو السياسات والباحثون، وعدد من سفراء الدول.
وصرحت نائب المدير التنفيذي لمعهد الشؤون الخارجية مسافنت تفرا بأن "الهدف من المنتدى هو زيادة الوعي حول التهديدات الأمنية المتزايدة في المنطقة، والمشاركة في منتدى استشاري سياسي لتبادل المعرفة وفتح آفاق التعاون".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وذكر مستشار رئيس أركان قوات الدفاع الوطني الفريق ألم اشت دقيفي، أن منطقة البحر الأحمر التي تشمل القرن الأفريقي والخليج العربي وشمال أفريقيا، هي "منطقة متنوعة البيئة الجيوسياسية".
وأضاف دقيفي، "أن المنطقة تتميز بانتشار التطرف والإرهاب إلى جانب التحديات الأخرى التي تتطلب التعاون والتحالفات الأمنية الإقليمية أكثر من أي وقت مضى، ومن أجل التغلب على التحديات نحتاج إلى الشعور بالإلحاح والالتزام المستمر".
دلالات الوثيقة
من جهته يقول الكاتب الصومالي فرحان حرسي حول دلالات الوثيقة الاستراتيجية، "إثيوبيا بعد قرب نجاحها في مشروع سد النهضة تحولت إلى قضية كونها دولة حبيسة ومغلقة، ويبدو أن نجاحها في مشروع سد النهضة فتح شهيتها وزاد من أطماعها في الوصول إلى منفذ بحري وذلك على حساب جيرانها".
ويضيف حرسي، "تلك الاستراتيجية التي تتبناها تكشف بوضوح عدم احترامها للمواثيق والمعاهدات الدولية التي تنص على حقوق الدول الأخرى سواء في المنبع أو المصب والتي تشارك في جملة المصالح، إذ لا تقتصر الاستراتيجيات في الحق العام ليكون محصوراً على دولة واحدة، وقضية المنفذ البحري ينبغي ألا تكون سبباً للدول في خلق عداءات وطرق أساليب غير شرعية للاستحواذ على حقوق الغير".
وأشار الكاتب الصومالي إلى أن "هناك دولاً عدة في العالم عالجت قضية احتياجها للمنفذ عبر اتفاقيات رسمية وشرعية يحترم فيها الطرفان بعضهما بعضاً من دون الحاجة إلى انتهاج أساليب غير مشروعة وتبني استراتيجيات غير واقعية".
يتابع حرسي، "كما أنه لا يمكن المساومة بمياه الأنهار العابرة واتخاذها بغية الحصول على منفذ بحري، وأنه لا ارتباط بين مصدري المياه"، مؤكداً أن "إثيوبيا لن تصل إلى السواحل الصومالية بالقوة أو التحايل، ولا يمكنها الاستفادة من السواحل الصومالية إلا بالطرق الشرعية من خلال التعامل مع الحكومة الفيدرالية".
ولفت المتحدث إلى أن "اتفاقيتها مع الإقليم الانفصالي جلبت لها مشكلات دبلوماسية، وبالأمس القريب صرح المبعوث الأميركي للمنطقة بأنهم لا يعترفون بتلك الاتفاقية التي وقعتها (صوماليلاند) مع إثيوبيا، وبأن الحكومة الصومالية الفيدرالية هي الجهة المخولة لعقد الاتفاقيات مع الدول".
تهديد إضافي
تقول الدراسة، "عندما نتحدث عن التطلع إلى البحر الأحمر وأهمية الاستفادة المناسبة بمواردنا المائية التي تصب في حوض النيل، هناك موضوع آخر يجب أن يثار معهما، وذلك أنه عندما نتحرك للاستفادة من هذه الموارد سنشكل على أنفسنا تهديداً إضافياً، لذا فإن مستقبل إثيوبيا والتهديدات الموجهة ضد سيادتها وأمنها ستكون مستمرة بسبب ارتباطها الوثيق بهذين المسطحين المائيين، ولا بد من الاستفادة منهما، ولكن الدول التي سبقت الاستفادة منهما ولا تزال تستفيد وكذلك الجهات التي لديها أجندات خاصة بالإقليم يمكن أن تجعل مسيرة إثيوبيا محفوفة بالأخطار".
