للمرة الأولى في تاريخ الدولة السودانية تشهد العاصمة الخرطوم مثل هذا الصراع العسكري المفتوح، وللمرة الأولى يعيش السودانيون غارات جوية لم يسبق أن رأوها إلا في شاشات التلفاز.
وهذا ما أوضحه الكاتب والصحافي السوداني عثمان ميرغني الذي طرح سؤال: ما الذي أوصل السودان إلى هذا الحال؟
وفي إجابته عن السؤال يؤكد ميرغني أن الحرب الدائرة حالياً في السودان ليست مجرد "تمرد عسكري محدود" كما يقول قائد الجيش السوداني، وليست "معركة من أجل الديمقراطية" كما يقول قائد قوات الدعم السريع، لكنها آخر ظواهر الفشل الذريع الذي يلازم الدولة السودانية من وقت الاستقلال، موضحاً أن الأزمة الحقيقية التي أنتجت الوضع الراهن تتجسد في عجز القوى السياسية عن صناعة دولة، فمنذ أبريل (نيسان) 2019 وحتى انطلاق أول طلقة في الـ 15 من أبريل 2023، لم تتكون في السودان مؤسسات الدولة الحقيقية، مثل البرلمان ومجلس القضاء الأعلى والمحكمة الدستورية.
وبحدوث الانقلاب في الـ 25 من أكتوبر (تشرين الأول) 2021 انتهت كل أحلام الفترة الانتقالية في إنتاج دولة ديمقراطية، وظلت البلاد بلا حكومة تنفيذية في حين أن الشارع يهدر رافضاً للانقلاب، والقوى السياسية عاجزة عن تحويل هديره إلى أهداف قد تعيد الدولة الانتقالية مرة أخرى.
ثم يقول ميرغني، "ومضت الأيام إلى أن جاءت الوثيقة الإطارية التي وقعت في الخامس من ديسمبر (كانون الأول) 2022 لتكون بداية الوصول إلى استعادة المرحلة الانتقالية، غير أننا هنا دخلنا في مشكلة أخرى، إذ رفضت القوى الموقعة عليها أن تكون مفتوحة لكل المكونات السياسية، وكانت النتيجة أن صراعاً جديداً بدأ بين القوى المدنية نفسها.
وفي حين كان من الممكن احتواؤه تحول إلى صراع عسكري، إذ استطاع كل طرف أن يستقطب أحد المكونين العسكريين، الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في قتال مفتوح يدفع ثمنه الشعب السوداني الذي للمرة الأولى صار يعرف بأنه شعب لاجئ".