Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بيزنس الرسائل العلمية في مصر يزدهر فهل من ردع؟

يعمل به أكاديميون و"التعليم العالي" تطبق نظاماً إلكترونياً لمراجعة الأبحاث لكنه "لا يفهم العربية"

مجمع البحوث الإسلامية حرّم شرعاً شراء رسالة علمية (موقع المجمع)

ملخص

إعلانات التواصل الاجتماعي تغري طلبة الماجستير والدكتوراه للحصول على رسائل علمية "مدفوعة" يعدها أكاديميون بكلفة أقل من 1700 دولار.

 

"هل أنت طالب ماجستير تبحث عن إعداد رسالة مميزة تمكنك من الحصول على الدرجة العلمية بنجاح؟ نحن دليلك للوصول إلى مرادك". كان هذا جزءاً من إعلان ضمن كثير من الإعلانات عبر مواقع التواصل الاجتماعي في مصر لإغراء طلبة الماجستير والدكتوراه بالحصول على رسائل جاهزة مدفوعة الثمن، يكتبها باحثون آخرون، وأحياناً أعضاء في هيئة التدريس بالجامعات، مما جعلها باباً خلفياً للدراسات العليا تضر بمنظومة البحث العلمي والتعليم العالي.

ولطالما انتشرت بمحيط معظم الجامعات المصرية مكتبات ومراكز دراسية نشاطها المعلن بيع الكتب الدراسية، لكنها عرفت بتقديم تسهيلات لطلبة الدراسات العليا تصل إلى الاتجار في الرسائل العلمية، لكن في السنوات الأخيرة أصبح الأمر معلناً عبر الإنترنت، حيث رصدت "اندبندنت عربية" إعلانات لمكاتب تقدم خدمات تبدأ من اقتراح العنوان، مروراً باختيار المراجع، وحتى كتابة الرسالة بالكامل، سواء باللغة العربية أو الإنجليزية مع تأكيد أنها ستكون "حصرية" بالكامل.
في تقرير لوزارة التعليم العالي في مصر عن نمو التعليم الجامعي خلال الفترة من 2014 إلى 2021، كشف عن ارتفاع عدد طلاب الدراسات العليا إلى 430 ألف طالب، مقارنة بـ385 ألف طالب في 2014، بزيادة قدرها 11.7 في المئة.
 
ليست جريمة
 
أحد الباحثين العاملين في بيع الرسائل العلمية روى لنا أنه أعد 14 رسالة ماجستير ودكتوراه خلال نحو 10 سنوات. ويقول "أ م"، الذي طلب الاكتفاء بحرفي اسمه الأولين وعدم نشر اسمه، إنه تخرج في إحدى الكليات الأدبية بجامعة القاهرة، وعمل بمهنة التدريس لطلبة الجامعة في أحد مراكز الدروس الخصوصية، ومن هنا تعرف إلى عالم تجارة الرسائل العلمية.
وأوضح أن كلفة الرسالة الواحدة تكون بحسب الاتفاق، لكنه لا يقبل بأقل من 30 ألف جنيه (أقل من ألف دولار أميركي) في رسالة الماجستير الواحدة، وفي بعض الأحيان تصل إلى 50 ألف جنيه (1616 دولاراً)، فيما تكون رسائل الدكتوراه أعلى من ذلك بحسب طبيعتها وحجم العمل المطلوب فيها، مشيراً إلى أنه "حتى لو كان إعداد الرسالة سهلاً إلا أنني اكتسبت خبرات سنين طويلة في عملي بها، ومن حقي أطلب المقابل المادي المناسب"، موضحاً أنه معروف للمهتمين بإعداد الرسائل العلمية في مجاله، ومن السهل الوصول إليه للاتفاق على الرسالة ومقابلها المادي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

ولا يرى الباحث أنه يرتكب جريمة أو يمارس عملاً غير شرعي أو يعاقب عليه القانون، مضيفاً أن مهنته "أشبه بالتدريس والتوجيه الجامعي"، كما أنه يجتمع مع الطالب أكثر من مرة قبل كتابة الرسالة لإعداد الفكرة ومناقشة المحاور والمراجع، وقبل موعد جلسة المناقشة العلمية يشرح له كل جوانب الرسالة لكي يكون مستعداً لأسئلة الأساتذة في لجنة المناقشة، مؤكداً أنه لم يتم رفض أي من الرسائل التي أعدها في السابق.
ولا يوجد نص قانوني يجرم كتابة وبيع الرسائل العلمية للغير، بحسب تصريحات صحافية سابقة لعميد كلية الحقوق بجامعة القاهرة الأسبق محمود كبيش، لكنه وصفها بأنها "جريمة أدبية" يعاقب عليها الطلاب الذين يقومون بشراء تلك الرسائل، من خلال حرمانهم من دخول الجامعة أو من اللقب الذي قاموا بالتزوير من أجله، من خلال رفض رسالتهم وأبحاثهم المزورة، في حال التزوير.
وفي فتوى سابقة لمجمع البحوث الإسلامية قالت إنه من المحرم شرعاً شراء رسالة علمية لنيل درجة الماجستير أو الدكتوراه، كما أن الشخص الذي يتلقى المال مقابل تلك الرسالة قام بغش وتدليس وسرقة علمية، ولا يجوز أخذ المال على هذا العمل.
 