وتضيف الدراسة، "في القرن الـ20 كانت تبذل محاولات للتعاون حول الماء، إلا أنه بسبب المواقف الخارجة عن المبدأ التي كانت تتبناها إثيوبيا ومصر لم يمكن التوصل إلى اتفاقية ذات شأن، وتثير مصر دائماً فرصة حصولها على أسبقية الاستفادة من المياه، وتريد أن يأخذ أي تحرك للتعاون والتوافق في الاعتبار (حقوقها التاريخية) في الاستخدام، وتؤكد إثيوبيا من جانبها مبدأ الاستخدام المنصف والعادل للاستفادة من مواردها المائية".
وتتابع، "بقدر ما كانت إثيوبيا مصدر ماء لمصر كانت القاهرة أيضاً ترسل لإثيوبيا الباباوات المصريين والمطارنة لترأس الكنيسة الإثيوبية، كما كانت تدرس علماء المسلمين الإثيوبيين، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن علاقة البلدين لم تكن مقتصرة على الماء فحسب، بل كانت تشمل علاقات دينية وثقافية".
وأشارت الدراسة إلى أن "نهر النيل مصدر لثلاث من الثقافات والحضارات القديمة وهي الإثيوبية والسودانية والمصرية، ولهذا السبب فإن الدول التي لها علاقات بينية قديمة من بين دول حوض النيل هي إثيوبيا والسودان ومصر، وذكر النهر في الكتاب المقدس مرتبط بإثيوبيا وهو نهر عاش جسراً يربط الديانتين المسيحية والإسلامية في إثيوبيا ومصر، وإن البعثات والوفود والتجار الذين يذهبون من إثيوبيا إلى مصر وعبر مصر وسيناء إلى الشرق الأوسط وعلى وجه التحديد إلى القدس وكذلك الذين يسافرون إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط يسلكون طريقهم باتباع سير نهر النيل".
وتوضح، "تتمتع دول المنبع بقوة جغرافية ثابتة لا تتغير بسبب كونها مصدراً للمياه وبالعكس فإن دول المصب لا تمتلك قوة جغرافية، وهذا الوضع الجغرافي لنهر النيل أثر في الرؤية الاستراتيجية التي تسلكها دول المنبع ودول المصب بخصوص النهر".
وتقول الدراسة، "يتعذر تحديد الزمن الذي بدأت فيه السياسة المائية بصورة منضبطة، وعلى وجه الخصوص الحديث عن تحديد العصر الذي دخلت فيه كل من إثيوبيا ومصر في النزاع أو تحديد سبب ذلك، وتشير المدونات التاريخية إلى أنه كلما نقصت كميات تدفق المياه التي تصل إلى مصر، كانت تنتاب المصريين الشكوك بإمكانية حجز النهر في منبعه أو تحويل مساره".
وتشير إلى أن "رغبة حجز نهر النيل عن مصر كانت ملحوظة على عهد السلالة السليمانية، وعلى وجه الخصوص أثناء حكم كل من الأباطرة عمد صهيون وسيف أرعد وداويت، وكذلك يسحاق وزرع يعقوب، هؤلاء الملوك كانوا يستخدمون دبلوماسية التهديد والتخويف بسد وحجز نهر النيل عندما يُضطهد المسيحيون الأقباط".
وتتهم الدراسة، "مصر كونها قامت ابتداء من عام 1979 بتغيير مسار نهر النيل الطبيعي وأخذته إلى مكان آخر، وهذا التصرف إضافة إلى أضراره بالبيئة والنظام الأيكولوجي للنهر فإنه عمل ينتهك حقوق دول الحوض السيادية على نهر النيل وحق استخدام الماء وملكيتهم"، وتشير "وهذا الذي يسمى قناة السلام هو مشروع يهدف إلى تغيير مسار النهر وإيصاله عبر قناة السويس إلى شمال سيناء وقد تكون محطتهم الأخيرة إسرائيل، كما يتصوره واتربوري محاولة أسرلة (تهويد) نهر النيل، وهذه ستعرقل قضية المياه باستحضار لاعب جديد في ملعب حوض النيل".
