ملخص
ورثت الجزائر أكثر من 342 قاعة سينما عن الاستعمار الفرنسي، وفق إحصاءات رسمية من وزارة الثقافة، وارتفع عددها ليصل إلى 432 قاعة، لكن توقف معظمها مع العشرية السوداء أو أعوام الأزمة الأمنية خلال التسعينيات
يبدو أن هناك إرادة سياسية في الجزائر لانتشال السينما من عثرتها وإعادتها إلى سابق عهدها قبل العشرية السوداء في التسعينيات. وجاءت الجلسات الوطنية حول سياسة الصناعة السينماتوغرافية لتكشف عن تغير في التوجهات، لا سيما أمام حضور نوعي من أعضاء الحكومة ومستشاري الرئيس عبد المجيد تبون وممثل الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن (رئيس الوزراء)، إضافة إلى منتجين ومخرجين ومهنيين وخبراء وباحثين وحاملي مشاريع وممثلي هيئات ومؤسسات رسمية.
ويظهر من التوصيات الصادرة أن الجلسات استهدفت ترقية القطاع انطلاقاً من التنظيم إلى التكوين والاستثمار، بعدما دعا المشاركون إلى إعفاء ضريبي وتشجيع الاستثمار الخاص في الإنتاج والتوزيع السينمائي وإشراك القنوات التلفزيونية في عمليات شراء الأفلام الجزائرية وتوزيعها ومساعدة المخرجين والمنتجين الشباب للأفلام القصيرة والوثائقية، مع مزيد من التسهيلات الإدارية وإدماج السينما في المدرسة والعملية التعليمية، إلى جانب ضرورة فرض توازن مناسب بين حرية الإبداع السينمائي والتحديات والقيود التي تواجه صناعة الأفلام.
تقهقر الإنتاج
ورثت الجزائر أكثر من 342 قاعة سينما عن الاستعمار الفرنسي، وفق إحصاءات رسمية من وزارة الثقافة، وارتفع عددها ليصل إلى 432 قاعة، لكن توقف معظمها مع العشرية السوداء أو أعوام الأزمة الأمنية خلال التسعينيات بسبب الخوف الذي زرعته الجماعات الإرهابية، ثم ضعف اهتمام السلطات بالمجال بعد عودة الاستقرار، ولم يتبق سوى 80 قاعة سينما تعمل بشكل متقطع، وفق ما كشف عنه صندوق تنمية فنون وتقنيات السينما.
كما اختلف الإنتاج السينمائي في البلاد من عام إلى آخر ويمكن تصنيفه عبر فترات، فمن عام 1965 إلى 1979 بلغ عدد الأفلام المنتجة 43 فيلماً، وبين 1980 و1989 تراجع الرقم إلى 14 فيلماً، بينما شهدت التسعينيات تقهقراً في الإنتاج السينمائي بـ11 فيلماً، ليعود المعدل للارتفاع بين 2000 و2010 ويسجل 36 فيلماً، غير أن الأرقام غابت منذ بداية الأزمة السياسية في البلاد مع مرض الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، إذ تغيرت الأوضاع وحلت المهرجانات والحفلات الغنائية محل الأعمال السينمائية وتراجع الإنتاج السينمائي إلى أقل من 20 فيلماً في العام.
وعرفت الجزائر عشرية سوداء بسبب صدام مسلح بين النظام وفصائل إسلامية على السلطة بدأ في يناير (كانون الثاني) 1992، حيث سادت المشهد مذابح استهدفت المواطنين كما الأجهزة الأمنية والأساتذة والفنانين والمثقفين والإعلاميين، وكانت مختلف المؤسسات الإنتاجية والتعليمية والاستشفائية والإدارية والثقافية هدفاً للإرهابيين بما فيها قاعات السينما التي أغلقت بمعظمها فيما أحرقت أخرى، الأمر الذي أفرز وضعاً "ميتاً" عنوانه القتل والدمار، ولا يزال اغتيال المسرحي الكبير عز الدين مجوبي والمغني المشهور الشاب حسني راسخين في أذهان الجزائريين.
وتسببت الأزمة الأمنية في مقتل أكثر من 200 ألف جزائري وتسجيل خسائر اقتصادية بنحو 30 مليار دولار، وكادت تكون الحصيلة أضخم لولا الاستفتاء حول الميثاق الذي تضمن عفواً مشروطاً عن المسلحين في الجبال مقابل ترك العمل المسلح والذي أجري في الـ29 من سبتمبر (أيلول) 2005، فكانت بداية الخروج من عنق الزجاجة.