العرب الأكثر إقبالاً
 
وبحسب المصدر، الذي رفض ذكر اسمه بالكامل، فإن معظم الطلاب الراغبين في تكليفه إعداد رسائلهم من الماجستير من جنسيات عربية، موضحاً أنهم ليس لديهم الوقت أو الخبرة الكافية في البحث وكتابة الرسائل العلمية بأنفسهم، مما دفعهم للجوء إليه.
ورصدنا إعلاناً عن فرصة عمل بأحد المواقع الإعلانية المشهورة يطلب "باحثين ومتخصصين في إعداد وكتابة رسائل الماجستير والدكتوراه وإعداد البحوث العلمية والرسائل الجامعية والمتطلبات الدراسية في التخصصات الأدبية والعلمية"، وبينما كان الإعلان موجهاً للداخل المصري، طلب إرسال السير الذاتية على "واتساب" إلى رقم هاتف في دولة عربية، وذيل الإعلان بعبارة "المقابل المالي مُجزٍ، ومزايا إضافية".
استفادة الطالب أو من سيحصل على الدرجة العلمية لا يهم "أ م" في شيء، لأنه يجد في نفسه مؤدياً اخدمة بمقابل مادي، مضيفاً "في النهاية أنا لا أؤذي أحداً بعملي، بل أساعد من ليست لديه الخبرة أو العلم الكافي في الوصول إلى هدفه، الأمر أشبه بالمعلم أو الدكتور الجامعي المشرف على الرسالة".
وألقى باللائمة على منظومة التعليم العالي وإعداد الرسائل العلمية، والأساس في ذلك هو المشرف على الرسالة، لأنه لا يقوم بإعداد الطالب لدخول مجال الدراسات العليا وتوجيهه للطريق الصحيح وكيفية إعداده الرسالة بالشكل المناسب، مضيفاً أنه كثيراً ما يجد الباحث "تائهاً" لا يعلم من أين يبدأ أو كيف نجح بمرحلة الليسانس أو البكالوريوس، فيما يحتاج إلى الدرجة العلمية للترقي في الوظيفة مثلاً أو للحصول على وجاهة اجتماعية، لكنه لا يجد وقتاً للتفرغ لإعداد الرسالة العلمية التي تتطلب أشهراً من البحث في المكتبات ومراجعة المشرف العلمي الذي دائماً ما يكون ليس لديه وقت للقاء الباحث من أجل توجيهه، مضيفاً أنه على العكس من ذلك متفرغ، والتدريس مهنته الأساسية، وخبرته في إعداد المواد العلمية تساعده على سرعة وجودة تقديم الرسائل.
 
مانع السرقات
 
الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للجامعات أشرف حاتم أكد أنه مع تطور وسائل التكنولوجيا بدأت الجامعات المصرية تطبق منذ عام 2017 نظاماً إلكترونياً لمنع السرقة العلمية، يكشف عن حجم النقل والتقليد في الرسائل العلمية قبل مناقشتها، وهو ما وضع حداً لمحاولات البعض التحايل للحصول على الدرجة العلمية بالماجستير والدكتوراه من خلال النقل أو التقليد.
 
 
حاتم، وهو وزير سابق للصحة وعضو بمجلس النواب حالياً وشغل منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للجامعات بين عامي 2012 و2017، قال إنه منذ تطبيق ذلك النظام لا توجد رسالة علمية متخصصة تكتب باللغة الإنجليزية تصل إلى مرحلة المناقشة قبل المرور عبره، "وهو أمر معمم على جميع الجامعات المصرية، ومعه يستحيل نقل أو تقليد أية رسائل أو حصول طالب على درجة علمية غير مستحقة لأنه لن يصل بحثه إلى مرحلة المناقشة طالما لم يتجاوز اختبار التدقيق"، لكنه كشف عن أن ذلك النظام غير متخصص بالتدقيق في الرسائل العلمية المتخصصة بالكليات الأدبية مثل الآداب والحقوق، كونها تكتب باللغة العربية، مضيفاً "ليست لديَّ معلومات عن قدرات السيستم في كشف حجم النقل والتقليد في الرسائل المكتوبة باللغة العربية، ويسأل في ذلك عمداء الكليات المتخصصون والمشرفون على رسائل الماجستير والدكتوراه هناك".
 