ليست غريبة
في ما يتعلق بالبحر الأحمر تقول الوثيقة، "إثيوبيا ليست دولة قريبة للغاية من البحر الأحمر، بل هي دولة من دول منطقة البحر الأحمر، وعلى رغم أنها كانت دولة مشاطئة مباشرة للبحر الأحمر فإنها بسبب الضغوط التي مورست ضدها والحروب المتكررة التي فرضت عليها من قبل دول لديها أطماع ورغبة الهيمنة على منطقة البحر الأحمر ونهر النيل بعدت عن البحر الأحمر لكيلومترات يسيرة من المنظور الجيو-سياسي".
ووصفت الدراسة أوروبا بميزة توفر السواحل رغم صغر دولها مقارنة بدول أفريقية ذات مساحات شاسعة، لكنها تفتقد إلى السواحل البحرية مما أثر عليها وجعلها متخلفة مقارنة بالدول الأوروبية.
وتحدثت الدراسة عن الدول الحبيسة وما تعيشه من ظروف خاصة في الجانب الاقتصادي، وأشارت إلى أن فقدان إثيوبيا منفذاً بحرياً ألحق بها ضرراً كبيراً، فعلى رغم أن كازاخستان هي أكبر دول العالم الحبيسة من حيث المساحة، لكن في الكثافة السكانية تحتل إثيوبيا المرتبة الأولى.
وتعليقاً على الوثيقة الاستراتيجية الإثيوبية يقول الباحث في الشؤون الدولية عادل عبدالعزيز حامد، "أن تكون هناك استراتيجية إثيوبية للاستفادة من النيل وغيره وما سمي (المجسمين المائيين) فهذا أمر جيد، وما احتوته الوثيقة في إطارها التاريخي والحضاري شمول يوضح مدى الاهتمام بالجانب التوثيقي الذي أرجعت فيه إثيوبيا علاقاتها بمياه النيل والبحر الأحمر إلى عصور طويلة من التاريخ".
ويضيف حامد، "وكشفت الدراسة الأبعاد الحقيقية في ما يمثله حوض النيل لها من أهمية استراتيجية للنهوض وتنمية مجتمعاتها كدولة منبع، ونظرتها الشمولية تجاه قضية حوض النيل والبحر الأحمر كبعدين لا يمكن الاستغناء عنهما".
ويشير حامد إلى أن "الوثيقة أوضحت الأبعاد التاريخية والحضارية تجاه ’المجسمين المائيين’، ولكن المتغيرات الحضارية نتيجة التدافعات البشرية لها وضعيتها في حاضر الدول، ورسم حدودها وما يرتبط بها من مصالح سواء تمس الجغرافيا والثروات الطبيعية، وغير ذلك من محددات".
وتابع المتحدث، "لا يكون التاريخ حجة في ماضي الدول كي تعيد واقعاً في ظروف تغيرات حدثت بالفعل حاملة معها واقعاً جديداً سواء في دول أو حضارات أخرى منافسة، فقط الجانب التاريخي الحضاري يستند عليه كتاريخ يعتز به ولا يعد في غالب الأحيان سنداً حجة في أحقية أرض أو بحر".
وأوضح حامد، "من المهم أن تخرج الدول رؤاها واستراتيجياتها حول قضايا أو أطماع مستقبلية، ولكن لا يمثل هذا أمراً كافياً لتحقيق الأهداف، فإذا كانت الاستراتيجيات تمثل إضاءة للطريق نحو المستقبل، فهناك ضرورات ووسائل أخرى تتمثل في السبل الرشيدة لتحقيق الغايات عبر تعاونيات واتفاقيات تعترف بالدول وحقوقها القومية في الجوانب كافة، فطالما ارتبطت الاستراتيجيات بالحقوق والحفاظ عليها فينبغي في المقام الأول حفظ حقوق الآخرين وخلق أطر تعاون منصف معهم تبنى عليه تعاونيات كبرى تفيد البلدين والمنطقة الإقليمية على مستوى أوسع وتخلق سلاماً دائماً".
ولفت حامد إلى أن "إثيوبيا تعبر عن استراتيجيات ممكنة التحقيق، ولكن إذا اعتمدت عنصر الدعاية والترويج من دون نظرة عدلية ترعى حقوق الجوار كافة سواء في المياه أو غيرها فتصبح استراتيجيات عدائية لا تخدم المنطقة والسلام الإقليمي في القرن الأفريقي الذي تتربص به جهات أخرى ذات مصالح في توتراته".