صعوبات ودعم
واعترفت وزيرة الثقافة والفنون صورية مولوجي بالصعوبات التي تواجه الصناعة السينماتوغرافية بقولها خلال الجلسة الختامية إن "هناك من التوصيات ما يحتاج إلى مدة أطول من أجل تحقيقه وتصنيفها سيكون بحسب الأولويات والإمكانات، لكن ستؤخذ جميعها في الاعتبار من أجل صياغة النسخة الأخيرة لقانون الصناعة السينماتوغرافية في الجزائر الذي يشكل حجر الأساس للنهوض بالقطاع الفني عموماً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما كشفت عن قرار الوزارة رفع قيمة دعم الدولة لإنتاج الأفلام السينمائية الطويلة والقصيرة والوثائقية بنسبة 10 في المئة، موضحة أنه تم رفع الحد الأدنى لقيمة دعم الأعمال السينمائية من 30 إلى 40 في المئة، ويمكن أن تصل قيمة هذا الدعم إلى 80 في المئة كحد أقصى لكل عمل سينمائي بعد استشارة لجنة الخبراء التي ستدرس المشاريع السينمائية المرشحة للحصول على دعم الدولة.
وبحسب إحصاءات رسمية لوزارة الثقافة الجزائرية، استفاد 21 مشروعاً سينمائياً من دعم مالي قدره 774 ألف دولار أميركي عامي 2021 و2022.
إعادة الجمهور إلى القاعات
من جهته قال المخرج السينمائي يحيى مزاحم إن القانون الجديد يجب أن يثمن ويدعم الإنتاج السينمائي الحقيقي الذي من شأنه أن يعيد الجمهور إلى القاعات ويستهدف فئة الشباب التي هي وقود السينما، ويتوجه نحو أفلام أكثر من أن تكون ذات طابع تجاري، وألا ينحصر التفكير على المشاركة في المهرجانات، بل يجب أن يكون الهدف الأول هو الجمهور الجزائري.
وأبرز مزاحم أنه بوجود صناعة سينمائية وإنتاج، سيكون هناك تلقائياً تكوين واستقطاب شباب لدخول مهن السينما، إذ إن الإنتاج هو الذي يجعل الناس تؤمن بعودة السينما للواجهة، لذلك لا بد من خطوة جدية وفعلية لسينما شعبية وهذا أمر مهم جداً، موضحاً أنه "إذا بقينا في ذهنية المشاركة في المهرجانات، فلن ننجح، ومعظم السينمات الموجودة والناجحة اليوم في العالم هي سينما الجمهور".
أما الممثل عبدالكريم باسي، فيرى أن المشكلة الأساسية التي تعانيها السينما الجزائرية هي غياب الفضاءات لإقامة العروض والورشات وتنظيم المهرجانات وغيرها، وقال إن استرجاع قاعات السينما وترميم المهترئة منها وإعادة الاعتبار لها تبقى السبيل الأساسي لبعث السينما من جديد، مشيراً إلى أهمية غرس الثقافة السينمائية لدى الأطفال والشباب عبر التعاون بين وزارتي الثقافة والتربية.
مشكلات تعرقل التقدم
وقال المنتج السينمائي هارون قليق إن غياب دعم المنتجين الشباب واستمرار فرض الضرائب وعدم الإعفاء من رسوم استيراد التجهيزات السينمائية وتفشي البيروقراطية، بخاصة عندما يتعلق الأمر بمنح واستغلال رخص التصوير، كلها مشكلات تعرقل أي تقدم في الصناعة السينمائية، مشدداً على ضرورة استعادة قاعات السينما لتجاوز مشكلة توزيع الأفلام التي هي الحلقة الأضعف في الإنتاج السينمائي الجزائري.
وواصل قليق أن الأعمال السينمائية الجزائرية باتت محترمة في مختلف المهرجانات الدولية والعربية وتفوز بجوائز عدة وتحتل صدارة القوائم غير أنها غير منتشرة خارج البلاد، أو في الأقل داخل الدول العربية وهو الوضع الذي يستدعي التوقف، مبرزاً أن الترويج قبل التوزيع ضروري لفرض الأعمال السينمائية في الخارج، مما يجعل وزارة الثقافة أمام تحدي توفير الإمكانات، بخاصة المادية، من أجل احتلال مكان في الوسط السينمائي العربي.