أزمة الكليات الأدبية
 
توجهنا بالسؤال إلى رئيس قسم الصحافة في كلية الإعلام بجامعة القاهرة شريف درويش اللبان الذي كشف عن أن ذلك النظام الإلكتروني لا يقرأ اللغة العربية من الأساس، مما يجعله غير ذي جدوى في كشف السرقات العلمية في الكليات الأدبية. 
وقال اللبان إن تدني الرواتب في الجامعات المصرية يدفع بعض أعضاء هيئة التدريس أو غيرهم من الموظفين للبحث عن دخل بديل، عبر الوساطة بين الطلبة ومراكز كتابة الرسائل العلمية، مما يؤثر بشكل كبير في جودة تلك الرسائل وسمعة البحث العلمي وتطوره في مصر، مشدداً على أن من تستأجره لكتابة الرسالة العلمية لا يعنيه سوى المكسب المادي فقط وليس جودة المنتج النهائي، بعكس الطالب المجتهد الذي يسعى إلى البحث والتدقيق لكتابة الرسالة بنفسه سينتهي بالتأكيد لشيء له قيمة علمية سليمة.
 
 
وأوضح الأكاديمي بجامعة القاهرة أن بعض الطلبة يجدون صعوبة في الانتهاء بأنفسهم من رسائل الماجستير والدكتوراه أو حتى مشروعات التخرج، فيلجأون للأسف إلى بعض المراكز غير المرخصة أو الخريجين لكتابتها بدلاً منهم، لافتاً إلى أن بعض ضعفاء الأنفس من العاملين بالجامعات وسطاء لهذه العملية غير السليمة، مما يصعب من دور الجامعة للسيطرة ووقف هذه الأعمال، مؤكداً ضرورة بحث جهات التشريع، وكذلك الجامعات عن آليات لوقف تلك الممارسات التي تضر بسمعة البحث العلمي، وكذلك الجودة والتراكم المعرفي في مصر، منوهاً بأن دولة الكويت أعلنت في وقت سابق أنها لا تعترف بالدرجات العلمية التي تمنح في مصر باستثناء 4 جامعات فقط.
 
كشف التلاعب
 
الأستاذ بكلية التربية جامعة عين شمس حسن شحاتة قال إن المسؤولية الأساسية لانخراط المراكز غير المرخصة في عملية البحث العلمي بكتابة رسائل الماجستير والدكتوراه بدلاً من الباحث، تقع على المشرف، لكونه المنوط به كشف التقليد والنقل، ودوره التوجيه الصحيح ومراقبة سير الرسالة من البحث حتى الصياغة النهائية، ثم يأتي بعدها دور القسم العلمي الذي يرشح من يناقش الرسالة، ويجب عليهم هم أيضاً التدقيق في الرسالة قبل السماح بإيجازها ومنح الباحث الدرجة العلمية.
وأشار شحاتة إلى أن البحث العلمي دوره مناقشة مشكلة أو أزمة غير مسبوقة، لافتاً إلى أن تكرار البحوث العلمية يفتح باباً للنقل والتقليد، وهو مخرج لغير المتخصصين لكسب الأموال من خلال كتابة الرسائل العلمية، مشدداً على أن قيمة الباحث وما يقدمه من رسالة علمية هي في المقام الأول إثبات قدرته على الابتكار والبحث ووضع آلية لتطبيق بحثه العلمي، وعدم تمكنه من ذلك يؤكد ضعف ما قدمه، موضحاً أن تطور آليات التكنولوجيا في المكتبة الجامعية تمكن من فرض سيطرة إلى حد ما على نقل الرسائل العلمية من خلال المكتبة العلمية.
 
الحاجة إلى قانون
 
وأكد شحاتة أن المعيار الأساسي للحكم على رسائل الماجستير والدكتوراه في الجامعات هو الامتحان ومناقشة اللجنة، مشيراً إلى أن ضعف الإشراف على الرسائل العلمية هو ما يضع الجامعة في مأزق عدم اكتشاف تكرار الرسالة أو حجم النقل والتقليد الواقع بها، ومن ثم تتم إجازتها.
المتحدث باسم وزارة التعليم العالي عادل عبدالغفار أكد الحاجة إلى قانون يعاقب على السرقة العلمية، مشيراً إلى عدم وجود نص قانوني يختص بتجارة الرسائل العلمية. وأضاف في تصريحات لصحف محلية أن الوزارة لم تضبط أساتذة متورطين في بيع تلك الرسائل، وفي حال وجود دليل على ارتكاب مخالفات ستكون هناك إجراءات رادعة قد تصل إلى فصل المتورط من الجامعة.
ويوجد في مصر 27 جامعة حكومية، و36 جامعة خاصة، إضافة إلى 16 جامعة أهلية و9 جامعات تكنولوجية. وفي عام 2021 بلغ عدد الطلاب الجامعيين ثلاثة ملايين طالب بزيادة 30.4 في المئة على أعداد عام 2014.
اقرأ المزيد

المزيد من تقارير